
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَبُو قَيْسٍ صَيْفِيُّ بْنُ الأَسْلَتِ الأَوسِيُّ، شاعِرٌ فَحْلٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الجاهِلِيَّةَ وَالإِسْلامَ، وَقَد اخْتُلِفَ بِشَأْنِ إسْلامِهِ، كانَ مِنْ سادَةِ الأَوْسِ وَفُرْسانِها، وَكانَ يَتَأَلَّهُ فِي الجاهِلِيَّةِ وَيَدْعُونَهُ الحَنِيفَ، وَقَدْ اخْتارَهُ ابْنُ سَلامٍ مِنْ ضِمْنِ شُعَراءِ المَدِينَةِ فِي طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، تُوُفِّيَ فِي السَّنَةِ الأُولَى لِلهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
هُوَ صَيْفِيُّ بْنُ الأَسْلَتِ (وَاسْمُ الأَسْلَتِ عامِر) بْنِ جُشَمِ بْنِ وائِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عِمارَةِ بْنِ مُرَّةِ بْنِ مالِكِ بْنِ الأَوْسِ. وَوَرَدَ بِأَسْماءَ أُخْرَى كَالحارِثِ وَعَبْدِ اللهِ، وَذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ الأَصْفَهانِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ اسْمٌ لِاِبْنِ الأَسْلَتِ، وَرُبَّما كانَ ذلِكَ بِسَبَبِ غَلَبَةِ كُنْيَتِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ عُرِفَ بِأَبِي قَيْسٍ فِي أَكْثَرِ المَصادِرِ.
وَابْنُ الأَسْلَتِ مِنْ الأَوْسِ وَهِيَ مِنْ القَبائِلِ اليَمَنِيَّةِ الأَصْل لكِنَّهُمْ هاجَرُوا إلى يَثْرِبَ فَاسْتَقَرُّوا فِيها وَعاشُوا مَعَ الخَزْرَجِ وَالقَبائِلِ اليَهُودِيَّةِ، وَقَدْ نَشَبَتْ حُرُوبٌ طَوِيلَةٌ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ فِي الجاهِلِيَّةِ مِنْها وَيَوْمِ الدَركِ وَيَوْمِ الرَّبِيعِ وَيَوْمِ بُعاثٍ وَهُوَ اليوم الَّذِي قادَهُمْ فِيهِ صَيْفِيُّ بْنُ الأَسْلَتِ وَكانَ لِلأَوْسِ عَلَى الخَزْرَجِ، وَمِنْ حُلَفاءِ الأَوْسِ مُزَينَةُ، وَبَنو قُرَيْظَةَ، وَبَنو النَّضِيرِ.
أَمّا أُسْرَةٌ صَيْفِيٍّ فَقَدْ ذُكِرَ مِنْها زَوْجَتُهُ وَاسْمُها كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْنِ بْنِ عاصِمٍ، وَيُذْكَرُ أَنَّ أَبا قَيْسٍ عِنْدَما ماتَ عَنْها وَأَرادَ أَحَدُ أَوْلادِهِ خِطْبَتَها جاءَتْ إِلَى الرَّسُولِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ تَسْأَلُهُ فَنَزَلَ فِيها قَوْلُهُ تَعالَى: "لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً"، ولهُ ابْنانِ هُما قَيسٌ وَعُقْبَةُ، أمّا قيسٌ فقدْ قَتَلَهُ يزيدُ بنُ مِرداسٍ السُّلَمِيُّ أخو عباسِ بنِ مِرداسٍ الشّاعِرِ فِي بَعضِ حُروبِهِم، فَطَلبهُ بِثأْرِهِ هارونُ بنُ النُّعمانِ بنِ الأَسلَتِ، حَتَّى تَمكَّنَ مِن يَزيدِ بنِ مِرداسِ، فَقَتلَهُ بِقيسٍ بنِ أَبي قَيسِ، وَهوَ ابنُ عَمِّهِ. وَلِقيسٍ يَقولُ أَبوهُ أَبو قَيسٍ بنِ الأَسْلَتِ:
أَقَيْـسٌ إِنْ هَلَكْـتُ وَأَنْتَ حَيٌّ فَلَا تَعْدَمْ مُوَاصَلَةَ الْفَقِيرِ
وأمَّا ابْنُهُ عقبةُ فَقد أَسْلَمَ واسْتُشْهِدَ يومَ القادِسِيَّةِ.
كانَ صَيْفِيُّ مِنْ ساداتِ قَوْمِهِ الأَوْسِ وَمِنْ أَشْرافِهِمْ وَفُرْسانِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الأَغانِي أَنَّهُ كانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ يَوْمَ البُعاثِ -وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ أَيّامِ الأَوْسِ مَعَ الخَزْرَجِ- وَلَهُ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ فِي هذا اليَوْمِ، فَقامَ فِي حَرْبِهِمْ وَآثَرَها عَلَى كُلِّ أَمْرٍ حَتَّى شَحُبَ وَتَغَيَّرَ، وَلَبِثَ أَشْهُراً لا يَقْرَبُ امْرَأَةً. ثُمَّ إِنَّهُ جاءَ لَيْلَةً فَدَقَّ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَهِيَ كَبْشَةُ بِنْتُ ضَمْرَةِ بْنِ مالِكِ بْنِ عُدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَفَتِحَتْ لَهُ، فَأَهْوَى إِلَيْها بِيَدِهِ فَدَفَعَتْهُ، وَأَنْكَرَتْهُ، فَقالَ: أَنا أَبُو قَيْسٍ. فَقالَتْ: وَاللهِ ما عَرَفْتُكَ حَتَّى تَكَلَّمْتُ. فَقالَ فِي ذلِكَ أَبُو قَيْسٍ هذِهِ القَصِيدَةَ، وَأَوَّلُها:
قَالَتْ وَلَمْ تَقْـصِـدْ لِقِيـلِ الْخَنَـا مَهْـلاً فَـقَــدْ أَبْـلَغْــتَ إِسْـمَـاعِـي
أَنْـــكَــــرْتِهِ حِـــيــــنَ تَــوَسَّمـــْتِهِ وَالْحَـــــرْبُ غُــــولٌ ذَاتُ أَوْجــــاعِ
مَـنْ يَـذُقِ الْحَـرْبَ يَـجِـدْ طَعْـمَهَـا مُــرّاً وَتَــحْـــسِـــبْهُ بِــجَـــعْــجَــاعِ
وَقَدْ كانَتْ الغَلَبَةُ لِلأَوْسِ فِي هذِهِ الحَرْبِ، وَهُوَ ما يُشِيرُ إِلَى شَجاعَتِهِ وَشِدَّةِ بَأْسِهِ، لكِنَّهُ إِلَى جانِبِ ذلِكَ كانَ كَرِيماً عاقِلاً، يُذْكَرُ أَنَّ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ أَشارَ عَلَيْهِ بَعْدَ الحَرْبِ أَنْ يَهْدِمَ بُيُوتَ الخَزْرَجِ فَأَبَى ذلِكَ.
وَكانَ أَبُو قَيْسٍ إِلَى شَجاعَتِهِ وَفُرُوسِيَّتِهِ مِمَّنْ تَأَلَّهُ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَكانَ يُعْرَفُ بِالحَنِيفِ، وَيَذْكُرُ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتابِهِ (الإِصابَةَ) مِنْ أَخْبارِهِ ما يُشِيرُ إِلَى اطِّلاعِهِ الواسِعِ وَبَحْثِهِ فِي الدِّينِ قَبْلَ الإِسْلامِ، فَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ أَوْصَفَ لِدَيْنِ الحَنِيفِيَّةِ وَلا أَكْثَرَ مُساءَلَةً عَنْها مِنْ أَبِي قَيْسِ بْنِ الأَسْلَتِ، وَكانَ يَسْأَلُ مِنَ اليَهُودِ عَنْ دِينِهِمْ، فَكانَ يُقارِبُهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَنَزَلَ عَلَى آلِ جَفْنَةَ فَأَكْرَمُوهُ وَوَصَلُوهُ، وَسَأَلَ الرُّهْبانَ وَالأَحْبارَ فَدَعَوْهُ إِلَى دِينِهِمْ فَامْتَنَعَ، فَقالَ لَهُ راهِبٌ مِنْهُمْ: يا أَبا قَيْسٍ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ دِينَ الحَنِيفِيَّةِ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ، وَهُوَ دِينُ إِبْراهِيمَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِراً فَبَلَغَ زَيْدَ بنَ عَمْرُو بْنِ نُفَيْلٍ فَكَلَّمَهُ، فَكانَ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إِبْراهِيمَ إِلّا أَنا وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَكانَ يَذْكُرُ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يُهاجِرُ إِلَى يَثْرِبَ.
وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي إِسْلامِهِ، فَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَكانَ يَحُضُّ قَوْمَهُ عَلَى الإِسْلامِ وَيَقُولُ: اسْتَبِقُوا إِلَى هذا الرَّجُلِ، وَذلِكَ بَعْدَ أَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ كَلامَهُ، وَقِيلَ إِنَّهُ لمّا قَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ جاءَ إِلَيْهِ، فَقالَ: إِلَامَ تَدْعُو؟ فَذَكَرَ لَهُ شَرائِعَ الإِسْلامِ، فَقالَ: ما أَحْسَنَ هذا وَأَجْمَلَهُ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَقالَ: لَقَدْ لُذْتَ مِنْ حِزْبِنا كُلَّ مَلاذٍ، تارَةً تُحالِفُ قُرَيْشاً وَتارَةً تَتَّبِعُ مُحَمَّداً، فَقالَ: لا جَرَمَ لا تَبِعْتُهُ إِلّا آخِرَ النَّاسِ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمّا حَضَرَهُ المَوْتُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ: "قُلْ لا إِلهَ إِلّا اللهُ أَشْفَعُ لَكَ بِها" فَسُمِعَ يَقُولُ ذلِكَ. وَهُناكَ رِواياتٌ أُخْرَى تُشِيرُ أَنَّهُ ماتَ عَلَى كُفْرِهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ مِنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: أنْظُرُ فِي أَمْرِي، وَأَعُودُ إِلَيْكَ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَي، فَقالَ لَهُ: أَهُوَ الَّذِي كانَتْ أَحْبارُ يَهُودٍ تُخْبِرُنا عَنْهُ؟ فَقالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: كَرِهْتَ حَرْبَ الخَزْرَجِ، فَقالَ: وَاللهِ لا أُسَلِمُ إِلَى سَنَةٍ، فَماتَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ عَلَى رَأْسِ عَشرَةِ أَشْهُرٍ مِن الهِجْرَةِ.
تُوُفِّيَ صَيْفِيُّ فِي السَّنَةِ الأُولَى لِلهِجْرَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الإِصابَة) أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ما أَحْسَنَ هذا وَأَجْمَلَهُ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَقالَ لَهُ: كَرِهْتَ حَرْبَ الخَزْرَجِ، فَقالَ: وَاللهِ لا أُسَلِمُ إِلَى سَنَةٍ، فَماتَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ عَلَى رَأْسِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الهِجْرَةِ. وَقِيلَ إِنَّهُ ماتَ مُسْلِماً.
وَيُذْكُرُ أَنَّهُ لَمّا ماتَ أَبُو قَيْسٍ بْنُ الأَسْلَتِ خَطَبَ ابْنُهُ امْرَأَتَهُ، فَانْطَلَقَتْ إِلَى النَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقالَتْ: إِنَّ أَبا قَيْسٍ قَدْ هَلَكَ، وَإِنَّ ابْنَهُ مِنْ خِيارِ الحَيِّ قَدْ خَطَبَنِي، فَسَكَتَ، فَنَزَلَتْ الآيَةُ "لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً"، قالَ: فَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَى ابْنِ زَوْجِها.
هُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَراءِ المُخَضْرَمِينَ، وَقَدْ جَعَلَهُ ابْنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِنْ شُعَراءِ المَدِينَةِ الفُحُولِ، حَيْثُ اخْتارَ ثَلاثَةَ شُعَراء مِن الخَزْرَجِ وَاِثْنانِ مِنْ الأَوْسِ ضِمْنَ اخْتِياراتِهِ لِشُعَراءِ القُرَى وَكانَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَتِ أَحَدُهُمْ.
كانَ مِنْ الشُّعَراءِ المُجِيدِينَ المُقَدَّمِينَ فِي بَعْضِ المَعانِي عَلَى غَيْرِهِمْ، وَشاهَدَ ذلِكَ ما رَواهُ صاحِبُ الأَغانِي مِنْ قِصَّةٍ تَعْرِضُ نَوْعاً مِنْ المُقارَنَةِ بينَ عَدَدٍ مِنْ الشُّعَراءِ حَوْلَ مَعْنىً مُحَدَّدٍ، وَكانَ التَّفْضِيلُ فِي النِّهايَةِ لِأَبِي قَيْسِ بْنِ الأَسْلَتِ
، فقد رَوَى عَنِ المُبرِّدِ قَالَ: قَالَ لِي صَالحُ بنُ حَسَّانٍ: أَنْشدْنِي بَيْتاً خَفِراً فِي امْرَأَةٍ خَفِرَةٍ شَريفَةٍ فَقُلْنَا: قَولُ حَاتِمٍ:
يُـضـيءُ لَنا الْبَيْـتُ الظَّليـلُ خَصـاصَـةً إِذا هِــيَ لَيْــلاً حـاوَلَتْ أَنْ تَـبَــسَّمــا
فَقَالَ: هَذِه مِنَ الْأَصْنَامِ أُرِيدُ أحسنَ مِن هَذَا قُلْنَا: قَولُ الْأَعْشَى:
كَـأَنَّ مِـشْــيَــتَهَــا مِـنْ بَـيْــتِ جَارَتِهَـا مَــرُّ السَّحــَابَـــةِ لَا رَيْــثٌ وَلَا عَـجَــلُ
فَقَالَ: هَذِه خرّاجَةٌ ولَّاجَةٌ قُلْنَا: بَيتُ ذِي الرُّمَّةِ:
تَـنــوءُ بِـأُخــراهــا فَـلأَيـاً قِيـامُهـا وَتَمـشـي الهَويـنـا مِن قَريـبٍ فَتَـبـهُرُ
فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا أردْتُ إِنَّمَا وَصَفَ هَذِه بالسُّمْنِ وَثِقَلِ الْبَدَنِ فَقُلْنَا: مَا عندنَا شَيْء.
فَقَالَ: قَولُ أَبي قَيسٍ بنِ الأَسلَتِ:
وَيُـكْــرِمْــنَهــا جَـارَاتُهــا فَـيَـزُرْنَهـا وَتَـعْــتَــلُّ عَـنْ إِتْـيَــانِهِــنَّ فَـتُــعْــذَرُ
وَلَيْـسَ بِهَـا أَنْ تَـسْــتَهِــيــنَ بِـجَــارَةٍ وَلَكِـنَّهــا مِـنْ ذَاكَ تَـحْــيَــا وَتَـحْـصَـرُ
ثمَّ قَالَ: أَنْشِدُونِي أَحْسَنَ بَيتٍ وُصِفَتْ بِهِ الثُّريَّا: قُلْنَا: بَيتُ ابْن الزُّبيرِ الأَسَدِيِّ:
وَقَد لاحَ في الغَورِ الثُرَيّا كَأَنَّما بِهِ رايَـةٌ بَيـضـاءُ تَخـفِـقُ لِلطَعـنِ
قَالَ: أُرِيد أحْسنَ مِن هَذَا قُلْنَا: بَيتُ امْرِئ الْقَيْسِ:
إِذا مـا الثُّرَيّــا فـي السَّمـاءِ تَعَـرَّضَـتْ تَـعَـــرُّضَ أَثْـنـــاءِ الْوِشـاحِ الْمُـفَــصَّلِ
قَالَ: أُرِيدُ أَحسَنَ مِن هَذَا قُلْنَا: بَيتُ ابْنِ الطُّثريَّةِ:
إِذا ما الثُرَيّا في السَماءِ كَأَنَّها جُمانٌ وَهيَ مِن سَلكَةٍ فَتَبَدَّدا
قَالَ: أُرِيدُ أحْسنَ مِنْ هَذَا قُلْنَا: مَا عِنْدنَا شَيْءٌ قَالَ: قَولُ أَبِي قَيسٍ بنِ الأَسْلَتِ:
وَقَد لاحَ في الصُبحِ الثُرَيّا لِمَن رَأى كَعُنقودِ مُلّاحِيَّةٍ حينَ نَوَّرا
قَالَ: فَحُكِمَ لَهُ عَلَيْهِمْ فِي هذَيْنِ الْمَعْنيينِ بالتَّقَدُّمِ.
مَنْ يَصْـلَ نَارِي بِلَا ذَنْبٍ وَلَا تِرَةٍ يَـصْــلَ بِـنَــارِ كَـرِيــمٍ غَـيْـرِ غَدَّارِ
أَنَـا النَّذِيـرُ لَكُمْ مِنِّيـ مُجَـاهَـرَةً كَــي لَا أُلَامَ عَــلَى نَهْـيٍ وَإِنْـذَارِ
هُوَ شاعِرٌ مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ، وَكانَتْ الأَوْسُ قَدْ أَسْنَدَتْ إِلَيْهِ حَرْبَها، وَجَعَلَتْهُ رَئِيساً عَلَيْها، فَكَفَى وِسادَ"
(أبو الفرجِ الأَصفَهانيّ/ الأَغانِي).
(البغداديُّ/ خِزانةُ الأَدب).