
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
ســُبحانَ ذي الجَــبروتِ وَالبُرهــانِ
وَالعِـــزِّ وَالمَلكـــوتِ وَالســُلطانِ
وَالحَمـدُ لِلَّـهِ الكَريـمِ الـرازِقِ ال
خَلّاقِ مُتقــــنِ صــــَنعَةِ الإِنســـانِ
وَاللَــهُ أَكبَــرُ لا إِلَـهَ سـِواهُ لـي
ســـُبحانَهُ هُــوَ لِلصــَوابِ هَــداني
أَصــبَحتُ أَنظــمُ مَـدحَ أَكـرَمِ مُرسـَلٍ
لَهجـــاً بِـــهِ فـــي رائِقِ الأَوزانِ
وَتَخِـــذتُهُ لـــي جُنَّـــةً وَمَعونَــةً
فيمـــا أَرومُ فَصـــانَني وَكَفــاني
حَبَّـــرت فيــهِ قَصــيدَةً أَودَعتُهــا
مِــن مُســنَدِ الأَخبـارِ حُسـن مَعـاني
فــي وَصــفِهِ مِــن بَـدءِ تَشـريفاتِهِ
حَتّــى الخِتـامِ بِحُسـنِ نَظـمِ مَعـاني
وَلَمَــدحُهُ أَولــى وَأَجــدَرُ أَن يُـرى
فيــهِ الهُـدى وَيعـانُ فيـه مُعـاني
لَمّـا بَنـى اللَـهُ السـَماواتِ العُلى
ســَبعاً تَعـالى اللَـهُ أَكـرَم بـاني
فَســَمَت وَزانَتهــا بِحِكمَــةِ صــُنعِهِ
زهــرُ النُّجــومِ وَزانَهـا القَمَـرانِ
وَالأَرضُ ســـَبعاً مَـــدَّها فَتَـــذَلَّلَت
وَتَزَيَّنَــــت بِبَــــدائِعِ الأَلـــوانِ
وَرَســَت عَلَيهــا الشـامِخات بِـإِذنِهِ
فَحَمَــت جَوانِبَهــا مِــنَ المَيَــدانِ
وَأَتَــمَّ خَلـقَ العَـرشِ خَلقـاً بـاهِراً
فَغَـــدا مِـــنَ الإِجلالِ ذا رَجفـــانِ
كَتَــبَ الإِلَــهُ اِســمَ النَبِـيِّ مُحَمَّـدٍ
فَــوقَ القَــوائِمِ مِنــهُ وَالأَركــانِ
فَسـَرى السـُّكونُ بِـهِ وَقَـد كَتَبَ اِسمهُ
فــي جَنَّــةِ المَـأوى عَلـى الأَغصـانِ
وَخِيامُهــا وَقِبابُهــا وَعَلــى مَصـا
ريـــعِ القُصــورِ تَفَضــُّل المنّــانِ
فَلِــذاكَ آدَم حيــنَ تـابَ دَعـا بِـهِ
مُتَوَســــِّلاً فَــــأُجيبَ بِـــالغُفرانِ
لَـــولاهُ لَــم يُخلَــق أَبونــا آدَم
وَجَحيـــمُ نــارٍ أَو نَعيــمُ جِنــانِ
قَـــد كـــانَ آدَمُ طينَــةً وَمُحَمَّــدٌ
يُــدعى نَبِيّــاً عِنــدَ ذي الإِحســانِ
مِــن فِضــَّةٍ بَيضــاءَ طينَــةُ أَحمَـدٍ
مِــن تُربَــةٍ أَضــحَت أَعَــزَّ مَكــانِ
عُجِنَـت مِـنَ التَسـنيمِ بِالمـاءِ الَّذي
زادَت بِــهِ شــَرَفاً عَلــى الأَبــدانِ
غُمِســَت بِأَنهــارِ النَّعيــمِ فَطُهِّـرَت
وَتَعَطَّـــرَت وَســَمَت عَلــى الأَكــوانِ
وَغَـدَت يُطـافُ بِهـا السـَمَواتُ العُلى
وَالأَرضُ تَشـــريفاً عَلـــى الأَكــوانِ
أَنــــوارُهُ كـــانَت بِجَبهَـــةِ آدم
لا تَختَفـــي عَمَّـــن لـــهُ عَينــانِ
وَبِجَبهَــةِ الزَهــراءِ حَــوّا أَشـرَقَت
لِلحَمـــلِ بِـــالمَبعوثِ بِالفُرقــانِ
وَمِــنَ الكَرامَــةِ لِلمُشــَفَّعِ أَنَّهــا
فــي كُــلِّ بَطــنٍ جاءَهــا وَلــدانِ
وَأَتَـــت بِشـــيثٍ وَحــدَهُ مُتَفَــرِّداً
لِيــبينَ فَضــلُ الواضــِحِ البُرهـانِ
وَبِصــُلبِ آدَمَ كــانَ وَقــت هُبــوطِهِ
وَبِصــُلبِ نــوحٍ وَهـوَ فـي الطوفـانِ
وَبِصــُلبِ إِبراهيــمَ حيـنَ رَمـى بِـهِ
فــي نــارِهِ أَشــقى بَنــي كَنعـانِ
وَعَلـى سـِفاحٍ ما اِلتَقى يَوماً مِنَ ال
أَيّـــامِ مِـــن آبـــائِهِ أَبَـــوانِ
مِــن كُــلِّ صـُلبٍ طـاهِرٍ أَفضـى إِلـى
أَحشـــاءِ طـــاهِرَة الإِزارِ حصـــانِ
أُخِـذت مِـنَ الرُّسـلِ الكِـرامِ لِنَصـرِهِ
إِن أَدرَكـــوهُ مَواثِـــقُ الإِيمـــانِ
وَكَـذاكَ فـي الكُتـبِ القَديمَـةِ وَصفُهُ
يُتلــى عَلــى الأَحبــارِ وَالرُهبـانِ
عَينـــاهُ فيهـــا حُمــرَةٌ مُتَقَلِّــدٌ
بِالســــَيفِ لا يَرتـــاعُ لِلأَقـــرانِ
يَعفــو وَيَصـفَحُ لا يُجـازي مَـن أَتـى
بِإِســـاءَة نـــاءٍ مِــنَ العُــدوانِ
لا بِـالغَليظِ الفَـظِّ وَالسـَخّابِ في ال
أَســـواقِ إِذ يَتَشـــاجَرُ الخَصــمانِ
حـــرزٌ لِأُميّيــنَ مِــن مَســخٍ وَمِــن
خَســفٍ وَمِــن حَصــَبٍ وَمِــن طوفــانِ
لا يَنتَهــي حَتّــى يُقيـمَ المِلَّـةَ ال
عَوجـــاءَ بِالتَوحيـــدِ وَالتِبيــانِ
يَشـفي القُلـوبَ الغلـفَ وَالآذانَ مِـن
صـــَمَمٍ وَيَفتَــحُ أَعيُــنَ العُميــانِ
فــي مَجمَــعِ الكَتفَيـنِ مِنـهُ شـامَةٌ
هِـــيَ لِلنُّبُــوَّةِ فيــهِ كَــالعُنوانِ
وَبِمَكَّــةَ الفَيحــاء مَولِــدُهُ فَقَــد
فـــاقَت لِــذَلِكَ ســائِر البُلــدانِ
مِنهــا مَهــاجِرهُ إِلــى أَرضٍ بِهــا
نَخـــلٌ كَـــثيرٌ زيــنَ بِــالقنوانِ
هِــيَ يَــثرِبٌ هِــيَ طيبَـةٌ هِـيَ دارُهُ
حُظِيَـــت بِمَجــدٍ شــامِخِ البُنيــانِ
وَعَلــى بِلادِ الشــامِ يَظهَــرُ مُلكُـهُ
فَيُـــذِلُّ قَهــراً عُصــبَةَ الصــُلبانِ
وَاِســتعلنَ الحَــقّ المُـبين بِنـورِهِ
بَيــنَ الجِبــالِ الشـُّمِّ مِـن فـارانِ
مــا مِــن نَبِــيٍّ مُجتَــبى إِلّا لَــهُ
يَــومَ المَعــادِ إِذا أَتــى نـورانِ
وَيَجيـــءُ تـــابِعُهُ بِنــورٍ واحِــدٍ
وَلِأَحمَــد الــداعي إِلــى الإيمــانِ
فــي كُــلِّ جُـزءٍ مِنـهُ نـورٌ وَالَّـذي
يَتلـــوهُ ذو نـــورَينِ يَبتَـــدِرانِ
وَلنَعـــت شـــَعيا لِلنَبِــيِّ مُحَمَّــدٍ
وَلِنَعـــتِ حِزقيــلٍ كَــذاكَ أَتــاني
وَصـــِفاتُ أُمَّتِـــهِ كَـــذَلِكَ بُيِّنَــت
فيهــا لِقَلــبِ العـالمِ الروحـاني
غـــرّ لِآثـــارِ الوضـــوءِ عَلَيهِــم
نـــورٌ مُضـــيءٌ ســاطِعُ اللَمَعــانِ
وَالحَمــدُ لِلَّــهِ العَظيــمِ شـِعارُهُم
فــي البُــؤسِ وَالأَفــراحِ وَالأَحـزانِ
وَإِذا عَلَــوا شـَرَفاً كَـبيراً كَبَّـروا
أَصـــواتهُم كَالنَحـــلِ بِـــالقُرآنِ
فيهِـــم صــَلاةٌ مــرَّة لَــو أَنَّهــا
كــانَت لِعــادٍ لَــم تُصــَب بِهَـوانِ
وَهُـم رُعـاةُ الشـَّمسِ وَالقَمَـرِ الَّـذي
تُطـــوى مَنـــازِلُهُ عَلــى حُســبانِ
وَهُــم الَّـذينَ يُقـاتِلونَ عِصـابَةَ ال
دَجّـــالِ ذي التَضــليلِ وَالبُهتــانِ
لَمّــا رَأى موسـى الكَليـمُ صـِفاتَهُم
وَعَطـــاءَهُم مِـــن عِـــزَّةٍ وَصــيانِ
ســَأَلَ اللّحـوقَ بِهِـم وَتِلـكَ فَضـيلَةٌ
خَلُصـــــَت لِأَمَّتِــــهِ بِكُــــلِّ أَوانِ
كــانَت يَهــود بِـهِ عَلـى أَعـدائِها
يَســــتَفتِحونَ بِســـالِفِ الأَزمـــانِ
وَبِوَصــفِهِم أَضــحى المُتــوّجُ تُبَّــع
بِالمُصـــطَفى العَرَبِــيِّ ذا إيمــانِ
لَكِنَّهُــم حَســَدوهُ بَغيــاً وَاِعتَـدوا
كَعُــدُوِّهم فــي الســَّبتِ بِالحيتـانِ
هُـوَ أَحمَـدُ الهـادي البَشـيرُ مُحَمَّـد
قَتّــالُ أَهــلِ الشــِّركِ وَالطُّغيــانِ
هُــوَ شــاهِدٌ مُتَوَكِّــلٌ هُــوَ مُنــذِرٌ
وَمُبَشــــِّرُ الأَبـــرارِ بِالرّضـــوانِ
هُــوَ فاتِــحٌ هُـوَ خـاتَمٌ هُـوَ حاشـِر
هُــوَ عــاقِبٌ هُــوَ شــافِعٌ لِلجـاني
قُثـــمٌ ضــَحوكٌ ســَيِّدٌ مــاحٍ مَحــى
بِــالنورِ ظُلمَــةَ عابِــدي الأَوثـانِ
وَهـوَ المُقَفّـى وَالأَميـنُ المُصطَفى ال
أُمِّـــيُّ أَكـــرَمُ مُرســـَلٍ بِبَيـــانِ
وَهــوَ الَّــذي يُــدعى نَبِــيّ مَلاحِـمٍ
وَمَراحِــــمٍ وَمَثـــاب ذي عِصـــيانِ
وَهـوَ اِبـنُ عَبدِ اللَهِ صَفوَة شَيبَة ال
حَمــدِ بـن هاشـِم الذَبيـح الثـاني
أَصـلُ الـدِياتِ فِـداؤُهُ مِـن ذَبحِهِ ال
مَنــذورِ إِذا هُــوَ عاشــِرُ الأخـوانِ
وَالأَبيَـــضُ البَــضُّ المُعَظَّــمُ جَــدُّهُ
شـــَيخُ الأَباطِــحِ ســَيِّدُ الحمســانِ
لَمّـا اِصـطَفى اللَّـهُ الخَليـلَ وَزادَهُ
شـــَرَفاً وَنَجّـــاهُ مِــنَ النّيــرانِ
اِختـــارَ إِســـماعيلَ مِـــن أَولادَهِ
وَبَنــي كنانَــةَ مِــن بَنـي عَـدنانِ
ثُـمَّ اِصـطَفى مِنهُـم قُرَيشـاً وَاِصـطَفى
أَبنــاءَ هاشــِم الفَــتى المِطعـانِ
ثُــمَّ اِصــطَفى خَيـرَ الأَنـامِ مُحَمَّـداً
مِــن هاشــِم فَســَمَت عَلــى قَحطـانِ
وَأَبــانَ كَعــب جَــدّهُ فــي خُطبَــةٍ
بِعُروبَـــةٍ فـــي ســائِرِ الأخــوانِ
فَضــل النَبِــيِّ وَودّ أَن يَبقـى إِلـى
أَيّــــامِهِ لِقِتــــالِ ذي شــــَنَآنِ
وَلَقَــد بَــدَت أَنـوارُهُ بِجَـبينِ عَـب
دِ اللَـــهِ ظــاهِرَةً لِــذي عِرفــانِ
وَبَــدَت لِآمِنَــةَ الحِصــان لِحَملِهــا
بِـــأَخَفّ حمـــلٍ راجِــحِ الميــزانِ
حَتّــى بَــدَت أَنــوارُهُ فـي وَضـعِها
فَــرَأَت قُصـورَ الشـامِ رُؤيَـةَ دانـي
وَلَـدَتهُ عـامَ الفيلِ يَومَ اِثنَينِ فَاِح
تــازَ الفَخــارَ بَفَضــلِهِ الإِثنــانِ
بِرَبيـــع الأَدنــى بِثــاني عَشــرَة
وَيُوافِــقُ العِشــرينَ مِــن نيســانِ
وَتَحَـــدَّثت بِـــوِلادِهِ الأَحبــارُ وَال
رُهبــانُ وَالــواعي مِــن الكُهّــانِ
خَمَــدَت لَـهُ نـارُ المَجـوسِ وَزلزلَـت
مَــعَ الاِنشــِقاقِ جَــوانِبُ الإيــوانِ
وَرَأى أَنوشـــَروان رُؤيـــا رَوَّعَــت
مِنــهُ الفُــؤادَ فَظَــلَّ ذا رَجَفــانِ
فَمَضـى الرَّسـولُ إِلـى سـَطيح سـائِلاً
فَــأَتى الجَــوابُ إِلــى أَنوشـروانِ
أَن ســَوفَ يَظهَــرُ أَمـرُ ديـنِ مُحَمَّـدٍ
حَتّــى يُزيــلَ الملــكَ مِـن ساسـانِ
ســـَعدَت حَليمَـــةُ ظِئرهُ بِرضـــاعِهِ
وَحَــوى الفَخــارَ رَضــيعهُ بِلَبــانِ
وَرَأَت بِـهِ البَرَكـات مِنـذُ غَـدَت بِـهِ
وَأَتانُهــا فـي الرَّكـبِ خَيـرُ أَتـانِ
وَغَدَت تدرُّ لَها الشِّياهُ العجفُ في ال
زَمَــنِ المَحيــلِ وَأَقبَــلَ الثَـديانِ
فَــأَتَت إِلَيــهِ وَأَســلَمَت وَحَليلهـا
فَتَبَــــوَّءا لِلرُّشـــدِ دارَ أَمـــانِ
وَلِأَربَــع مِــن عُمــرِهِ لَمّــا غَــدا
مَـــع صــِبيَة أَترابــهُ الرِّعيــانِ
شــَرَحَ المَلائِكُ صــَدرَهُ وَاِســتَخرَجوا
مِنــهُ نَصــيبَ الــدَّاحضِ الشــَيطانِ
وَلَقَــد تَطَهَّــرَ بَعــدَ عَشــرٍ صـَدرهُ
مِــن كُــلِّ مــا غِــلّ بِشــَرحٍ ثـانِ
مَلأوهُ إيمانـــاً وَحلمـــاً وافِــراً
وَســـَكينَةً مَـــعَ رَأفـــةٍ وَحَنــانِ
وَوَقَتــهُ مِـن لَفـحِ الهَجيـرِ غَمامَـة
وَهــوَ اِبــنُ عَشـرٍ أَجمَـل الغِلمـانِ
يَغـــدو كَحيلاً داهِنـــاً وَقَرينُـــهُ
شـــعثُ الغَــدائِرِ رُمَّــصُ الأَجفــانِ
وَمَضـــَت لِســـِتٍّ أَمُّــهُ وَتَكَفَّــلَ ال
جَــدُّ الشــَفيقُ لَــهُ بِحُســنِ حضـانِ
وَأَتــى بِــهِ وَهـوَ اِبـنُ سـَبعٍ عَمُّـهُ
وَقَــدِ اِشـتَكى رَمَـداً إِلـى دَيرانـي
فَــأَبى النُــزولَ فَزلزلَـت جُـدرانُهُ
فَاِرتــاعَ عِنــدَ تَزَلــزُلِ الجُـدرانِ
فَــــاِنحَطَّ حينَئِذٍ وَأَخـــبرَ جَـــدَّهُ
بِنُبُــوَّةِ الوَلَــدِ العَظيــمِ الشـّانِ
وَبِجِــدِّهِ اِستَســقى الغَمــائِمَ جَـدُّهُ
فَتَبَجَّســــَت بِالوابِـــلِ الهَتّـــانِ
وَلَقَـــد تَرَحَّـــلَ جَـــدُّهُ لِهَنــائِهِ
ســَيفُ بــنُ ذي يَــزَنٍ إِلـى غَمـدانِ
فَحَبـــاهُ ســَيفٌ عِنــدَها بِبِشــارَةٍ
تَعلــو الهَنــاءَ بِمَقتَـلِ السـودانِ
أَفضــى إِلَيـهِ بِسـِرِّهِ فـي أَحمَـد ال
هــادي البَشــيرِ وَكـانَ ذا خُـبرانِ
وَتَكَفَّــلَ العَــمُّ الشــَفيقُ بِــأَمرِهِ
لَمّــــا غَــــدا مُتَكَمِّلاً لِثَمــــانِ
وَرَأى عَظيــمَ الخَيــرِ مِـن بَرَكـاتِهِ
هُــوَ وَالعِيــال إِذا أُتــو بِخـوانِ
وَشـــَكا إِلَيــهِ عَمُّــهُ ظَمَــأً بِــهِ
فــي مَوضــِعٍ خــالٍ مِــن الغُـدارنِ
فَســَقاهُ إِذ رَكَــضَ التُـرابَ بِرِجلِـهِ
مـــاءً يُـــرَوّي غلَّـــةَ الظَمـــآنِ
وَمَضــى بِــهِ نَحـوَ الشـَآمِ مُسـافِراً
وَهــوَ اِبــنُ عَشــرٍ بِعَـدها ثِنتـانِ
وَرَأى بُحَيـــراءُ الغَمـــامَ لِظِلِّــهِ
فــي الحَــرِّ عِنــدَ تَوَقُّـدِ الصـُوّانِ
وَرَأى الظِلالَ تَميــدُ أَنـى مـالَ مِـن
شـــَجَرٍ هُنـــاكَ ظَليلــهُ الأَفنــانِ
وَجَــرى لَــهُ فـي بِضـعِ عَشـرَةَ حجَّـةٍ
نَبَـــأٌ يَســـُرُّ فُــؤادَ ذي إيقــانِ
إِذ كــانَ ســافَرَ مَــع زُبَيـرٍ عَمُّـهُ
فَـــرَأى بَعيـــراً صــائِلاً بِجنــانِ
فَمَضــى إِلَيــهِ فَحيــنَ عـايَنَ عـزَّهُ
أَهــــوى ذَليلاً ضـــارِباً بِجـــرانِ
فَعَلاهُ مُمتَطِيـــاً فَـــأَذعَنَ بِعــدَما
قَــد كــانَ غَيــرَ مُــذَلَّلٍ مِــذعانِ
وَكَــذاكَ عِنـدَ رُجـوعِهِم مِـن شـَأنِهِم
مَـــــرّوا بِــــوادٍ مُفعَــــمٍ مَلآنِ
فَغَـــدا أَمــامَهُم فَغَــادَرَ مــاؤهُ
يَبســــاً طَريقـــاً ذَلَّ لِلرُكبـــانِ
وَأَغَــذَّ فــي خَمـسٍ وَعِشـرينَ السـُرى
نَحـــوَ الشـــآمِ بِمَتجَــرٍ لِــرَزانِ
فَـــرَآهُ نَســـطورا فَــأَخبَرَ أَنَّــهُ
أَزكـــى نَبِـــيٍّ خـــاتَم الأَعيــانِ
وَرَآهُ مَيســـــَرَة الغُلام رَفيقُــــهُ
وَمِـــنَ الهَجيـــرِ يُظِلُّــهُ مَلَكــانِ
وَكــذا خَديجَــةُ أَبصــَرَت فَتَزَوَّجَــت
رَغبــاً بِــهِ مِــن خِــبرَةٍ وَعَيــانِ
جــادَت عَلَيــهِ بِنَفســِها وَبِمالِهـا
فَســَمَت بِــهِ شـَرَفاً عَلـى النّسـوانِ
وَبَنَــت قُرَيـش البَيـتَ حيـنَ تَهَـدَّمَت
بِالســَيلِ مِنــهُ قَواعِــدُ الحيطـانِ
وَاِشـتَدَّ فـي الحَجَـرِ الكَريمِ نِزاعُهُم
مَــن مِنهُــم لِلرَّفــعِ مِنــهُ يُعـانِ
ثُــمَّ اِرتَضــوا فيــهِ بِـأَوَّلِ داخِـلٍ
فَـــأَتى الأَميـــنُ الطَيِّــبُ الأَردانِ
وَهـوَ اِبـنُ خَمـسٍ مَـع ثَلاثيـنَ اِحتَوى
حَـــزمَ الكُهــولِ وَقُــوَّةَ الشــُبّانِ
وَاِختَــصَّ فــي وَضــعِ الإِزارِ بِحِكمَـةٍ
بِـــالرَّفعِ دونَهُـــم وَدونَ البــانِ
كــانَ التَعَبُّــدُ دَأبَــهُ لِلَّــهِ مِـن
قَبــلِ النُّبَــوَّةِ لَيــسَ عَنـهُ بِـوانِ
يَــأتي حــراءً لِلتَعَبُّــدِ هـاجِرَ ال
أَصــنامِ هَجــرَ المُبغِــضِ الغَضـبانِ
وَكَـذاكَ كانَ إِذا رَأى الرُؤيا اِنجَلَت
كَالصـــُبحِ واضــِحَةً عَلــى بُرهــانِ
وَأَتَــت عَلَيــهِ أَربَعــونَ فَأَشــرَقَت
شــَمسُ النُّبُــوَّةِ مِنــهُ فـي رَمضـانِ
فـي سـَبع عَشـرَةَ لَيلَـةً في يوم الاِث
نَيــنِ المُخَصــَّصِ مِنــهُ بِالرّجحــانِ
لَــم يَبــقَ مِـن حَجَـرٍ وَلا مَـدَرٍ وَلا
شــــَجَرٍ وَلاَ جَبَــــلٍ وَلا كُثبــــانِ
إِلّا وَنــاداهُ الســَلامُ عَلَيــكَ بِـال
لَفـــظِ الفَصــيحِ كَنــاطِقٍ بِلِســانِ
رَمَــت الشــَّياطينَ الرُّجـومُ لِبَعثِـهِ
وَتنَكَّــــس الأَصــــنام لِلأَذقــــانِ
وَالجِــنُّ تَهتِـفُ فـي الظَّلامِ بِسـَجعِها
بِنُبُـــوَّةِ المَبعـــوثِ بِـــالخَيرانِ
وَأَتــاهُ جِبريــلُ الأَميــنُ مُعَلِّمــاً
مِـــن عِنـــدِ رَبٍّ مُنعـــمٍ مَنّـــانِ
فَحَــصَ التُــرابَ لَـهُ فَـأُنبِعَ مـاؤُهُ
فَــأَراهُ كَيــفَ وَضــوءُ ذي قُربــانِ
وَأَتـاهُ بِالسـَّبعِ المَثـاني فَـاِنَثنى
جَــذلاً بِســَبعٍ فــي الصـَّلاةِ مَثـاني
وَأَتـــاهُ يَــأمرُهُ لِيُنــذِرَ قَــومَهُ
طــرّاً وَيَبــدَأَ بِــالقَريبِ الـداني
فَــدَعا إِلــى الرَّحمَـنِ جَـلَّ ثَنـاؤُهُ
وَنَهــى عَــنِ الإِشــراكِ وَالكُفــرانِ
وَرَمـى الرِبـا وَالخَمر وَالأَنصاب وال
أَزلامَ وَالفَحشـــــاءَ بِـــــالبُطلانِ
وَأَتـــى بِـــدينٍ مُســتَقيمٍ واضــِحٍ
ظَهَـــرَت شــَريعَتُهُ عَلــى الأَديــانِ
فَهَــدى قَبــائِلَهُ فَلَــم يَتَقَبَّلــوا
بَــل قـابَلوا المَعـروفَ بِـالنُّكرانِ
مــا زالَ يُنــذِرُ قَـومَهُ فـي منعَـةٍ
حَتّـى ثَـوى العَـمُّ الشـَفيقُ الحـاني
وَمَضــَت خَديجَــةُ بَعــدَهُ لِســَبيلِها
مَرضــــِيَّةً فَتَفــــاقَمَ الـــرّزءانِ
فَاِشـــتَدَّ حينَئِذٍ عَلَيـــهِ أَذاهُـــم
وَبَــدا لَــهُ طَمَـعُ العَـدُوِّ الشـاني
فَــأَتى ثَقيفــاً فَــاِعتَراهُ أَذاهُـمُ
فَـــأَوى إِلــى ظِــلٍّ بِقَلــبٍ عــانِ
وَاِبنــا رَبيعَـةَ شـَيبة وَأَخـوهُ فـي
علِيِّـــــةٍ لِعنـــــائِهِ يَرَيــــانِ
فَحَنتهُمــا رَحِــمٌ عَلَيــهِ فَأَرســَلا
بِــالقطفِ مَــع عَــدّاسٍ النَّصــراني
فَــرَأى عَلامــاتِ النُبُــوَّةِ فَاِهتَـدى
وَلَكِـــن هُمــا عَمّــا رَأى عميــانِ
وَغَــدا عَلـى الأَحيـاءِ يَعـرِضُ نَفسـَهُ
لِبَلاغِ أَمــــرِ مُهَيمــــنٍ دَيّــــانِ
يَــأَتي القَبـائِلَ يَسـتَجيرُ فَلا يَـرى
إِلّا ذَوي التَكـــــذيبِ وَالخُــــذلانِ
فَهُنــاكَ هــاجَرَ جَعفَـرٌ وَرِفـاقُهُ ال
أَخيــارُ نَحــوَ مَــواطِنِ الحبشــانِ
فَحَنــا النَجاشــِيُّ المُنيـبُ عَلَيهِـم
كَحُنُـــوِّ والِـــدَةٍ عَلـــى وِلــدانِ
وَأَقــامَ يَعـرِضُ نَفسـَهُ حَتّـى اِلتَقـى
مِـــن خَــزرَجٍ بِالســَّتَّةِ الشــُجعانِ
وَأَتــوا وَمِثلهُــم إِلَيـهِ فَبـايَعوا
فـي موسـِمِ العـامِ الجَديـدِ الثاني
وَبِعــامِهِ هَــذا رَأى فـي لَيلَـةِ ال
مِعــراجِ مــا قَــرَّت بِـهِ العَينـانِ
وَاِزادادَ تَطهيـــراً بِشــَرح صــَدرِهِ
فــي لَيلَــةِ المَســرى بِلا نُقصــانِ
أَسـرى مِـنَ البَيـتِ الحَـرامِ بِهِ إِلى
أَقصــى المَســاجِدِ لَيـسَ بِالوَسـنانِ
فَعَلا البُــراقَ وَكــانَ أَشـَرَف مَركـبٍ
يَطــوي القِفــارَ بِسـُرعَةِ الطَيَـرانِ
حَتّـى أَتـى البَيـتَ المُقَـدَّسَ وَاِرتَقى
نَحــوَ الســَماءِ فَجــازَ كُـلَّ عَنـانِ
مــا مِــن سـَماءٍ جاءَهـا مُسـتَفتِحاً
إِلّا لَقــــوهُ بِتُحفَــــةٍ وَتَهـــاني
وَلَقَـــد رَأى أَبَــوَيهِ آدَمَ ثُــمَّ إِب
راهيـــمَ فَليُبشــر بِــهِ الأَبَــوانِ
وَلَقَــد رَأى يَحيـى وَعيسـى ثُـمّ هـا
رونَ المُحَبَّـــبَ رُؤيَـــةَ اليَقظــانِ
وَكَــذاكَ موسـى ثُـمَّ إِدريـسَ الرَضـِي
فَتَباشـــَروا كَتَباشـــُرِ الإِخـــوانِ
وَلَقَـد دَنـا كَالقـابِ مِـن قَوسَينِ أَو
أَدنــى إِذا مــا قُــدِّرَ القَوســانِ
كَشـــَفَ الحِجـــابَ وَكَلَّمَـــهُ فَمــا
أَحظــاهُ بِــالتَقريبِ مِــن إِنســانِ
فَــرَضَ الصـَّلاةَ عَلَيـهِ خَمسـاً أَصـلُها
خَمســونَ وَهـيَ الأَجـرُ فـي الحُسـبانِ
ثُــمَّ اِنثَنـى نَحـوَ الفِـراشِ مُقَمَّصـاً
مِــن ذي الجَلالِ بِأَشــرَفِ القُمصــانِ
لَكِنَّـــهُ أَضـــحى بِمَكَّـــةَ خائِفــاً
إِن قــالَ مِــن تَكــذيبِ ذي بُهتـانِ
فَغَــدا يُحَـدِّثُهُم بِوَصـفِ المَسـجِدِ ال
أَقصـــى حَـــديثَ مُعــايِنٍ وَمُــدانِ
وَلَقَـد دَنـا البَيت المَقدّس مِنهُ بِال
بَطحــــاءِ يَنعَتُــــهُ بِلا نِســـيانِ
فَعَمــوا وَأَبصــَرَ قَـولَهُ حَقّـاً أَبـو
بَكـــرٍ بِعَيـــنِ حَقيقَــةِ الإِيمــانِ
فَـأَذاعَ بِالتَصـديقِ لَـم يَرهَـب وَلَـم
يَرتَــب مِــنَ الحَـقِّ المُـبينِ بِشـانِ
فَلِــذَلِكَ التَصــديقِ سـادَ وَسـُمِّيَ ال
صــِدّيق وَهــوَ اِســمٌ سـَما بِمَعـاني
وَأَتــى عَلــى الأَنصـارِ عـامٌ ثـالِثٌ
يعــدّونَ أَنفُســَهُم بِخَيــرِ أَمــاني
فَـأَتَوهُ فـي السـَبعينَ ثُمَّـتَ أَقبَلوا
مِــن أَشــرَفِ العَقَبــاتِ كَالغَضـبانِ
مُتَتـــابِعينَ فَبـــايَعوهُ بِبَيعَـــةٍ
عُقِـــدَت بِحُســـنِ الســـَمعِ وَالآذانِ
وَبِعَمِّــهِ العَبّــاسِ أُحكِــمَ عَقــدُها
مِنهُـــم وَأَتقَــنَ غايَــةَ الإِتقــانِ
ســـَعدَت بِــهِ أَوسٌ وَفــازَت خَــزرَجٌ
فَحَــوى الفَخــارَ بِنَصــرِهِ الحَيّـانِ
فَــأولَئِكَ الأَنصــارُ خفّــاً أَحسـَنوا
نَصـــرَ النَّبِـــيِّ بِمُرهَــفٍ وَســِنانِ
فَهُنـــاكَ آذَنَ صـــَحبَهُ لِيُهــاجِروا
مُســــتَنبِطينَ لِــــذَلِكَ الإيـــذانِ
وَأَقـــامَ مُصــطَبِراً وَعُيِّــرَ صــَحبهُ
حينــاً لِمُــرِّ الهَجــرِ وَالهِجــرانِ
وَدَرَت قُرَيـــشٌ بِالحَــديثِ فَــأَظهَرَت
مــا عِنــدَها مِــن مُضـمَرِ الأَضـعانِ
وَتَشــاوَروا فــي قَتلِــهِ أَو حَبسـِهِ
أَو بُعــدِهِ وَمَضــَوا عَلــى كِتمــانِ
فَأَتــاهُ جِبريــلُ الأَميــنُ مُخَبِّــراً
بِجَميــعِ مــا أَخفَـوا مِـنَ الشـَنَآنِ
وَفّــى بِمَكَّــةَ بِضــعَ عَشــرَةَ حِجَّــةً
يَلقـــى الأَذى فــي الســِرِّ وَالإِعلانِ
حَتّــى أَتــى إِذنٌ فَســارَ مُهــاجِراً
نَحــوَ المَدينَــةِ هِجــرَةَ القُطّــانِ
وَأَتــى أَبــا بَكــرٍ بِحَــرِّ ظَهيـرَةٍ
ســـِرّاً فَتـــابَعَهُ بِغَيـــرِ تَــوانِ
حَلا بِثَـــورِ غـــادِهِ فَلَقَــد غَــدا
وَهُمــا بِــهِ مِــن أَشـرَفِ الغيـرانِ
باضـَت عَلـى البابِ الحَمامَةُ وَاِغتَدى
يَهِــنُ العَنــاكِبَ طــامِس الأَكنــانِ
وَاِشــتَدَّ تطلابُ العــداةِ فَــأَجزَلوا
فيــهِ الرَّشــا وَنَفــائِسَ الأَثمــانِ
فَســَرى ســُراقَةُ تابِعــاً فَرَآهُمــا
وَهُمــا بِظَهــرِ البيــدِ يَرتَمِيــانِ
فَهَــوَت يَـدا فَـرَسِ الحَريـصِ بِصـُلبَةٍ
صـــَلدٍ وَثــارَت وَهــيَ ذاتَ عثــانِ
فَغَــدا عَلــى عِلــمٍ يُعَمّـي عَنهُمـا
إِذ كــانَ أَيقَــنَ غايَــةَ الإيقــانِ
ثُـمَّ اِنبَـرى المُختـارُ يَجتابُ الفَلا
بِتَــــــواتُرِ الإِدلاجِ وَالـــــذّملانِ
وَتَســــامَعَت أَنصـــارُهُ بِقُـــدومِهِ
فَتَقَلَّـــدوا فَرَحـــاً بِكُــلِّ يَمــانِ
وَأَتَـوهُ بِـالتَرحيبِ وَالبُشـرى مَعَ ال
تَعظيـــمِ بِالإِخبـــاتِ وَالخُضـــعانِ
وَغَــدوا يَفــدونَ النَّبِــيِّ مُحَمَّــداً
بِالمــــالِ وَالأَرواحِ وَالوِلــــدانِ
لَــم يَلقَــهُ مِنهُـم فَتـاةٌ أَو فَـتى
إِلّا بِقَلـــــبٍ نَيِّـــــرٍ جَـــــذلانِ
فَاِستَبشـَرَ القَلـبُ الشـَريفُ بِما رَأى
مِـــن حُســـنِ أَخلاقٍ وَمِــن إِحســانِ
مــا مِنهُــم مِــن مَنــزِلٍ إِلّا رَجـا
أَنَّ النَبِـــيَّ لَـــهُ مِــنَ الســُكّانِ
يَعـــدونَهُ إِن حَــلَّ فيهِــم أَنَّهُــم
لِنَبِيِّهِــم مِــن خَيــرِ مــا جيـرانِ
لَكِـــنَّ نـــاقَتَهُ ســـَرَت مَــأمورَةً
قَــد أُعفِيَــت مِــن حَبسـَةِ الأَرسـانِ
حَتّــى لَقَــد بَرَكَــت بِأَشـرَفِ مَنـزِلٍ
بِمَكــــانِ مَســــجِدِهِ بِلا حيـــدانِ
فَنَمـى السـُرورُ وَأَصـبَحَ الأَنصـارُ في
عيــدٍ بِمَــن شــَرفَت بِـهِ العيـدانِ
وَتَكَنَّــفَ اِبــنَ سـَلامٍ الفَضـلُ الَّـذي
بِالمُصــطَفى أَفضــى إِلــى ســَلمانِ
عَرَفــاهُ مَعرِفَــةَ اليَقيـنِ فَأَصـبَحا
وَهُمـــا بِثــوبِ الرُشــدِ مُشــتَمِلانِ
وَاِبتــاعَ سـَلمانَ اِبتِياعـاً بِالَّـذي
وَفّـــاهُ مِــن ذَهَــبٍ وَمِــن فســلانِ
دَخَـلَ المَدينَـةَ فَاِكتَسـت حُلَلَ الرِضى
وَتَعَطَّـــرَت بِـــالروحِ وَالرَيحـــانِ
أَضــحَت بِــهِ بَعـدَ الخُمـولِ شـَهيرَةً
بِالفَضــلِ ســامِيَةً عَلــى الأَوطــانِ
قَرَنَــت بِمَكَّـةَ فـي الفَخـارِ وَحُرِّمَـت
وَبِـــهِ ســـَما وَتَشــَرَّفَ الحَرَمــانِ
وَتَضـــاعَفَت بَرَكاتُهـــا بِـــدُعائِهِ
فَلَهـــا عَلـــى أُمِّ القُـــرى مثلانِ
فَصـلُ الحَلالِ مِـنَ الحَـرامِ وَقُبّـة ال
إِســـلامِ وَهـــيَ القَلــبُ لِلإيمــانِ
وَغُبارُهــا يَشـفي السـّقامَ وَرَبعُهـا
مَــأوى الهُــدى وَمَعونَـةُ اللَهفـانِ
مَـن مـاتَ فيهـا صـابِراً فَشَفيعُهُ ال
مُختــــارُ يَــــومَ تَفَـــرُّقِ الخلّانِ
رَمَضــانُها أَلــفٌ وَجُمعَتُهــا جَــزَت
أَلفـــاً زَكــى وَتَضــاعفُ الأَجــرانِ
وَصـَلاةُ مَسـجِدِها بِـأَلفٍ فـي سـِوى ال
بَيــتِ المُقَبَّــلِ عِنــدَهُ الرُكنــانِ
شــَدُّ الرِحــالَ إِلَيـهِ مَشـروعٌ وَلَـو
فَتَــكَ الــوَجى بِالجَسـرَةِ المِـذعانِ
مــا بَيــنَ مِنبَــرِهِ وَمَوضـِعِ قَـبرِهِ
هِــيَ رَوضــَةٌ مِــن جَنَّــةِ الحَيَـوانِ
يـا سـائِلي عَـن مُعجِـزاتِ المُصـطَفى
خُـذ مـا وَعـى قَلـبي وَقـالَ لِسـاني
لَقَــدِ اِصــطَفاهُ اللَـهُ جَـلَّ ثَنـاؤُهُ
وَحَبـــاهُ مِنــهُ بِمُعجِــزِ القُــرآنِ
هُــوَ مُعجِــزٌ فــي نَفســِهِ بِوُضـوحِهِ
وَعِنايَـــةٍ بِـــالحَقِّ مِــن عُنــوانِ
وَحِفـــاظُهُ مِـــن خلَّـــةٍ وَتَنــاقُضٍ
وَمِــنَ الزِّيــادَةِ فيــهِ وَالنُقصـانِ
وَخُروجُــهُ بِــالنَّظمِ وَالإِيجــازِ عَـن
ســـــَجعِ الكَلامِ وَصــــيغَةِ الأَوزانِ
وَبَقـــاؤُهُ غَضــّاً جَديــداً رائِقــاً
بِالحُســــــنِ لِلأَبصـــــارِ وَالآذانِ
وَإِذا قَضـى بِالشـَيءِ كـانَ كَمـا قَضى
لا يَســــــتَطيعُ مَـــــرَدُّهُ الثَقَلانِ
لا يَــدخُل التَبــديلُ فــي آيــاتِهِ
كَلّا وَمــــا إِعجـــازُهُ بِالفـــاني
لَمّـا تَحَـدّى الخَصـمَ أَن يَـأتوا بِما
هُــوَ مِثلــهُ عَجِــزوا عَـنِ الإِتيـانِ
شــــــَهِدوا لَـــــهُ بِطلاوَةٍ وَحَلاوَةٍ
وَفَصـــــاحَةٍ وَبَلاغَــــةٍ وَبَيــــانِ
وَهُــم الخُصــومُ لَـهُ فَكَيـفَ بِفِرقَـةٍ
نَبَــذوا الهُــدى بِغَبـاوَةِ الأَذهـانِ
جَعَلــوا القُــرانَ إِشـارَةً وَعِبـارَةً
تُحكــــى وَمَخلوقـــاً وَقَـــولَ فُلانِ
وَلِمُعجِـزِ القَمَـرِ الَّـذي بَهَـرَ العِدى
مِـــن أَكبَــرِ الآيــاتِ وَالبُرهــانِ
ســـَأَلَت قُريـــشٌ آيَـــةً فَــأَراهُم
قَمَـــرَ الســَماءِ وَجُرمــهُ نِصــفانِ
بِقعيقِعــانِ النِّصــف مِنــهُ وَنِصـفهُ
بِــــأَبي قُـــبيسٍ يَشـــهَدُ الجَبَلانِ
فَــإِذا العِـداةُ يُكـابِرونَ عيـانَهُم
شـــَرُّ الرِجـــالِ مُكــابِر لِعَيــانِ
ثُـمَّ اِرتَـأوا ظُلمـاً وَعـدواً بَينَهُـم
ســـِرّاً رَويّـــة مُفكِـــرٍ حَيـــرانِ
قـالوا سَلوا السُفّارَ إِن شَهِدوا بِما
أَبصــــَرتهُم حَقّــــاً بِلا نُكـــرانِ
فَهـوَ اليَقيـنُ وَلَيـسَ سِحراً فَاِلتَقوا
بِالنّــاسِ مِــن مَثنـى وَمِـن وحـدانِ
فَــإِذا الَّــذي نَكَــروهُ حَـقٌّ واضـِحٌ
لَكِنَّهُــــم كـــانوا ذَوي عُـــدوانِ
وَحَـــديثُ جـــابِر الشــَّهير وَزادهُ
النَّــزرُ اليَســيرُ وَكَـثرَةُ الإِخـوانِ
وَكَفــاهُم مِــن غَيــرِ نَقــصٍ مُعجِـز
بــادي العَيــانِ لِعــالمٍ رَبّــاني
وَقَضــاءُ ديـنِ أَبيـهِ مِـن تَمـرٍ لَـهُ
لَــم يُــوف لِلغُرَمــاءِ بِالســَهمانِ
فَقَضــاهُم وَالتَمــرُ بَعــدُ بِحــالِهِ
أَرضــى الغَريــمَ وَوارِثَ المِــديانِ
وَحَــديثُ أُمّ ســليمٍ المَــروِيِّ عَــن
أَنَـــسٍ وَقَــد بَعَثَتــهُ بِالرّغفــانِ
نَحــوَ النَبِــيِّ فَرَدَّهـا وَدَعـا لَهـا
الجَفلــى وَكــانَت أَكلَـة الجوعـانِ
فَــأَتوهُ أَرســالاً فَلَـم يَصـدُر فَـتى
عَـــن تِلــكَ إِلّا ذا حَشــا شــَبعانِ
وَشــَكا إِلَيــهِ الجـوعَ جَيـشٌ هَمُّهُـم
نَحــرَ الحمولَــةِ رَبَّــةَ الكيــرانِ
فَــأَتوا بِــزادٍ مِثــلَ شـاةٍ رابِـض
فَــدَعا لَــهُ بِاليُســرِ وَالنّميــانِ
وَالقَــومُ أَلــفٌ مَــع مِئاتٍ أَربَــع
كُــــلٌّ غَــــدا بِـــالمزودِ المَلآنِ
وَدَعــا رِجــالاً شــربُ كُــلٍّ مِنهُــم
فــرقٌ وَيَأكُــل جذعَــة مِــن ضــانِ
شــَبِعَ الرِّجــالُ الأَربَعــونَ بِمــدِّهِ
وَرَووا بِشـــربِ العَشــرَ رِيَّ بِطــانِ
وَدَعـا مَـعَ المـائَةِ الثَلاثـونَ الألى
شـــَبِعوا بِمـــا مِقــدارُهُ مُــدّانِ
وَلَهُــم ســَوادُ البَطـنِ حـزَّ فَكُلُّهُـم
قَــد نــالَ مِنــهُ أَبـرَكَ اللَحمـانِ
كــانَت تُمَــدُّ مِـنَ السـَماءِ جِفـانُهُ
بِتَضـــاعُفِ البَرَكـــاتِ لا بِجفـــانِ
وَدَعــا أَبــو أَيّــوبَ أَكـرَم مُرسـَلٍ
وَطَعـــــــامُهُ يَقتــــــاتُهُ رَجُلانِ
وَأَتــاهُ مَـع مِئَةِ ثَمـانونَ اِكتَفـوا
وَقِــرا أَبــي أَيّــوبَ لَيــسَ بِفـانِ
وَلَقَــد حَبَتــهُ بِعُكَّــةَ مِـن سـَمنِها
مَرضــِيَّةً مِــن خَيــرِ مــا نِســوانِ
فَــإِذا بِهــا مَلأى عُقيــبَ فَراغِهـا
ســَمناً لَــهُ شــَرَفٌ عَلـى السـّمنانِ
وَحَــديثُ بِنـتِ بَشـيرٍ المَـأثورِ فـي
تَمــرٍ بِــهِ قَصــَدَت أَبـا النُعمـانِ
فَـدَعا بِأَهـلِ الخَنـدَقِ المَيمـونِ مِن
شـــَيخٍ وَمِــن كَهــلٍ وَمِــن شــُبّانِ
شــَبِعوا جِميعـاً وَهـوَ مِـن بَرَكـاتِهِ
يَنمــى وَيَكثُــرُ لَيــسَ مِـن قَنـوانِ
وَحَـديثُ تَمـرِ أَبـي هُرَيـرَةَ ظاهِرُ ال
إِعجـــازِ مُتَّضـــَحٌ لِـــذي تِبيــانِ
عِشـــرينَ تَمــرَةً اِســتَعَدَّ وَتَمــرَةً
بِجِرابِــهِ لَــم يَبلُهــا المَلــوانِ
يَجنــي عَلــى طـولِ المَـدى فَكَـأَنَّهُ
يَجنيــهِ مِــن نَخــلٍ لَــهُ صــنوانِ
وَلَقَــد غَـدا الدّوسـي مِنـهُ مُـزَوَّداً
خَمســينَ وِســقاً فـي رِضـى الرَّحمَـنِ
كـانَ الجِـرابُ لَـدَيهِ مَحفوظـاً إِلـى
قَتــلِ الإِمــامِ المُرتَضــى عُثمــانِ
وَشـَكا إِلَيـهِ الجَيـشُ مِـن ظَمَـأٍ وَهُم
فــي مَهمَــهٍ لَيســوا عَلـى غُـدرانِ
فَلَقـوا فَتـاةً فـي الفَلاةِ وَقَـد أَتَت
بِمزادَتَيـــنِ بِظَهـــرِ ذي وَخـــدانِ
فَــدَعا وَسـَمّى اللَـهَ يَتفُـلُ فيهِمـا
فَاِنهَلَّتــــا كَمُجَلجــــلٍ هَتّــــانِ
فَـــرووا وَأَنَّ مَزادَتَيهـــا شــُدَّتا
وَهُمــا بِــأَزكى المــاءِ وافِرَتـانِ
فَمَضـــَت بِبِــرٍّ ثُــمَّ مــاءٍ وافِــر
وَهُـــدى إِلــى قَــومٍ ذوي أَوثــانِ
وَكَــذاكَ أَدخَــلَ فــي إِنــاء كَفَّـهُ
وَالجَيــشُ مــن ظَمَــأٍ ذَووا هيمـانِ
فَلَظَــلَّ يَنبُـعُ مِـن أَصـابِعِهِ الـرَوى
وَيَــرودُ قَلــبَ الحــائِمِ الحَــرّانِ
وَلَقَــد تَفَجَّــرت الرّكِـيُّ بِسـَهمِهِ ال
مَغــروزِ فيهــا مِــن أَعَــزِّ كنـانِ
وَأَتــى عَلــى بِئرٍ تَمَنَّــعَ ماؤُهــا
أَن يُســـتَقى بِالـــدَلوِ وَالأَشــطانِ
فَغَــدَت بِمــاءٍ فيــهِ فاضـِل ريقـهِ
نَهــراً مِــنَ الأَنهــارِ ذا جَرَيــانِ
وَشـــَكى ذَوو بِئرٍ تَمَنَّـــعَ ماؤُهــا
فــي الصــَيفِ عِنـدَ تَوَقُّـدِ الحَـرّانِ
فَتَلا عَلــى سـَبعٍ عُـدِدنَ مِـنَ الحَصـى
مــا شــاءَ مِــن ذِكـرٍ وَمِـن قُـرآنِ
فَرَمـوا بِهـا فيهـا فَلَـم يُرَ قَعرُها
مِــن بَعــدِ مِــن مـاءٍ بِهـا مَجـانِ
وَتَحَــوَّلَ المِلــحُ الأُجــاجُ بِريقِــهِ
عَـــذباً يَلـــذُّ لِشـــارِبٍ ظَمـــآنِ
وَســَقى فَــرَوّى بِالــذَّنوبِ حَديقَــةً
فَكَفــى المشــَقَّةَ صــاحِبَ البُسـتانِ
وَاِسـمَع حَـديثَ أَبـي هُرَيـرَةَ إِذ غَدا
وَفُـــؤادُهُ بِـــالجوعِ ذو أَشـــجانِ
فَــأَتى النَبِــيَّ المُصـطَفى مُتَعَرِّضـاً
فَليبشــــرِ الدوســـِيُّ بِالإِحســـانِ
فَأَتــاهُ قَعــب ملــؤُهُ لَبَنـاً فَلَـم
يَملِـــك طَماعَـــة جــائِعٍ لَهفــانِ
قالَ اُدعُ لي الفُقَراءُ أَهلَ الصّفَّةِ ال
شــُعثُ الــرُؤوس الضــُمَّرِ الأَبــدانِ
فَـأَتوا فَلَـم يَصـدُر فَـتى عَـن قَعبِهِ
إِلّا بِصـــــَدرٍ نـــــاعِمٍ رَيّــــانِ
ثُــمَّ اِرتَـوى الدوسـِيُّ بَعـدَ إِياسـِهِ
عَلَلاً عَلـــى نَهـــلٍ فَثِــق بِبَيــانِ
وَرَأى اِبــنُ مَســعودٍ وَكـانَ غليّمـاً
يَرعــى بِــأَجرٍ لَــم يُعَــب بِخِيـانِ
فَأَتـاهُ عَبـدُ اللَـهِ بِالشـاةِ الَّـتي
لَــم يَفتَرِعهــا الفَحـلُ بِـالنَزَواتِ
فَتَحَلَّبَـــت لَبَنـــاً لَــهُ وَتَقَلَّصــَت
فَجَـــرى بِوفــقِ مُــرادِهِ الأَمــرانِ
وَكَــذاكَ مَــرَّ بِــأُمِّ مَعبَــد الَّـتي
وَصــَفَتهُ وَصــفَ المُعــرِبِ المتقـانِ
فَــأَتَت بِشــاةٍ حــائِلٍ فــي ماحِـلٍ
منـــعَ العِيـــال دَرائِر الأَلبــانِ
فَــدَعا وَسـَمّى اللَـهَ يَمسـَحُ ضـرعَها
مَســـحاً وَيُمريـــهِ بِخَيــرِ بَنــانِ
فَــاِجتَرَّت العَجفــاءُ بَعــدَ مَجاعَـةٍ
وَغَــــدَت تـــدرُّ بِتُحفَـــةِ العجلانِ
فَــرَووا جَميعـاً وَالفَتـاةُ وَغـادَرَت
مِلــءَ الإِنــاءِ لزَوجِهــا الغرثـانِ
وَســـَرى بِقفَــرٍ فــي مِئات أَربــعٍ
فـــاتَتهُم شـــاةٌ لَهـــا قرنــانِ
فَــرَووا بِخـالِصِ دَرِّهـا ثُـمَّ اِغتَـدَت
مِــن حَيـثُ جـاءَت لَـم تُصـَب بِمَكـانِ
وَثَنــى إِلَيــهِ دَوحَتَيــنِ فَمالَتــا
حَتّـــى تَخَلَّــت مِنهُمــا الســاقانِ
فَأَظَلَّتــاهُ وَعادَتــا فَــإِذا هُمــا
فَــوقَ العُــروقِ الخُضــرِ قائِمَتـانِ
وَدَعــا إِلَيــهِ بِــأَرضِ مَكَّـةَ دَوحَـةً
فَـــأَتَت مُحَيّيـــةً وَلَـــم تَســتانِ
وَأَتـــاهُ أَعرابِـــيٌّ اِتّضــَحَت لَــهُ
ســُبُلُ الهُــدى بِــالقَطعِ وَالإِيقـانِ
لَمّــا أَتَتــهُ دَوحَــةٌ شــَهِدَت لَــهُ
بِنُبُــوَّةِ المَلِــكِ العَظيــمِ الشـانِ
وَدَعــا بِعــذقٍ مِــن أَعـالي نَخلَـةٍ
فَــأَتى إِلَيــهِ وَعــادَ نَحـوَ إِهـانِ
وَعَلا حـــراءَ ذات يَـــومٍ فَــاِنثَنى
لِجَلالِــــهِ مُتَزَلــــزِل الأَركــــانِ
فَغَـــدا يُســـَكِّنُهُ وَيشــعِرهُ بِمَــن
قَـــد حَلَّــهُ مِــن خُلَّــصِ الأَعيــانِ
وَشــَكا إِلَيــهِ صـِيال سـانِيَةٍ لَهُـم
قَــومٌ فَــذَلَّ لَـهُ البَعيـرُ السـاني
أَهـــوى إِلَيــهِ ســاجِداً مُتَــذَلِّلاً
وَأَطــاعَهُم مِــن بَعــدِ مـا عِصـيانِ
وَكَــذاكَ خَــرَّ لَــهُ بَعيــرٌ سـاجِداً
قَـــد أَقبَلَــت عَينــاهُ بِــالهَملانِ
يَشــكو إِرادَةَ أَهلِــهِ نَحــراً لَهُـم
فَأَغــاثَهُ غَــوث الأَســيرِ العــاني
وَبِــهِ بَطيـءُ الخَيـلِ أَصـبَحَ سـابِقاً
لَمّـــا عَلاهُ وَصـــارَ خَيــرَ حِصــانِ
وَبَعيــر جــابِرٍ المُخَلَّــفِ بِـالوَجى
فيــــهِ غَـــدا ذا قَســـوَةٍ وَإِرانِ
وَحَــــديثُهُ بِالغائِبـــاتِ مُؤَيَّـــدٌ
بِوُقــوعِ مــا يجلـى مِـنَ الحـدثانِ
كَصــَحيفَةٍ دَرَسَ الَّــذي قَــد أودعـت
مِــن جورِهــا ضــَربٌ مِـنَ الدّيـدانِ
قَصــَدَت قُريــشُ بِهـا قَطيعَـةَ هاشـِمٍ
فَأُزيــلَ مــا فيهـا مِـنَ العُـدوانِ
فَــدَرى النَبِــيُّ بِهـا فَـأَعلَمَ عَمَّـهُ
وَالأَمــرُ خــافٍ مِــن ذَوي الطُغيـانِ
وَحَــديثُهُ بِمَصــارِعِ القَتلــى عَلـى
بَـــدرٍ غَـــداةَ تَقابــل الصــَفّانِ
وَحَــديثهُ العَبّــاس بِالمـالِ الَّـذي
أَعطــاهُ أُمَّ الفَضــلِ فــي كِتمــانِ
وَســَرى عُمَيـرٌ نَحـوَ طيبَـةَ بَعـدَ أَن
أَضــفى عُقــودَ الشــَرِّ مَـع صـَفوانِ
مُتَقَلِّـــداً بِالســَيفِ يَبغــي غِــرَّةً
لِمُمَنَّـــعٍ مِـــن كَيـــدِ ذي شــَنَآنِ
فَــأَتى بِـهِ الفـاروقُ يُمسـِكُ سـَيفَهُ
يَخشـــى مَعَـــرَّةَ غـــادِرٍ خَـــوّانِ
قــالَ المُؤَيّــدُ خَلِّــهِ وَأَذاعَ مــا
كانــا بِــهِ فـي الغَيـبِ يَـأتَمِرانِ
فَــرَأى عُمَيــر مــا دَعـاهُ لِرُشـدِهِ
فَاِنقـــادَ بَعــدَ نُفــورِهِ لِليــانِ
وَتَكَلَّمَــت فــي فَتــحِ مَكَّــةَ فرقَـةٌ
ســــَمِعوا بِلالاً مُعلِنـــاً بِـــآذانِ
فيهِــم أَبـو سـُفيانَ كُـلٌّ قـالَ مـا
فيـــهِ القَــذى إِلّا أَبــا ســُفيانِ
فَأَتــاهُم الهــادي فَـأَخبَرَ بِالَّـذي
قـــالوا وَوُفِّـــقَ مُمســِكٌ لِلِســانِ
وَقَضـــى بِصـــُلحٍ بِعــدَهُ سَيُصــيبُهُ
بِالســَيِّدِ الحَســَنِ اِبنــهِ فِتيــانِ
وَلَقَـــد رَأى رَجُلاً فَـــأَخبَرَ أَنَّـــهُ
يَلِــدُ الخَــوارِجَ شــَرَّ مـا ولـدانِ
وَقَضــى بِـأَنَّ المَخـدِجَ اليَـد فيهِـم
وَبِـــهِ عَلِـــيٌّ كـــانَ ذا إيقــانِ
وَعَلــى المَشـارِقِ وَالمَغـارِبِ جُنـدُهُ
أَضـــحَوا بِمَوعِـــدِهِ ذَوي ســـُلطانِ
وَبِوَعــدِهِ ظَفَــروا بِكَنــزَي فــارِسٍ
وَالــرّوم ينفــقُ فيهِمـا الكَنـزانِ
وَكَــذاكَ أَخبَــرَ ذاتَ يَــومٍ صــَحبَهُ
أَن ســـَوفَ يَظهَــرُ بَعــدَهُ صــِنفانِ
صــنفٌ بِأَيــديهِم ســِياطٌ تُشـبِهُ ال
أَذنــابَ مِــن بَقَــرٍ وَصــِنفٌ ثـاني
مِـــن كاســـِياتٍ عارِيــاتٍ فِتنَــة
لِلنّـــــاسِ بِالتَمييــــلِ وَالميلانِ
رُفِعَــت كَأَســنِمَةُ الجِمــالِ البُخـتِ
مِـن فَـوقِ الـرُؤوسِ حَبـائِلَ الشَيطانِ
وَيَجيــءُ قَــومٌ لا أَمانَــةَ عِنــدَهُم
مِــن عُصــبَةٍ ثلــجِ البُطـونِ سـِمانِ
وَسـَتَظهَرُ التُـركُ الصـِغار الأَعيُن ال
دُلــف الأُنــوفِ مُــدَمِّروا البُلـدانِ
يَحكــي مِجَنّـا مُطرِقـاً وَجـهَ الفَـتى
مِنهُــم وَقَــد ظَهَــروا بِهَــذا الآنِ
فَتَكــوا بِـأَطرافِ البِلادِ وَنَحـنُ فـي
ثِقَــةٍ بِــهِ مِــن كَيــدِهِم وَأَمــانِ
ضــَمِنَ النَبِــيُّ لِبَيضــَةِ الإِسـلامِ أَن
لا تُســتَباحُ ثِقــوا بِخَيــرِ ضــَمانِ
وَقَضــى بِهَــرجٍ هــائِلٍ هُــوَ ظـاهِر
فــي عَصــرِنا هَــذا مِـنَ العجمـانِ
قَتَلــت طُغــاة خَــوارِزمَ رِجالنــا
وَســَبوا حَريـمَ النـاسِ بَعـدَ صـِيانِ
وَكَـــذاكَ أَخبَــرَ أَن ســَبَّ صــحابهِ
مــا لِلمُصــِرِّ عَلَيــهِ مِــن غُفـرانِ
عِلمـــاً بِقَــومٍ يَجهَــرونَ بِســَبِّهِم
مِـــن كُـــلِّ غمــرٍ فــاحِشٍ لَعّــانِ
وَسـَموا الصـَّحابَةَ بِالنِّفـاقِ فَيا لَهُ
حَـــدَثاً تُصـــَمُّ لِأَجلِـــهِ الأُذُنــانِ
فَلَقَـــد وَجَــدنا وَعــدَهُ مُتَيَقّنــاً
فيمـــا ذَكَـــرت بِمَســمَعٍ وَعَيــانِ
وَالصـَّخرُ لانَ لَـهُ بِيَـومِ الخَنـدَقِ ال
مَيمــونِ ليــنَ التُــربِ وَالأَطيــانِ
وَلَقَـــد تَبَــدَّت لِلصــَحابَةِ كَدِيَــة
لَــم يَســتَطيعوا حَفرَهــا بِجفــانِ
فَــأَتى فَــرَشَّ المـاءَ رَشـّاً فَوقَهـا
فَغَـــدَت لَــهُ تَنهــالُ كَالكُثبــانِ
ظَهَــرَت قُصـورُ الشـامِ مِنـهُ بِضـَربَةٍ
وَقُصـــورُ فـــارِس رَبَّــة الإيــوانِ
ظَهَــرَت بِــأُخرى ثُـمَّ أُخـرى أَظهَـرَت
يمنـــاً بِضـــَربَةِ ضــامِرٍ ســَغبانِ
وَالجِــذعُ حَــنَّ إِلَيـهِ عِنـدَ فِراقِـهِ
شــَوقاً حَنيــنَ الهــائِمِ الوَلهـانِ
فَـــأَتى يُســـَكِّنُهُ وَقــالَ مُخَيِّــراً
إِن شــِئتَ تَرجِــع أَخضــَرَ العيـدانِ
أَو إِن تَشـَأ فـي الجَنَّةِ العُليا تَكُن
فَاِختــارَ غَرســاً فـي نَعيـمِ جنـانِ
وَبِكَفِّــهِ الحَصــياتُ ســَبعاً ســَبَّحَت
وَبِـــأَمرِهِ فــي كَــفِّ كُــلِّ هجــانِ
وَهمــا وَزيــراهُ وَعُثمــانُ الَّــذي
بِكَريمَتَيــهِ زَكــى لَــهُ النــورانِ
وَنــوت لَــهُ حَمّالَــةُ الحَطَـبِ الأَذى
فَلَبِئســَما هَمَّــت بِــهِ مِــن شــانِ
فَـــأَظَلَّهُ ملـــكٌ بِفَضـــلِ جَنــاحِهِ
فَاِنصـــاعَتِ اللَكعــاء بِالحِرمــانِ
وَســَعى أَبــو جَهـلٍ إِلَيـهِ بَعـدَ أَن
حَلَــفَ اللَعيــنُ بِــأَخبَثِ الأَيمــانِ
لَــو قَــد رَآهُ ســاجِداً لَسـَطا بِـهِ
فَلَكَيــفَ أَدبَــرَ عَنــهُ ذا نكســانِ
لَمّــا رَأى مَـن لَـو دنـا لَتَخَطَّفـوا
أَعضــــاءَهُ كَتَخَطُّــــفِ العِقبـــانِ
وَأَتــاهُ ذو كَيــد بِفهــرٍ فَـاِنثَنى
وَبَنـــانهُ بِـــاليَبسِ شــَرُّ بَنــانِ
وَكَفــاهُ رَبُّ العَــرشِ شــَرَّ عِصــابَةٍ
مَــرَدوا عَلــى السـُخرِيِّ وَالطّعنـانِ
مُســـتَهتِرينَ بِــأَرضِ مَكَّــةَ خَمســَةً
لَـــم يَكتَمِـــل لِهَلاكِهِــم يَومــانِ
وَأَتَـت شـَياطينُ الفِجـاجِ إِلَيـهِ فـي
أَيـــديهِم شـــُهُبٌ مِــنَ النّيــرانِ
يَبغــونَهُ كَيــداً فَأَطفَــأَ نــارَهُم
فَتَفَرَّقــــوا بِمَذَلَّــــةٍ وَهَــــوانِ
وَأَرادَ شـــــَيطانٌ أَذاهُ فَشـــــَدَّهُ
بَيــنَ الســَواري شــَدَّ عــان جـانِ
لَــولا دُعــاء ســابِق أَضــحى لَفـي
وَســَطِ المَدينَــةِ لُعبَــةَ الصـِّبيانِ
وَذراع شـــاةِ الخَيبَرِيَّــة أَصــبَحَت
بِالســــُمِّ تُخبِــــرُهُ بِلا أَكنـــانِ
وَاِنقـــضّ طـــائِرٌ اِســتَقَلَّ بِحقّــةٍ
فَرَمــى بِمــا فيهــا مِـنَ الجنّـانِ
وَأَعـــادَ عَيــن قَتــادَة فَتَمَيَّــزَت
بِجَمالِهــا فــي وَجهِــهِ العَينــانِ
وَرَأى بِبــابِ خِبــاءِ قَــومٍ ظَبيَــةٍ
مَحبوســـَةً عَـــن مَرتَــعِ الغــزلانِ
نَطَقَــت فَنـادَتهُ السـَلامُ عَلَيـكَ كُـن
لــي مُطلقــاً لِأَســير نَحـوَ إِرانـي
قـالَ الشـَديدُ الحلـمِ أَنـتِ رَبيطَـةٌ
وَنَصـــيب أَقــوامٍ مِــنَ الحَيــوانِ
قــالَت فَلــي خشـفانِ إِن أَهمَلتنـي
يَهلِــك لفَقــدِ رضــاعي الخَشــفانِ
عــذّبتُ كالعشــّارِ إِن لَــم آتِكُــم
مِــن بَعــدِ أَن أَغــذوهُما بلبــانِ
فَســَقَتهُما وَأَتَــت إِلَيــهِ فَشــَدَّها
بِحِبـــالِ قَنّـــاصٍ أُغِـــرنَ مِتــانِ
وَدَعــا بِمالِكِهــا فَأَطلَقَهــا لَــهُ
فَمَضــَت لَهــا زَجــل مِـنَ الشـُكرانِ
وَأَتــى إِلَيــهِ حــارِسٌ فــي كمِّــهِ
ضـــَبٌّ وَكــانَ المَــرءُ ذا كُفــرانِ
فَهَـــدتهُ لِلحُســنى شــَهادَةُ ضــَبِّهِ
بِرِســالَةِ المَبعــوثِ مِــن عَــدنانِ
وَأَتــى أُوَيــسٌ وَهــوَ ذِئبٌ ســائِلاً
قســطاً يَكــونُ لَـهُ عَلـى القِطعـانِ
فَــأَبوا فَقــالَ لَـهُ فَخالسـهُم إِذاً
فَســـَطا تعطّفــهُ عَلــى البُرحــانِ
وَأَتَـــت يَهـــودُ معــدَّةً لِمَســائِلٍ
فَأَجــابَهُم عَنهــا بِغَيــرِ تَــواني
عَرَفــوا نُبُــوَّتَهُ بِهــا وَبِغَيرِهــا
لَكِنَّهُـــم ضـــَلّوا عَــنِ العِرفــانِ
وَلَقَــد رَأى مِــن خَلفِــهِ كَأَمــامِهِ
وَكَـــذا النَّهــارُ وَلَيلــهُ ســيّانِ
وَتَنـــامُ عَينــاهُ وَلَيــسَ بِغافِــلٍ
لَكِـــن بِقَلـــبٍ مُبصـــِرٍ يَقظـــانِ
وَأَتـى إِلـى العَبّـاسِ ثُـمَّ دَعـا لَـهُ
وَلِولــدِهِ فــي الــدارِ بِـالغُفرانِ
فَتَلاهُ تَـــأمينُ الجِــدارِ وَقَبلهــا
لَــم يُســمَعِ التَـأمينُ مِـن جُـدرانِ
وَدَعــا عَلِيّـاً يَـومَ خَيبَـرَ وَهـوَ لا
يَســـطيعُ حَربــاً أَرمَــدَ الأَجفــانِ
فَــدَعا لَـهُ مَـع تَفـلِ ريقَتِـهِ فَلَـم
تَرمُــد لَــهُ مِــن بَعــدِهِ عَينــانِ
وَدَعـــا لَــهُ أَن لا يضــرَّ بِجِســمِهِ
حَـــــرٌّ وَلا بَــــردٌ بِكُــــلِّ أَوانِ
فَشـــِتاؤُهُ فيــهِ القَميــصُ كَجبَّــةٍ
وَالصــَيفُ فيــهِ الفَــروُ كَالكِتّـانِ
وَكَــذا اِبــنُ عَبّــاسٍ أَعَـدَّ طهـورَهُ
فَــدَعا لَــهُ بِــالعِلمِ وَالتِبيــانِ
فَحَـوى العُلـومَ وَكـانَ طَـوراً راسِخاً
فيهـــا وَأَمعَــنَ غايَــةَ الإِمعــانِ
وَشـَكا إِلَيـهِ وَهـوَ فَـوقَ المِنبَرِ ال
مَيمـــونِ شــاكٍ ظــاهِر البابــانِ
يَشــكو البِلادَ وَقَحطَهـا فَـدَعا فيـا
غَيـــث الســَّماءِ هَلُــمَّ بِــالهُطلانِ
وَأَقــامَ ســَبعاً لا يريــمُ فَجــاءَه
شـــاكٍ يَخـــافُ تَهَــدُّمَ الحيطــانِ
فَــدَعا فَأَحــدَقَ بِالمَدينَـةِ صـَحوها
بَـل عَـن سـِواها الغَيـثُ لَيـسَ بِوانِ
فَأَقـــامَ شــَهراً لا يَمُــرُّ مُســافِر
إِلّا بِــــوادٍ مُفعَــــم البِطنـــانِ
وَدَعـــا بِغَيـــثٍ ذي صــِفاتٍ عــدَّة
فَــــأَتى كَمــــا حَلّا بِلا نُقصـــانِ
وَدَعــا لِشـَخصٍ بِالجَمـالِ فَجـاوَزَ ال
تِســـعينَ وَهــوَ كَأَجمَــلِ الشــُبّانِ
وَلَقَـد رَوى أَنَـسٌ دَعـا بِـالعُمرِ وال
بَركـــاتِ وَالأَولادِ لـــي وَحَبـــاني
فَرَأَيـــتُ لــي مِئَةً وَســِتَّة أَنفُــس
لِلصــُلبِ كــانوا أَبــرَكَ الغِلمـانِ
وَالكَــرمُ يَحمِــلُ مَرَّتَيــنِ وَتجتَنـي
لِتَضــاعُفِ البَرَكــاتِ فــي بُســتانِ
وَبَغـــى أَخــو دوسٍ هِدايَــةَ أمِّــهِ
فَـــأَبَت فَأَقبَــلَ مُســتَهلّ الشــانِ
وَدَعــــا لَـــهُ وَلِأُمِّـــهِ بِمَحَبَّـــةٍ
حَلَّـــت بِبـــاطِنِ كُــلِّ ذي إيمــانِ
وَدَعــا المُهيمــن أَن يُسـَلِّطَ كَلبَـهُ
يَومـــاً عَلـــى مُتَمَـــرِّدٍ فَتّـــانِ
فَـــأَظلَّهُ ســـَفرٌ فَخـــافَ دُعــاءَهُ
فَــدَعا بِمَــن مَعَــهُ مِــنَ الأَخـدانِ
فَتَحَلَّقــوا هُــم وَالرَواحِــلُ حَـولَهُ
فَـــدَهاهُ بَـــأسُ غَضــَنفَرٍ غَضــبانِ
فَاِغتــالَهُ مِــن بَينِهِـم فَـإِذا بِـهِ
وَســطَ العَريــنِ مُمَــزَّقُ الجُثمــانِ
وَاِشـــتَدَّ بَــردُ غَــدوَةٍ فَتَخَلَّفــوا
عَنهـــا تَخَلُّـــفَ عـــاجِزٍ كَســـلانِ
فَـدَعا بِكَسـرِ الـبردِ عَنهُم فَاِغتَدوا
يَتَرَوَّحــــــونَ بِفاضـــــِلِ الأَردانِ
هُـــوَ أَوَّلُ البنــاءِ خَلقــاً آخــرٌ
فــي البَعــثِ جَــدَّدَ دارِسَ الأَديـانِ
وَاِضـرِب لَـهُ فـي بَعثِـهِ مِـن بَعـدِهِم
مَثَلاً كَــدارٍ قَــد بَناهــا البـاني
فَســَمَت وَراقَــت غَيـرَ موَضـِعِ لَبنَـةٍ
وَمُحَمَّـــدٌ هُـــوَ مُكمِــلُ البُنيــانِ
فَضــلُ الكِـرامِ المُصـطفينَ جَميعهُـم
بَخصــائِصَ اِجتَمَعَــت لَــهُ وَمَعــاني
عَــمَّ البَرايــا بِالرّسـالَةِ إِنسـِهِم
وَالجِـــنّ ثمَّـــتَ خــصَّ بِالفُرقــانِ
جُعلَــت لَـهُ الأَرضُ البَسـيطَةُ مَسـجِداً
وَتُرابُهــا جُعــلَ الطَهـورَ الثـاني
وَلَــهُ الغَنــائِمُ حُلّلَــت وَلِنصــرِهِ
ريــحُ الصــَّبا كـانَت مِـنَ الأَعـوانِ
وَالرُّعـبُ كـانَ عَلـى مَـدى شـَهرٍ لَـهُ
بِقلــوبِ مَــن عــاداهُ وَخـز سـِنانِ
خلعَــت عَلَيــهِ قَطيفَــةٌ مِـن سـُندُسٍ
فَلَــهُ اِسـتِقامَ الزُّهـدُ عَـن إِمكـانِ
وَأَتــى إِلَيــهِ هَدِيَّــة مِــن رَبِّــهِ
مِــن جَنَّــةِ الفِــردَوسِ قطـفٌ دانـي
وَلَقَــد أَتــى عَنــهُ حَــديثٌ مُسـنَدٌ
سَأَســـوقُ مَعنـــاهُ لِــذي نشــدانِ
فــي خصــلَتَينِ يَفــوقُ آدَمَ فيهِمـا
وَهُمـــا لِأَهـــلِ الحَــقِّ واضــِحتانِ
شــَيطانُ آدَم كــافِرٌ يغــوي وَقَــد
وَصــَلَت هِــدايَتُهُ إِلــى الشــَيطانِ
وَلزَوجـــه عَـــونٌ عَلَيـــهِ وَإِنَّــهُ
بِنِســائِهِ قَــد كــانَ خَيــر مُعـانِ
وَحَليلَتـــا نـــوحٍ وَلــوطٍ ضــَلَّتا
فَهُمـــا بِــرَبِّ العَــرشِ كافِرَتــانِ
وَنِســاؤُهُ الخَيــرات هُــنَّ نِســاؤُهُ
مَــع ناعِمــاتٍ فـي الجِنـانِ حِسـانِ
حُرّمــنَ أَن ينكحــنَ تَعظيمــاً لَــهُ
مِــن بَعــدِهِ وَعُصــِمنَ مِــن بُهتـانِ
وَهــوَ الحَــبيبُ وَلَــم يَفُتـهُ خلَّـةٌ
وَلَـــهُ الكَلامُ وَرُؤيَـــةُ الرَحمَـــنِ
لَــو أَنَّ موســى فـي زَمـانِ نَبِيِّنـا
أَضــحى لَــهُ تَبَعــاً وَلَــم يسـتانِ
وَلــذكره المَرفــوع مُقتَــرِنٌ إِلـى
ذِكـــرِ الإِلَـــهِ فَلَيــسَ يَفتَرِقــانِ
بِحَيـاتِهِ فـي الحجـرِ أَقسـَمَ مَـن بِهِ
فــي الشـَرعِ يعقـدُ مُحكَـم الأَيمـانِ
وَبَنــى عَلــى خلــق عَظيــمٍ وَصـفهُ
فَســَمَت لَـهُ فـي المَجـدِ غـرَّ مَعـانِ
وَدَعـا جَميـع أولـي النُّبُوَّةِ بِاِسمِهِم
وَدَعــاهُ بِــالتَعظيمِ فــي القُـرآنِ
وَكَـذاكَ رَدَّ اللَـهُ عَنهُ عَلى أولي ال
تَكــــذيبِ رَدَّ مُماحِــــل حَنّــــانِ
وَســِواهُ رَدَّ عَلـى الخُصـومِ مُمـاحِلاً
عَـــن نَفســـِهِ فَتَبــايَنَ الحــالانِ
وَلمـا أَتـى في النّورِ وَالحجَراتِ مِن
تَعظيمِـــهِ كـــاف لِـــذي إيمــانِ
فَلَقَــد نُهـوا أَن يَجعَلـوهُ كَبَعضـِهِم
عِنــدَ الخِطــابِ وَيَجهَــروا بِلِسـانِ
الآخــرونَ وَلَيــسَ عَــن نَقــصٍ بِهِـم
لَكِــــن تَفَضـــُّلَ مُحســـِن مَنّـــانِ
هُــم يَشــهَدونَ عَلـى عُيـوب سـِواهُم
وَعُيـــوبهم فـــي ســُترَةٍ وَصــِيانِ
وَهُـمُ الكِـرامُ السـابِقونَ غَـداً وَهُم
نِصـــفٌ لِأَهــلِ الفَــوزِ أَو ثُلُثــانِ
ســُبحانَ مَــن مَنَـحَ النَبِـيَّ مُحَمَّـداً
مِنـــهُ بِحُســنِ الخلــقِ وَالإِحســانِ
لَكَـــأَنَّهُ قَــد صــاغَهُ مِــن فِضــَّةٍ
وَكَســاهُ نــوراً ســاطِع اللَمَعــانِ
مُتَبلّــج بــادي الوَضــاءَةِ بــاهِر
فــي الحُسـنِ دانَ لِنـورِهِ القَمَـرانِ
فــي الـوَجهِ تَـدويرٌ وَأشـربَ حمـرَة
فَــوقَ البَيــاضِ الزاهِــرِ الخَـدّانِ
رَوّاهُمــا مــاءَ الجَمــالِ فَأَصـبحا
وَهُمـــا بِرَونَـــقِ رَوضــَةٍ نَضــِرانِ
رَحِــبُ الجَـبينِ تَخـالُ ضـَوءَ جَـبينهُ
كَالشــَمسِ بَعـدَ الصـَحوِ فـي نيسـانِ
زانَ اِمتِــدادُ الحــاجِبَينِ جَــبينَهُ
حَتّـــى كَأَنَّهُمـــا لَـــهُ نونـــانِ
بِجَـــبينِهِ عــرقٌ يــدرُّ إِذا ســَطا
غَضــَباً عَلــى الأَعـداءِ يَـومَ طِعـانِ
وَإِذا أَتـــاهُ الأَمــنُ زانَ جَــبينهُ
عـــرقٌ تَحَـــدَّرَ فَـــوقَهُ كَجُمـــانِ
فــي عَينِــهِ دَعَــجٌ وَفــي أَهـدابِهِ
وَطَـــف يَليـــقُ بِنَرجِــسِ الأَجفــانِ
أَقنــى يَلـوحُ النُّـور مِـن عرنينِـهِ
حُلــو المَياســِمِ أَشــنَبُ الأَســنانِ
يَفتَــرُّ عَــن مِثــلِ اللآلِــئِ ضـَمَّها
شـــَفَتانِ كَاليـــاقوتِ مُشـــرِقَتانِ
كَالمِســكِ نَكهَتُــهُ وَأَطيَــب مَخبَـراً
مــا خـالَ عَنـهُ بِطيبِهـا البَـردانِ
وَالــرَّأسُ مِنــهُ لَـم تُعجِبـهُ صـَلعَةٌ
وَالشــَّعرُ فــاقَ مَنــابِتَ الرَيحـانِ
رَجُــلٌ أَثيــثُ النَّبــتِ لا قطـطٌ وَلا
ســبطٌ يعطّــرُ نَشــرَ دهــنِ البـانِ
مـا جـازَ شـَحمَة أُذنِـهِ وَلَرُبَّمـا اِس
تَرخـــــى بِفَرعِــــهِ الكَتِفــــانِ
فــاقَ الصـَّباح بِحُسـنِ فَـرقٍ يهتَـدي
بِضــِيائِهِ قَلــبُ الفَــتى الحَيـرانِ
زانَ المُهيمِـــنُ عارِضــَيهِ بِصــُنعِهِ
فَهُمـــا بِـــأَطهَرِ مَنبِــتٍ عَطِــرانِ
تَتَلألأُ الشـــّعراتُ نـــوراً فيهِمــا
لَهُمــا الســَّنا وَالعِــزّ مُكتَنِفـانِ
وَكَـــأَنَّ إِبريقـــاً مَصــوغاً فضــَّةً
عُنــقٌ لَــهُ فــاقَت بِحُســنِ لِيــانِ
وَالصــَدرُ أَنـوَرُ فيـهِ مَسـرَبَة سـَمَت
حُســناً كَخَــطِّ الكــاتِبِ المِتقــانِ
وَذِراعُـــه كَســـَبيكَةٍ مِـــن فِضــَّةٍ
وَيزيــنُ رَحــبَ الكَــفِّ ليـنُ بنـانِ
هِــيَ جَونَــةُ العَطّـارِ إِن شـُمَّت وَإِن
لُمِســـَت فَتِلــكَ كَزُبــدَةِ اللَبّــانِ
كَتِفــاهُ قَــد خُصــّا بِأَشـرَفِ خـاتَمٍ
عَلـــم النُّبُــوَّةَ زيــنَ بِــالخيلانِ
وَالبَطــنُ مِنــهُ لَــم تعبـهُ ثَجلَـة
هُــوَ فــي الجمــالِ وَصـَدرِهِ سـيّانِ
وَكَـــأَنَّ ســـاقَيهِ بِغَــرزِ رِكــابِهِ
جمّارَتــــا شــــَماء بَيضــــاوانِ
قَــدَماهُ خَلقُهُمــا ســَوِيٌّ ثُــمَّ لَـم
يُـــدرِكهُما فـــي رِفعَــةٍ قَــدَمانِ
لا بِالطَويــلِ وَلا القَصـيرِ وَإِن مَشـى
بَيــنَ الطِــوالِ فَأَنضــَر الأَغصــانِ
لا ظِــلَّ فــي قِصـَرِ الزَّمـانِ وَطـولِهِ
فَــوقَ الثَّــرى لِقَــوامِهِ الرَيّــانِ
مـا قابَلَ الشَّمسَ المُنيرَةَ في الضُّحى
وَالبَــدر وَهــوَ بِأَكمَــلِ الـدَورانِ
إِلّا تَلَألَأَ نـــــــورُهُ فَعَلاهُمــــــا
فَهُمـــا لَــهُ بِالفَضــلِ مُعتَرِفــانِ
وَإِذا ســَنا المِصـباح قابَـلَ نـورهُ
ســَلَبَ الــذُبال تَشَعشــعَ الوقـدانِ
أَو مـا سـَمِعت بِرَبِّـهِ النَّطـعَ الَّـذي
أَضــحى لَــهُ عَــرَقُ النَبِـيِّ يُـداني
فَلَقَــد حَــوَتهُ فـي عَتـائِدِ طيبِهـا
فَشـــَآ فُنــونَ الطيــبِ وَالإِدهــانِ
وَأَتَتــهُ أُمُّ عَــروس اِلتَمَســَت لَهـا
مِنــهُ الَّــذي هُــوَ مُصــلِحٌ لِلشـانِ
مَلَأَ النَبِــــيُّ لِهــــذِهِ قـــارورَةً
عَرَقــاً لَــهُ ســَمَحَت بِـهِ الزنـدانِ
كـانَت يَضـوعُ عَلـى المَدينَـةِ طيبُها
فَيُقـــالُ هَـــذا عِطــرُ بِنــتِ فُلانِ
فَخـــر المَلابِــس كُلّهــا بِجَمــالِهِ
وِبِـــهِ تُـــزانُ بَــدائِعُ الأَلــوانِ
يُنمــي إِذا لَبِــسَ البَيـاضَ بَهـاؤُهُ
وَيُنيــرُ إِن وافــى بِــأَحمَرَ قــانِ
وَيُضــيئُ إِن لَبِــسَ السـَّوادَ بَياضـُهُ
حَتَّـــى يُنَـــوِّرَ مُظلِـــمَ الأَكنــانِ
وَتَــراهُ فـي خُضـرِ الثَيـابِ كَرَوضـَةٍ
غِـــبَّ الســَماءِ غَضَيضــَة الأَفنــانِ
وَلَقَــــد عَلاهُ حُلَّتــــانِ تَرَوّيـــا
بِــــالزَّعفَرانِ الغَـــضِّ صـــَفرَوانِ
يُهـدي إِلـى الحِبَرِ الفَخار إِذا أَتى
وَعَلَيـــهِ مِـــن يَمَنِيِّهــا بُــردانِ
مِــن كُــلِّ أَصـنافِ الثِّيـابِ لِباسـُهُ
مِــن قُطنِهــا وَالصــّوفِ وَالكِتّــانِ
قَــد كــانَ يَلبــسُ جبَّــة مَـزرورَة
فــي الحَـربِ عِنـدَ تَنـاوُلِ الأَقـرانِ
وَكَــذاكَ فــي الأَسـفارِ يَلبـسُ جُبَّـةً
شـــامِيَةً ضـــاقَت بِهــا الكُمّــانِ
مـا جـازَ نِصـف السـّاقِ مِنـهُ قَميصُهُ
وَالكُـــمُّ مِنـــهُ حَــدُّهُ الكوعــانِ
وَلَـــهُ رِداءٌ أَخضـــَرٌ يَلقــى بِــهِ
مَــن جـاءَ مِـن وَفـدٍ مِـنَ البُلـدانِ
وَعِمامَـــة ســَوداء يُشــرِقُ وَجهُــهُ
فيهــا لَــهُ مِــن خَلفِــهِ طَرَفــانِ
وَلَـــهُ قُلُنســـُوَةٌ لِيَــومِ إِقامَــةٍ
وَلِظَعنِـــهِ أُخـــرى لَهــا أُذُنــانِ
شــَرُفَ الســَراويلُ المَصـونُ بِلِبسـِهِ
وَبِلبـــسِ ســاقَيهِ ســَما الخُفّــانِ
وَحَـوَت نِعـالَ السـَّبقِ فَخـراً إِذ حَوى
قَــــدَمَيهِ مِـــن مَخصـــوفِها نَعلانِ
حُــبُّ النَبِــيِّ عَلـى النُّفـوسِ مُقَـدَّمٌ
وَالمـــــالِ وَالأَولادِ وَالرَيحــــانِ
كَلِـــفَ الجَمــادُ بِحُبِّــهِ وَدَليلُــهُ
مــا جــاءَ عَـن أحـدٍ وَعَـن حمـدانِ
مِـن صـِدقِ حُبِّهِمـا لَـهُ أَفـذو الحِجى
أَولـــى بِــهِ حُبّــاً أَمِ الحَجَــرانِ
حَســَنُ الخَلائِقِ لَــم يَكُــن بِمُعَنّــفٍ
أَحَـــداً وَلا بِالفـــاحِشِ اللعّـــانِ
فَكِـــهٌ يُـــداعِبُ أَهلَــهُ وَصــِحابهُ
بِــــالحَقِّ مَحـــروسٌ مِـــن البطلانِ
فـاقَ العَـذارى فـي الخُـدورِ حَياؤُهُ
لا جَبــهَ فيــهِ لِصــاحِبٍ أَو شــاني
مِــن لُطفِــهِ مــا مَـرَّ قَـطّ بِنِسـوَةٍ
إِلّا وَســــَلَّمَ أَو عَلــــى صـــِبيانِ
وَإِذا دَعــاهُ المَــرءُ كـانَ جَـوابُهُ
لَبَّيــــكَ لِلأَصــــحابِ وَالغِلمـــانِ
وَلَقَــد رَوى أَنَــسٌ فَقــالَ خَــدَمتُهُ
عَشــراً فَلَــم يَنقِــم عَلَـيَّ لِشـاني
مـا قـالَ أُفٍّ وَلَـم يَقُـل لِـم عاتِباً
فــي حــالِ إِهمــالي وَلا نِســياني
وَبِمســمَعٍ مِنــهُ وَمَــرأى كـانَ فـي
بَيــتِ اِبنَــةِ الصــِدّيقِ جارِيَتــانِ
يَتَغَنَّيـــانِ فَـــأَنكَرَ الصــَّدّيقُ إِذ
قَــد كــانَ يُضــربُ عِنــدَهُ دَفّــانِ
قــالَ الكَريـمُ السـَّهلُ كُـفَّ فَإِنَّهـا
أَيّــامُ عيــدٍ فَاِســمَعوا إِخــواني
وَحَــديث عائِشــَةَ الرِّضــى وَوُقـوفه
مَعَهــا لِتَنظُــرَ فِرقَــة الحبشــانِ
كــانوا بِمَســجِدِهِ وَهُـم مِـن ضـارِبٍ
بِحِرابِـــهِ دَرَقـــاً وِمِـــن زَفّــانِ
كــانَت تَكــلُّ فَتَســتَريحُ بِأُنســِها
بِوقــــور لا ضــــَجر وَلا تَعبـــانِ
وَرَأى أُناســاً عِنــدَ دَركلــةٍ لَهُـم
فَتَفَرَّقـــوا رَهَبـــاً بِكُــلَّ مَكــانِ
فَــدَعاهُم يــا آلَ إِرفـدة اِثبتـوا
لِتَـــبينَ فُســحَةُ أَشــرَفِ الأَديــانِ
وَاِستنشــدَ الأَشــعارَ مُسـتَمعاً لَهـا
مُستَحســِناً مِــن غَيــرِ مـا نُكـرانِ
أَهــدى لَـهُ العَبّـاسُ أَبياتـاً بِهـا
مَــــدحٌ يَفـــوقُ قَلائِدَ العُقيـــانِ
فَــدَعا لَــهُ وَأَتــاهُ كَعـبٌ مادِحـاً
بِقَصــــــيدَةٍ مَرضــــــِيَّةِ الأَوزانِ
أَجـــازَهُ وَلَطالَمــا مِــن قَبلِهــا
ســَمِعَ المَــدائِحَ فيــهِ مِـن حسـّانِ
هُــوَ رَحمَــةٌ لِلنّــاسِ مُهـداة فَمـن
قَبــل الهِدايَــةَ فــازَ بِالرّضـوانِ
مِــن الصــِّفاتِ المَعنَوِيَّــةِ حلمُــهُ
وَالصـَّفحُ عَـن ذَنـبِ المُسـيءِ الجاني
لَقِــيَ الأَذى مِــن قَــومِهِ وَمُــرادُهُ
إِصــــلاحُهُم وَهُــــم ذَوي أَضـــغانِ
سـَأَلوهُ تَحويـلَ الصـَفا ذَهَبـاً لَهُـم
وَزوال شــمٍّ فــي الشــِّعابِ رعــانِ
وَهُنـاكَ خُيِّـرَ إِن تَشـَأ أُعطـوا الَّذي
ســَأَلوهُ فَــإِن كَفَــروا فَزَجـرٌ دانِ
أَو إِن تَشــَأ فَاِســتَأن عَـلَّ غَـوِيَّهُم
يضــحي رَشــيداً قـالَ بَـل أَسـتاني
وَلَقَـد أَتـى مَلِـكُ الجِبـال إِلَيهِ مِن
رَبِّ الســـَّماءِ القــاهِرِ الســُّلطانِ
لَــو شــاءَ سـَوّى الأَخشـَبين عَلَيهِـم
لَكِـــن تَرَبَّـــصَ رَأفَـــةً وَحَنـــانِ
وَأَتــاهُ يَلتَمِــسُ النَـوالَ وَيَجتَـدي
مِنهُــم فَــتى جــافٍ مِـنَ العُربـانِ
جَبَـذَ النَبِـيَّ فَـأَثَّرَت فـي نَحـرِهِ ال
وَضــّاح جَبــذَة بــردِهِ النَّجرانــي
فَتَبَســـَّمَ المُختـــار ثُــمَّ أَمَــدَّهُ
بِعَطــــاء لا ســــئمٍ وَلا مَنّــــانِ
وَرَمــى اليَهــوديّ الخَـبيثُ خَـبيئَةً
مِـــن ســـِحرِهِ فــي بِئرِ ذي أورانِ
لِيَكيـــدَهُ فَكَفــاهُ رَبٌّ لَــم يَــزَل
يَحميــهِ كَيــدَ الســاحِرِ الخَزيـانِ
لَــم يَلقَــهُ يَومــاً بِــوَجهٍ باسـِر
لَكَـــأَنَّهُ مـــا كـــانَ ذا شــَنَآنِ
وَلَقَـد ثَـوى اِبنُ أبيٍّ الواهي العُرى
رَأسُ النِّفـــاقِ وَمَعـــدَن الإِدهــانِ
صــَلّى عَلَيــهِ وَزادَ فـي اِسـتِغفارِهِ
حَتّـــى نَهــاهُ عَنــهُ نَهــيَ ثــانِ
رَؤوفٌ بِـــأُمَّتِهِ رَحيـــمٌ يَــترُكُ ال
عمـلَ الكَـثير الأَجـرِ فـي الميـزانِ
لا رَغبَــة عَنــهُ وَلَكِــن يَقصــِدُ ال
تَخفيــفَ عَــن ضــُعَفاء غَيـر مِتـانِ
وَيَزيـــدُ طـــول صــَلاتِهِ فَيخِفُّهــا
لِســَماعِ صــَوتِ الطِّفـلِ ذي الأَشـجانِ
عِلمـــاً بِحرقَـــةِ أُمِّــهِ لِبُكــائِهِ
هَـــذا لَعَمــرُكَ مُصــطَفى الرَحمَــنِ
وَلَقَــد بَكــى وَدَعــا لِأُمَّتِــهِ إِلـى
أَن جـــاءَهُ فيهِــم جَــوابُ أَمــانِ
وَلَــهُ مِــن الرَحمَــنِ عَهــدٌ أَنَّــهُ
مَــن ســبَّ مِــن أَصــحابِهِ بِلِســانِ
مَــن ظَــلَّ يَجلِــدُهُ وَيَلعَنُــهُ فَفـي
هَـــذا لَعَمــرُكَ أَعظَــمُ القُربــانِ
وَلَــهُ التَواضـُع صـَحَّ عَـن شـَرَفٍ لَـهُ
شـــَهِدتَ لَــهُ بِكَمــالِهِ الــدارانِ
قَــد كـانَ يَخصـِفُ نَعلَـهُ فـي بَيتِـهِ
وَكَــذاكَ يَرقَــعُ مخلَــقُ القُمصــانِ
وَنَهـى الصـَّحابَةَ أَن يُقـامَ لَـهُ وَأَن
يُطـــرى وَأَن يُطــوى لَــهُ عَقبــانِ
رَكِــبَ الحِمـارَ بِغَيـرِ سـَرجٍ موكِفـاً
وَاللّيــفُ كــانَ لَــهُ مِـن الأَرسـانِ
وَقَضــى اليَتــامى وَالأَرامِـلَ حَقَّهُـم
وَكَـــذاكَ حاجَـــة أَعبُــدٍ وَقِيــانِ
وَأَجـابَ دَعـوَةَ مَـن دَعـا وَلَـو أَنَّـهُ
عَبـــدٌ يُبـــاعُ بِــأَحقَرِ الأَثمــانِ
بِـــالأَرضِ مَـــأكَلُهُ وَمَجلِســـُهُ بِلا
فَــرشٍ كَفِعــلِ العبـدِ ذي الخضـعانِ
وَرَآهُ إِنســــان فَأرعـــدَ هَيبَـــةً
قــالَ الجَليــل القَــدرِ لِلرُّعبـانِ
لَأنـا اِبـنُ آكِلَـةِ القَديـدِ فَلا تـرع
لَيـسَ التَجَبُّـرُ يـا فَـتى مِـن شـاني
وَلَقَــد أَتــى مَلــكٌ فَخَيَّــرَهُ عَلـى
مــا شــاءَ مِــن أَمرَيـنِ يُشـتَرَطانِ
إِن شــاءَ عَبـداً مُرسـَلاً أَو إِن يَشـَأ
مَلكـــاً رَســولاً كــانَ ذا ســُلطانِ
فَاِختــارَ عَبــداً مُرســَلاً مُتَواضـِعاً
لِلَّــــهِ رَبِّ العِــــزَّةِ الــــدَيّانِ
وَهـوَ الجَـوادُ فَلَيـسَ يَمنَـعُ سـائِلاً
مـا قـالَ لا فـي العَـدمِ وَالوِجـدانِ
بــادي البَشاشــَةِ باســِمٌ لِوُفـودِهِ
يَهتَـــزُّ مِنــهُ لِلنَّــدى العطفــانِ
كَفّــاهُ أَســخى بِالعَطــاءِ لِمُجتَــدٍ
مِـن وابِـلِ الغَيـثِ المُسـفِّ الـداني
ســَبعينَ أَلفــاً فَضــَّها فـي مَجلِـس
لَــم يَبــقَ مِنهــا عِنــدَهُ فلسـانِ
وَأَتــاهُ أَعرابِــيٌّ اِلتَمَــسَ النَّـدى
أَعطــــاهُ شــــاءً ضــــَمَّها جَبَلانِ
وَلَكــانَ أَجــوَد مـا تَكـونُ يَمينُـهُ
بِــالبِرِّ وَالمَعــروفِ فــي رَمَضــانِ
أَيّــامَ يَنــزِلُ جِبرئيـل عَلَيـهِ مِـن
رَبِّ العُلا لِدِراســـــَةِ القُـــــرآنِ
وَهـوَ الـوَفِيُّ الصـادِقُ الوَعـد الَّذي
مــا كــانَ يَومــاً مُخلفـاً لِعـدانِ
أَوَ مــا ســَمِعتَ بِصــِدقِهِ وَوَفــائِهِ
إِذا كــانَ واعَــدَ صــاحِباً بِمَكـانِ
فَأَقــامَ يَرقُبُــهُ ثَلاثــاً لَـم يَـزَل
حَتّــى أَتــاهُ الصــاحِبُ المُتَـواني
وَهـوَ الشـُّجاعُ الفـارِسُ الكَـرّارِ عِن
دَ تَقـــاعُسِ الأَبطـــالِ وَالشــُجعانِ
وَالكُفـؤُ يَـومَ حُنيـن الثَّبـتُ الَّـذي
لَمّــا تَوَلّــوا كــانَ غَيــرَ جَبـانِ
كـانوا إِذا حَمِـيَ الـوَطيسُ وَأُشـرِعَت
نَحــوَ الصــُدورِ عَوامِــل المــرّانِ
لَجَــأوا إِلَيــهِ وَاِتَّقــوا بِصـِيالِهِ
فَحَمــــى وَذَبَّ بِمُرهَــــفٍ وَســـنانِ
يَغشــى عَجاجَــةَ كُــلِّ حَــربٍ بِسـلةٍ
حَمــراءَ كاشــِرَةِ النُّيــوبِ عَــوانِ
فَيَكُـــفُّ شــِرَّتَها وَيَجلــو نَقعهــا
بِمُهَنَّــدٍ ماضــي الغِــرارِ يَمــاني
وَعَــرا المَدينَـةَ لَيلَـةً فَـرعٌ فَلَـم
يَســبِقهُ ذو فَــرَسٍ مِــنَ الســُرعانِ
وَمَضــى يَــؤُمُّ الصــَوتَ وَهـوَ مُقَلَّـدٌ
بِالســـَيفِ فَـــوقَ عمــرّد عَريــانِ
وَأَتـى يُنـادي لَـن تُراعـوا واصـِفاً
بِــالبَحرِ ســابق ذَلِــكَ المَيَــدانِ
ســَعدَت بِمَركَبِــهِ الشــَريف جِيـادُهُ
وَنِيـــاقُهُ مِـــن ســـابِقٍ وهجــانِ
هَـل فـي السـَّوابِقِ كَـاللّزارِ وَسَكبه
وَلِخيفـــهِ وَالــورد خَيــر حِصــانِ
أَو مِثــلُ مُرتَجــزٍ وَكَالضـَّربِ الَّـذي
مـــا زاغَ عَــن أَقــدامِهِ صــلوانِ
أَو فـي المَراكِـبِ كَـالعَفيرِ وَدَلـدَلٍ
وَالناقَــةِ العَضــباءِ يَــومَ رِهـانِ
وَبِبأســِهِ المَرهــوب آلَــة حَربِــهِ
فَتَكَـــت بِكُـــلِّ مُســـايِفٍ مِطعــانِ
هَـل فـي السُّيوفِ كَذي الفِقارِ وَمخذَمٍ
وَالحَتــفُ حَتــفُ كَتــائِبِ الشـَيطانِ
وَرســوب الماضــي وَبَتّــار الطُّلـى
أَو فــي القِســيّ كَشـوحطِ المرنـانِ
وَبِكَفِّــهِ الرَوحــاء وَالصـَفراء قَـد
ســمتا قســيّ البَيــعِ وَالشــّريانِ
أَو فـي الرّماحِ الشّارعاتِ كَرُمحهِ ال
يزنـــيّ ذي التّثقيـــفِ وَالعســلانِ
أَو فـي الحِـرابِ كَمثـلِ حربتِهِ الّتي
شــَرفت بِهــا الجمعـات وَالعيـدانِ
أَو فـي الـدُّروعِ السـّابِغاتِ كَـدرعهِ
ذاتِ الفضـــولِ مَظنّـــة الإِحصـــانِ
وَعَلاهُ يــومَ الفتــحِ أَشــرفُ مغفَـرٍ
وَأَحــاطَ فــي أُحــدٍ بِــهِ دِرعــانِ
ذاتُ الفضــولِ وَدرعـه السـّعديّة ال
فَضفاضـــَة المَحروســـة الأَحضـــانِ
وَلَـهُ اللّواءُ الأَبيضُ المَنصورُ ذو ال
ظِــلّ الظّليــل الشــّاملِ الفينـانِ
كتبَــت عَليـهِ شـهادتانِ هُمـا لِمَـن
أَولاهُمــــا الإِحســـان مُنجِيَتـــانِ
وَالرّايــة الســّوداء أَشـرفُ رايـةٍ
وَهــيَ العِقــابُ عِقــاب كـلّ مهـانِ
شــَرُفَ القَضــيبُ الخَيــزُران بِكفّـهِ
إِذ كـــانَ يُمســِكُهُ بِخيــرِ بنــانِ
وَعَصـــاهُ لمّـــا مَســّها بِيَمينِــهِ
فَضــُلَت عصــاً صــارَت إِلـى ثُعبـانِ
وَهـوَ الفَصيحُ اللّفظِ ذو الحِكم التي
أَربَـــت بَلاغَتهـــا عَلــى لُقمــان
جَمَــعَ الفَــوائِدَ بِاِختِصــارٍ محكـمٍ
لَفــظ يســيرٌ فــي غَزيــرِ مَعـاني
وَكَلامـــهُ فَصـــل مُـــبينٌ نَـــثره
يَســمو عُقــودَ الــدرِّ وَالمُرجــانِ
حُلـــو الكَلامِ إِذا تَكلَّــم ناطِقــاً
فَــالحَقُّ مــا فـاهَت بِـهِ الشـّفَتانِ
مــا كــانَ يسـردُ بَـل يعـدّ كَلامـهُ
عَــــدّاً لِيَعقلـــهُ ذَوو الأَذهـــانِ
كَتـبَ اِبـنُ عمـرٍو مـا يَقـولُ بِأَمرِهِ
إِذ كــانَ حَقّــاً واضــِح البُرهــانِ
عَجِــبَ الصـّحابَةُ مِـن فَصـاحَةِ لَفظِـهِ
وَبَلاغَـــةٍ فيـــهِ وَحســـنِ بَيـــانِ
قــالوا نَشــَأتَ بِأَرضـِنا وَلِسـاننا
عِنــدَ الفَصـاحَةِ عَـن لِسـانكِ وانـي
فَأَشــارَ أَنّ لِســانَ إِســماعيلَ قَـد
كــانَ اِنطَــوى حقبـاً مِـنَ الأَزمـانِ
فَحَبــاهُ ربُّ العَـرشِ بِاللّغَـةِ الّـتي
دَرَســت وَضــَلّت عَــن بَنــي عَـدنانِ
بِلِســانِهِ نَـزلَ القُـرانُ وَفـي بَنـي
ســـَعدٍ نَشـــأتهُ مَـــعَ الحضـــّانِ
وَاللَّـــهُ أدّبـــهُ فَأَحســـَن رَبُّــه
تَــــأديبَهُ فـــي الســـرِّ وَالإِعلانِ
وَلَــهُ صــَريح الزُّهــدِ صــحَّ لِأَنَّــهُ
عُرِضــَت عَلَيــه أَمــاكِنُ البطحــانِ
ذَهبــا فَقـالَ أَجـوعُ يَومـاً صـابراً
وَإِذا شـــَبِعتُ أَكـــونُ ذا شــُكرانِ
كَــم شــدَّ مِـن حَجـرٍ لِمسـغبةٍ وَكَـم
أَضــحى عَلــى اللّزبـاتِ ذا إِدمـانِ
يَغــدو خَميــصَ البَطـنِ يَعلـمُ أَنّـهُ
لا فَخــــرَ لِلمُتنعّـــم المبطـــانِ
مـا كـانَ مُـدّخِراً مِـنَ الأَقـواتِ مـا
قَــد كــانَ فــي يَـوم لِيـومٍ ثـانِ
كَلّا وَلَــم يَــكُ عِنـدهُ مِـن آلَـةِ ال
دُنيـــا وَبِســطِ مَتاعِهــا زَوجــانِ
وَيمثّــل الــدّنيا كَقــائِلِ دَوحــةٍ
وَمَضـــى وَخَلّفهــا بِغَيــرِ تَــواني
إِن كــانَ أَبيــاتُ النّــبيِّ لَتسـعةٌ
يَمضــي عَلَيهــا الشـّهرُ وَالشـّهرانِ
مـا إِن يُـرى لِلخَيـرِ فـي أَكنافِهـا
وَالطّبــخِ مِــن لَهــب وَمِـن وقـدانِ
بِالأَسـوَدينِ المـاء وَالتّمـر اِجتزوا
عَـن نـاعِمِ العَيـشِ الزّهيـدِ الفاني
وَاللّيــفُ حَشــوُ وِســادهِ وَقَميصــه
مِــن أَغلَـظِ المَنسـوجِ فـي الأَقطـانِ
وَقَضـــى بِلالٌ دَينــهُ ثُــمَّ اِنثَنــى
وَلَــدَيهِ بَعــدَ الــدّين دينــارانِ
فَثَــوى بِمَســجِدِهِ إِلــى أَن فُرِّقــا
يَـــومَينِ لا يَــأوي إِلــى نِســوانِ
وَلَقــد مَضــى وَعَلــى شـَعيرٍ دِرعـهُ
مَروهونَــــةٌ لِتَعَــــذُّرِ الأَثمـــانِ
وَهـوَ الكَريـمُ الطـاهِرُ المَحفوظُ مِن
ميلادِهِ مِــــن نَظــــرَةِ الخَتّـــانِ
وَعَلـى الطَهـارَةِ وَالصـِيانَةِ لَم يَزَل
حَتّـــى أَتـــاهُ أَشـــرَفُ الأَديــانِ
لَــم تَبــدُ عَـورَتُهُ لِـزَوجٍ أَو لِمـا
مَلَكَــت يَميــنٌ مَــن كَمــالِ صـِيانِ
وَإِذا تَخَلّــى لا يُــرى مِــن بَعــدِهِ
أَثَــرٌ لِمــا يَبــدو مِــنَ الإِنسـانِ
كــانَ الوضــوءُ لِكُــلِّ وَقـتٍ دَأبَـهُ
لَـــم يَجتَمِـــع لِوُضــوئِهِ وَقتــانِ
رَغبــاً إِلـى نـورٍ عَلـى نـورٍ سـِوى
صــَلَواتِ يَــومِ الفَتــحِ وَالإِمكــانِ
كَمُلَـــت طَهـــارَتُهُ وَتَــمَّ رُكــوعُهُ
وَســـُجودُهُ فــي الأَرضِ ذي الأَركــانِ
وَزَكَـــت مَحامِــدُهُ وَطــالَ قُنــوتُهُ
حَتّــى اِلتَــوى وَتَــوَرَّمَ القَــدَمانِ
وَيَظــلُّ طــولَ اللَّيــلِ يَقـرَأُ آيَـةً
مُتَـــدَبِّراً فيهــا غُمــوضَ مَعــاني
يَتلـــو بِتَرتيـــلٍ بِصـــَوتٍ طَيِّــبٍ
عَـــذبٍ شـــَج بِقِـــراءَةِ القُــرآنِ
وَإِذا اِنتَهـى التَرتيـلُ يَختِمُ قائِماً
تَعظيـــمَ عَبـــدٍ عـــارِفٍ خشــيانِ
وَإِذا أَتــاهُ الأَمــرُ فيــهِ مَســَرَّةٌ
لِلقَلــبِ يَســجُدُ ســَجدَةَ الشــُكرانِ
وَيَصـــومُ حَتّـــى لا يُظَــنُّ فُطــورُهُ
أَبَــداً يُريــدُ بِــهِ رِضـى الرَحمَـنِ
وَكَــذاكَ يُفطِــرُ بُرهَــةً حَتّـى يَـرى
أَن لَيــسَ يَومــاً لِلصــِّيامِ يُعـاني
وَثَلاثَــة مِــن كُــلِّ شــَهرٍ صــامَها
وَبِكُـــلِّ أُســـبوعٍ لَـــهُ يَومـــانِ
يَـومَ الخَميـسِ وَيَـومَ الاثنَينِ اللَذا
نِ تَفَـــرَّدا شــَرَفاً بِفَتــحِ جِنــانِ
وَكَــذلِكَ الأَعمــالُ تُرفَــعُ فيهِمــا
وَأَتــمّ صــَومَ الشــَّهرِ مِـن شـَعبانِ
وَلَـهُ المواصـَلةُ الَّـتي يُمسـي بِهـا
مِـــن ذي الجَلالِ بِبـــاطِن رَيّـــانِ
وَكَــذاكَ أَحــرَمَ ثُـمَّ لَبّـى وَاِغتَـدى
لِطَـــوافِهِ وَســَعى بِــذي الصــَفّانِ
ســاقَ الهَــدايا مُشــعِراً وَمُقَلِّـداً
قَــد أُعفِيَــت عَــن حلقَــةٍ وَأَسـانِ
فَـــأَتَمَّ عُمرَتَــهُ وَأَحــرَمَ بَعــدَها
لِلحَــجِّ عِنــدَ البَيــتِ صـُبحَ ثَمـانِ
وَأَتــى بِتَلبِيَــةٍ مِنــىً فَاِحتَلَّهــا
وَأَتــى إِلـى الصـَّخَراتِ مِـن نعمـانِ
فَـدَعا بِهـا وَأَفـاضَ نَحوَ المِشعرِ ال
أَزكــى الحَــرامِ إِفاضـَةَ الغُفـرانِ
وَأَتـى مِنـىً فَرَمـى الجِمـارَ مُكَبِّـراً
تَكـــبيرَ تَعظيـــمٍ بِصــِدقِ جنــانِ
نَحَـــرَ النَّبِـــيُّ بِكَفِّـــهِ أُضــحِيةً
نَقَـــلَ الأَئِمَّـــةُ أَنَّهـــا كَبشــانِ
وَدَعـــا بِحَلّاقٍ وَقَســـَّمَ أَشـــَرَفَ ال
أَشــعارِ فــي الأَصــحابِ وَالإِخــوانِ
وَمَضـــى فَطــافَ بِكَعبَــةٍ مَحجوجَــةٍ
مِنهـــا يُقَبِّــلُ أَســوَداً وَيَمــاني
وَأَتَــمَّ سـَعيَ المَروتَيـنِ فَأَكمَـلَ ال
حَـــجَّ المُبَــرَّرَ مُرغــم الشــَّيطانِ
شــَهِدَ المَناســِكَ ثُـمَّ بَيَّنَهـا لَهُـم
لِيُبَلِّـــغَ النــائينَ مِــن هَــودانِ
وَرِعٌ كَــــثيرٌ صـــَمتُهُ ذو فِكـــرَةٍ
مَرضــــِيَّةٍ مُتَواصــــِلُ الأَحــــزانِ
يَخشــى جَلالَ اللَــهِ أَعظَــمَ خشــيَةٍ
إِذ كــانَ أَولـى النـاسِ بِالعِرفـانِ
وَلَطالَمــا ســُمِعَ الأَزيــرُ لِصــَدرِهِ
كَالمرجـــلِ الفَهّـــاقِ بِالغَلَيــانِ
وَلَقَــد بَكــى حَتّــى تَبَلَّــلَ حِجـرُهُ
وَبَكــــى فَبـــلَّ الأَرضَ بِـــالهملانِ
وَتَلا اِبــنُ مَســعودٍ عَلَيــهِ ســورَةً
فَهَمَـــت لِــذاكَ مَــدامِعُ الأَجفــانِ
وَلَقَــد عَلا قَــدَم النَّبِــيِّ بِنَعلِــهِ
رَجُـــلٌ أَضـــَرَّ بِرخصـــَةٍ خمصـــانِ
فَــأَزاحَهُ بِالســَوطِ عَنهـا ثُـمَّ لَـم
يَملِـــك مَخافَـــةَ عـــاذِلٍ دَيّــانِ
فَــدَعاهُ وَاِستَرضـاهُ بِالشـاءِ الَّـتي
بَلَغَــت ثَمـانينَ اِعتَبِـر يـا جـاني
وَشــِعارُهُ الأَمَــلُ القَصــيرُ لِعِلمِـهِ
أَن أَمــرهُ كَــالبَرقِ ذي الخَطفــانِ
مــا كــانَ يَلقُـمُ لُقمَـةً فَيَظُـنّ أَن
تَنســـاغَ قَبــلَ تَنــزلِ الحــدثانِ
أَو كــانَ يَرفَــعُ طَرفَـهُ فَيَظُـنّ مِـن
حَـــذَرٍ أَنِ الشـــّفرانِ يَلتَقِيـــانِ
وَلَقَــد تَيَمَّــمَ قُــربَ مـاءٍ خائِفـاً
أَمـــراً يُعـــاجِلُهُ مِــنَ الإِتيــانِ
وَلَـهُ التَضـَرُّعُ وَالـدُعاءُ الخالِصُ ال
مَقبــولُ مَحروســاً مِــنَ الحِرمــانِ
غَفَـرَ الإِلَـهُ لَـهُ الـذُنوبَ وَلَـم يَزَل
مُســتَغفِراً مــا أَقبَــلَ المَلَــوانِ
وَهــوَ المُؤَيَّـدُ يَـومَ بَـدرٍ إِذ غَـدا
مُتَعَرِّضــــاً لِلعيـــرِ وَالرُكبـــانِ
فَــأَتَت قُرَيـشُ تُريـدُ نُصـرَةَ عيرِهـا
إِذ نَفَّـــرَت بِالمُنـــذِرِ العريــانِ
فَلَقـوا رِجـالاً وَالمَنايـا الحُمر في
أَســيافِهِم يَــومَ اِلتَقـى الجَمعـانِ
نَــزَلَ المَلائِكَــةُ الكِـرامُ بِنَصـرِهِم
جِبريـــلُ وافــاهُم بِــأَلفِ عِنــانِ
وَبِمِثلِهــا ميكــالُ جـاءَ وَجـاءَ إِس
رافيــلُ فــي أَلــفٍ مِـنَ الفُرسـانِ
أَودَت صـَناديدُ العـداةِ وَفارَقوا ال
خِـــلَّ الحَميـــمَ إِلــى حَميــمٍ آنِ
سـُحِبوا فَـأُلقوا فـي القليـبِ أَذِلَّةً
وَسَيُســحَبونَ غَــداً إِلــى النيـرانِ
نــادى فَأَســمَعَهُم بِــهِ لِيَزيــدَهُم
خِزيــاً عَلــى خِــزيٍ وَطــول هَـوانِ
ثُـمَّ اِنثَنـى نَحـوَ المَدينَـةِ راجِعـاً
مُستَبشـــِراً بِالنَّصـــرِ وَالفُرقــانِ
وَكَــذاكَ فــي أُحُــدٍ تَبَيَّــنَ بَأسـُهُ
وَثَبـــاتُهُ فـــي ســاعَةِ الجــولانِ
كُســِرَت رُباعِيـةُ النَّبِـيِّ وَلَـم يَـزَل
وَالنّـــاسُ فــي وَجَــلٍ وَفــي ذولانِ
وَرَمــى بِحَربَتِــهِ أُبَيّــاً فَاِرتَــدى
بِـالخِزيِ فـي الـدَركاتِ مَـع هامـانِ
وَرَمــى قُرَيضــَةَ وَالنَّضــيرَ بِبَأسـِهِ
إِذ كانَتـــا لِلغَـــدرِ يَحتَقِبـــانِ
وَغَـــزا مريســيعاً فَتَــمَّ مُــرادُهُ
فــــي آلِ مُصــــطَلِق بِلا خــــذلانِ
وَسـَرَت قُرَيـشٌ نَحـوَ طيبَـةِ تَجمـعُ ال
أَحــزابِ مِــن أَســَدٍ وَمِــن غَطَفـانِ
فَــدَرى النَبِـيُّ فَظَـلَّ يَحفِـرُ خَنـدَقاً
بِإِشــارَةٍ مِــن ذي الحِجــى سـَلمانِ
فَـــأَتَتهُم ريـــحٌ وَجُنــدٌ لا تُــرى
فَتَفَرَّقـــوا بِالـــذُّلِّ وَالخُســـرانِ
وَحُصــونَ خَيبَــرَ جاءَهـا لَمّـا عَصـَت
بِــالجَيشِ ذي الســَطَواتِ وَالسـُلطانِ
وَدَعـا لِرايَتِـهِ الشـَريفَةِ مَـن قَضـى
بِكَمـــالِهِ الزَّهـــراء وَالســِّبطانِ
فَتَــحَ الإِلَــهُ عَلـى يَـدَيهِ حُصـونَهُم
وَســَبا بِســَيفِ القَهــرِ كُـلَّ حِصـانِ
وَأَظَـلَّ يَـومَ الفَتـحِ مَكَّـةَ مِنـهُ مـا
بَهَـــرَت كَتـــائِبهُ أَبــا ســُفيانِ
وَتنكَّـــس الأَصـــنامَ لَمّــا حَلَّهــا
بِإِشـــارَةٍ مِنـــهُ بِخَيـــرِ بَنــانِ
وَأَتـى الحُجـونَ وَفيـهِ قُبَّتُـهُ الَّـتي
شــَرُفَت فَكــانَ لَهــا مِـنَ السـُكّانِ
وَأَتــى هَــوازِنَ فـي حُنيـنٍ غازِيـاً
فَلَقــــوهُ بِـــالأَموالِ وَالأَظعـــانِ
وَاِشـــتَدَّ بَأســُهُم فَأَرســَلَ فيهِــم
كَفّـــا مِــنَ الحَصــباءِ وَالصــوّانِ
فَحَشــا عُيــونَهُم فَــأَدبَرَ جَمعَهُــم
كــالوَحشِ نــافِرَةً إِلــى الميـزانِ
وَأَتــى فَحاصــَرَ طائِفــاً فَــأَذاهُم
مُـــرَّ الحِصـــارِ وَشــِدَّةَ الأَرجــانِ
غَزَواتُــه ســَبعٌ وَعِشــرونَ انِبَــرى
مِنهـــا لِعَشـــرٍ شــاهِداً لِطِعــانِ
وَهـيَ الَّـتي ذُكِـرَت وَلَـم يَشـهَد وَغى
فــي ســَبع عَشــرَة غَـزوَةً وَيُـداني
ســِتّاً وَخَمســينَ الســَّرايا بَثَّهــا
مَـــعَ كُـــلِّ شــَهمٍ فاتِــكٍ زَبّــانِ
دانَــت لِرُتبَتِــهِ المُلــوكُ مُقِــرَّةً
بِــالقَهرِ مِــن عَــرَبٍ وَمِـن عُجمـانِ
بَلَغَـت رِسـالَتُهُ المُقَوقَس وَهوَ في ال
إِســــكَندَرِيَّةِ مالِـــكُ القُبطـــانِ
فَـــأَتَت هَـــدِيَّتُهُ إِلَيـــهِ وَصــَدَّهُ
شـــَيطانُهُ عَـــن خُطَّـــةِ الإيمــانِ
وَأَتَــت رِســالَتُهُ هِرَقـلَ فَهَـمَّ بِـال
إِســـلامِ لَـــولا زُخـــرُفُ الفَتّــانِ
وَأَتـى إِلـى كِسـرى بن هُرمُزَ خطُّهُ ال
أَعلــى فَمَزَّقَــهُ الحَقيــرُ الشــّانِ
فَلِــذاكَ مَــزَّقَ مُلكَــهُ ثُـمَّ اِبتَغـى
رَجُلاً فَأَرســــَلَهُ إِلــــى بـــاذانِ
أَرســِل إِلَــيَّ بِــهِ فَأَرســَلَ نَحـوَهُ
رَجُلَيـــنِ بِالتَهديـــدِ يَبتَـــدِرانِ
قــالَ اِرجِعـا فَلَقَـد كَفـاني أَمـرَهُ
بِالقَتـــلِ رَبٌّ صـــانَني وَكَفـــاني
فَبَــدا لِبــاذانَ اليَقيــنُ فَقـادَهُ
نَحــوَ الهُـدى وَنَجـا مِـنَ العمهـانِ
وَأَتــى النَجاشــِيَّ الكَريـمَ كِتـابُهُ
فَأَجـــابَ جابَـــةَ طــائِعٍ مِــذعانِ
وَكَـذَلِكَ الكُتـبُ الكَريمَـةُ مِنـهُ قَـد
وافَــت مُلــوكَ الشــّامِ مِـن غَسـّانِ
وَكَـذاكَ أَرسـَلَ نَحـوَ هَـوذَةِ فَاِهَتـدى
وَأَتَـــت رِســـالَتُهُ مُلــوكُ عُمــانِ
وَمُلــوكُ حِميَــرَ جَــلَّ رافِـع قَـدرهِ
حَتّـــى أَذَلَّ لَـــهُ ذَوي التيجـــانِ
وَأَتَــت وُفــودُ الأَرضِ تَهــوي نَحـوَهُ
مِــن كُــلِّ فَــجٍّ مــوحِش الغيطــانِ
سـَبعونَ وَفـداً سـَوفَ أَذكُـرُ بَعـضَ ما
قَــد كــانَ مَشـهوراً مِـنَ الوفـدانِ
وَفــي ضــمامٍ وَهــوَ وافِــد قَـومِهِ
ســَعد بــن بَكــرٍ خَيـر مـا حَضـّانِ
فَغَــدا يُناشــِدُ عَـن فَـرائِضِ دينِـهِ
بِـــاللَّهِ فَاِتَّضــَحَت لِــذي نشــدانِ
وَمَضـــى يُعَلِّـــمُ قَــومَهُ فَتَنَشــَّرَت
بَرَكــاتُهُ فــي الأَهــلِ وَالجيــرانِ
وَحَبــا مُزَينَــةَ إِذا أَتَتـهُ بِهِجـرَةٍ
ثَبَتَـــت لَهُــم وَهُــمُ ذَوو ســُلطانِ
وَأَتَــت فَـزارَةُ وَهـيَ تُزجـي عيسـَها
مَــن كُــلِّ بادِيَــةِ الطُّلــوحِ ردانِ
يَشـكونَ ضـيقَ العيـشِ مِـن سـَنةٍ مَحَت
خَضـــراءَهُم شـــَهباءُ ذات دُخـــانِ
فَـــدَعا بِغيـــثٍ مُغــدِقٍ فَأَتــاهُمُ
فَاِستَبشــَرَ البَكَــرات فـي الأَعطـانِ
وَأَتَــت تجيــبُ مُجيبَـة بِفَواضـِلِ ال
صــَدَقاتِ مِــن نِعَــم لَهــا عكنـانِ
وَأَتَتــهُ سـَعد هَزيـم الوَفـد الأُلـى
نَجّـــاهُم مِـــن هُلكِهِـــم بيتــانِ
مِـن شـِعرِ اِمـرِئِ القَيسِ يَذكُرُ ضارِجاً
وَالعَيـــن ذات العرمــضِ الرَجّــانِ
وَأَتَــت مُحــارِبُ بَعـدَ طـولِ تَعَجـرُفٍ
وَهُــمُ إِلــى التَّقــوى ذَوو إِذعـانِ
فَكَســـى خُزيمَـــة غُــرَّةً بِجَــبينِهِ
نـــوراً بِمَســحَةِ أَشــرَفِ الإيمــانِ
وَأَتــى جَريــر فــي بجيلَـةَ قَـومه
يَطـــوونَ عَـــرضَ مَفــاوِزٍ وَبثــانِ
وَعَلَيــهِ مِــن مَلــكٍ كَريــمٍ مَسـحَةٌ
حَــوَتِ الجَمــالَ بِــوَجهِهِ الحســّانِ
وَأَتــاهُ وافِــد عــامِر شــيطانُها
نَجــلُ الطّفيــل وَأَربَــد النكـدانِ
هَمّــا بِكيــدٍ عــادَ مِنـهُ عَلَيهِمـا
مــا لَــم يَكونــا مِنـهُ يَنتَظِـرانِ
ضـربَ الخَـبيث اِبـن الطّفيـلِ بِغُـدَّةٍ
وَرَفيقُـــهُ بِالصـــاعِقِ المُزنـــانِ
وَأَتَــت حَنيفَـةُ مُحـدِقينَ بِخاسـِرِ ال
صـــَفَقاتِ أَفّــاك اللِّســانِ هــدانِ
أَعنـي مُسـَيلَمَةَ الكَـذوبَ فَأَسـلَمَ ال
خَتّــار ثُــمَّ اِرتَــدَّ عَــن وشــكانِ
وَأَتَتــهُ نَهــدُ فَعَرَّضــَت بِبَصــيرِها
وَخَبيرهـــا مِـــن شــِدَّةِ الإحجــانِ
فَــدَعا لَهــا وَلِمَخضــِها وَلِمَحضـِها
وَلِمَـــذقِها وَالرّســـلِ وَالثَّمــرانِ
مـا زالَ يَـدأَبُ فـي النَّصيحَةِ جاهِداً
مُتَبَتِّلاً فـــــــي خِفيَــــــةٍ وَعلانِ
حَتّـى اِسـتَقامَ الـدينُ وَاَتَّبَعَ الوَرى
بَعــدَ العمايَــةِ أَوضــَحَ الإغســانِ
وَأَتـاهُ نَصـرُ اللَّـهِ وَالفَتـحُ الـذَّي
هُــوَ لاِقتِــرابِ المَــوتِ كـالعنوانِ
بَــدَأَ الســّقامُ بِـهِ وَكـانَ يَنـالُهُ
مِنـــهُ كَمــا أَن يُوعــكَ الــرَّجلانِ
فَــدَعا الصـَّحابَةَ ثُـمَّ وَصـّاهُم بِمـا
يرضـــي وَصـــِيَّةَ ناصـــِحٍ أَمّـــانِ
وَدَعــا إِلـى أَخـذِ القَصـاصِ صـِحابَهُ
مِــن نَفســِهِ فَليَخــشَ ذو العُـدوانِ
وَاِشــتَدَّ مــا يَلقــاهُ مِــن آلامِـهِ
حَتّــى لَقَــد حَمَلــوهُ فـي الأحضـانِ
فَــدَعا أَبـا بَكـرٍ فَقَـدَّمَهُ عَلـى ال
أَصــحابِ فــي المِحـرابِ وَالـدِيوانِ
وَرِثَ الخِلافَــةِ بَعــدَهُ فَأَقــامَ مِـن
آثـــارِهِ الحُســـنى عَلــى أســّانِ
وَأَتــاهُ جِبريــلُ الأميــنُ يَعــودُهُ
بِـــالأمرِ مِــن رَؤوفٍ بِــهِ رَحمــانِ
يَــأتي فَيُبلِغُــهُ الســَّلامَ كَرامــةً
خَصــَّتهُ فيهــا مــا لُـهُ مِـن ثـانِ
وَأَتــاهُ عزرائيــلُ يَطلُــبُ إِذنَــهُ
وَلِغيــرِهِ مــا كــانَ ذا اِسـتِئذانِ
وَأَتــاهُ مَــأموراً بِطــاعَتِهِ عَلــى
مــا شــاءَ مِـن قَبـضٍ وَمِـن حَيـوانِ
فَاِختــارَ قُــربَ اللَّــهِ جَـلَّ جَلالُـهُ
فَمَضــى حَميــداً ســالِماً مِــن دانِ
وَاِسـتلَّت الـرّوح الكَريمَـة فَـاِعتَلَت
أَنوارُهــا شــَرفاً عَلــى الأعنــانِ
لِنَســـيمِها أَرجٌ يَفـــوقُ لَطيمَـــة
مِـــن مِســـكِ داريٍّ بِخَيــرِ بَنــانِ
وَتَباشــَرَ السـّبعُ العُلـى بِلِقائِهـا
حَتَّـــى جِنــان الخُلــدِ وَالخــزانِ
وَالأَرضُ لَـــولا أَنَّــهُ فيهــا لَمــا
ثَبَتَــت مِــن الزِّلــزالِ والرَجفـانِ
وَعلِــيٌّ اِبــن العَــمِّ أَتقَـنَ غُسـلَهُ
بِقَميصـــــِهِ المُتَضـــــَوِّعِ الأردانِ
وَأَعــانَهُ العَبّــاسُ وَاِبنــا عَمِّــهِ
قثـــمٌ وَفَضـــلٌ بــورِكَ الوَلَــدانِ
وَأُســامَةٌ فَــاِزدادَ تَطهيــراً إِلـى
طهـــرٍ وَلُـــفَّ بِـــأَفخَرِ الأكفــانِ
صــَلَّى عَليــهِ جِبرئيــل وَكُــلُّ مَـن
فــي العالِيـاتِ السـَّبعِ مِـن سـُكّانِ
وَذَوو القَرابَــةِ وَالصـِّحابِ وَأَقبَلَـت
بَعــدَ الرِّجــالِ كَــرائِم النّسـوانِ
يَـــأتونَ أَرســالاً وَلَيــسَ يَــؤُمُّهُم
أَحَـــدٌ عَلـــى مُتَقَـــدِّم الأَعيــانِ
وَضــَعوهُ فــي لَحَــدٍ وَأَشـخَصَ قَـبرهُ
فــي حُجــرَةٍ فَخـرَت عَلـى الجُـدرانِ
فـي بَيتِ عائِشَةَ الَّتي قُبِضَ الرَضي ال
راضــي لَــدى ســحرٍ لَهــا وَلبـانِ
نَــدبَتهُ فاطِمَــة الطَهـورُ فَأَحسـَنَت
وَأَتَـــت بِصـــِدقٍ ســاعَةَ الأَرنــانِ
وَبِحَقِّهــا إِن طــالَ فيــهِ بُكاؤُهـا
وَتَبَتَّلَـــت فــي البَيــتِ لِلأَحــزانِ
وَأَتــــاهُم آتٍ فَعَزّاهُــــم بِمـــا
يُســلي فُــؤادَ الجــازِعِ الوَلهـانِ
سـَمِعوا الكَلامَ وَلَـم يَـرَوا جُثمـانَهُ
ظَنّــوا بِــهِ خَضــراً فَــتى ملكـانِ
وَلِـهَ الرِّجـالُ ذَوو الحلـومُ لِفَقـدِهِ
إِذ كــانَ ذَلِــكَ أَعظَــم الفُقــدانِ
وَتَفـاقَمَ الخَطـبُ الجَليـلُ وَجَلَّـتِ ال
بَلـــوى وَأوحِــشَ ســاكِن الأَوطــانِ
وَعَــداهُم خَبَــر السـَّماءِ وَأَنكَـروا
تِلــكَ القُلــوب أَشــَدَّ مـا نُكـرانِ
جَعَــلَ المُهيمِــنُ قَـبرَهُ فـي أَرضـِهِ
حِـــرزاً لِأُمَّتِـــهِ مِـــنَ القُطّـــانِ
تَغشــى المَلائِكَــةُ الأَفاضــِلُ قَـبرَهُ
فــي كُــلِّ صــُبحٍ أَحســَنَ الغشـيانِ
ســَبعونَ أَلفـاً كُلَّمـا عَرَجـوا أَتـى
سـَبعونَ أَلفـاً فـي الصـَّباحِ الثاني
مَـــن زارَهُ فَكَأَنَّمـــا قَـــد زارَهُ
حَيّـــاً زِيـــارَةَ صـــِحَّةٍ وَعَيـــانِ
مَـــن زارَهُ وَجَبَــت شــَفاعَتُهُ لَــهُ
فَنَجــا مِــنَ الزَّقّــومِ وَالقطــرانِ
وَلَقَـد عَـرا الجَـدبُ المَدينَةَ مُجحِفاً
بِجِمالِهـــا وَبِمَعزِهـــا وَالضـــانِ
لاذوا بِعائِشــَةَ الطَهــورِ فَــأَقبَلَت
بِإِشـــارَةٍ فيهـــا صــَلاحُ الشــانِ
أَمَـرَت بِـأَن يُلقى السَماء بِقَبرِهِ ال
مَحشـــود بِـــالأَنوارِ وَالرّضـــوانِ
فَلَقـوا فَـأَقبَلَتِ السـَّماء فَأخصـبوا
فَتَفتَــــقَّ الأَنعـــامُ بِاللُحمـــانِ
وَبِقَــبرِهِ المَلِــكُ الكَريــمُ مُوَكَّـلٌ
لِيُبَلِّــــغَ التَســـليمَ لِلبُعـــدانِ
لَكِـن إِذا مـا المَـرءُ قـامَ تِجـاهَهُ
رَدَّ الســَلامَ عَلـى القَريـبِ الـداني
وَهــوَ الطَــرِيُّ بِقَـبرِهِ مـا لِلبِلـى
وَالحادِثــاتِ عَلَيــهِ مِــن ســُلطانِ
وَإِذا الفَــتى صــَلّى عَلَيــهِ مَــرَّةً
مِـــن ســائِرِ الآفــاقِ وَالبُلــدانِ
صــَلّى عَلَيــهِ اللَـهُ عَشـراً فَليَـزِد
عَبــد وَلا يَجنَــح إِلــى النُّقصــانِ
مَـن لَـم يُصـَلِّ عَلَيـهِ إِن ذُكِـرَ اِسمُهُ
فَهــوَ البَخيــلُ وَزِدهُ وَصــف جَبـانِ
وَإِذا أخـــلَّ بِــذِكرِهِ فــي مَجلِــسٍ
فَــأولَئِكَ الأَمــواتُ فــي الحيّــانِ
روحُ المَجـــالِسِ ذِكــرُهُ وَحَياتُهــا
وَهُـــدىً لِكُـــلِّ مُلَـــدِّدٍ حَيـــرانِ
وَهـوَ الَّـذي مـا زالَ خَيـراً نافِعـاً
حَيّـــاً وَمَيتـــاً ضـــَمَّة رجـــوانِ
أَوحــى إِلَيــهِ اللَـهُ طـولَ حَيـاتِهِ
فَهـــدى الأَنــامَ لأَوضــَح الســُّبلانِ
وَمَمــــاتُهُ خَيــــرٌ لِأُمَّتِــــهِ إِذا
عَرَضـَت لَهـا الأَعمـالُ فـي الخمسـانِ
عرضـا عَلَيـهِ فَـإِن رَأى حسـناً بِهـا
حَمَــدَ الإِلَــهُ لَهــا عَلـى الإِحسـانِ
وَإِذا رَأى ســـوءاً فَيَســأَلُهُ لَهــا
فَيَـــؤولُ ســـَيِّئها إِلــى غُفــرانِ
وَإِذا رَآهُ ذَوو المَنــــامِ فَـــإِنَّهُ
فــي صــِحَّةِ الرُؤيــا لَكاليَقظــانِ
وَلَقَــد أَتــى مَعنــى حَـديث أَيَّمـا
عَبــد رَآنــي فــي المَنـامِ رَآنـي
لا يَســــتَطيعُ تَمَثُّلاً أَبـــداً بِـــهِ
مَــن رامَ هَــذا الأَمـر مِـن شـَيطانِ
وَلِمَــن رَآهُ فَقَـد رَأى الحَـقَّ الَّـذي
لا شـــَكَّ فيــهِ عِنــدَ ذي الإيقــانِ
وَهــوَ الَّــذي يَنشــَقُّ عَنـهُ ضـَريحُهُ
قَبــلَ الأَنــامِ وَبَعــدَهُ العُمــرانِ
وَذَوو البَقيــعِ وَأَهـلُ مَكَّـةَ بَعـدَهُم
فَيَســـير فيمَــن ضــَمَّهُ الحرمــانُ
يَــأتونَ آدَمَ ثَــمَّ نوحــاً ثُــمَّ إِب
راهيـــمَ وَالمُســتَلّ مِــن عمــرانِ
وَالــروحُ عيســى يَطلُبــونَ شـَفاعَةً
تُنجيهـــم مِـــن شـــِدَّةِ الأَرجــانِ
فَيَقــولُ كُـلٌّ مِنهُـم نَفسـي سـِوى ال
مُختـــارِ أَنجَــح شــافِع لِلِجــاني
فَيَخِـــرُّ لِلَّــهِ المُهَيمِــنِ ســاجِداً
لِيَقــولَ ذو الجَــبروتِ وَالســُلطانِ
يـا أَحمَـدَ اِرفَـع رَأسَكَ المَيمونَ قُل
يُســـمَع وَســَل تُعطَــه بِلا حِرمــانِ
وَاِشــفَع تُشــَفَّعُ ثُــمَّ يَشــفَعُ مَـرَّةً
أُخـــرى لِأَهــلِ الخــطّ وَالعِصــيانِ
حَتّــى يُريــحَ عُصـاةَ أُمَّتِـهِ مِـنَ ال
حَبــسِ الفَظيــعِ وَغِلظَــة الســَجّانِ
وَهـوَ المُجيـزُ عَلـى الصـِراطِ وَإِنَّـهُ
فَــرطٌ لِعِنــدِ الحَــوضِ وَالميــزانِ
وَهـوَ المُبـادِرُ قَـرعَ بابِ الجَنَّةِ ال
فَيحـــاءِ ذاتِ النَّخـــلِ وَالرُمّــانِ
فَيُقــالُ مَــن هَــذا يَقــولُ مُحَمَّـدٌ
وَاللَّــهُ قَــد أَوحــى إِلـى رِضـوانِ
أَن لَيـــسَ يَفتَحُــهُ لِخَلــق قَبلَــهُ
أَو قَبـــلَ أُمَّتِـــهِ ذَوي الرّجحــانِ
وَهـوَ الكَـثيرُ التـابِعينِ إِذا أَتـى
تَبــع النَبِــيّ النَّفــس وَالنَفسـانِ
يَـرِدُ المَعـاد عَلـى البُـراقِ وَغَيرُهُ
تَســعى بِــهِ فـي المَوقِـفِ الـرَجُلانِ
وَبِلالُ بَيــنَ يَــدَيهِ راكِــبُ ناقَــةٍ
حَمـــراءَ يَرفَـــعُ صــَوتَهُ بِــأَذانِ
وَيَزُفُّـــهُ ســـَبعونَ أَلـــفَ مُقَــرَّبٍ
وَالنــاسُ مِــن مَثنـى وَمِـن وحـدانِ
وَالنــاسُ تَحـتَ لِـوائِهِ مِـن آدَم ال
أَعلــى إِلــى عيســاهُم الروحـاني
هُـوَ صـاحِبُ الحَـوضِ الَّذي مِن جَنَّةِ ال
فـــردَوسِ يَشــخبُ فيــهِ ميزابــانِ
مِقــدارُ شـَهرٍ فـي المَسـافَةِ عَرضـُهُ
مِــن أَيلَــةَ القُصــوى إِلـى عَمّـانِ
أَكـــوابُهُ ذَهَـــبٌ تَلـــوحُ وَفِضــَّةٌ
بَيضــاءُ هُــنَّ لَــدَيهِ خَيـرُ أَوانـي
عَـدَدُ النُّجـوم الزُّهـرُ قَـد صفَّت عَلى
أَرجـــائِهِ مِــن أَشــرَفِ الكيــزانِ
أَحلــى مِـنَ العَسـَلِ المُصـَفّى مـاؤُهُ
وَبَياضـــُهُ أَنقـــى مِــنَ الأَلبــانِ
يربــي عَلــى مِســكٍ تَضــَوَّعَ نَشـرُهُ
مَــن ذاقَــهُ لَــم يــدعَ بِالظَمـآنِ
وَلَـهُ الشـَفاعَة يَـومَ تُحتَبـسُ الوَرى
فــي الكَـربِ مِـن عَـرَقٍ إِلـى الآذانِ
ســَبعونَ أَلفــاً لا حِســابَ عَلَيهِــم
مَــعَ أَلفِهــا سـَبعونَ أَلـفَ مُعـاني
وَلَســَوفَ يَبعَثُــهُ الإِلَـهُ مَقـامَهُ ال
مَحمـــود بَعـــثَ مُقَـــرّبٍ مَنّـــانِ
وَلَــهُ الوَسـيلَةُ وَهـيَ أَرفَـعُ رُتبَـةٍ
خَلُصــَت لَــهُ فــي جَنَّــةِ الحَيَـوانِ
وَلَــهُ مَزيــد لا اِنتِهـاءَ لَـهُ كَمـا
لا مُنتَهــــى لِمَـــواهِبِ الرَحمَـــنِ
صــَلّى عَلَيــهِ ذو المَعــارِجِ رَبُّــهُ
أَزكــى صــَلاةٍ مــا رَسـا الحَسـنانِ
وَعَلـى صـَحابَتِهِ الكِـرامِ وَأَهلِـهِ ال
أَطهـــــارِ وَالأَزواجِ وَالوِلــــدانِ
هَــذا الَّــذي أَدَّت إِلَيــهِ قَريحَـتي
وَأَعانَهــا بِالصــِدقِ فيــهِ لِسـاني
وَاِقتـادَ فيـهِ خَـواطِري نَحـوَ الهُدى
مَلـــكٌ وَأَدبَــرَ خاســِئاً شــَيطاني
بِمَــديحِهِ العَطِــرِ المُنيـفِ تَعَطَّـرَت
وَتَطَهَّــــرَت وَتَنَــــوَّرَت أَوزانـــي
يُعطــي القَريــضَ غَضاضــَةً وَنَضـارَةً
وَفَصـــاحَةً تربـــي عَلــى ســَحبانِ
يــا لَيـتَ شـِعري كـانَ كُـلُّ شـِعارِهِ
وَصـــفي لَـــهُ وَمَـــديحه ديــدانِ
هَـــذا وَأَعلَـــمُ أَنَّنـــي لَمُقَصــِّرٌ
وَلَــوِ اِنبَــرى لِمــدادي البَحـرانِ
لَكِـــنَّ قَصـــدي أَن يُطَهِّــرَ ذِكــرُهُ
صــَدري وَيَشــفِيَ مــا يكـنُّ جنـاني
والمسـتهام عـن المـودة لـم يحـل
حاشـــا لـــذراه مــن النســيان
لـو قيـل مـا تهـوى لقـال مبادراً
أهــوى زيــارتكم علــى أجفــاني
ويهــزه طــرب إذا ذكــر الحمــى
هــز الشــمول شــمائل النشــوان
تــالله إن سـمح الزمـان بقربكـم
وحللــت منكــم بالمحــل الـداني
لأقبلــــن لأجلكـــم ذاك الـــثرى
وأعفــــر الخــــدين بالصـــوان
يـا خَيـرَ مَـن وَخَـدَت إِلَيـهِ نَجيبَـةٌ
مِــن كُــلِّ مَرمــى نــازِحِ الأَحضـانِ
يَطـوي إِلَيـكَ بِهـا السَباسـِبَ سـاهِمٌ
بِيَــدِ الســَمائِمِ مَنهَــجُ الدّرسـانِ
يَهفــو إِذا ذكــرَ العَقيـقُ فُـؤادهُ
وَيَــبيتُ مِــن ســَلع عَلــى أَشـجانِ
شــَوقاً إِلـى عَرَصـاتِ حَضـرَتِكَ الَّـتي
نَســَمَت بِنَشــرِكَ أَطيــبَ النَّســمانِ
فيهـــا لِحُـــزنٍ ســَلوَةٌ وَلِخــائِفٍ
أَمــــنٌ وَلِلطلّابِ نَيــــلُ أَمــــانِ
أَشــكو إِلَيــكَ تَخَلُّفــي عَـن رِفقَـةٍ
كـانوا عَلـى الطاعـاتِ مِـن إِخـوانِ
رَحَلــوا وَصــَدَّتني المَوانِـعُ عَنهُـم
فَنَكَــرتُ قَلــبي بَعــدَهُم وَزَمــاني
أَصــبَحتُ فــي وَقــتٍ كَــثير هَرجُـهُ
مُتــــدارِك الآفــــاتِ وَالإِفتـــانِ
يُمســي الفَـتى فيـهِ يَـرومُ زِيـادَةً
ترضــي فَيُصــبِحُ وَهــوَ فـي نُقصـانِ
فَبِمَــن كَســا عِطفَيــكَ أَفخَـرَ حُلَّـةٍ
لَيســـَت عَلـــى مَلــكٍ وَلا إِنســانِ
ســَل فِــيَّ رَبَّــكَ أَن يُوَفِّـقَ بـاطِني
لِرِضــاهُ فــي ســِرّي وَفــي إِعلانـي
قُـل رَبِّ صـِل يَحيى بنَ يوسُف عبدكَ ال
مَقطــوع مِنــكَ أُضــَيعَفُ العبــدانِ
فَلأَنــتَ أَكــرَمُ شــافِعٍ عَلِقَــت بِـهِ
لِمُـــرَوَّعٍ يَرجــو النَجــاةَ يَــدانِ
يحيى بن يوسف بن يحيى الأنصاري أبو زكريا جمال الدين الصرصري.شاعر، من أهل صرصر (على مقربة من بغداد)، سكن بغداد وكان ضريراً.قتله التتار يوم دخلوا بغداد، قيل قتل أحدهم بعكازه ثم استشهد وحمل إلى صرصر فدفن فيها.وله قصيدة في كل بيت منها حروف الهجاء كلها أولها:أبت غير فج الدمع مقلة ذي خرت.له (ديوان شعر -خ) ومنظومات في الفقه وغيره، منها (الدرة اليتيمة والحجة المستقيمة -خ) قصيدة دالية في الفقه الحنبلي 2774 بيتاً، شرحها محمد بن أيوب التاذفي في مجلدين، و(المنتقى من مدائح الرسول- خ)، و(عقيدة- خ)، و(الوصية الصرصريةـ خ).وذكر الزركشي في عقود الجمان أن شعره يقع في ثمانية مجلدات، وكله جيد ونعته بصاحب المدائح الحنبلية السائرة في الآفاق قال: ولم يمدح سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكثر منها.