
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
حديثُ الهوى أحْلَى مِنَ الشَّهْدِ في الفَمِ
إذا مـــا وَعـــاهُ ســـَمْعُ مُـــتيَّمِ
فكــرِّرْ علــى أُذْنِــي لذيـذَ حـديثِهِ
وصــرِّحْ بقــولِ الحــقِّ غيــرَ مُـذَمَّمِ
لعــلَّ مَــعَ التَّكــرارِ لأسـمعُ لَفْظـةً
تَكــونُ علــى داءِ الفــؤادِ كَمُرْهَـمِ
فبـالقلبِ داءٌ مِـنْ هَـوَى الغِيدِ كامنٌ
يَــبينُ بجســمِي اليــومَ للمتــوهّمِ
نُحـــولٌ ودمــعٌ واصــْفرارٌ وزَفْــرَةٌ
شـــَواهِدُ صــِدْقٍ للعدالــةِ تَنْتَمِــي
وأعجَـــبُ عُبّـــادِ الصــّليبِ صــبيَّةٌ
ســَبَتْنِي بــوجْهٍ مثْــلَ بــدرٍ مُتمَّـمِ
فبِــتُّ حليـفَ الهـمِّ مِـنْ فـرْطِ حبِّهـا
وبــاتَتْ بهجْــري فــي فـراشِ تنعُّـمِ
وكَــمْ نَعَّمَتْنــي مِـنْ لذيـذِ وصـالِها
بمــا لَــمْ تَصـِلْ نفسـي لـه بِتَـوَهُّمِ
فَقّبَّلْــتُ منهــا الخــدَّ وهـو مـوَرَّدٌ
وثَنَّيْــتُ بــالثَّغرِ المليـحِ التَّبَسـُّمِ
وقــد نطــقَ النـاقوس فـوقَ كنيسـةٍ
بكـــفِّ مُغَـــنٍّ مُولَـــعٍ بـــالتَّرَنُّمِ
وأفصـــحَ قســّيس الأعــاجِمِ جــاهراً
بإنجيـل روح اللـه عيسـى بـن مرْيمِ
ومَــدَّ غُــرابُ الليــلِ ريـشَ جَنـاحِهِ
فطــارَ حَمــامُ الضـوْءِ رِيـشَ بأسـْهُمِ
وأتْرابُهــا خَــوْفَ الرقيــبِ قواطِـعٌ
يُحــاذِرْنَ مِــنْ إتْيـانِهِ فَـوقَ أدْهَـمِ
ومَــالتْ بفـرطِ السـّكْرِ وهـي مريضـةٌ
كميْــل الصــَّبا صـُبحاً بغُصـْنٍ مُنَعَّـمِ
ولــولا عَفَــافِي واتِّقَــاءُ عتابِهــا
تمتّعــتُ منهــا بالمَحــلِّ المُحَــرَّمِ
كَتَمْتِيـعِ سـَمْعِي في الزمان الذي مضى
بعلــمِ البيــانِيِّ الإِمــامِ المُقـدَّمِ
أجــلِّ جــوادٍ جــودُه أخجَـل الحيـا
إذا مـا غَـدَا تَهْتـانُه الجـودُ يَنْهَمِ
وخيـــرِ فقيـــهٍ للمســائِل حــافظٍ
بفَهْـــمٍ أصـــِيليٍّ وحُســـْنِ تَفَهُّـــمِ
تجـــرَّدَ عِـــزّاً للعلــومِ فحازَهــا
ولــم يَفْتَقِــرْ فــي حَوْزِهـا لِمُعَلِّـمِ
وأدْركَهــا وهْــيَ البعيــدةُ مَـدرَكاً
بعقــلٍ ســَليمٍ لــم يُعَــبْ بتَقَســُّمِ
فكـمْ حكمـةٍ أبْـدى وكـم صـِرْفةٍ جَلَّـى
وعلــمٍ رفيــعٍ ظـاهرِ الفضـلِ مُحْكَـمِ
فعلـــمُ أبـــي عبــد الإلاهِ مُســَلَّمٌ
وعلــمُ الــذي عــاداهُ غيـرُ مُسـَلَّمِ
ومَعْلَمُــه فـي الفضـلِ لا منـهُ مَعْلَـمٌ
بـدا فـي العُلَـى مِـنْ دونِه كُلُّ مَعْلَمِ
لــه وجْنــةٌ فـي النائبـاتِ مُنيـرَةٌ
أبَــى علْمُــهُ مــن غيبهــا بتَجَهُّـمِ
تُجلِّـي دُجَـى الخطْـبِ البَهيـمِ بِنُورِها
إذا مـا بَـدَتْ للعيـنِ عـن كُـلِّ مُسْلِمِ
إلـــى هِمَّـــةٍ لا مُنتهــىً لِمَحَلِّهــا
مَضـَتْ فـي العُلَى مثلَ الحُسامِ المُصَمَّمِ
كــأنَّ حُســامَ العــزِّ قُــدَّ لــذاتِهِ
فَخيَّـــمَ منهـــا العــزُّ أيُّ مُخَيِّــمِ
إذا كنــتَ جَهْلاً تبتغــي نيــلَ عِـزِّهِ
حَــذَارِ فمــا تُبْغَـى السـّماءُ بسـُلَّمِ
إذا كنـتَ عِلْمـاً ناهجـاً طُـرْق هـدْيهِ
لَقَــدْ ظَفَــرَتْ يُمْنَــاكَ منـه بِمَعْلَـمِ
وأدْركـتَ منـه واحـدَ الـذاتِ مُفـرداً
غَـدَا فـي صـفاتِ المجـدِ مثـلَ مُقَسـِّمِ
حكيـــمٌ كلقمـــانٍ جميــلٌ كيُوســُفٍ
وَلِــيٌّ كبِشــْرٍ زاهــدٌ كــابنِ أدْهَـمِ
شــُجاعٌ كعمْــروٍ مُقْــدِمٌ مثـل خالِـدٍ
كريــمٌ كمعــنٍ حَــاكمٌ مثــل أسـْلَمِ
إذا مــا علا للــوعْظِ أعــودَ مِنْـبرٍ
رأيـتَ الفصـيحَ النُّطْـقِ وهـو كـأعجَمِ
فـإنْ فَـاهَ فـي تَقريـرِ علـمٍ بكَلْمَـةٍ
قَضــيتَ بعــيِّ الغيـرِ عنـدَ التَّكلُّـمِ
وإن حَكَــمَ الــذهنُ الــذكِيُّ بمُشـكِلٍ
يُــرى دونَـه فـي الفهـم كُـلُّ مُحَكِّـمٍ
وإنْ خـطَّ فـي طُـرْسٍ أتَـى فـي كتـابِهِ
بأبـدَعَ مـن وَشـْيِ البسـاط المنَمنَـمِ
فَســَلْ عنـه أوصـافَ الكمـالِ فإنّهـا
تُــترجِمُ عنــه اليــومَ أيَّ تَتَرْجُــمِ
فقــد أخــذتْ مــنْ ذاتِـهِ أيَّ مأخـذٍ
لِتَقْضــِي لــه بيــن الـورى بِتَعَظُّـمِ
كَتمـتُ هـواهُ فـي الفـؤادِ ولـم أبُحْ
لِجِســمي بشــَيءٍ مـن هـواهُ المُكَتَّـمِ
فضــاقَ فــؤادِي عــن تَحمُّــل كَتْمِـهِ
كمــا ضــاق ذَرْعـي باحتمـالِ تَقَـوُّمِ
وبيْعــي كـبيع العبـدِ بَيْـعُ تَزايُـدٍ
بِـــدِرْهَمِ نَقْــدٍ زائدٍ بَعْــدَ دِرْهَــمِ
بِــدارِ عِــداةٍ حَتَّــمَ اللـه كُفْرَهُـمْ
فأمضــى عليهــم منــه كُــلَّ مُحَتَّـمِ
ليَقْضــِيَ فـي الـدّنيا لَهُـمْ بِجَهالـةٍ
ويَحْكُــمَ فــي الأخــرى لهـم بِجَهَنَّـمِ
فأفْصـــَحَ منـــه لِلِّســـانِ بجُمْلَــةٍ
وفَســَّر مِــنْ أجــزائِهِ كُــلَّ مُبْهَــمِ
فَنَــمَّ لســانِي بالــذي صــَحَّ عنـدَه
ولَــمْ يَخْــشَ عَــذْلاً لا ولا لَــوْمَ لائِمِ
فَأنْجَــدَ مِــنْ وَجْــدِي بِـهِ أيَّ مّنْجَـدٍ
وأتْهــمَ مــن حبّــي لــه أيَّ مَتْهَـمِ
ولَمّـا غَـدَا فـي جـودِه كـابنِ طـاهِرٍ
غَـدَوْتُ لـه فـي المـدح كـابن مُحَلَّـمِ
فجئتُ بمنثــورٍ مــن المــدْح بـارعٍ
وأتْبعتُـــه فـــي نـــوعِه بمُنَظَّــمِ
وصــرتُ أرَى نفسـي الغريبـةَ منهمـا
لأُنْســـِهما بيــن الحطيــمِ وزَمْــزَمِ
وحيــن رآنِـي فـي انفـرادي كمالِـكٍ
غَــدَا لــي أخـاً فـي كَتْبِـهِ كَمُتَمِّـمِ
فكَـمْ كُرْبـةٍ جَلَّـى عـنِ القلـبِ كَتْبُـهُ
وخَطْــبِ عنــاءٍ أسـودِ الليـلِ مُظْلِـمِ
فشـــُكْري علاهُ قاصــرٌ ولَــوَ انَّنِــي
تَسـَرْبلتُ فـي بُـرْدِ البيـان المُسـَهَّمِ
فيــا مُولَعـاً بـالعلمِ يَمِّـمْ جَنَـابَهُ
وبَــادرْ تَفُــزْ منــه بخيــرِ مُيَمَّـمِ
وحُــطَّ بــه رَحْــلَ العنايــةِ بُرْهـةً
مـن الـدّهرِ تَظْفَـرْ بالنَّـدى والتَكرُّمِ
وبَلِّـــغْ لــه مِنِّــي تحيَّــةَ مُولَــعٍ
بأمْـــدَاحِهِ مُغْــرىً بمــرآهُ مُغْــرَمِ
وقَبِّــلْ لَــديْهِ التُّـرْبَ عنّـي تبَرُّكـاً
وشـــَفَّعْ ولا تَجْـــزَعْ بكــفٍّ ومِعْصــَمِ
وإنّـــي لأدْعُـــو بــالرجوع لخِطّــةٍ
بَكَتْـهُ زمـانَ العَـزْلِ بالـدمعِ والدَّمِ
هــي خِطّــةٌ كـان الهنـاءُ لهـا بِـهِ
أهــمَّ لِمَــا نــالتْ بـه مِـنْ تَقَـدُّمِ
بقِيــتُ كمــا تـدري أسـيراً مقَّيـداً
بقيــد حديــدٍ أكْحَـلِ اللـونِ أدْهَـمِ
شــَبِيهٍ لـه بالرجـل منّـي الْتِفَـافُهُ
إذا نَظَــرتْ عينــي إليــه بــأرْقَمِ
رمـاني زمـانِي منـه عـنْ قـوسِ صَرْفِهِ
بـــآبُرَةٍ بيـــن العُــداةِ بأســْهُمِ
وصــيَّرني فـي خدمـةِ الكُفْـر جاهـداً
وقــد شــَفَّ جســمي خـدمتي وتَخـدُّمِي
ولا ذنـبَ لـي إلاّ اشـتغالِي بكـلّ مـا
يُســهِّلُ لــي ســُبْلَ العُلَـى وتَهَمُّمِـي
عسـى مـا أرَى مـن عُرْوةِ الأسْرِ مُوثَقاً
بـــدعوتِهِ يَقْضـــِي لـــه بتَفَصـــُّمِ
فمـــا زالَ أهْلاً للفضـــائل كُلِّهــا
ومَــنْ أمَّــهُ لــم يَنْقَلِــبْ بتَنَــدُّمِ
عبد الكريم القيسي البَسطي.من شعراء الأندلس في القرن الأخير من حياة العرب المسلمين في تلك الديار ، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القيسي. وقد وصل إلينا ديوان شعره كاملاً تقريباً، ولعله آخر ديوان أندلسي يصل إلينا من خلال الأحداث القاسية التي عانى منها الأندلسيون في آخر التاريخ الإسلامي هناك . ولم تحفظ لنا الوثائق الباقية سنة ولادة القيسي البسطي ولا سنة وفاته ، لكن ديوانه يشير إلى أنه من رجال القرن التاسع، وأنه لم يدرك سقوط غرناطة 897 هـ.وكانت ثقافة الشاعر ثقافة شرعية شاملة إلى ثقافة عربية أدبية مكينة ، وقد عين في أعمال مثل الإمامة، والخطابة والتوثيق والفتيا. وشعر البسطي هو صورة من صور الشعر في أيام الأندلس الأخيرة .