
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
سـَلُوا مَـنْ بها أسلُو لِمَ اختارتِ الصّدَّا
ولَـمْ تَـرْعَ لي العَهْدَ القديمَ ولا الوِدَّا
لعـــلَّ لـــديْها إذْ تُجـــاوِبُ حُجّـــةٌ
تُـبرِّدُ مـنْ قلـبي بهـا الشوقَ والوَجْدَا
فـــإنَّ بقلــبي مِــنْ تــرادُفِ صــَدِّها
لهيبـاً يَفـوقُ النّـارَ قـد وُقِـدتْ وَقْدَا
وقــد كنــتُ منهــا بــالتقرُّب آنِسـاً
فصـرتُ فقيـدَ الأنـس مُـذْ رامـتِ البُعْدَا
ولا ذنــبَ لــي إلاّ اشــتهاري بحبّهــا
وكــونِيَ مِـنْ بيـن الأنـام لهـا عَبْـدَا
وأشـــواقُ قلــبي بالوصــال تَضــَرَّمتْ
ومــا غُمِّضــَتْ عينـي ولا ملَّـتِ السـُّهْدَا
أُعــانِقُ منهــا الغُصـْنَ يَهـتزُّ ناعمـاً
وألْثُـمُ منهـا الخـدَّ قـد أخْجلَ الوَرْدَا
وأقطِــفُ زهْــرَ الــرّوضِ مِـنْ وَجَنَاتِهـا
وأرْشـُفُ مِـنْ فيهـا المُدَامـةَ والشـَّهْدَا
وَقَـــدْ جَعَلَــتْ إحــدى يــديَّ وســادة
وصــيّرتِ الأخــرى علــى عَجَــلٍ عَقْــدَا
ورِجْلِـــي عليهــا كاللّحــافِ لِنــائِمٍ
وصـدري يُحـاذِي ذلـك الصـدْرَ والنَّهْـدَا
وأشـكُو إليهـا مـا ألاقـي مـن الظمـا
فتشــكو الـذي أشـكو لِتَقْتُلَنِـي عَمْـدَا
وَمَوْرِدُهــا العــذبُ الشــَّهيُّ ومــورِدِي
مُباحــان لكــنَّ التُّقـى مَنَـعَ الـوِرْدَا
فمــا بالُهــا دانَــتْ بِهَجْـرِي وقطّعـتْ
حِبــالَ وصــالٍ كُنْــتُ أُحْكِمُهــا شــَدّا
لئن رَضـــيَتْ هجــري رضــِيتُ بوَصــْلها
وطــال مَـدَى عَتْـبي علـى ذاك وامتـدّا
فَلــي بالرِّضـَى الزُّهْـرِيِّ مِـنْ آل زُهـرةٍ
تَتَـــابعُ وصـــل لا أرى معـــه صــَدَّا
إمـــامٌ يَـــؤُمُّ المُعنـــتين بســيفه
مســـاءً وصـــُبْحاً لا يَمَــلُّ ولا يَهْــدَا
ويُبـــدِي بيـــانَ المُشــْكِلاتِ بفَهْمِــه
فمــا مُشــكِلٌ يَبْقـى إذا شـَرْحَه أبْـدى
وَيَبْهَـــرُ زَهْــرَ الــرّوض رائقُ بِشــْرِه
فيُقصـَدُ دون الـرَّوْضِ كَـيْ يَبْلُـغَ القَصْدَا
إلــى مـالَه بيـن الـورى مـن فَضـائِل
تَجَلَّـــى جلالاً أن يُحـــاطَ بهــا عَــدَّا
ومَــازَ فنــونَ العلـم منهـا وفهمُهـا
لأعظَــمُ فضـلٍ مَـنْ حَـواه حـوى المجْـدَا
فــأحرَز فــي علــمِ الحــديث كَمُسـْلِمٍ
وفـي الفقـه كالمِصـْرِيِّ بـلْ فَاقَهُ جُهْدَا
وحَصــَّلَ فــي التفســير كــابنِ عطيـة
وفي السرد كالدّاني الذي أحْكَمَ السّرْدَا
وماثَـــل عِلْمـــاً ســـيبويهٍ وشــيخَهُ
إذا مـا عَـروضُ الشـّعرِ والنحوُ قَدْ عُدّا
وعِلْمَــا أُصــول الفقـه والـدينِ فَنُّـه
عَلاَ فيهمــا فـوق الـذي بهمـا اعْتَـدَّا
وفــي لُغَــةِ الأعْــراب والطــبّ صـيتُه
بعيـدٌ وفـي التاريـخ قـد جاوز الحدّا
وســابَق فــي علــمِ الحســابِ وجبْـرِه
سـِوَاهُ وفـي التكسـير مـا إن رأى نِدّا
وأصــبحَ فــي التَّعْــديل بـدْرَ هدايـةَ
وفي المنطق المعروف أوْرى الورى زَنْدَا
وأظهَــر مــن علــم البـديع بـدائعاً
وقيّــدَ مــن علــم التصـوّف مـا نَـدَّا
وأبــدى مــن الأحكـام للنـاس مَقْنَعـاً
ومــن صـنعة التوثِيـقِ أوثَقَهـا عقْـدَا
فُنــونُ علــومٍ حازهــا اليـومَ وحـدَه
بِصــارمِ جِــدٍّ لَــمْ يُفَــلَّ لــه حَــدَّا
تــولّى القضـاءَ الصـعبَ فاشـتدّ كَربُـه
وحســْبُكَ مــن خَطْـبٍ بـه كَرْبُـه اشـتدّا
فجــدَّدَ رَســْمَ العــدل بعــد دُروســِه
وغــادر ربْــعَ الجـوْر للعيـن مُنْهَـدّا
وغَلَّــقَ بــابَ الظُّلـم مـن بعـدِ فَتْحِـه
وفتّـح بـاب الحـق مـن بعـد ما انسَدَّا
فأيّـــدَ مظلومـــاً وهـــدّدَ ظالِمـــا
وأمّــنَ مــذعوراَ وأعـدى مـن اسـتَعْدَى
وســاوى وُقوفــاً بيــن خَصــْمٍ وخَصـْمِه
وأدَّبَ مَـنْ فـي مَجْلِـسِ الحُكْـم فـد لّـدَّا
وفــاق شــُريكاً فــي عَــدالَتِه الـتي
بإحْرازِهــا كُــلَّ المَظــالِمِ قَــدْ رَدَّا
وقــد كـان يَسـتعفِي احْتياطـا لنفْسـِهِ
ليحفظهــا مــن حمـل مـا حملُـه أرْدَى
إلــى أنْ أتَــاهُ اللـه أسـنى مُـرادِهِ
فأعفـــاهُ والأفــواهُ توســِعُه حَمْــدَا
فأضـحى ظَلامُ الظُّلْـم فـي النـاس ظاهراً
وأودَعَ نــورَ الحــقّ مـن بعـدِه لّحْـدَا
وقـــام بأعبـــاء الخطابــةِ بعــدَهُ
يُقــرِّرُ فيهــا مِــنْ مــواعِظِهِ رُشــْدَا
وشـــَفَّعَ بـــالإِقْراءِ منهـــا وظيفــةٌ
فأهـدى مِـنَ التّعليـم أبـدَعَ مـا يُهْدى
إلـــى مـــا جلاهُ بــالتكلُّم دائِمــاً
مــن العلـم للمسترشـدين ومـا أسـدى
وناهيـــكَ بالفُتيــا وظيــفَ عِنايــةٍ
يُريـكَ الـورى دأبـاً علـى بـابه وَفْدَا
وظـــائفُ ديـــنٍ بالإمامـــةِ تُمِّمَـــتْ
حواهــا وحيــداً واسـتقلّ بهـا فَـرْدَا
وكــانَ مُجِــدّاً فــي القيـامِ بحَمْلِهـا
وصـادفَ وقتـاً لـم يكـن يَلحـظُ الجِـدَّا
فـــأُخِّرَ عنهـــا لا لِنقـــصٍ ووصـــمةٍ
وعُــوِّضَ مِنْــهُ مَــنْ تَبــدَّى لــه ضـِدَّا
فأضــْحَى لَزِيــمَ الـدّارِ سـَلْمانَ بَيتِـهِ
وأظْهـرَ فـي الـدّنيا وزُهرتِهـا الزُّهْدَا
فـــأفَّ لـــدنيا لَــمْ تُــوَفِّ حقــوقَه
وتَبّـاً لقـومٍ لـم يُرَاعُـوا لـه العهْدَا
وعُـذْراً لأهـلِ العلـم إن أظْهـروا الأسَى
ولا عُــذْرَ منهـمْ للـذي أظهـرَ الجَلْـدَا
وَصــَبْراً جَمِيلاً تِلْــكَ دُنْيَــاكَ لَـمْ تَـفِ
بِأشــْجَانِهَا بَـاحَتْ وَلَـمْ تَسـْتَطِعْ جَحْـدَا
فَــتىً خَيْـرُهُ إنْ أصـبحَ اليـومَ ظـاهراً
رأى فــي عــدٍ مــن ردِّهِ عِيشـةً رَغْـدَا
فيـا أيّهـا الحَبْـرُ الـذي فـاق قـدرُه
عُلـوّاً محـلَّ البـدْر قـد قـارن السَّعْدَا
إليــكَ رعــاك اللــهُ منــي قصــيدَةً
حــوتْ مــن حُلاكَ الغُـرِّ أحسـنَها بُـرْدَا
فخُــذْها علــى عِلاّتِهــا أخــذَ عــالمٍ
وكـن ناقـداً منهـا الذي يقبل النَّقْدَا
فليـس نظـامُ الشـّعْرِ مـن شـِيَمِي الـتي
أُجـاري بها في النظم مَنْ يُحسِن الطَّرْدَا
ولكنّنٍـــي صـــيّرتُه لـــي مؤانســـاً
بــآبُرَةٍ حيــث اغْتَــدَتْ فِــرَقُ الأعْـدَا
كأُنســي بَكتــبٍ جــاءني مِنْــكَ بـارِعٍ
هَصــَرتُ بــه للصـَّبْرِ أغصـانَه المُلْـدَا
كتــــابُ هُـــدىً حلَّيْتَـــه بمـــواعِظٍ
بلاغتُهــا أضــحتْ علــى كَبِــدي بَـرْدَا
فصـــرتُ وإن أصــبحتُ فيهــا مقيّــداً
بمـا فيـه مـن آدابٍ اسْتَسـْهِلُ القَيْـدَا
فمــا قَبْلَــهُ أبْصــرتُ واللــهِ مِثْلَـهُ
ولا مَــنْ لآلِــي الكَتْــبِ حَسـَّنَها نَضـْدَا
بَقيـــتَ تُســـَلِّي كــلَّ نفــسٍ بمثْلِــهِ
وتَبْـذُلُ مِـنْ تأنيسـِها الوِسـْعَ والجُهْدَا
عبد الكريم القيسي البَسطي.من شعراء الأندلس في القرن الأخير من حياة العرب المسلمين في تلك الديار ، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القيسي. وقد وصل إلينا ديوان شعره كاملاً تقريباً، ولعله آخر ديوان أندلسي يصل إلينا من خلال الأحداث القاسية التي عانى منها الأندلسيون في آخر التاريخ الإسلامي هناك . ولم تحفظ لنا الوثائق الباقية سنة ولادة القيسي البسطي ولا سنة وفاته ، لكن ديوانه يشير إلى أنه من رجال القرن التاسع، وأنه لم يدرك سقوط غرناطة 897 هـ.وكانت ثقافة الشاعر ثقافة شرعية شاملة إلى ثقافة عربية أدبية مكينة ، وقد عين في أعمال مثل الإمامة، والخطابة والتوثيق والفتيا. وشعر البسطي هو صورة من صور الشعر في أيام الأندلس الأخيرة .