
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
سَلامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ السَّعْدِيُّ، مِنْ قَبِيلَةِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ بِنْ تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ المُقِلِّينَ وَأَحَدُ وُصّافِ الخَيْلِ، عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ ووضعَهُ فِي الطَّبَقَةِ السّابِعَةِ، وَكانَ سلامةُ مِنْ فُرْسانِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ شِعْرِهِ فِي الحَماسَةِ وَالفَخْرِ، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ الأَصْمَعِيّاتِ وَالمُفَضَّلِيّاتِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ 15ق.هـ المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 608هـ.
هُوَ اْمرُؤُ الْقَيْسِ بنُ حُجْر بن الحارِث بن عَمرو بن حُجْر آكلِ الْمُرار، بن معاوية بن ثَور، وهُو كِنْدَة بنُ عُفَير بن عَدِيّ بن الْحارِث بن مُرّةَ بن أدَد بن زَيْد بن عَمْرو بن عريب بنِ زيد بن كَهلان بن سَبَأ بن يَشجُب بن يَعرُب بن قحطان.
ويُقال إنّ امرأ القيس هو لقبُه، واسْمُه: حُنْدُج. ومِنْ أَسْمائِهِ الْأُخرى: عَدِيّ، ومُلَيْكَة. ومعنى امرِئِ القيس: رجلُ الشِّدَّة، وقيل إنّ "القيس" من أصنام الجاهليّة، وقيل إنّ "القيس" من القياس؛ لأنّه كان جميلاً ويقيسونَ إليه جمالَ الآخرين. ومعنى حُنْدُج: الرّملةُ الطّيّبة.
يُكْنَى امرؤ القيس بِأَبي وَهْب، وأبي زَيد، وأَبي الحارث. ويُلقّب بالملكِ الضِّلِّيل؛ لأنّه قضى شطراً كبيراً من حياتِه في رحلةِ البحث عن الملك. ويُلقّب أيضاً بذي الْقُروح؛ لأنّ جسدَه قد تقرّحَ بعد ارتدائه للحُلّةِ المسمومة، وفي ذلك يقول:
وَبُدِّلتُ قُرْحاً دامياً بَعْدَ صِحَّةٍ فَيا لَكِ نُعْمى قَدْ تَحَوَّلْنَ أَبْؤُسا
ومن ألقابِه الأخرى: الذَّائِد. وذلك لقولِه:
أَذُودُ الْقَوافِيَ عَنِّي ذِيادا ذِيادَ غُلامٍ غَوِيٍّ جَوادا
والدُهُ هو الملكُ الْكِنْدِيّ حُجْرُ بنُ الحارث، وقد ماتَ مقتولاً على يدِ بني أسَد، وأثّرَ مقتلُهُ تأثيراً كبيراً على حياةِ امرئ القيس. وأمُّهُ هي فاطمةُ بنتُ ربيعة بن الحارث بن زهير التّغلبيّة، أختُ الملك كليب والشّاعر المهلهل. وقيل إنّ اسم أمّه: تَمْلِكُ بنت عمرو بن زُبَيد بن مَذْحِج.
أمّا قبيلتُهُ فهي قبيلةُ كِنْدَةَ اليمانيّة، والمعروفَة في المصادرِ العربيّةِ بكندةَ الملوك؛ ذلك لأنَّهُم أنشؤوا مملكةً عظيمةً في نجد وأجزاء من الحجاز والمواضع الشرقية الجنوبية من شبه الجزيرة العربيّة، وكانت هذه المملكةُ في البداية تابعةً لمملكةِ حمير، وترجّح الرّوايات التّاريخيّة أنّ مملكة كندة قد قامت في شبه الجزيرة العربيّة بحدود القرنِ الثّاني قبل الميلاد، وبدأت تضعُفُ وتتفكّك مع اغتيالِ جدّ امرئِ القيس الحارث بن عمرو، ثُمّ مقتل والدِ امرِئ القيس حُجر بن الحارث على يدِ قبيلةِ أسد. ومع مقتلِ والدِ امرئ القيس تفكّك ملكُ كندة ما خلا بعضَ المشيخات.
وتقولُ الرّوايات التّاريخيّة إنّ الحارثَ بن عمر (جدّ امرئ القيس) قد فرّقَ أبناءَهُ ملوكاً على قبائلِ العرب الشّماليّة بعد أن شكا إليهِ أشرافُ العربِ تفرّقَهم ونزاعَهم؛ فملّكَ ابنَهُ حُجراً (والد امرئ القيس) على قبائلِ أسد وغطفان، ووضعَ ابنَهُ شرحبيل على بكر بن وائل بأسرِها وعلى بني حنظلةَ بن مالك، ووضعَ ابنَهُ معديكرب المُسّمى بغلفاء على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة، فيما ملّك ابنَهُ سلمةَ على بني قيسٍ جميعاً.
ولم يكُن المُلكُ في أعمامِ امرئِ القيسِ دونَ أخوالِه؛ فقد كانَ خالُهُ "كليبُ بن ربيعة" ملكاً على قبيلةِ وائل بفرعيها من بكرٍ ووائل، وكانَ مُلكُ كُليب لحظةً فارقةً في تاريخِ العربِ الشّماليّين الّذين لم يُشتهَر فيهم مفهومُ الملك اشتهارَهُ في العربِ الجنوبيّين.
وعلى الرّغم من وجودِ ثلاثِ كُنى لامرئِ القيس (أبو وَهب، وأبو زَيد، وأبو الحارِث)، فإنَّهُ لا توجَدُ في المصادرِ المترجمةِ للشّاعرِ أيّ إشاراتٍ إلى أبنائِهِ، وتُشيرُ بعضُ المصادرِ إلى أنّهُ لم يكُن لهُ ولدٌ ذكَرٌ يُكْنى به، وأنّهُ كان دارجاً على عادةِ وأدِ البناتِ في الجاهليَّة.
عَلى أنّه ورَدَ ذِكرٌ لبعضِ زوجاتِهِ اللَّائي طَلَّقَهُن؛ من مثلِ أُمِّ جُنْدَب الَّتي ابْتَدَأَ باسمِها مطلعَ قصيدةٍ من عيونِ شعرِه. لكِنّ الرّواةَ يقولونَ إنَّ امرأَ القيسِ –بالرّغمِ من جمالِهِ- فَقد كانَ بَغيضاً إِلى زَوجاتِه.
يمثّل امرُؤُ القيسِ شخصيّةً رفيعةً جدّاً في تاريخِ الأدبِ العربيّ على مرّ العصور، وهُوَ من الشّعراءِ الجاهليّينَ القُدماء الّذين احتلّوا مكانةً مهمّةً ونالوا عنايةً خاصّةً من الرّواة والعلماء العرب على مرّ التّاريخ؛ إن على صعيدِ شعرِهِم أو على صعيدِ حياتِهم الشّخصيّة.
وعلى الرّغم من هذه العناية الفائقة، إلّا أنّ الحديث عن حياةِ امرئ القيس ما يزالُ حديثاً خطيراً جدّاً بسببِ تضاربِ الرّواياتِ بشأنِه وكثرةِ الأخبار المنسوبة إليه، إلى الحدّ الّذي ظنّ فيه بعضُ النّقّاد أنّه شخصيّةٌ أسطوريّة، فيما اتّفقَ السّواد الأعظم من العلماء والنّقّاد والرّواة على أنّه شخصيّةٌ حقيقيّة، مع إقرارِهم بوجود الكثير من الخرافات والأساطير في قصصه، وبوجود الكثير من الشّعر المنحول عليه.
يُرجّحُ المؤرّخون أنّه وُلِدَ سنةَ 497م الموافقة لسنةِ 130 ق.هـ، ويتّفقون أنّهُ وُلِدَ لأسرةٍ مالكةٍ ثريّةٍ هي أسرةُ كندةَ الحاكمة في عدّة مناطق من شبهِ الجزيرةِ العربيّة.
وقد عاشَ امرؤُ القيس في ظلّ مُلكِ أبيهِ حياةً ملؤُها التَّرَفُ والدَّعَةُ والشِّعرُ ومجالسُ اللّهوِ من الخمرِ والنّساء، وتشكّل هذه المرحلة من حياتِهِ الشّطرَ الأكبرَ من شعره. ولا يبدو –وفق الرّوايات التّاريخيّة- أنّ علاقة امرئ القيس كانت جيّدةً بأبيه؛ فقد طردَهُ وآلى على نفسِهِ ألّا يقيمَ معه أنفةً من قولِه الشّعر ونظامِ الحياة الماجنة؛ إذ كان من عادةِ امرئ القيس أن يجمعَ إليهِ الأصدقاءَ من شُذّاذ القبائل ويسير في أحياءِ العرب، فإذا صادف غديراً أو روضةً أقامَ فذبحَ راحلتَهُ لمن معَه وشربَ الخمر، وخرج إلى الصّيد حتّى ينفدَ ماءُ الغدير ثمّ ينتقل إلى غيره!
ومن أسبابِ توتّر علاقةِ امرئ القيس بأبيهِ –كما يقولُ المؤرّخون- عشقُهُ لابنةِ عمِّهِ فاطمة (وقيل: عُنَيزَة)؛ فقد كانَ والدُهُ غيرَ راضٍ عن تشبيبِ امرئ القيس بابنةِ عمّه في الشّعر.
ومن الرّواياتِ الّتي تؤكّد توتّر العلاقة بين امرئ القيس وأبيه حُجر روايةٌ تقولُ إنّ حُجراً أمرَ عبداً له في ساعةِ غضب أن يقتلَ امرأ القيس ويأتيَه بعينيه، فذهبَ العبدُ وقتلَ جُؤذَراً (ولد بقرة) وجاءَ بعينيهِ إلى حُجر، فلمّا رأى ذلك ندم ندماً شديداً وهَمّ بقتلِ العبدِ بابنِه، لولا أن تداركَ الأخيرُ وأخبرَ سيّده بالحيلة.
وقد أكثرَ امرؤُ القيسِ في شعرِهِ من وصفِ حياةِ التّرفِ والمجونِ الّتي لم يكُن أبوهُ راضياً عنها، ومن ذلك مشهدٌ شهيرٌ في معلّقته يوثّقُ فيه قصّتَه بدارةِ جُلجُل مع العذارى اللّاتي عقَر لهُنّ بعيرَه، يقول:
أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صالِحٍ وَلا سِيَّما يَوْمٍ بِدارَةِ جُلْجُلِ
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذارى مَطِيَّتي فَيا عَجَباً مِنْ رَحْلِها الْمُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ الْعَذارى يَرْتَمينَ بِلَحْمِها وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ الْمُفَتَّلِ
ولهِذِهِ الْأَبْياتُ قِصَّةٌ مَشْهورَةٌ في الْمَصادِرِ الْأَدَبِيَّة؛ فَإنَّ العَذارى كُنَّ يَستَحْمِمْنَ في الْغَديرِ الموجودِ بِدارةِ جُلْجُل وقد ترَكْنَ ثِيابَهُنّ خارجَه، فباغتَهُنّ امرؤُ القيس وأخذَ ثيابَهُنّ وقعَدَ عليها، فلَمّا فرَغْنَ أَقْسَمَ أَلّا يُرجِعَ الثّيابَ حتّى يخرُجنَ عارياتٍ إليهِ واحدةً واحدة، فأخذنَ يتحايلنَ عليهِ باللُّطفِ حتّى يرُدّ الثّيابَ إلّا أنّه أَبى، فما كانَ منهنّ إلّا أن لبّينَ رغبتَه وخرجنَ يُعاتبنه على ما صنع ويذكرنَ تأخرَهُنّ وجوعَهنّ، فما كانَ منهُ إلّا أن ذبحَ ناقتَهُ إكراماً لهُنّ، وهُوَ المشهدُ الموصوفُ في الأبياتِ السّابقة.
كَما تُوجَدُ في معلّقتِهِ إشارَةٌ لابنةِ عَمِّه فاطمةَ الّتي يَقولُ الرّواةُ إنَّ أَباهُ قد طَرَدَهُ لِتَشْبيبِهِ بِها، يقول:
أَفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذا التَّدَلُّلِ وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلي
أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِلي وَأَنَّكِ مَهْما تَأْمُري الْقَلْبَ يَفْعَلِ
فَإِنْ تَكُ قَدْ ساءَتْكِ مِنِّي خَليقَةٌ فَسُلِّي ثِيابِي مِنْ ثِيابِكِ تَنْسُلِ
وَما ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلَّا لِتَضْرِبي بِسَهْمَيْكِ فِي أَعْشارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
هكذا قضى امرُؤُ الْقَيْسِ شَبابَهُ في لَذَّةٍ بالِغَةٍ وحَياةٍ مُتْرَفَةٍ إِلى أَنْ بَدَأَ مُلْكُ أَبيه "حُجْرِ بن الحارثِ" بالتَّضَعْضُع؛ إِذْ بَدَأَتْ قَبيلةُ "أَسَد" بالتَّمَنُّعِ عَنْ أَداءِ الأَتاواتِ المتّرتِّبَةِ عليهِم لأَبيه، وبدلاً مِنْ أَنْ يُهادِنَهُمْ جَلَبَ ساداتِهِم وقَرَّرَ أَنْ يُشْبِعَهُم ضَرْباً بِالعَصا؛ لذِلَكَ يُطْلَقُ عَلى هذِهِ الْقَبيلَةِ "عبيدُ الْعَصا". وبرغمِ مصالحتِهِ لهُم بعدَ هذِهِ الحادثة، إلَّا أنَّ ما حدَثَ كانَ قَدْ أَوْغَرَ الصُّدور، وفي لَيْلَةٍ وضُحاها سَجَعَ أَحَدُ الْكُهّانِ بالقبيلةِ يُشَجِّعُهُم عَلى قتلِ الملك، فاجتَمَعُوا عليهِ وقَتَلُوه، وقيلَ إنّ قاتلَهُ هو عِلْباءُ بن الحارثِ الكاهليّ، وقيلَ إنّ قاتلَهُ هو ابنُ أختِ عِلْباء. والمعروفُ من شعر امرئ القيس أنّ البطنَ المسؤولَ عن قتلِ حُجْرِ بنِ الحارثِ من بُطون قبيلة أسد هو بطنُ بني كاهل.
وتَقولُ الرِّواياتُ إنّ حُجرَ بنَ الحارثِ قَدْ أَرْسَلَ إِلى أَبْنائِهِ جَميعاً بِخَبَرِ قَتْلِه، وَأَوْصى رَسولَهُ أَلّا يُبلِّغَ وَصِيَّتَهُ إلّا لِمَنْ لا يَحْزَنُ مِنْهُم ولا يَجْزَع؛ لِأَنّ في ذلكَ دلالةً عَلى قوّةِ بأسِهِ وشكيمتِه. وهكذا مَضى الرّسولُ حتّى وصلَ امرَأَ الْقَيْسِ وهُوَ يَلْهو في أَرْضٍ يُقالُ لها "دَمُّون"، فَاستقبلَ الخبرَ بِبُرودٍ آمراً نديمَهُ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ في الشُّرْبِ واللَّعِب، ثُمّ قالَ جُمْلَتَهُ الشَّهيرَة: "ضَيَّعَني صَغيراً، وحَمَّلَني دَمَهُ كبيرًا. لا صَحْوَ الْيَوم، ولا سُكْرَ غَداً. الْيَوْمَ خَمْر، وَغَداً أَمْر".
وحينَ اسْتَيْقَظَ امْرُؤُ الْقَيْسِ مِنْ سَكْرَتِه، بَدَأَتْ مرحلَةٌ جديدةٌ من حياتِه سوى تلك المليئةِ بالتَّرَفِ والمَلَذَّات؛ إِذْ أَقْسَمَ أَلّا يَأْكُلَ لَحْماً ولا يَشْرَبَ خَمْراً ولا يَدَّهِنَ بِدُهْنٍ ولا يَلْهو بِلَهْوٍ ولا يَغْسِلُ رَأْسَهُ حَتّى يُدْرِكَ ثَأْرَ أَبيه. وقَدْ وَثَّقَ في شِعْرِهِ لَحْظَةَ وُصولِ خَبَرِ مَقْتَلِ أَبيهِ إليهِ فقال:
أَتاني وَأَصْحابِي عَلَى رَأْسِ صَيْلَعٍ حَديثٌ أَطارَ النَّوْمَ عَنِّي فَأَنْعَما
فَقُلْتُ لِعِجْلِيٍّ بَعِيدٍ مَآبُهُ أَبِنْ لِي وَبَيِّنْ لي الْحَديثَ الْمُجَمْجَما
فَقالَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ! عَمْرٌو وَكاهِلٌ أَباحا حِمى حُجْرٍ فَأَصْبَحَ مُسْلَما
وكانَ إدراكُ الثّأرِ لدى امرِئ القيس مَشروطاً بمقتلةٍ عظيمةٍ مِن بني أسد يقتلُ فيها مئةَ رجُلٍ عَلى الأقلّ، ويجزُّ نواصي مئة! ومِمّا قالَهُ امرُؤُ القيس في توعُّدِ بني كاهل وذكرِ مآثرِ أَبيه:
يا لَهْفَ هِنْدٍ إِنْ خَطِئْنَ كاهِلا الْقاتِلينَ الْمَلِكَ الْحُلاحِلا
تَاللَّهِ لا يَذْهَبُ شَيْخِي باطِلا يا خَيْرَ شَيْخٍ حَسَباً وَنائِلا
وَخَيْرَهُمْ قَدْ عَلِمُوا فَواضِلا يَحْمِلْنَنا وَالْأَسَلَ النَّواهِلا
وَحَيَّ صَعْبٍ وَالْوَشيجَ الذَّابِلا=مُسْتَثْفِراتٍ بِالْحَصى جَوافِلا#
وحينَ بَدَأَ امرُؤُ القيسِ بعَدِّ الْعُدَّةِ لُمجابَهَةِ بَني أَسَد، أَرْسَلوا إلَيْهِ وفدًا من كبرائِهم –وفيه شاعرُهُم عبيدُ بن الأبرص وسيّدُهم قُبيصةُ بن نُعَيم- وخيّروهُ بينَ ثلاثةِ أمور؛ إمّا أن يَطْلُبَ أَشْرَفَ بَيْتٍ في بَني أَسَدٍ يَقْتادُونَه إليهِ فَيَشْفي مِنْهُ نَفْسَه، وإِمّا أَنْ يدفعوا دِيَةَ أَبيهِ أُلوفاً مِنَ الْإِبِل، وإِمّا أن يُعطيَهُم مُهْلَةً حَتّى تَضَعَ حواملُهُمْ ويَسْتَعِدُّوا للحَرب. فأَبى امرُؤ القيس الصُّلْح، ووافقَ على هُدْنَةٍ قصيرة.
وقد اسْتَعانَ امرُؤُ القيسِ أثناءَ الهُدْنَةِ بعددٍ من قبائلِ العرب، ويظهرُ من ديوانِهِ أنّهُ كانَ مُستَهْجِناً من موقفِ القبائل العربيّة إزاءَ مقتلِ أبيهِ الملك، ومن ذلك قولُه:
أَرِقْـــــتُ لِـــــبَـــــرْقٍ بِــــلَــــيْــــلٍ أَهَــــلّْ يُـــضِـــيءُ سَـــنَـــاهُ بِــأَعْــلَــى الْــجَــبَــلْ
أَتَــــانِــــي حَــــدِيــــثٌ فَــــكَــــذَّبْــــتُـــهُ بِــــأَمْــــرٍ تَــــزَعْــــزَعُ مِــــنْــــهُ الْـــقُـــلَلْ
بِـــــقَــــتْــــلِ بَــــنِــــي أَسَــــدٍ رَبَّــــهُــــمْ أَلَا كُـــــــلُّ شَـــــــيْءٍ سِـــــــوَاهُ جَـــــــلَلْ
فَـــــأَيْــــنَ رَبِــــيــــعَــــةُ عَــــنْ رَبِّــــهَــــا وَأَيْــــنَ تَــــمِــــيــــمُ، وَأَيْــــنَ الْـــخَـــوَلْ
أَلَا يَـــــحْـــــضُـــــرُونَ لَـــــدَى بَـــــابِـــــهِ كَــــمَــــا يَـــحْـــضُـــرُونَ، إِذَا مَـــا أَكَـــلْ؟
وَتُشيرُ الرِّواياتُ إِلى أنَّ عَدداً مِنْ قبائلِ العربِ قد نَصَرَ امْرأَ القيسِ وحارب معَهُ بني أسدٍ وأَحْلافَهُم، ومن هذه القبائلِ قبيلتا بكر وتَغلِب اللَّتانِ استطاعتا إلحاقَ هزيمةٍ نكراءَ ببني أسد، غيرَ أنّ امرَأَ القيس لم يشتفِ وطلبَ أن ينصروهُ في معاركَ أخرى، إلّا أَنَّهُم رفضوا، ودخل امرؤُ القيس في رحلةٍ طويلةٍ من التّنقّل بين القبائلِ العربيّة طلباً للمعُونة، غيرَ أنَّ صراعَ المناذرةِ القديم معَ آباءِ امرئ القيس قد حالَ دونَ نصرةِ قبائلِ العربِ له؛ إذ إنّ المنذر بن ماء السّماء (ملك الحيرة) كان على خلافٍ مع ملوك كندة، وتوعّد قبائل العرب الّتي تنصُرُ امرأ القيس بحربٍ شعواء، فانفضّت القبائل من حولِهِ إلّا قليلاً.
وبانفضاض قبائل العرب عن امرئ القيس، فقد غدا ملكاً يُطاردُ ثأرَه وملكَ آبائه بلا جدوى، ومن ثَمّ لَحِقَ بهِ لقبُ "الملك الضِّليل". وتحوّلت به الظّروف في نهايةِ المطافِ إلى أن ينزلَ في جوارِ عددٍ من سادةِ العرب بما يضمنُ له الحمايةَ والنّصرة، ومن الأسماءِ الّتي استنجد بها امرؤُ القيس وطلبَ معونتَها: مَرْثَدُ الْحِمْيَرِيّ، وعمرو بن جابر الفِزاريّ، والحارث بن شهاب اليَربوعيّ، وعامرُ بن جوين الطّائيّ، وسعد بن الضّباب الإياديّ، والمعلّى بن تيم الطّائيّ، والحارث بن جبلّة الغسّانيّ، والسّموألُ بن عادياء الّذي لجأَ إليه امرؤُ القيس في رحلتِهِ الأخيرةِ إلى بلادِ الرّوم.
ولعلّ قصّة امرئ القيس مع الشّاعرِ السّموأل هي أكثرُ القصص إثارةً في حياةِ امرئ القيس، وملخّصُ القصّة أنّ امرأ القيس أودعَ لدى السّموأل دروعاً لهُ قبل رحيله إلى القسطنطينيّة، وبعد وفاةِ امرئ القيس طلبَ ملكُ الغساسنةِ الحارثُ بن أبي شمر من السّموأل أن يسلّمه الدّروع، فأبى السّموأل واحتصنَ من جيشِ الغساسنة بحصنِه المشهور بـ"الأبلق الفرد"، فما كان من الغساسنة إلّا أن احتجزوا ابنَ السّموأل الّذي كان يتنزّه خارج الحصن، وخيّروه بينَ دفعِ الدّروع إليهم أو قتل ابنه، فاختارَ أن يُقتلَ ابنُه ولا أن ينقضَ بعهدِهِ إلى امرئ القيس، وبالفعلِ قتلوا ولدَه، وضُرِبَ المثلُ بالسّموأل في الوفاء فقيل: أوفى من السّموأل.
وبالعودةِ إلى امرئ القيس، فإنّه بعد أن دفع الدّروع (وهي ميراثُ آبائه) إلى السّموأل، لجأَ إلى قيصرِ الرّوم "يوستِينانيوس"، في القسطنطينيّة لينصرَه على المناذرةِ وبني أسد وحلفائهم. وتتضاربُ القصص المنقولةُ بشأن رحلةِ امرئ القيس إلى بلاد الرّوم تضارباً كبيراً؛ ففي حين تشير المصادرُ الغربيّة في أكثر من مكان إلى ملكٍ يُدعى بـ"امرئ القيس" كان قد وفدَ إلى قيصر الرّوم، إلّا أنّه من غير المؤكّد أن يكون هذا الملك هو ذاته امرأ القيس الشّاعر. ومهما يكُن، فإنّ رحلة امرئ القيس –كما تقدّمها المصادرُ العربيّة- لم تكُن موفّقةً في نهايتِها؛ فبعد أن استقبلَه ملكُ الرّوم ووعدَه بالنّصرة، تغيّرَ عليه وكانَ سبباً في مقتلِه كما سنوردُ بعد قليل.
ويختلفُ المؤرّخون في أسباب تغيّر قيصر الرّوم على امرئِ القيس؛ ما بين قائلٍ إنّ السببَ هو تَشبيبُ امرئ القيس بابنةِ القيصر، وقائلٍ إنّ السّبب هو وجود رجلٍ من بني أسد (خصوم امرئ القيس) في بلاط القيصر، وإنّه هو مَن أغرى حاشية القيصر بامرئ القيس وجعلَهُم يقنعون القيصرَ بأنّ امرأ القيس بعد أن ينتصرَ على خصومِه فقد يبني مملكةً عظيمةً تُناوئُ الرّوم في المنطقة، وهُوَ ما دفعَ قيصرَ الرّوم إلى قتله.
أمّا كيفيّة قتلِهِ فإنّ الرّوايةَ الشّهيرةَ تُشيرُ إلى أنّ الملكَ أهدى امرأ القيس حُلَّةً مسمومةً جعلته يُصابُ بداءٍ جلديٍّ عُضال أدّى إلى تساقطِ جلدِهِ عنه شيئاً فشيئاً إلى أن مات، وقد وثّقَ امرؤ القيس مرضَهُ هذا في شعرِهِ فقال:
تَأَوَّبَني دائِي الْقَديمُ فَغَلَّسا أُحاذِرُ أَنْ يَرْتَدَّ دائِي فَأُنْكَسا
فَإِمّا تَرَيْنِي لا أُغَمِّضُ ساعَةً مِنَ اللَّيلِ إِلَّا أَنْ أَكُبَّ فَأَنْعَسا
فَيا رُبَّ مَكْروبٍ كَرَرْتُ وَراءَهُ وَطاعَنْتُ عَنْهُ الْخَيْلَ حَتَّى تَنَفَّسا
ثُمّ قال يصفُ تَساقُطَ جلدِه:
وَما خِفْتُ تَبْرِيحَ الْحَياةِ كَما أَرَى تَضِـيـقُ ذِراعِي أَنْ أَقُومَ فَأَلْبَـسـا
فَـلَوْ أَنَّهـا نَفْـسٌ تَمُـوتُ جَمِـيـعَـةً وَلَكِـنَّهــا نَـفْــسٌ تَسـاقَـطُ أَنْفُـسـا
وَبُـدِّلْتُ قَـرْحـاً دامِيـاً بَعْـدَ صِحَّةٍ لَعَلَّ مَنايانا تَحَوَّلْنَ أَبْؤُسا
وتُوفِيّ امرُؤُ القيس – كَما تُشيرُ معظمُ الرّوايات – في سَفحِ جبلٍ يُقالُ له "عَسيب" في أَنْقِرة. وزَعَمُوا أنّ قبرَهُ ظَلّ قائماً في هذا المكانِ إلى عهدِ المأمونِ في العصرِ العبّاسيّ، وقد أشارَ البحتريُّ إلى هذا القبر في إحدى قصائده فقال:
وأَزَرْتَ الْخُيولَ قَبْرَ امْرِئِ الْقَيْـ=سِ سِراعاً فَعُدْنَ مِنْهُ بِطاءَ#
يختلفُ الباحثونَ في تحديدِ تاريخِ وفاةِ امرِئِ القيس؛ إِذ يرجّح شوقي ضيف أنّه توفّي بين سنتي 530م و540م، ويرى عمر فرّوخ أنّه توفّي في شتاءِ عامِ 540م الموافقة لـ80ق.ه، فيما يُحدّد خيرُ الدّين الزِّرِكليّ تاريخ الوفاة بسنة 545م الموافقة لسنة 85ق.ه، فيما يرى الرّافعيّ أنّه توفّيَ سنة 565م الموافقة لسنة 65 ق.ه. ويتّفق فريقُ الموسوعة الشّعريّة مع التّاريخِ الّذي حدّده خيرِ الدّينِ الزِّرِكليّ (85ق.ه/545م)؛ لأنّهُ يبدو متوسّطاً مع الآراء الأخرى.
من المتّفقِ عليهِ أنّ امرأ القيسِ أحدُ أعظمِ الشّعراءِ العربِ على مرّ التّاريخ، ولعلّهُ من أكثرِ الشّعراء الّذين لقُوا عنايةً فائقةً بشعرِهم في القديمِ والحديث؛ ذلك لأنّه من الشّعراءِ الّذين وصلَ لهُم كمٌّ جيّدٌ من الشّعر برغمِ قدمِهم، كما أنّ موضوعاتِ شعرِه تنوّعَت تنوّعاً مثيراً في الأغراضِ والموضوعات والأساليب الفنّيّة، وتُعزى له الأولويّة في الكثير من تقاليد القصيدة الجاهليّة؛ من مثلِ الوقوفِ على الأطلال، ورقّة النّسيب، ووصف الخيل، ووصف المرأة، والدقّة البالغة في التّشبيه، وغير ذلك.
وسنُورد هُنا ما تيسّر لنا جمعُه من مظاهر مكانةِ امرئ القيس وشعره:
في مسند الإمام أحمد حديثٌ نبويّ ضعفّه عدد من العلماء، وجاءَ فيه: "امرُؤُ القيس صاحبُ لواءِ الشّعراءِ إلى النّار"، وبرغمِ الحكم الدّينيّ على الشّاعر في الحديث، إلّا أنّ فيهِ إشارةً إلى تقدّم امرئ القيس على مَن سواه.
تورِدُ كتب الأدب أثراً لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال يصفُ الشّعراء: "امرُؤُ القيسِ سابقُهم، خسفَ لهُم عينَ الشّعر، فافتقرَ عن معانٍ عورٍ أصحّ بصراً".
تورِدُ كتبُ الأدبِ أثراً لعليّ بن أبي طالب كرّم اللهُ وجهَه أنّه قال يصفُ امرأ القيس: "رأيتُهُ أحسنَهُم نادرة، وأسبقَهُم بادرة، وأنّه لم يقُل لرغبةٍ ولا رهبة".
قدّمَهُ الشّاعرُ لبيدُ بنُ ربيعة (وهو من شعراء المعلّقات) على نفسِهِ فقال إنّ أشعر النّاس هو الملكُ الضّلّيل، يعني امرأَ القيس.
تروي كتبُ الأدب أنّ الشّاعرَ الفرزدق كان من أروى النّاس لشعر امرئ القيس وأكثرِهم استظهاراً له، وقد ذكرَه على رأسِ أساتذتِهِ من الشّعراءِ الجاهليّين فقال:
وَهَبَ القصائِدَ لي النّوابِغُ إذ مضَوْا وأَبُو يَزيدَ وذُو الْقُروحِ وَجَرْوَلُ
كما تروي كتبُ الأدبِ أنّ الشّاعر جريراً كان من رواةِ شعرِ امرئ القيس أيضاً، وقالَ فيه: "إنّ امرأَ القيسِ اتّخذَ من الشّعر نعلينِ يَطَؤُهما كيفَ شاء".
رأى الشّاعرُ ذو الرُّمَّة أنّ امرأَ القيس أشعرُ الشّعراءِ الّذين وصفوا الغيث.
روى الشّاعرُ رؤبةُ بن العجّاج طرفاً جيّداً من شعرِ امرئ القيس وشرحَ بعضَه للعلماء كذلك.
ذكَرَهُ الشّاعرُ الأمويّ سراقةُ البارقيّ فقال:
وَلَقَدْ أَصَبْتُ مِنَ الْقَريضِ طَريقَةً أَعْيَتْ مَصادِرَها قَرينَ مُهَلْهِلِ
بَعْدَ امْرِئِ الْقَيْسِ الْمُنَوَّهِ بِاسْمِهِ أَيَّامَ يَهْذِي بِالدَّخُولِ وَحَوْمَلِ
يُعَدّ امرؤ القيس أكثر الشّعراء الّذين رويَ شعرُهم في فتراتِ الازدهارِ العلميّة في العصور المتقدّمة؛ إذ روى شعرَه معظمُ علماء العربيّة ورواةُ الشّعر الكبار، من مثل حمّاد الرّواية، وأبي عمرو الشّيبانيّ، والأصمعيّ، والمفضّل الضّبّيّ، وأبي عبيدة معمَر بن المثنّى، وابن الأعرابيّ، وخالد بن كُلثوم، ومحمّد بن حبيب، وأبي العبّاس الأحول، وابن السّكّيت، وابن الكلبيّ، وأبي الفضل الرّياشيّ، وأبي سعيد السّكّريّ الّذي صنعَ ديوانَه من جميع الرّوايات، واليزيديّ، وابنِ دُرَيد، وابنِ النّحّاس، وأَبي القاسمِ الآمديّ.
لم يكتفِ العلماءُ بروايةِ شعرِه حتّى شرحوهُ في شروحٍ مفصّلة، من ذلك شرحُ الأصمعيّ، والطّوسيّ، وأحمد بن حاتَم، وأبي حاتَم السّجستانيّ، وابن قُتيبة، وأبي علي القالي، وأبي بكر البطليوسيّ، والأعلم الشَّنْتَمَرِيّ، وابن عُصفور النّحويّ، والشّريف المرتضى، وأبي زكريا التّبريزيّ، ومحمّد بن إبراهيم الحضرميّ، ومحمّد بن عبد الرّحمن البغداديّ، وغيرهم.
يُعَدّ امرُؤُ القيس أوّل شاعرٍ من شعراءِ الطّبقةِ الأولى في كتبِ طبقاتِ الشّعراء المختلفة؛ لا سيّما كتاب "طبقات فحول الشّعراء" لابنِ سلّام الجُمَحيّ.
امرُؤُ القيسِ أوّل شاعرٍ من شعراء المعلّقات في جميع الكتبِ الّتي جمعتها.
يرى عدد من العلماء (كأبي عبيدة وابنِ قتيبة الدّينَوَرِيّ) أنّ امرأ القيس ابتدع تقاليد كثيرة في الشعر العربيّ، من مثل: استيقاف الصّحب في الدّيار، ورقّة النّسيب، وقرب المأخذ. وذكرَ أنّه أوّل من قيّد الأوابد، وأوّل من شبّه الخيل بالعصا وبالعُقاب والسّباع والطّير، ثمّ تبعه الشّعراءُ فقلّدوا هذه التّشبيهات.
عدَّه الباقلانيّ أشعر شعراء العربيّة، واستدلّ على إعجاز القرآن الكريم من وقوع الأخطاء في شعرِ امرئ القيس وعدم وجودِها في الكتاب الكريم.
أُلِّفَت مجموعة من الكتب التّراثيّة الخاصّة في تناول شعر امرئ القيس، ومنها: "تفضيل شعر امرئ القيس على الجاهليّين" للحسن بن بشر الآمديّ، و"موائد الحَيْس في فوائد ديوان امرئ القيس" للطُّوفيّ، وغيرهما.
لا يخلو كتابٌ من كتب المختارات الشّعريّة العربيّة في القديم والحديث من اختيارات شعرِ امرئ القيس.
اعتنى بشعرِه وديوانِهِ المستشرقونَ عنايةً بالغة؛ وكان أوّل من نشر ديوانه المستشرقُ الفرنسيّ دي سلان حيث نشر له في عام 1836 و1837 ثمانياً وعشرين قصيدة، كما نشر ديوانه المستشرق أهلوارد ضمن كتاب "العقد الثمين في الشعراء الستة الجاهليّين". وقد توسّع المستشرقون في دراسة امرئ القيس وتناولوه في أبحاثهم ومقالاتهم تناولاً يكشف عن مكانته الكبيرة في الشّعر العربيّ.
في مكتبات العالم عشراتُ المخطوطات القديمة لشعر امرئ القيس.
نُشِرَت في العصرِ الحديث مجموعةٌ كبيرَةٌ من الكتب المتخصّصة الّتي تتناول حياة امرئ القيس وشعرَه، وسنتناولُها في الباب المخصّص لها.
"امرُؤُ القيس صاحبُ لواءِ الشّعراءِ إلى النّار" (حديث نبويّ ضعيف/ مسند الإمام أحمد).
"امرُؤُ القيسِ سابقُهم، خسفَ لهُم عينَ الشّعر، فافتقرَ عن معانٍ عورٍ أصحّ بصراً". (عمر بن الخطّاب رضي الله عنه).
"رأيتُهُ أحسنَهُم نادرة، وأسبقَهُم بادرة، وأنّه لم يقُل لرغبةٍ ولا رهبة". (عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه).
"امرُؤُ القيس أَشْعَرُ النّاس". (الشّاعرُ الفرزدق).
"إنّ امرأَ القيسِ اتّخذَ من الشّعر نعلينِ يَطَؤُهما كيفَ شاء" (الشاعر جرير)
"أَشْعَرُ النّاسِ امْرُؤُ القيسِ إِذا رَكِب، وزُهَيرٌ إذا رَغِب، والنّابغةُ إِذا رَهِب، والأعشى إِذا شَرِب" (الشّاعرُ كُثَيِّرُ عَزَّة).
"أَشْعَرُ شُعراءِ الجاهليّةِ امرُؤُ القيس، وأَضْرَبُهُمْ مَثلاً طَرَفَة". (قتيبة بن مسلم).
"أَشْعَرُ النّاسِ الّذي يأتي إلى المعنى الخسيسِ فيجعلُه بلفظِهِ كثيراً، وينقضي كلامُه قبل القافية، فإن احتاج إليها أفادَ معنىً زائداً، نحو الفاتحِ لأبواب المعاني، وهُوَ امرُؤُ القيس" (الأصمعيّ).
"افْتُتِحَ الشِّعْرُ بامْرِئِ الْقَيْس" (أَبو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ الْمُثَنَّى).
"لَم أرَ بَيْتاً أفادَ وأجادَ وسادَ وزادَ وقادَ وعادَ ولا أفضلَ من قولِ امرئ القيس:
لَهُ أَيْـطَــلا ظَـبْــيٍ وَسـاقـا نَعـامَـةٍ وَإِرْخـاءُ سِـرْحــانٍ وَتَـقْــريـبُ تَتْـفُـلِ
(خلف الأحمر)
"إنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ سَبَقَ العربَ إلى أَشياء ابتدعَها واستحسَنَتها العرب واتّبعته فيها الشّعراء، منها: استيقافُ صحبِه، والبكاءُ على الدّيار، ورقّة النّسيب، وقربُ المأخذ، وتشبيهُ النّساء بالظّباء والبَيْض، والخيل بالعُقبان والعصى، وهو أوّل من قَيّدَ الأوابدَ وأجادَ في التّشبيه" (ابنُ سَلّام الجُمَحَيّ).
"كان علماءُ البصرةِ يقدّمون امرأ القيس" (يونس بن حبيب).
"امرُؤُ القيس، من أهلِ نجد، من الطّبقةِ الأولى" (ابنُ قتيبة الدّينَوَرِيّ).
"أئمّةُ الشّعر أربعة: امرؤ القيس، والنابغة، وزهير، والأعشى". (أبو هلال العسكريّ).
"ولم يتقدّم امرؤ القيس والنابغة والأعشى إلّا بحلاوةِ الكلام وطلاوته مع البعد عن السّخف والرّكاكة" (ابنُ رشيق القيروانيّ).
"ولَوْلا لَطيفُ المعاني واجتهادُ امرئ القيس فيها وإقبالُهُ عليها لما تَقَدَّم على غيره، ولكان كسائرِ شعراءِ أهل زمانه" (الآمديّ).
"وأنتَ لا تشكّ في جودةِ شعرِ امرئ القيس، ولا ترتابُ في براعته، ولا تتوقّف في فصاحته" (الباقلانيّ)
"من عَجِيب شَأْنِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَا جَاءَ فِيهِ شَرَائِطُ أَهْل الْجَنَّةِ وَأَوْصافُها، وَإِنْ كَانَ لمْ يعرفهَا وَلم يُؤمِنْ بهَا، حَيْثُ قَالَ:
أَلا عِمْ صَباحاً أَيُّها الطَّلَلُ الْبالِي وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ فِي الْعُصُرِ الْخالِي
وَهَـلْ يَـعِــمَــنْ إِلَّا سَـعِــيــدٌ مُـخَــلَّــدٌ قَلِيـلُ الْهُمـومِ ما يَبِـيـتُ بِأَوْجـالِ
فَذكَر السَّعَادَة الَّتِي هِيَ جَامِعَةُ خَيْرِ الدَّاريْنِ، ثمَّ الْخلود الَّذِي هُوَ أحْسَن أَحْوَال أهلِ الْجنَّة، ثمَّ ذكرَ قلَّةَ الهُموم الَّتِي هِيَ أجَلُّ الرّغائب، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْأَمْن وَهُوَ أنفَسُ الْمَوَاهِب، وَلَا مزِيد على هَذِه الْأَرْبَع" ( أَبو منصور الثَّعالبِيّ) .