
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَشـاقَكَ مِـن عُليـا دِمَشـقَ قُصـورُها
وَولــدانُ رَوضِ النَيربيـنِ وَحورُهـا
وَمُنبَجِــسٌ فــي ظِــلّ أَحـوى كَـأَنَّهُ
ثِيـابُ عَـروسٍ فـاحَ مِنهـا عَبيرُهـا
مَنـازِلُ أُنـسٍ مـا أَمَحَّـت وَلا اِمَّحَـت
بِمَـرِّ الغَـوادي وَالسـَواري سُطورُها
كَـــأَنَّ عَلَيهــا عَبقَــرِيَّ مَطــارِفٍ
مِـنَ الوَشي يُسديها الحَيا وَيُنيرُها
تَزيـدُ عَلـى الأَيّـامِ نـوراً وَبَهجَـةً
وَتَـذوي اللَيـالي وَهـيَ غَضٌّ حَبيرُها
إِذا الريـحُ مَـرَّت في رُباها كَريهَةً
حَباهـا بِطيـبِ النَشرِ فيها مُرورُها
سَقى اللَهُ دَوحَ الغُوطَتَينِ وَلا اِرتَوى
مِـنَ الموصـِلِ الحَـدباءِ إِلا قُبورُها
فَيـا صـاحِبي نَجـوايَ بِـاللَهِ خَبّرا
رَهيــنَ صــَباباتٍ عَســيرٌ يَسـيرُها
أَمــن مَـرَحٍ مـادَت قُـدودُ غُصـونِها
بِبَهجَتِهــا أَم أَطرَبَتهــا طُيورُهـا
خَليلَـيَّ إِنَّ البَيـنَ أَفنـى مَـدامِعي
فَهَـل لَكُمـا مِـن عَـبرَةٍ أَسـتَعيرُها
لَقَـد أُنسـِيَت نَفسي المَسراتِ بَعدكُم
فَـإِن عـادَ عيدُ الوَصلِ عادَ سُرورُها
عَلـى أَنَّ لـي تَحـتَ الجَوانِـحِ غِلَّـةً
إِذا جادَهــا دَمـعٌ تَلَظّـى سـَعيرُها
وَقاسـَمتُماني أَن تُعينا عَلى النَوى
إِذا نَـزواتُ البَيـنِ سـارَ سـُؤوَرُها
فَفيــمَ تَمـاديكُم وَقَـد جَـدَّ جـدُّها
كَمــا تَرَيــانِ وَاِســتَمَرَّ مَريرُهـا
وَأَصـعَبُ مـا يلقى المُحِبُّ مِنَ الهَوى
تَـداني النَـوى مِـن خُلَّةٍ لا يَزورُها
فَيا لَيتَ شِعري الآنَ دَع ذِكرَ ما مَضى
أَوائِلُ أَيّــامِ النَـوى أَم أَخيرُهـا
مَـتى أَنـا في رَكبٍ يَؤُمُّ بِنا الحِمى
خِفــافٌ ثِقــالٌ بِالأَمـاني ظُهورُهـا
حـــروفٌ بِأَفعــالٍ لَهُــنَّ نَواصــِبٌ
إِذا آنَســَت خَفضـاً فَرفـعٌ مَسـيرُها
تَظُــنُّ ذُرى لُبنـانَ وَاللَيـلُ عـاكِفٌ
صـَديعَ صـَباحٍ مِـن سـُراها يُجيرُهـا
وَقَـد خَلَّفَـت رَعـنَ المَـداخِلِ خَلفَها
وَنَكَّــبَ عَنهـا مِـن يَميـنِ سـَنيرُها
فَيَفــرَحَ مَحــزونٌ وَيَكبــتَ حاســِدٌ
وَتَــبرُدَ أَكبــادٌ ذَكِــيٌّ ســَعيرُها
وَقَـد مـاتَتِ الآمـالُ عِنـدي وَإِنَّمـا
إِلـى شـَرَفِ الـدينِ المَليكِ نُشورُها
مَليـكٌ تَحَلّـى المُلـكُ مِنـهُ بِعَزمَـةٍ
بِهـا طـالَ مِن رُمحِ السِماكِ قَصيرُها
يُلاقـي بَنـي الآمـالِ طَلقـاً فَبِشـرُهُ
بِمــا أَمَّلَتـهُ مِـن نَجـاحٍ بَشـيرُها
فَمــا نِعمَــةٌ مَشــكورَةٌ لا يَبُثُّهـا
وَمــا ســيرَةٌ مَحمـودَةٌ لا يَسـيرُها
همــامٌ تَظَـلُّ الشـَمسُ مِـن عَزمـاتِهِ
مُحَجَّبــةً نَقــعُ المَـذاكي سـُتورُها
مهيـبٌ فَلَـو لاقـى الكَـواكِبَ عابِساً
تَســاقَطَتِ الجَـوزا وَخَـرَّت عَبورُهـا
وَلَــو آنَســَت مِنـهُ الأَهِلَّـةُ غَضـبَةً
نَهاهــا ســُطاهُ أَن تَتِـمَّ بُـدورُها
تُشـرَّفُ أَنـدى السـُحبِ إِن قالَ قائِلٌ
لِأَدنــى نَـوالٍ مِنـهُ هـذا نَظيرُهـا
حَلَفــتُ بِمــا ضــَمَت أَباطِـحُ مَكَّـةٍ
غَـداةَ مِنـىً وَالبُـدنُ تَدمى نُحورُها
لَقَـد فـازَ بِالمُلـكِ المُعَظَّـمِ أُمَّـةٌ
إِلـى عَـدلِهِ المَشـهورِ رُدَّت أُمورُها
قال ابن خلّكان: بلغني أنّه كان يستحضر الجمهرة لابن دريد. وله قصيدة طويلةٌ هجا فيها خلقاً من رؤساء دمشق وسمّاها مقراض الأعراض ونفاه صلاح الدّين على ذلك. فقال:فعلام أبعـــدتم أخـــا ثقــةٍ ولــم يجـترم ذنبـاً ولا سـرقاانفــوا المـؤذّن مـن بلادكـم إن كـان ينفـى كـلّ مـن صـدقاودخل اليمن، ومدح صاحبها سيف الإسلام طغتكن أخا الملك صلاح الدّين. ثمّ قدممصر. ورأيته بإربل، وقدمها رسولاً من الملك المعظّم عيسى. وكان وافر الحرمة، ظريفاً، من أخفّ النّاس روحاً. ولي الوزارة في آخر دولة المعظّم ومدّة سلطنة ولده الناصر بدمشق. ولمّا تملّك الملك العادل، بعث إليه بقصيدة يستأذنه في الدخول إلى دمشق ويستعطفه، وهي:مـاذا علـى طيـف الأحبّة لو سرى وعليهـم لـو سـامحوني بالكرىافلما وقف عليه الملك العادل أذن له في الدخول إلى دمشق، فلما دخلها قال:هجـــوت الأكــابر فــي جلــقٍ ورعـت الوضـيع بسـب الرفيـعوأخرجــــت منهـــا ولكنـــي رجعـت علـى رغـم أنـف الجميعولم يكن له غرض في جمع شعره، فلذلك لم يدونه، فهو يوجد مقاطيع في أيدي الناس، وقد جمع له بعض أهل دمشق ديواناً صغيراً لا يبلغ عشر ما له من النظم، ومع هذا ففيه أشياء ليست له.وكان من أظرف الناس وأخفهم روحاً وأحسنهم مجوناً، وله بيت عجيب من جملةقصيدة يذكر فيها أسفاره ويصف توجهه إلى جهة الشرق، وهو:وأشـفق قلـب الشرق حتى كأنني أفتش في سودائه عن سنا الفجروكنت قد رأيته في المنام في بعض شهور سنة تسع وأربعين وستمائة، وأنا يوم ذاك بالقاهرة المحروسة، وفي يده ورقة حمراء، وهي عريضة، وفيها مقدار خمسة عشر بيتاً تقريباً، وهو يقول: عملت هذه الأبيات في الملك المظفر صاحب حماة، وكان الملك المظفر في ذلك الوقت ميتاً أيضاً، وكان في المجلس جماعة حاضرون، فقرأ علينا الأبيات، فأعجبني منها بيت فرددته في النوم، واستيقظت من المنام وقد علق بخاطري، وهو:والـــبيت لا يحســن إنشــاده إلا إذا أحســـن مــن شــادهوهذا البيت غير موجود في شعره.وقد تقدم ذكره في ترجمة الإمام فخر الدين الرازي وأبياته الفائية وكذلك في ترجمة سيف الإسلام.وكان وافر الحرمة عند الملوك، وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظم ومدة ولاية الملك الناصر ابن المعظم، وانفصل عنها لما ملكها الملك الأشرف وأقام في بيته، ولم يباشر بعدها خدمة. وكانت ولادته بدمشق يوم الاثنين تاسع شعبان سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وتوفي عشية نهار الاثنين لعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وستمائة بدمشق أيضاً، ودفن من الغد بمسجده الذي أنشأه بأرض المزة،قال ابن الدبيثي: سمعته يقول: إن أصلنا من الكوفة من موضع يعرف بمسجد بني النجار، ونحن من الأنصار؛ قلت: هكذا نقلته أولاً، ثم إني زرت قبر بلال مؤذن سول الله صلى الله عليه وسلم بمقابر باب الصغير ظاهر دمشق، فلما خرجت من تربته وجدت على الباب قبراً كبيراً فقيل لي: هذا قبر ابن عنين، فوقفت وترحمت عليه