
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
رَجِعـتُ إِلَيـكِ اليَـومَ مِن بَعدَ غُربَتي
وَفــي النَفــسِ آلامٌ تَفيــضُ ثَـوائِرُ
رَجِعـتُ وَعَقلـي تـائِهُ الفِكـرِ شـارِدٌ
وَأُبـتُ وَقَلـبي واهِـنُ الخَفـقِ خـائِرُ
فَيــا أَرضَ أَحلامـي أَأَلقـى طُفولَـتي
وَيُســعِدُني يَــومٌ مِـنَ العُمـرِ آخَـرُ
تَعَسـَّفتُ فيـكِ اللَيـلَ وَالريـحُ صَرصَرٌ
وَخُضـتُ إِلَيـكِ المَـوجَ وَالنَهـرُ ثائِرُ
أَتَيــتُ لِأَلقــى فــي ظِلالِــكِ راحَـةً
فَيَهــدَأَ قَلـبي وَهـوَ لَهفـانُ حـائِرُ
أَمــوتُ قَريـرَ العَيـنِ فيـكِ مُنعِمـاً
يُخَــدِّرُني نَفــحٌ مِـنَ المُـرجِ عـاطِرُ
وَيَلحَفُنــي هــذا البَنَفسـَجُ وَلتَكُـن
مَســارِحُ عَينَــيَّ الرُبـا وَالمَحاضـِرُ
وَآخِـرَ مـا أُصـغي إِلَيـهِ مِـنَ الصَدى
خَريـرُكِ يَفنـى وَهـوَ في المَوتِ سائِرُ
وَلكِــن بِلا جَـدوى أَتَيـتُ فَلَـم أَجِـد
ســِوى قَفــرَةٍ أَشــباحُها تَتَكــاثَرُ
وَقَـد نَصـَبَت أَيـدي الشـِتاءَ سِياجَها
عَلَيهـــا وَأَســوارُ الظَلامِ تُحاصــِرُ
وَقَـد خَيَّـمَ الصَمتُ الهَتوفُ مَعَ البِلى
عَلَيـــكِ وَأَرواحُ الــدُجى تَتَنــافَرُ
وَقَـد هـاجَمَ الغـابُ الكَثيفُ غِياضَها
لِيَغزوهــا وَالمَــوجُ يَزبِــدُ هـادِرُ
وَهَــبَّ نَســيمٌ بــارِدٌ مِـن كُهوفِهـا
تُجـاوِبُهُ فـي الريـحِ هَـذي المَغاوِرُ
وَقَـد رَفـرَفَ الخُفـاشُ فيهـا وَحَـوَّمَت
عَلـى الشـَطِّ غِربانُ الفَناءِ الكَواسِرُ
وَداوِيَّــةٌ لِلبــومِ مِـن فَـوقِ سـَرحَةٍ
قَضـى فَوقَهـا مِـن قارِسِ البَردِ طائِرُ
تُرتِـلُ لَحـنَ المَـوتِ في مَعبَدِ الدُجى
وَتَـروي أَسـاطيراً رَوَتهـا الـدَياجِرُ
كَأَنَّــكَ فــي سـِفرِ اللَيـالي مَلاحِـمٌ
يُرَتِّلُهــا فـي جـانِبِ المَـوتِ شـاعِرُ
لَقَــد حَكَـمَ المَـوتُ المُشـَتِّتُ حُكمَـهُ
عَلَينـا وَأَحـداثُ اللَيـالي الجَوائِرُ
فَيـا كَوكَبـاً فَـوقَ العَواصـِفِ ساهِماً
يُتــابِعُهُ طَيـفُ الـدُجى وَهـوَ غـائِرُ
وَيـا شـُعلَةَ النوتي تَخفِقُ في الدُجى
وَقَـد هاجَمَتهـا الريحُ وَالنوءُ صافِرُ
وَيـا زَهـرَةً في شاطيءِ الحُزنِ أَينَعَت
وَقَـد أَتحَفَـت مِنهـا الخَريـفَ بَواكِرُ
نَمَـت وَحـدَها لَـم تَلـقَ غَيـرَ ظِلالَها
أَليفــاً تُشــاكيهِ الأَســى وَتُسـاوِرُ
أَلا فَاِســتَريحي الآنَ حَسـبُكِ وَاِهـدَئي
فَـإِنَّ تَحَمُّلـي مـا تَسـتَبيحُ المَقادِرُ
رَكِبــتِ مَــعَ الآمــالِ كُــلَّ مَهوبَـةٍ
وَعُـدتِ كَمـا عـادَ الطَريـدُ المُهاجِرُ
رَأى خَلــفَ أَسـوارِ المَدينَـةِ دَوحَـةً
حَنَـت فَـوقَهُ بِالظِـلِّ وَاليَـومُ نـاجِرُ
لَقَـد فَرَغَـت فـي عالَمِ الحُزنِ جَولَتي
وَمـا فَرَغَـت مِنّـي اللَيالي الدَوائِرُ
فَيـا أُفـقَ الـدُنيا وَيا فَجرَ لَيلِها
وَمَـن خَفَقَـت فيـهِ المُنـى وَالخَواطِرُ
وَمِــن تَســبَّحِ الأَحلامُ فــي مَلَكـوتِهِ
حَيـارى وَتَفنـى فـي هَـواهُ المَشاعِرُ
أَيــا شـَفَقاً فـي عـالَمٍ جَـوُّ أَرضـِهِ
خَيـالٌ عَلـى الـوادي المَهـومِ ساهِرُ
تَحِـفُّ بِهـا فـي الصـَمتِ أَشـجارُ جَنَّةٍ
يُفـاوِحُني مِنهـا عَلـى الـوَهمِ عاطِرُ
وَأَســـمَعُ موســيقى بِهــا ذَهَبِيَّــةٍ
تَفيــضُ بِهـا فَـوقَ المُـروجِ قَيـاثِرُ
وَأَتــرُكُ عَينـي فـي الخَيـالِ تَشـُقُّهُ
فَأَلمَــحُ أَشــباحاً هُنــاكَ تُســامِرُ
لَقَــد هَـدَأَت ريـحُ الكُهـوفِ وَنَفَضـَت
عَلـى الأُفـقِ مِـن حُلمِ المُروجِ بَشائِرُ
وَقَــد خَفَقَـت بَيـنَ العَـرائِسِ نَسـمَةٌ
يُعابِثُهـا فـي غَفـوَةِ الفَجـرِ ثـامِرُ
بَـدا الصُبحُ فَوقَ المَرجِ أَصفَرُ ناصِلاً
فَلاحَظَــهُ زَهــرُ الرُبـا وَهـوَ حـائِرُ
وَمــا نَفَحَـت فَـوقَ الرَبـاوَةِ زَهـرَةٌ
وَلا دَفَّ فــي هَــذي الخَمـائِلِ طـائِرُ
وَقَـد نَتَـفَ الشَحرورُ في الرَوضِ ريشَهُ
وَحَلَّــت مِـنَ الصَفصـافِ فيـهِ ضـَفائِرُ
وَقَــد خَيَّمَـت فَـوقَ العَـرائِشِ وَحشـَةٌ
وَصـَمتٌ عَلـى أَوراقِهـا الصـُفرِ ناشِرُ
لَقَـد خَـفَّ نَسـمُ الصـُبحِ يَهمِسُ ناعِياً
إِلى السَهلِ أَن قَد فارَقَ الكَونَ شاعِرُ
لِـذا نَقَـسَ النَحـلُ الزُهـورَ فَجَلجَلَت
وَنـابَت عَـنِ الأَجـراسِ هَـذي الأَزاهِـرُ
محمد بن عثمان الهمشري.متأدب له شعر، تركي الأصل، مصري المولد والمنشأ والوفاة ، ولد برأس البر (مصر)، ونشأ في القبلاوين، وتعلم بالمنصورة، ثم بكلية الآداب بالقاهرة، وتذوق الأدب الإنكليزي فترجم عنه بعض القصائد ومئات من القصص وكثيراً من روايات (الجيب). وتولى التحرير في مجلة التعاون سنة 1934 إلى أن توفي بالقاهرة، وجمع نظمه في (ديوان - ط) صغير.