
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أرشـــــيدُ لا جُـــــرْحٌ ولا إيلامُ
عـــاد الزمـــانُ وصــحّتِ الأحلامُ
وتمثّلــتْ فيــكِ الحيــاةُ فَتِيّـةً
مـن بعـدِ مـا عبثَـتْ بـكِ الأيـام
يـا زينـةً بيْـنَ الثغـورِ وفتنـةً
ســحرَ الممالــكَ ثغـرُكِ البسـّام
يــا وردةً بيـن الرمـالِ نضـيرةً
تُزْهَــى بهــا الأغصـانُ والأكمـام
يـا درّةَ البحـرِ الـتي بوميضـها
ضـــحِكَ الصــباحُ وأشــرق الإظلام
يـا دَوْحـةً نَبـت القريـضُ بأرضِها
فأصـــولُها وفروعُهـــا إلهــام
يـا روضـةً فتـن العيـونَ جمالُها
وتحـــدّثت بأريجِهـــا الأنســامُ
يـا همسـةَ الأمـلِ الوسـيمِ رُواؤه
لــو كــان للأمــلِ الوسـيم كلام
يـا صـحوةَ المجـدِ القديمِ تحدَّثي
طـال الزمـانُ بنـا ونحـن نيـام
يـا طلعـةً للحسـنِ شـاع ضـياؤها
وانجـاب عنهـا البحـرُ وهو لِثامُ
أرشـيدُ يا بلدي ويا ملهَى الصبا
بينـي وبيـن مَـدَى الصـبا أعوام
أيــامَ لـي فـي كـلِّ سـَرْحٍ نَغْمَـةٌ
وبكـــلِّ ركـــنٍ وقفــةٌ ولِمــام
أيـــام لا أمســـِي يجُــرُّ وراءه
أســفاً ولا يــومي علــيّ جَهــام
ألهـو كمـا تلهو الطيورُ حديثها
شـــدْوٌ وَرَفُّ جَناحِهـــا أنغـــام
متنقِّلاتٍ بيـــن أزهــارِ الرُّبــا
الجــوُّ مَتْــنٌ والنســيمُ زِمــامُ
ومطـالبي لـم تَعْـدُ مـدَّةَ سـاعدي
بُعْـداً فمـا استعصـَى علـيّ مـرام
لهـوُ الطفولـة خيـرُ أيامِ الفتَى
إنّ الحيـــاةَ وكَــدَحَها أوهــام
أرشــيدُ فيـكِ لُبـانتي وصـَبابتي
والصـــِّهْرُ والأخــوالُ والأعمــام
لمسـتْ حنـو الحـبِّ فيـكِ تمـائِمي
ورأيــتُ فيــكِ الـدهرَ وهـو غلام
ونشـأتُ فـي ظـلِّ النخيـل يَهُزُّنـي
شــوقٌ إلــى أفيائِهــا وغــرام
أرخــتْ شــعوراً للنسـيمِ كأنّمـا
أظلالُهــا تحــت الغَمــامِ غمـام
تهفـو ويمنعهـا الحيـاءُ فتنثني
كالغيــدِ روّعَ ســِرْبَها اللُّــوام
إنــا كبِرْنـا يـا نخيـلُ وحبُّنـا
بيــن الجوانــحِ شــُعْلةٌ وضـِرامُ
كـم طـوَّقَتْ منـكِ القُـدودَ سواعدي
ولكــم شـفاني مـن جَنـاكِ طعـام
ولكـم هـززتِ فتـاكِ حيـن حملتـهِ
كـالأمِّ تُلْهـي الطفـلَ حيـن ينـام
إن يُقْصـِني عنـكِ الزمـانُ وأهْلـهُ
فــالْحُبُّ عهــدٌ بيننــا وذِمــام
مِيسـي كأيـامِ الطفولـةِ وارْفُلـي
فــالجوُّ صــَفْوٌ والنعيــمُ جِمـام
غنَّـى لـك القلـمُ الـذي أرهفتـهِ
أرأيـــتِ كيـــف تغـــرِّدُ الأقلام
هــذا وليـدُك جـاء يُنشـد شـعرَه
مـا كـلُّ مـا تحـوي الخيوطُ نِظام
أصـغَى لـه الـوادي وغنّـتْ باسمه
بغــدادُ واهــتزَّت إليـهِ الشـام
إن قـال مـال لـه الوجودُ برأسهِ
ورنَــت لــه الأســماعُ والأفهـامُ
ملـك العَصـي مـن القريـضِ بسحره
طَوْعـاً فمـا استعصـَى عليـه خِطام
أرشيدُ هل في أن يبوحَ أخو الهوى
حَــرَجٌ وهــل فــي أن يَحِــنَّ ملام
يـا مَرْتـعَ الآرامِ رَنحهـا الصـِّبا
كيـــف المراتــعُ فيــكِ والآرام
مــن كـلِّ لفَّـاء المعـاطفِ طَفلْـةٍ
جِيـدٌ كمـا يهَـوى الهـوَى وقَـوام
ســترت ملاحتَهــا المُلاءَةُ مثلمـا
سـتر الغمـامُ البـدرَ وهـو تمامُ
يدنو الجمالُ بها فيحجبها التُقَى
كَظبـــاءِ مكــةَ صــيدُهنّ حــرَام
فـإذا نظـرتَ فخـذْ لنفسـِك حِذْرها
إنّ العيــونَ كمــا علمـتَ سـهام
أرشـيدُ مجـدُكِ فـي القديمِ صحيفةٌ
بيضـــاءُ لا لبْـــسٌ ولا إبهَـــامُ
ملأتْ مآذِنــكِ الســماءَ شــوامخاً
بيـــن الســـحابِ كأنّهــا أعلام
كـم شـاهدتْ قومـاً زهـتْ أيـامُهم
حينــاً وجــاءت بعــدَهم أقـوام
ســبحانَ مــن لا مجــدَ إلاّ مجـدُه
نَفْنَــي وَيبقَــى الواحــدُ العلاَّم
خذْ من زمانِكَ ما استطعْت فما لما
أخــذتْ يـداكَ مـن الزمـان دوام
وارضَ الحيـاةَ نعيمَهـا أو بؤسَها
نُعْمــى الحيـاةِ وبؤسـُها أقسـام
أرشــيدُ لـم نسـمَعْ لصـدرِك أَنّـةً
للنّــازلاتِ الــدُّهْمِ وهــي جِسـام
أجملـتِ صـبراً للحـواديثِ فانثنت
إنّ الكـرامَ علـى الخطـوبِ كِـرام
اليــومَ جـدّدْتِ الشـبابَ فأَقْـدِمي
معنـى الشـبابِ العـزمُ والإقـدامُ
سـعت الوفـودُ إلـى مصـيفِك سبّقاً
يتلـو الزحـامَ إلـى سـناه زحام
النيــلُ والبحـرُ الْخِضـَمُّ يحـوطُه
والباسـقاتُ علـى الطريـق قيـام
والتـوتُ والصَّفْصـافُ يهتـفُ طيـرُه
فـــتردِّدُ الكُثْبـــانُ والآكـــامُ
والزهـرُ فـي جِيـدِ الريـاضِ قلائدٌ
والنهـرُ فـي خَصـْرِ الريـاضِ حِزام
والمـوجُ كالخيـلِ الجوامحِ أُطْلِقت
وانحــلّ عنهــا مِقْــوَدٌ ولجــام
تجــري السـفائنُ فـوقَه وكأنّهـا
والريــحُ تـدفع بالشـراعِ حمـام
ومنـاظرٌ يَعْيـا القريـضُ بوصـفِها
ويضــِلُّ فــي ألوانهــا الرّسـام
والنــاسُ بيــن ممـازحٍ ومـداعبٍ
والأنــسُ حتــمٌ والســرورُ لِـزَامُ
مـن شـاء فـي ظـلِّ السعادةِ ضَجْعَةً
فهنــا تُشــادُ صــُرُوحُها وتُقـام
أو رام نِسـْيانَ الهمـوم فها هنا
تُنْســـَى الهمــومُ وتــذهَبُ الآلام
علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم.أديب مصري، من رجال التعليم له شعر ونظم كثير، ولد في رشيد، وتعلم في القاهرة وإنجلترة، واختير ليكون كبير مفتشي اللغة العربية بمصر.ثم وكيلاً لدار العلوم حتى عام (1942)، مثل مصر في بعض المؤتمرات العلمية والثقافية، وكان من أعضاء المجمع اللغوي.وتوفي بالقاهرة فجأة، وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفلة تأبين لمحمود فهمي النقراش.له (ديوان الجارم-ط) أربعة أجزاء، (قصة العرب في إسبانيا - ط) ترجمة عن الإنكليزية.و(فارس بن حمدان-ط)، (شاعر ملك-ط)، وقد شارك في تأليف كتب أدبية منها: (المجمل-ط)، و(المفصل-ط) وكتب مدرسية في النحو والتربية.