
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عــرشٌ ينـوح أسـى علـى سـلطانهِ
قـد غـاب كسرى الشعر عن إيوانِهِ
طـوت المنـون مـن الفصاحة دولةً
مـا شـادها هـارون فـي بغـدانه
فــي ذمـة الفـن المقـدسّ عـازف
لقـي الحِمـام علـى صـدى ألحانه
لمّــا تهامســت الصـفوف بنعيـه
كــاد الفـؤد يكـفّ عـن خفقـانه
ســاءلت حيــن قضـى علـيٌّ فجـأة
هـل حـلّ يـومُ الحشـرِ قبل أوانه
سـقد المـؤبّنُ وهـو يسـمع شـعره
مــن ذا يــؤبّنه بمثــل بيـانه
وصـف الزمـان لنـا وجـاد بنفسه
لتكــون برهانــاً علـى حـدثانه
قـال احـذروا غدر الحمام معزّزاً
بحيــاته مــا قــاله بلســانه
لا تعجبـوا مـن مـوْته فـي حفلـه
إنّ الشــجاع يمـوت فـي ميْـدانه
بطـلُ المنـابر مـا له من فوْقها
يهـوي وكـمْ عرفـت ثبـات جنـانه
إن خـانه ضـعف المشـيب فطالمـا
قهـر المنـابر وهـو فـي ريعانه
كلاّ لعمــري لــم يخنــه مشـيبه
لكــنّ حمّــى المـرء مـن خـوّانه
لــم يجنهــا إلا رقيــقُ شـعوره
والمرهــفُ الحسـاس مـن وجـدانه
حـــرٌّ قضــى متــأثراً ببيــانه
ولكــم جنــى فــنٌّ علـى فنّـانه
يـا شـاعراً طـار اسـمه بقـوادم
مــن عبقريتــه ومــن اتقــانهِ
مــا دان يومـاً للصـغار بصـيته
أو دان للزُّلفــى برفعــة شـانه
والمجـــد منـــه زائفٌ وممحــصٌ
لا تخلطـــوا بلـــوره بجمــانه
مــا كــل لمّــاع بــبرقٍ ممطـرٍ
الــبرق غيــر الال فـي لمعـانه
عـرشُ القـوافي بعـد موتـك شاغرٌ
يـا طـول مـا يلقـاه من أشجانه
قــل للـذي يـومي إليـه بلحظـه
هــذا مجــال لسـت مـن فرسـانه
لا هُـمّ حكمـك فـي الورى جارٍ وما
مــن حيلـةٍ للعبـد فـي جريـانه
الطيـر ملـء الـروض أشـكالاً فما
للســهم لا يُصــمي سـوى كروانـه
يمضـي العظيمُ من الرجال فينبري
لمكنــه خلفــاء مــن أقرانــه
والشـاعرُ الموهـوب فلتـة دهـره
إن مـات أعيـا الـدهر سدّ مكانه
قــل للريــاض قضـى علـيٌّ نحبـه
ولطيرهـا الشـادي علـى أفنـانهِ
الشـاعرُ الغرد المحلّق في السها
بجنــاحه قــد كـفّ عـن طيرانـه
بكـــت اللآلىــءُ بعــده لالهــا
وتســاءل اليـاقوت عـن دهقـانه
وتســاءل التاريــخ عمـن شـعره
كــان الســجل لحادثـات زمـانه
بكـت الكنانـةُ فـي علـيٍّ شـاعراً
جعـل اسـمها كـالنجم في دورانه
عــفُّ اللسـان مـؤدبُ الأوزان لـم
يتلـق وحـي الشـعر عـن شـيطانه
بـل كـان نفـح الخلد أمتعنا به
حينــاً وعـاد بـه إلـى رضـوانه
للنيـل شـاد بشـعره مـا لم يشدْ
فرعــونُ والهرمـان مـن بنيـانه
مـن كـلِّ بيـتٍ فـي السُّها شرفاته
تتلألأ الأضـــواءُ فـــي أركــانه
يعيـي الفراعنـةَ الشـدادَ أساسهُ
ويحـار ذو القرنيـن فـي جدرانه
شـعرٌ إذا غُنـي بـه لـم يبْـق من
لـم يـروْه كـالبرق فـي سـريانه
غنـى الطـروبُ بـه علـى قيثـاره
وترنــمّ المحــزون فـي أحزانـه
بهـر العـذارى حسـنَه فـوددْن لو
صــيغت قلائدهــنّ مــن عقيــانه
ويكــاد ســامعه يفســّر لفظــه
مـن قبـل أن يسـري إلـى آذانـهِ
تغــري سلاسـتهُ الغريـرَ فيقتفـي
آثــاره ســيراً علــى قضــبانه
حــتى إذا هــدَّ المسـيرُ كيـانَه
حصـب الـورى بالصـلد مـن صّوانه
يـــا رُب ديــوانِ تــأنّق ربــه
فــي طبعـه وافتـن فـي عنـوانه
لا يســمع اليقظـان وقـع قريضـه
حــتى يـدبَّ النـومُ فـي أجفـانه
والشــعرُ إمــا خالـدٌ أو مـدرجٌ
مــن ليلـة الميلاد فـي أكفـانه
قــالوا علـيٌّ شـاعرٌ فـأجبت بـل
ســاقٍ عصـير الـرم ملـء دنـانه
قـمْ سـائل الفقهاء هل في شرعهم
حــرجٌ علــى ثمـلٍ بخمـرة حـانه
كـم خـطّ مـن صـوّر الحياة مدادهُ
مــا لــم يخــطّ مصـوّر بـدهانه
ببراعــةٍ لـو أدركـت موسـى رأى
مـن سـحرها مـا غـاب عن ثعبانه
أيـن القصـائد كـالخرائد كلّهـا
بكـرٌ وبكـر الشـعر غيـر عـوانه
أحيـا لنـا ابـن ربيعة تشبيبها
وأعــاد للأذهــان عهــدَ حسـانه
شــيخٌ يحـس الشـيخ عنـد نسـيبه
بـدم الشـباب يسـيل فـي شريانه
وإذا تحمّـس قلـت حيـدرة انـبرى
تحـت العجاجـة فـوق ظهـر حصانه
وإذا تبــدّى قلــت لابــس بـردةٍ
قـد جـاء من وادي العقيق وبانه
وإذا تحضــّر قلــت نسـمةُ روضـة
مــن فــرط رقّتـه وفـرط حنـانه
يـا طالمـا حمـل الأثيـرُ نشـيدَهُ
وكأنّمــا هــو عــازفٌ بكمــانه
بغــدادُ مصــغيةٌ إلــى أنغـامه
ودمشــقُ راقصــةٌ علــى عيـدانه
وكأنّمــا الحرمـان عنـد هتـافه
ســـمعا بلالاً هاتفـــاً بــأذانه
يُثنـي علـى الفـاروق تحسبه فتى
ذبيـان قـد أثنـى علـى نعمـانه
والملــكُ يظهـر بالثنـاء جلالـه
والشـعر مثـل الـدرّ فـي تيجانه
والشـعر مـرآة النفـوس يذيع ما
طــويت قرارتهــا علـى كتمـانه
مـــن أحــرفٍ ســوداء إلا أنــه
نقـشٌ يُريـك الطيـفَ فـي ألـوانه
والشـاعرُ الموهـوب تقـرأ شـعره
فـترى جمـالَ اللّـه فـي أكـوانهِ
يـا ويـح قـومي كم أشاهد بينهم
مــن شــاعرٍ هـو شـاعرٌ بهـوانه
يـا راثـي المـوتى ومُخلد ذكرهم
بالخالــد السـيّار مـن أوزانـه
أرثيــك حفظــاً للجميــل وإنّـه
ديـنٌ أعيـذ النفـس مـن نُكرانـه
مــاذا يؤمّــل شـاعرٌ مـن راحـلٍ
أتــره يطمـع منـه فـي إحسـانه
وأنـا الـذي مـا سـمت شعري ذلةً
أو بعتــه بـالبخس مـن أثمـانه
يــا رب بيـت قـد ضـننت ببـذله
ضـناً علـى مـن ليـس مـن سـُكّانه
أقسـمت مـا جـاوزت فيـك عقيدتي
قسـم الأميـن الـبر فـي إيمـانه
دارُ العلـوم بنتـك حصـناً شامخاً
للضـاد تلقـى الأمـن فـي أحضانه
رزئت لعمـري فيـك رزء الدوح في
كروانــه والفلــك فــي ربّـانه
دارٌ قـد انتظمـت أياديها الحمى
أشــياخه والنشـىء مـن ولـدانه
دارُ العلـوم ونيـلُ مصـر كلاهمـا
بنميــره يــروي صــدى ظمــآنه
فاضا على الوادي فكان العلمُ من
فيضــانها والمـاءُ مـن فيضـانه
يـا خـادمَ الفصـحى وكمْ من خادمٍ
تعــتز ســاداتٌ بلثــم بنــانه
أفنيـت عمـرك زائداً عـن حوْضـها
ذود الكريـم الحـرِّ عـن أوطـانه
أنصــفتها مــن معشــرٍ مسـتعجم
الغــرب أصــبح آخــذاً بعنـانه
والضـاد حسـب الضـاد فخراً أنها
كـانت لسـان اللّـه فـي فرقـانه
هـي سـؤدد العربـي يـوم فخـاره
وقــوامُ نهضــته وســرُّ كيــانه
مـن ذاد عنهـا ذاد عـن أحسـابه
بــل عـن عقيـدته وعـن إيمـانه
نـم يـا علـيّ جـوار ربـك آمنـاً
لـك عنـده مـا شـئت مـن غفرانه
لـك عنـد رب العـرش أجـر مجاهدٍ
فــانعم برحمتــه وعـدن جنـانه
كـم مـن شـهيدٍ مـات فـوق فراشه
جمـد الـدمُ السـيّال فـي جثمانه
إن المجاهــد مـن أغـار بفكـره
لا مــن أغــار بســيفه وسـنانه
ســيظل شــعرك يـا علـيّ مـردداً
مــا غـرّد القمـري فـي بسـتانه
أقسـمت مـا نـال البلى من شاعرٍ
يحيـا حيـاة الخلـد فـي ديوانه
علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم.أديب مصري، من رجال التعليم له شعر ونظم كثير، ولد في رشيد، وتعلم في القاهرة وإنجلترة، واختير ليكون كبير مفتشي اللغة العربية بمصر.ثم وكيلاً لدار العلوم حتى عام (1942)، مثل مصر في بعض المؤتمرات العلمية والثقافية، وكان من أعضاء المجمع اللغوي.وتوفي بالقاهرة فجأة، وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفلة تأبين لمحمود فهمي النقراش.له (ديوان الجارم-ط) أربعة أجزاء، (قصة العرب في إسبانيا - ط) ترجمة عن الإنكليزية.و(فارس بن حمدان-ط)، (شاعر ملك-ط)، وقد شارك في تأليف كتب أدبية منها: (المجمل-ط)، و(المفصل-ط) وكتب مدرسية في النحو والتربية.