
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
إِنَّ النَّضــِيرَةَ رَبَّــةَ الْخِـدْرِ
أَسـْرَتْ إِلَيْـكَ وَلَـمْ تَكُنْ تُسْرِي
فَــوَقَفْتُ بِالْبَيْـدَاءِ أَسـْأَلُهَا
أَنَّـى اهْتَـدَيْتِ لِمَنْـزِلِ السَّفْرِ
وَالْعَيْـسُ قَـدْ رُفِضـَتْ أَزِمَّتُهَـا
مِمَّـا يَـرَوْنَ بِهَـا مِـنَ الْفَتْرِ
وَعَلَــتْ مَســَاوِئُهَا مَحَاسـِنَهَا
مِمَّـا أَضـَرَّ بِهَـا مِـنَ الضـُّمْرِ
كُنَّـا إِذَا رَكَـدَ النَّهَـارُ لَنَا
نَغْتَـــالُهُ بِنَجَـــائِبٍ صــُعْرِ
عُــوجٍ نَــوَاجٍ يَغْتَلِيـنَ بِنَـا
يُعْفِيــنَ دُونَ النَّـصِّ وَالزَّجْـرِ
مُســـْتَقْبِلَاتٍ كُـــلَّ هَـــاجِرَةٍ
يَنْفَحْـنَ فِـي حَلْـقٍ مِـنَ الصُّفْرِ
وَمَنَاخُهَــا فِــي كُـلِّ مَنْزِلَـةٍ
كَمَبِيـتِ جُـونِيِّ الْقَطَـا الْكُدْرِ
وَســَمَا عَلَـى عُـودٍ فَعَارَضـَنَا
حِرْبَاؤُهَــا أَوْ هَــمَّ بِـالْخَطْرِ
وَتَكَلُّفِـي الْيَـوْمَ الطَّوِيلَ وَقَدْ
صــَرَّتْ جَنَــادِبُهُ مِـنَ الظُّهْـرِ
وَاللَّيْلَـةَ الظَّلْمَـاءَ أُدْلِجُهَـا
بِـالْقَوْمِ فِي الدَّيْمُومَةِ الْقَفْرِ
يَنْعَـى الصَّدَى فِيهَا أَخَاهُ كَمَا
يَنْعَـى الْمُفَجَّـعُ صـَاحِبَ الْقَبْرِ
وَتَحُــولُ دُونَ الْكَـفِّ ظُلْمَتُهَـا
حَتَّـى تَشـُقَّ عَلَـى الَّـذِي يَسْرِي
وَلَقَـدْ أَرَيْـتُ الرَّكْـبَ أَهْلَهُـمُ
وَهَـــدَيتُهُمْ بِمَهَــامِهٍ غُبْــرِ
وَبَـذَلْتُ ذَا رَحْلِـي وَكُنْـتُ بِـهِ
سـَمْحاً لَهُمْ فِي الْعُسْرِ وَاليُسْرِ
فَـإِذَا الْحَـوَادِثُ مَا تُضَعْضِعُنِي
وَلَا يَضــِيقُ بِحَــاجَتِي صــَدْرِي
إِنِّــي أُكَـارِمُ مَـنْ يُكَـارِمُنِي
وَعَلَـى الْمُكَاشـِحِ يَنْتَحِي ظُفْرِي
يُعْيِـي سـِقَاطِي مَـنْ يُـوَازِنُنِي
إِنِّــي لَعَمْـرُكَ لَسـْتُ بِالْهَـذْرِ
لَا أَسـْرِقُ الشـُّعَرَاءَ مَا نَطَقُوا
بَـلْ لَا يُوَافِـقُ شـِعْرَهُمْ شـِعْرِي
إِنِّـي أَبَـى لِـيَ ذَلِكُـمْ حَسـَبِي
وَمَقَالَــةٌ كَمَقَــالِعِ الصــَّخْرِ
وَأَخِـي مِـنَ الْجِنِّ الْبَصِيرُ إِذَا
حَــاكَ الْكَلَامَ بِأَحْسـَنَ الْحَبْـرِ
أَنَضــِيرَ مَـا بَيْنِـي وَبَيْنَكُـمُ
صـُرَمٌ وَمَـا أَحْـدَثْتُ مِـنْ هَجْـرِ
وَلَقَـدْ شـَكَرْتُ نَـوَالَكُمْ وَبَلَاكُمُ
إِنْ كَـانَ عِنْـدَكَ نَافِعـاً شُكْرِي
لَا تَقْطَعِــي وَصــْلِي وَتَلْتَمِسـِي
غَيْــرِي وَلَمَّـا تَعْلَمِـي خُبْـرِي
جُــودِي فَـإِنَّ الْجُـودَ مَكْرُمَـةٌ
وَاجْزِي الْحُسَامَ بِبَعْضِ مَا يَفْرِي
وَحَلَفْــتُ لَا أَنْســَاكُمُ أَبَــداً
مَـا رَدَّ طَـرْفَ الْعَيْـنِ ذُو شُفْرِ
وَحَلَفْـتُ لَا أَنْسـَى حَـدِيثَكِ مَـا
ذَكَـرَ الْغَـوِيُّ لَـذَاذَةَ الْخَمْـرِ
وَلَأَنْـتِ أَحْسـَنُ إِذْ بَـرَزْتِ لَنَـا
يَـوْمَ الْخُـرُوجِ بِسـَاحَةِ الْقَصْرِ
مِـنْ دُرَّةٍ أَغْلَـى الْمُلُـوكُ بِهَا
مِمَّــا تَرَبَّــبَ حَـائِرُ الْبَحْـرِ
بَيْضـَاءُ لَـوْ مَـرَّتْ بِـذِي نُسـُكٍ
يَتْلُو الْبَيَانَ يَلُوحُ فِي الزُّبْرِ
مُتَبَتِّــلٍ عَــنْ كُــلِّ فَاحِشــَةٍ
سـَكَنَ الصـَّوَامِعَ رَهْبَـةَ الْوِزْرِ
لَرَأَيْتَـــهُ حَــرَّانَ يَــذْكُرُهَا
يَخْتَـارُ رُؤْيَتَهَـا عَلَـى الذِّكْرِ
بَـذَّتْ نِسـَاءَ الْعَـالَمِينَ كَمَـا
بَـذَّ الْكَـوَاكِبَ مَطْلَـعُ الْبَـدْرِ
مَمْكُــورَةُ السـَّاقَيْنِ شـِبْهُهُمَا
بَرْدِيَّتَـــا مُتَحَيِّـــرٍ غَمْـــرِ
تَنْمِـي كَمَـا تَنمِـي أَرُومَتُهَـا
بِمَحَـلِّ أَهْـلِ الْمَجْـدِ وَالْفَخْـرِ
يَعْتَــادُنِي شــَوْقٌ فَأَذْكُرُهَــا
مِـنْ غَيْـرِ مَـا نَسـَبٍ وَلَا صـِهْرِ
كَتَــذَكُّرِ الصـَّادِي وَلَيْـسَ لَـهُ
مَــاءٌ بِقُنَّــةِ شــَاهِقٍ وَعْــرِ
وَلَقَــدْ تُجَالِســُنِي فَيَمْنَعُنِـي
ضـِيقُ الـذِّرَاعِ وَعِلَّـةُ الْخَفْـرِ
لَـوْ كُنْـتِ لَا تَهْـوَيْنَ لَمْ تَرِدِي
أَوْ كَـانَ مَـا تَلْـوِينَ فِي وَكْرِ
لَأَتَيْتُـــهُ لَا بُـــدَّ طَـــالِبَهُ
فَـاقْنَيْ حَيَـاءَكِ وَاقْبَلِي عُذْرِي
قُـلْ لِلنَّضـِيرَةِ إِنْ عَرَضـْتَ لَهَا
لَيْـسَ الْجَـوَادُ بِصـَاحِبِ النَّزْرِ
قَـوْمِي بَنُـو النَّجّـارِ رِفْـدُهُمُ
حَسـَنٌ وَهُـمْ لِـيَ حَاضِرُو النَّصْرِ
الْمَـوْتُ دُونِـي لَسـْتُ مُهْتَضـِماً
وَذَوُو الْمَكَـارِمِ مِنْ بَنِي عَمْروِ
جُرْثُومَـــةٌ عِـــزٌّ مَعَاقِلُهَــا
كَـانَتْ لَنَـا فِـي سَالِفِ الدَّهْرِ
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.