
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
الأَعْشَى الكَبِيرُ أَوْ أَعْشَى قَيْس هُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلَ، مِنْ قَبِيلَةِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِحْدَى قَبائِلِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَمِنْ شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الأُولَى، وَهو أَحَدُ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، اُشْتُهِرَ بِجَوْدَةِ قَصائِدِهِ الطِّوالِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ بَعْضُ النُقّادِ القُدامَى عَلَى الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ لِتَصَرُّفِهِ فِي المَدِيحِ وَالهِجاءِ وَسائِرِ فُنُونِ الشِّعْرِ، وَقَدْ تَنَقَّلَ الأَعْشَى فِي بِلادٍ كَثِيرَةٍ بَحْثاً عَنْ المالِ فَكانَ مِنْ أَوائِلِ مَنْ تَكْسَّبَ بِشِعْرِهِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَكانَتْ وَفاتُهُ سَنَةَ 7ه المُوافَقَة لِسَنَةِ 629م
هُوَ حَسّانُ بْنُ ثابِتِ بْنِ المُنْذِرِ بْنِ حَرامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَناةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالِكِ بْنِ النَّجّارِ وَهُوَ تَيْمُ اللهِ مِنْ الخَزْرَجِ بْنِ ثَعْلَبَةَ العَنْقاءِ بْنِ عَمْرِو وَمُزَيْقياءَ بْنِ عامِرِ بنِ ماءِ السَّماءِ بْنِ حارِثَةَ الغِطْرِيفِ بْنِ امْرِئِ القَيْسِ البِطْرِيقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ البَهْلُولِ بْنِ مازِنِ بْنِ الأَزْدِ.
وَيُكَنَّى حسّانُ أَبا الوَلِيدِ -وَهِيَ الأَشْهُرُ- وَأَبا المُضَرِّبِ وَأَبا الحُسامِ وَأَبا عَبْدِ الرَحْمنِ.
وَينتسبُ حَسّانُ إلى إِحْدَى بُطُونِ الخَزْرَجِ وَهُمْ بَنُو النَّجّارِ، وَالنَّجّارُ هُوَ تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَيُقالُ كانَ اسْمُهُ تَيمَ اللّاتِ فَغَيَّرَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَيْمِ اللهِ، وَقَدْ لُقِّبَ بِالنَّجّارِ -كَما وَرَدَ فِي كِتابِ (الاشْتِقاق)- لِأَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلاً فَنَجَرَهُ، أَيْ قَطَعَهُ. وَقَبِيلَةُ الخَزْرَجِ هِيَ مِنْ القَبائِلِ اليَمَنِيَّةِ القَحْطانِيَّةِ فَهُمْ مِنْ الأَزْدِ لكِنَّهُمْ اسْتَقَرُّوا فِي يَثْرِبَ هُمْ وَقَبِيلَةُ الأَوْسِ، وَقَدْ ظَهَرَ بَيْنَهُما صِراعٌ طَوِيلٌ فِي الجاهِلِيَّةِ وَنَشَبَتْ بَيْنَهُما عِدَّةُ حُرُوبٍ، حَتَّى جاءَ الإِسْلامُ فَعَمِلَ عَلَى تَوْحِيدِهِمْ وَأَعْطاهُمْ مُسَمّىً واحِداً هُوَ الأَنْصارُ.
وَأُسْرَةُ حَسّان ذاتُ سِيادَةٍ وَعَراقَةٍ فِي قَوْلِ الشِّعْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ المُبَرِّدُ فِي الكامِلِ أَنَّها مِنْ أَعْرَقِ الأُسَرِ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُمْ يُعَدُّونَ سِتَّةً فِي نَسَقٍ كُلُّهِمْ شاعِرٌ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ بْنِ المُنْذِرِ بْنِ حَرامٍ. وَجَدُّ حَسّانَ المُنْذِرُ بْنُ حَرامٍ كانَ مِنْ سادَةِ الخَزْرَجِ وَهُوَ الَّذِي تَحاكَمَتْ إِلَيْهِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ فِي حَرْبِهِمْ -كَما ذَكَرَ ابْنُ سَلّامٍ فِي طَبَقاتِهِ- فَحَكَمَ بِأَنْ هَدَرَ دِماءَ قَوْمِهِ الخَزْرَجِ وَاحْتَمَلَ دِماءَ الأَوْسِ فَذَكَرَهُ حسّانُ فِي شِعْرِهِ فِى قَصِيدَتِهِ الَّتِي قالَ فِيها: (مَنَعَ النَّوْمَ بِالعشاءِ الهُمُومُ). وَذَكَرَ ابْنُ سَلّامٍ أَنَّ أَبا حَسّان ثابِتَ بْنَ المُنْذِرِ كانَ مِنْ سادَةِ قَوْمِهِ وَأَشْرافِهِمْ.
أَمّا أُمُّ حَسّان فَهِيَ الفُرَيعَةُ بِنْتُ خُنَيْسِ بْنِ لُوذانَ مِنْ الخَزْرَجِ أَيْضاً، وَلِحَسّانَ أخوانِ اثْنانِ هُما: أَوْسٌ وَأُبَيٌّ، وَلَهُ أُخْتانِ هُما: كَبْشَةُ وَلُبْنَى. وَقَدْ تَزَوَّجَ حَسّانُ بِأَكْثَرَ مِنْ زَوْجَةٍ يُذْكَرُ مِنْهُنَّ عَمْرَةُ بِنْتُ الصَّامِتِ وَهِيَ مِنْ الأَوْسِ، أَمّا أَشْهَرُ زَوْجاتِهِ فَهِيَ سِيريْنُ أُخْتُ مارِيَّةَ زَوْجِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْجَبَ مِنْها ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمنِ وَهُوَ شاعِرٌ أَيْضاً، وَكانَتْ لِحَسّانَ بِنْتٌ شاعِرَةٌ يُذْكُرُ خَبَرَها مَعَ أبيها ابْنُ قُتَيْبَةَ في (الشّعر والشّعراء).
عاشَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -كَما وَرَدَ فِي غَيْرِ واحِدٍ مِنْ المَصادِرِ كَطَبَقاتِ ابْنِ سَلامٍ وَالأَغانِي وَغَيْرِهِما- شَطْرَ حَياتِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ وَشَطْرَهُ الآخَرَ فِي الإِسْلامِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهُ كانَ مِنَ المُعَمَّرِينَ حَيْثُ عاشَ مِئَةً وَعِشْرِينَ عاماً، أَمّا السِّتِّينَ عاماً الَّتِي قَضاها فِي الجاهِلِيَّةِ فَقَدْ كانَ فِيها حَسّانُ شاعِرَ قَوْمِهُ يُدافِعُ عَنْهُمْ بِلِسانِهِ فِي صِراعاتِهِمْ مَعَ القَبائِلِ الأُخْرَى وَلا سِيَّما الأَوْسِ، وَيَفْخَرُ بِمَآثِرِهِمْ وَانْتِصاراتِهِمْ.
وَلا يَرِدُ عَنْ طُفُولَةِ حَسّانَ وَنَشْأَتِهِ إِلّا قِصَّةٌ تُشِيرُ إِلَى بِداياتِ مَوْهِبَتِهِ الشِّعْرِيَّةِ وَعَلاماتِ نُبُوغِهِ الشِّعْرِيِّ، فَقَدْ قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ -كَما أَوْرَدَ البَغْدادِيُّ فِي خِزانَةِ الأَدَبِ-: لَقِيَتْ السَّعْلاةُ حَسّانَ بْنَ ثابِتٍ فِي بَعْضِ طُرُقاتِ المَدِينَةِ وَهُوَ غُلامٌ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الشِّعْرَ فَبَرَكَتْ عَلَى صَدْرِهِ وَقالَتْ: أَنْتَ الَّذِي يَرْجُو قَوْمُكَ أَنْ تَكُونَ شاعِرَهُمْ قالَ: نَعَمْ، قالَتْ: فَأَنْشِدْنِي ثَلاثَةَ أَبْياتٍ عَلَى رَوِيٍّ واحِدٍ وَإِلّا قَتَلْتُكَ فَقالَ:
إِذا مَا ترعْرعَ فِينَا الْغُلَامُ فَمَا إِنْ يُقَالَ لَهُ: مَن هُوه
إِذا لَم يَسُدْ قبلَ شَدِّ الْإِزَارِ فَذَلِك فِينَا الَّذِي لَا هُوه
وَلِي صَاحِبٌ مِن بَني الشَّيْصبانِ فَحِيناً أَقُولُ وَحِيناً هُوه
وَقَدْ كانَ حَسّانُ مِنْ أُسْرَةٍ ذاتِ مَكانَةٍ رَفِيعَةٍ بَيْنَ قَوْمِهِ، وَزادَتْهُ مَوْهِبَتُهُ تَقَدُّماً فَهُوَ مِنْ الوافِدِينَ عَلَى مُلُوكِ الغَساسِنَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَراءِ في تلك الفترةِ كالنّابِغَةِ الذُبْيانِيِّ وَعَلْقَمَةَ الفَحْلِ وَغَيْرِهِما، وَقَدْ حَظِيَ عِنْدَهُمْ بِمَكانَةٍ عالِيَةٍ، وَكانَ أَثِيراً عِنْدَهُمْ كَما ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتابِهِ (الشِّعْر وَالشُّعَراء)، فَأَكْثَرَ فِيهِمْ المَدِيحَ وَكانُوا يَجْزِلُونَ لَهُ العَطاءَ يَقُولُ فِيهِمْ:
لِلَّهِ دَرُّ عِــصـــابَـــةٍ نــادَمــتُهُــم يَومـاً بِجِـلَّقَ في الزَّمانِ الأَوَّلِ
يَمشونَ في الحُلَلِ المُضاعَفِ نَسجُها مَشـيَ الجِمالِ إِلى الجِمالِ البُزَّلِ
الضَّارِبـونَ الكَبـشَ يَبـرُقُ بَيـضُهُ ضَربـاً يَطـيـحُ لَهُ بَنـانُ المَفصِلِ
وَالخالِطـونَ فَقـيـرَهُـم بِغَـنِـيِّهـِم وَالمُنـعِمونَ عَلى الضَّعيفِ المُرمِلِ
أَولادُ جَفـنَـةَ حَولَ قَبـرِ أَبيـهِمِ قَبـرِ ابنِ مارِيَةَ الكَريمِ المُفضِلِ
يُـغـشَـونَ حَتّـى ما تَهِرُّ كِلابُهُـم لا يَسـأَلونَ عَنِ السَوادِ المُقبِلِ
وَقَدْ ظَلَّتْ هُناكَ عَلاقَةٌ مِنْ الوُدِّ وَالصَّداقَةِ بَيْنَ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ وَالغَساسِنَةِ حَتَّى بَعْدَ إِسْلامِهِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ جَبْلَةَ بْنِ الأَيِّهِمْ ظَلَّ يَصِلُ حَسّانَ وَيُجْزِلُ لَهُ العَطاءَ بَعْدَ إِسْلامِهِ، فقد ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي (الشِّعْرِ وَالشُعَراء) قِصَّةً تُظْهِرُ هذِهِ العَلاقَةُ بينهما فَرَوَى أَنَّهُ لَمّا سارَ جَبَلَةُ بْنُ الأَيِّهِمْ إِلَى بِلادِ الرُّومِ وَرَدَ عَلَى مَلِكِ الرُّومِ رَسُولُ مُعاوِيَةَ، فَسَأَلَهُ جَبَلَةً عَنْ حسّانَ، فَقالَ لَهُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ عَمِيَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفَ دِينارٍ، وَقالَ: ادْفَعْها إِلَى حسّانَ. قالَ: فَلَمّا قَدمْتُ المَدِينَةَ وَدَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ فِيهِ حَسّانَ بْنَ ثابِتٍ، فَقُلْتُ لَهُ: صَدِيقُكَ جُبَلَةُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، قالَ: فَهاتِ ما مَعَكَ، فَقُلْتُ: يا أَبا الوَلِيدِ كَيْفَ عَلِمْتَ؟
قالَ: ما جاءَتْنِي مِنْهُ رِسالَةٌ قَطُّ إِلّا وَمَعَها شَيْءٌ.
وَذَكَرَ اِبْنُ قُتَيْبَةَ قِصَّةً أُخْرَى يَرْوِيها الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَهْلِ المَدِينَةِ قالَ: بَعَثَ الغَسّانِيُّ إِلَى حَسّانَ بِخَمْسِمِئَةِ دِينارٍ وَكِسَا، وَقالَ لِلرَّسُولِ: إِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ ماتَ فَابْسُطْ هذِهِ الثِّيابَ عَلَى قَبْرِهِ وَاشْتَرِ بِهذِهِ الدَّنانِيرِ إِبِلاً فَانْحَرْها عَلَى قَبْرِهِ، فَجاءَ فَوَجَدَهُ حَيّاً فَأَخْبَرَهُ، فَقالَ: لَوَدَدْتُ أَنَّكَ وَجَدْتَنِي مَيِّتاً.
وَهُوَ كَذلِكَ مِنْ الشُّعَراءِ الَّذِينَ اتَّصَلُوا بِالمَناذِرَةِ فِي الحِيْرَةِ، وَكانَ ذلك فِي الفَتْرَةِ الَّتِي كانَ فِيها النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ عِنْدَ المُناذَرَةِ فقَدْ وردَ فِي كتابِ (الأَغانِي) أَنَّ حَسّانَ بْنَ ثابِتٍ عِنْدَما وَفَدَ عَلَى النُّعْمانِ وَرَأَى مَكانَةَ النّابِغَةِ عِنْدَهُ قالَ: فَحَسَدْتُهُ عَلَى ثَلاثٍ لا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ كُنْتُ لَهُ أَشَدَّ حَسَداً: عَلَى إِدْناءِ النُّعْمانِ لَهُ بَعْدَ المُباعَدَةِ وَمُسامَرَتِهِ لَهُ وَإِصْغائِهِ إِلَيْهِ، أَمْ عَلَى جَوْدَةِ شِعْرِهِ، أَمْ عَلَى مِئَةِ بَعِيرٍ مِنْ عَصافِيرِهِ أَمَرَ لَهُ بِها.
وَمَعَ مَجِيءِ الإِسْلامِ وَانْتِقالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَدِينَةِ كانَتْ الخَزْرَجُ مِنْ أَوائِلِ القَبائِلِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الإِسْلامِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الإِصابَةِ) أَنَّ حَسّانَ كانَ قَدْ بَلَغَ سِتِّينَ عاماً عِنْدَما دَخَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ، وَقَدْ أَسْلَمَ حَسّانُ وَكانَ أَحَدُ الصَّحابَةِ المُقَرَّبِينَ وَاتَّخَذَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاعِراً مُنافِحاً عَنْ الإِسْلامِ ضِدَّ شُعَراءِ المُشْرِكِينَ، وَقَدْ حَظِيَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ بِمَكانَةٍ عالِيَةٍ وَمَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ لَمْ يَحْظَ بِها شاعِرٌ فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ جَعَلَهُ ابْنُ رَشِيقٌ فِي العُمْدَةِ مِمَّنْ رَفَعَهُ شِعْرُهُ فَقالَ: "لَمْ تَكُنْ لَهُ ماتَةٌ وَلا سابِقَةٌ فِي الجاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ إِلّا شِعْرُهُ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ رِضا اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرِضا نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ما أَوْرَثَهُ الجَنَّةُ"، وَبَلَغَ مِنْ ذلِكَ ما رَواهُ المُبَرِّدُ فِي كِتابِهِ (الكامِلِ) أَنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ: كانَ يُوضَعُ لِحَسّانَ مِنْبَرٌ فِي مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ فَيُنافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ حَثَّه الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِ الشِّعْرِ رَدّاً عَلَى المُشْرِكِينَ وَدِفاعاً عَنْ الإِسْلامِ فَكانَ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ". وَقالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إِنَّ اللهَ مُؤَيِّدٌ حَسّاناً بِرُوحِ القُدُسِ ما نافَحَ عَنْ نَبِيِّهِ".
وَسَبَقَ هِجاءَ حَسّانَ لِلمُشْرِكِينَ تَعَرُّفُهُ عَلَى أَنْسابِ قُرَيْشٍ حَتَّى لا يَقَعَ فِيما يَتَّصِلُ بِالنَّبِيِّ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قالَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لِأَفْرِينَّهَمْ بِلِسانِي فَريَ الأَدِيمِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ: "لا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسابِها، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَباً، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي"، فَأَتاهُ حسّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ. لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَما تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنْ العَجِينِ.
وَمِن الحَوادِثِ الَّتِي تَرِدُ فِي حَياةِ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ فِي الإِسْلامِ مَوْقِفُهُ مِنْ حادِثَةِ الإِفْكِ، فَقَدْ كانَ مِمَّنْ خاضَ فِيها من المسلمين، وَوَرَدَ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ عَنْ عائِشَةَ أنّها قالَتْ: وَكانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ مِسطحٌ وَحَمْنَةُ وَحسّانُ، وَلكِنَّ حَسّانَ اعْتَذَرَ عَنْ ذلِكَ وَقالَ يَمْدَحُ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها:
حَـصَــانٌ رَزانٌ مـا تُزِنُّ بِـرِيـبَـةٍ وَتُصْـبِـحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوافِلِ
فَإِن كُنتُ أَهجوكُم كَما قَد زَعَمتُمُ فَـلا رَفَعَـت سَوطـي إِلَيَّ أَنامِـلي
فَإِنَّ الَّذي قَد قيـلَ لَيسَ بِلائِطٍ بِكِ الدَّهرَ بَل سَعيُ امرِئٍ بِكَ ماحِلِ
وَكَيـفَ وَوُدّي ما حَيِـيـتُ وَنُصـرَتي لِآلِ نَـبِــيِّ اللَّهِ زَينِ المَحـافِـلِ
وَاتُّهِمَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ بِالجُبْنِ كَما وردَ في (الشِّعْر وَالشُّعَراء)، فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ لَمْ يُشارِكْ بِأَيِّ غَزْوَةٍ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلكن البَعْضُ أرجعَ ذلك لكِبَرِ سِنِّهِ أَوْ ما أَصابَهُ مِنْ قَطعِ أَكْحَلِهِ كَما وَرَدَ فِي (الأَغانِي)، وَقَدْ اسْتَبْعَدَ الأَصْمَعِيُّ أَنْ يَكُونَ حَسّانُ جَباناً وَقالَ: إِنَّ حَسّانَ لَمْ يَكُنْ جَباناً إِنَّهُ كانَ يُهاجِي خَلْقاً فَلَمْ يُعِيِّرْهُ أَحَدٌ بِالجُبْنِ".
اخْتُلِفَ فِي سَنَةِ وَفاةِ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ، ومع أنّ أَغْلَبُ المَصادِرِ الَّتِي تَناوَلَتْ حَياةَ حَسّانَ تُشِيرُ إِلَى أنَّهِ عاشَ سِتِّينَ عاماً قَبْلَ الإِسْلامِ وَسِتِّينَ عاماً بَعْدَهُ، إلّا أنّ ابْنَ حَجَرٍ فِي (الإِصابَةِ) يُورِدُ أَقْوالاً أُخْرَى مِنْها أَنَّهُ ماتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ أَوْ سَنَةَ خَمْسِينَ أَوْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي المَصادِرِ الحَدِيثَةِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 54هـ كَما فِي (تارِيخِ الأَدَبِ العَرَبِيِّ) لِبروكلمان، وَ(الأَعْلامِ) لِلزَّرْكَلِي. وَكانَ ذلِكَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ بْنِ سُفْيانَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ آخِرَ عُمْرِهِ.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ هُوَ شاعِرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتَّخَذَهُ النَّبِيُّ لِلرَدِّ عَلَى شُعَراءِ المُشْرِكِينَ، وَوَرَدَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ". وَقالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إِنَّ اللهَ مُؤَيِّدٌ حَسّاناً بِرُوحِ القُدُسِ ما نافَحَ عَنْ نَبِيِّهِ".
مِمّا يُبَيِّنُ مَكانَةَ حَسّانَ فِي الإِسْلامِ ما رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّها قالَتْ: كانَ يُوضَعُ لِحَسّانَ مِنْبَرٌ فِي مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ فَيُنافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُخَضْرَمِينَ الفُحُولِ، وَقَدْ أَشارَ إِلَى ذلِكَ الأَصْمَعِيِّ فِي كِتابِ (فُحُولَةُ الشُّعَراءِ).
عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ مِن أَشْعَرِ شُعَراءِ المَدِينَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى، وَرَأَى أَنَّهُ كَثِيرُ الشِّعْرِ جِيِّدُهُ، وَلكِنَّهُ أَشارَ إِلَى أَنَّ حسّان قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ ما لَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَحَدٍ، لَمّا تَعاضَهَتْ قُرَيْشٌ وَاسْتَبَّتْ وَضَعُوا عَلَيْهِ أَشْعاراً كَثِيرَةً لا تُنَقَّى.
يَرَى بَعْضُ النُّقّادِ أَنَّ شِعْرَ حَسّان لانَ وَضَعُفَ بَعْدَ إِسْلامِهِ، وَيُفَسِّرُ الأَصْمَعِيُّ ذلِكَ بِأَنَّ الشِّعْرَ نَكِدٌ بابُهُ الشَّرَّ، فَإِذا دَخَلَ فِي الخَيْرِ ضَعُفَ، هذا حَسّانُ فَحَلٌ مِنْ فُحُولِ الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا جاءَ الإِسْلامُ سَقَطَ شِعْرُهُ.
حُمِلَ الكَثِيرَ مِنَ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ، وَهذا ما أَشارَ إِلَيْهِ ابْنُ سَلّامٍ فِي طَبَقاتِهِ، وَرُبَّما يَكُونُ ذلِكَ لِمَكانَتِهِ فِي الإِسْلامِ وَلِلصِّراعاتِ الَّتِي نَشَأَتْ بَعْدَ ذلِكَ فِي العَصْرِ الأُمَوِيِّ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصارِ، وَالصِّراعِ بَيْنَ القَبائِلِ اليَمَنِيَّةِ وَالقَيْسِيَّةِ فِي ذلِكَ العَهْدِ.
أَكْثَرُ شِعْرِ حَسّانَ قُبَيْلَ الإِسْلامِ كانَ فِي الفَخْرِ بِقَبِيلَتِهِ وَالذَّوْدِ عَنْها بِسَبَبِ العَداءِ الطَّوِيلِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ تَمَيَّزَ بِقَصائِدِ المَدِيحِ لِصِلَتِهِ بِالمَناذِرَةِ وَالغَساسِنَةِ فِي الجاهِلِيَّةِ، أَمّا بَعْدَ إِسْلامِهِ فَقَدْ تَوَجَّهَ فِي شِعْرِهِ إِلَى الذَّوْدِ عَنْ الإِسْلامِ وَالدّفاعِ عنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الرَدِّ عَلَى شُعَراءِ المُشْرِكِينَ.
"أنّهُ كَثيرُ الشِّعْرِ جَيِّدُهُ وقَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ مَا لم يُحملْ على أَحَدٍ"
(ابنُ سلّام الجُمحيّ/ طبقات فحول الشّعراء).
(اِبْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(المبرّد/ الكامل)
(أَبُو عُبَيْدَةَ/ذَكَرَهُ ابْنُ حجر في الإصابة).
(أبو الفرج الأصفهانيّ/ الأغاني)