
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
بَطَيْبَــةَ رَســْمٌ لِلرَّســُولِ وَمَعْهَــدُ
مُنِيـرٌ وَقَـدْ تَعْفُـو الرُّسـُومُ وَتَهْمَدُ
وَلَا تَمْتَحِـي الْآيَـاتُ مِـنْ دَارِ حُرْمَـةٍ
بِهَـا مِنِبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ
وَوَاضــِحُ آثَــارٍ وَبَــاقِي مَعَــالِمٍ
وَرَبْــعٌ لَــهُ فِيــهِ مُصـَلَّى وَمَسـْجِدُ
بِهَــا حُجُـرَاتٌ كَـانَ يَنْـزِلُ وَسـْطَهَا
مِــنَ اللَّـهِ نُـورٌ يُسْتَضـَاءُ وَيُوقَـدُ
مَعَـارِفُ لَـمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا
أَتَاهَـا الْبِلَـى فَـالْآيُ مِنْهَـا تُجَدَّدُ
عَرَفْـتُ بِهَـا رَسـْمَ الرَّسـُولِ وَعَهْـدَهُ
وَقَبْـراً بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مُلْحِدُ
ظَلَلْـتُ بِهَـا أَبْكِـي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ
عُيُــونٌ وَمِثْلَاهَـا مِـنَ الْجِـنِّ تُسـْعَدُ
يُــذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّســُولِ وَمَــا أَرَى
لَهَـا مُحْصـِياً نَفْسـِي فَنَفْسـِي تَبَلَّـدُ
مُفَجَّعَــةً قَــدْ شــَفَّهَا فَقْـدُ أَحْمَـدٍ
فَظَلَّــــتْ لِآلَاءِ الرَّســـُولِ تُعَـــدِّدُ
وَمَـا بَلَغَـتْ مِـنْ كُـلِّ أَمْـرٍ عَشـِيرَهُ
وَلَكِـنْ لِنَفْسـِي بَعْـدُ مَـا قَـدْ تَوَجَّدُ
أَطَـالَتْ وُقُوفـاً تَذْرِفُ الْعَيْنُ جُهْدَهَا
عَلَـى طَلَـلِ الْقَبْـرِ الَّذِي فِيهِ أَحْمَدُ
فَبُـورِكْتَ يَـا قَبْـرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ
بِلَادٌ ثَـوَى فِيهَـا الرَّشـِيدُ الْمُسـَدَّدُ
وَبُــورِكَ لَحْــدٌ مِنْــكَ ضـُمِّنَ طَيِّبـاً
عَلَيْــهِ بِنَــاءٌ مِــنْ صـَفِيحٍ مُنَضـَّدُ
تَهِيـلُ عَلَيْـهِ التُّـرْبَ أَيْـدٍ وَأَعْيُـنٌ
عَلَيْــهِ وَقَــدْ غَـارَتْ بِـذَلِكَ أَسـْعُدُ
لَقَـدْ غَيَّبُـوا حِلْمـاً وَعِلْمـاً وَرَحْمَةً
عَشــِيَّةَ عَلَّــوْهُ الثَّــرَى لَا يُوَســَّدُ
وَرَاحُـوا بِحُـزْنٍ لَيْـسَ فِيهِـمْ نَبْيُّهُمْ
وَقَــدْ وَهَنَـتْ مِنْهُـمْ ظُهُـورٌ وَأَعْضـُدُ
يُبَكُّـونَ مَـنْ تَبْكِـي السـَّمَوَاتُ يَوْمَهُ
وَمَـنْ قَـدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ
وَهَــلْ عَــدَلَتْ يَوْمـاً رَزِيَّـةُ هَالِـكٍ
رَزِيَّــةَ يَــوْمٍ مَــاتَ فِيــهِ مُحَمَّـدُ
تَقَطَّــعَ فِيـهِ مُنْـزَلُ الْـوَحْيِ عَنْهُـمُ
وَقَـدْ كَـانَ ذَا نُـورٍ يَغُـورُ وَيُنْجِـدُ
يَـدُلُّ عَلَـى الرَّحْمَـنِ مَـنْ يَقْتَدِي بِهِ
وَيُنْقِـذُ مِـنْ هَـوْلِ الْخَزَايَـا وَيُرْشِدُ
إِمَـامٌ لَهُـمْ يَهْـدِيهِمُ الْحَـقَّ جَاهِداً
مُعَلِّــمُ صـِدْقٍ إِنْ يُطِيعُـوهُ يَسـْعَدُوا
عَفُــوٌّ عَــنِ الـزَّلَّاتِ يَقْبَـلُ عُـذْرَهُمْ
وَإِنْ يُحْسـِنُوا فَـاللَّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ
وَإِنْ نَـابَ أَمْـرٌ لَـمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ
فَمِــنْ عِنْــدِهِ تَيْسـِيرُ مَـا يَتَشـَدَّدُ
فَبَيْنَـا هُـمُ فِـي نِعْمَةِ اللَّهِ وَسْطَهُمْ
دَلِيــلٌ بِـهِ نَهْـجُ الطَّرِيقَـةِ يُقْصـَدُ
عَزِيـزٌ عَلَيْـهِ أَنْ يَجُورُوا عَنِ الْهُدَى
حَرِيـصٌ عَلَـى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عَطُــوفٌ عَلَيْهِــمْ لَا يُثَنِّــي جَنَـاحَهُ
إِلَــى كَنَـفٍ يَحْنُـو عَلَيْهِـمْ وَيَمْهَـدُ
فَبَيْنَـا هُـمُ فِي ذَلِكَ النُّورِ إِذْ غَدَا
إِلَـى نُـورِهِمْ سـَهْمٌ مِنَ الْمَوْتِ مُقْصَدُ
فَأَصـْبَحَ مَحْمُـوداً إِلَـى اللَّهِ رَاجِعاً
يُبَكِّيــهِ حَــقُّ الْمُرْســَلَاتِ وَيُحْمَــدُ
وَأَمْسـَتْ بِلَادُ الْحُـرْمَ وَحْشـاً بِقَاعُهَا
لِغَيْبَـةِ مَـا كَـانَتْ مِنَ الْوَحْيِ تَعْهَدُ
قِفَـاراً سـِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا
فَقِيــــدٌ تُبَكِّيـــهِ بَلَاطٌ وَغَرْقَـــدُ
وَمَســـْجِدُهُ فَالْمُوْحِشـــَاتُ لِفَقْــدِهِ
خَلَاءٌ لَـــهُ فِيــهِ مَقَــامٌ وَمَقْعَــدُ
وَبِـالْجَمْرَةِ الْكُبْـرَى لَـهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ
دِيَــارٌ وَعَرْصــَاتٌ وَرَبْــعٌ وَمَوْلِــدُ
فَبَكِّـي رَسـُولَ اللَّـهِ يَـا عَيْنُ عَبْرَةً
وَلَا أَعْرِفَنْــكِ الـدَّهْرَ دَمْعَـكِ يَجْمَـدُ
وَمَـا لَكِ لَا تَبْكِينَ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي
عَلَـى النَّـاسِ مِنْهَـا سـَابِغٌ يَتَغَمَّـدُ
فَجُــودِي عَلَيْـهِ بِالـدُّمُوعِ وَأَعْـوِلِي
لِفَقْـدِ الَّـذِي لَا مِثْلُـهُ الدَّهْرُ يُوجَدُ
وَمَــا فَقَـدَ الْمَاضـُونَ مِثْـلَ مُحَمَّـدٍ
وَلَا مِثْلُــهُ حَتَّــى الْقِيَامَـةِ يُفْقَـدُ
أَعَــفَّ وَأَوْفَــى ذِمَّــةً بَعْــدَ ذِمَّـةٍ
وَأَقْـــرَبَ مِنْــهُ نَــايِلاً لَا يُنَكَّــدُ
وَأَبْــذَلَ مِنْــهُ لِلطَّرِيــفِ وَتَالِــدِ
إِذَا ضـَنَّ مِعْطَـاءُ بِمَـا كَـانَ يُتْلَـدُ
وَأَكْرَمَ صِيتاً فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى
وَأَكْـــرَمَ جَــدّاً أَبْطَحِيّــاً يُســَوَّدُ
وَأَمْنَـعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَـتَ فِـي الْعُلَـى
دَعَـــائِمَ عِـــزٍّ شــَامِخَاتٍ تُشــَيَّدُ
وَأَثْبَـتَ فَرْعـاً فِـي الْفُرُوعِ وَمَنْبِتاً
وَعُـوداً غَـذَاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ
رَبَــاهُ وَلِيــداً فَاســْتَتَمَّ تَمَـامُهُ
عَلَــى أَكْــرَمِ الْخَيْـرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّـدُ
تَنَــاهَتْ وَصــَاةُ الْمُسـْلِمِينَ بِكَفِّـهِ
فَلَا الْعِلْـمِ مَحْبُـوسٌ وَلَا الرَّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُـولُ وَلَا يُلْفَـى لِمَـا قُلْـتُ عَـائِبٌ
مِـنَ النَّـاسِ إِلَّا عَـازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ
وَلَيْــسَ هَـوَايَ نَازِعـاً عَـنْ ثَنَـائِهِ
لَعَلِّـي بِـهِ فِـي جَنَّـةِ الْخُلْـدِ أَخْلُدُ
مَـعَ الْمُصـْطَفَى أَرْجُـو بِـذَاكَ جِوَارَهُ
وَفِـي نَيْـلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.