
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
كَعْبُ بن مالِك الأَنْصارِيّ السُّلَمِيّ، شاعِرُ الإِسْلام، أَسْلَمَ قَدِيمًا وشَهِدَ العَقَبةَ وَلَمْ يَشْهَدْ بدرًا، وهُوَ أحدُ الثَّلاثَةِ الَّذين تِيبَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ تخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوك، وهُوَ مِنْ أَكابِرِ شُعَراءِ المَدِينَةِ؛اشْتُهِرَ في الجاهليّةِ بشعرِه، ثُمّ كان شاعرَ النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وشَهِدَ معَهُ أكثرَ الوقائع. روى عن النّبيِّ صلّى اللهُ علَيهِ وسلَّم ثَلاثينَ حديثًا، ثُمَّ روى عنه بنُوه كلُّهُم. وكانَ من أصحاب عثمانَ بن عفّان رضي الله عنه، وأنجده يوم الثورة وحرّض الأنصارَ على نصرتهِ، ولمّا قُتِل عثمان قعد عن نصرةِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه فلمْ يشهَدْ حروبَه، وعَمِيَ في آخر عمره وعاش سبعًا وسبعين سنة. تُوفّي سنة 50هـ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ كَعْبُ بن مالِك بن أبي كعب، واسْمُ أبي كعب عَمْرُو بن القَين بن كعبِ بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمَة الأنصاريّ الخَزْرَجِيّ.
وأُمُّهُ: ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة.
وقبيلتُهُ الخزرَج من قبائلِ مازِنِ بن الأزد اليمانيّة، هاجرتْ إبّان انهيار سدّ مأرِب لتستوطِن يثرب أو ما يُعرَف اليوم بالمدينة المنوّرة في الحجاز، وكان يساكنُها فيها قبيلة الأوس، وكان بينهم عداوة وبغضاء أفضتْ إلى معاركَ وحروبٍ طاحنة، ولكنَّ الله ألّف بينهم بقدوم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وناصَرُوه فسمّوا بالأنصار، ثمّ آخى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينهم وبين المهاجرين.
كُنْيَتُهُ في الجاهليَّة: أبو بشير، وكنّاه النّبيُّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بأبي عبد اللَّه.
ومن كُناه الأخرى: أبو محمّد، وأبو عبد الرحمن.
وَلَهُ من البنينَ أربعة وهم: عُبَيد الله ومحمّد ومَعْبد وعبد الله.
ومن البنات واحدة وهي: كبشة بنت كعب بن مالك.
وُلِدَ كعبُ بن مالك نحو سنةِ 26 ق.هـ، وأخبارُهُ في الجاهليّة قليلةٌ ومقتضبَة، خاصّةً في الربع الأوّل من حياته قبل إسلامه، وقد أسلمَ مبكِّرًا، فكان من أوائلَ الأنصار في المدينة، في الوقتِ الذي لم يكنْ في المدينة أكثر من أربعينَ رجلًا من المسلمين، وصلّى الجمعة فيها قبل هجرةِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان من السبعين الذين شهدوا العقبة الثانية وبايعوه على الإيواء والنصر، وهم آنذاك طلائعُ الإسلام.
وجاهد مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بلسانِهِ ويدِه؛ فقد دافع عن الإسلام وعن الرسول وهجا المشركين وشَهِد مع النبيّ كلَّ الوقائعِ عدا بدر وتبوك، وقد جُرِح في أُحُد بضعة عشر جرحًا، وقيل إنّ مظهرَهُ يوم أحد كان يشبه منظر الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن بُعد، ففضّل أنْ يكون هدفًا للمشركين بدلًا من الرسول، ولبس لأْمَة النبي، وكانت صفراء، ولبس النبيّ لأْمته، فجُرِح كعب أحدَ عشر جرحًا، وعندما ظنّ النّاسُ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قُتِل، كان كعب أوّل من عرف أنّ النبيّ سالمٌ، قال: عَرَفْتُ عيناه تزهران من تحت المغفر، ولم يتمالكْ نفسه من الفرح، فراح ينادي: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار النبيّ إليه أنْ أنصِتْ.
وقدّر النبي صلّى الله عليه وسلّم أمانته وإيمانه، فولّاه في السنة التاسعة للهجرة صدقاتِ أسلم وغفار، وقيل جُهينة أيضًا.
أمّا حديثه عن تخلُّفِه عن غزوة تبوك فمشهورٌ جدًّا وممّا جاء فيه:
عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه قال: سمعت كعبًا يقول: لم أتخلّف عن رسول الله ﷺ في غزوة، حتى كانت تبوك، إلا بدرًا. وما أحبُّ أني شهدتها، وفاتتني بيعتي ليلة العقبة وكلما أراد رسول الله ﷺ غزوة إلا وارى بغيرها. فأراد في غزوة تبوك أنْ يتأهّب الناس أهبة وكنت أيسر ما كنت، وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال وطيب الثمار، فلم أزلْ كذلك، حتى خرج. فقلت: أنطلق غدًا، فأشتري جهازي، ثم ألحق بهم. فانطلقت إلى السوق، فعسر عليّ، فرجعت، فقلت: أرجع غدًا. فلم أزل حتى التبس بي الذنب، وتخلّيت، فجعلت أمشي في أسواق المدينة، فيحزنني أني لا أرى إلا مغموصًا عليه في النفاق أو ضعيفًا. وكان جميع من تخلَّف عن رسول الله بضعة وثمانين رجلًا.
ولما بلغ النبي ﷺ تبوك، ذكرني، وقال: ما فعل كعب؟ فقال رجل من قومي: خلفه يا نبي الله برداه والنظر في عِطْفيه. فقال معاذ: بئس ما قلت! والله ما نعلم إلّا خيرًا. إلى أنْ قال: فلما رآني ﷺ، تبسّم تبسّم المغضب، وقال: ألم تكنْ ابتعتَ ظهرك؟ قلت: بلى. قال: فما خلفك؟ قلت: والله لو بين يدي أحد غيرك جلست، لخرجت من سخطه عليّ بعذر، لقد أوتيت جدلًا، ولكن قد علمت يا نبي الله أني أخبرك اليوم بقول تجد عليّ فيه، وهو حق، فإني أرجو فيه عقبى الله. إلى أنْ قال: والله ما كنت قطُّ أيسر ولا أخفُّ حاذًا مني حين تخلفت عنك فقال: أما هذا فقد صدَقَكُم، قمْ حتّى يقضي الله فيك. فقمت
إلى أنْ قال: ونهى رسول الله ﷺ الناس عن كلامنا أيها الثلاثة. فجعلت أخرج إلى السوق، فلا يكلمني أحد، وتنكّر لنا الناس، حتى ما هم بالذين نعرف، وتنكرت لنا الحيطان والأرض. وكنت أطوف، وآتي المسجد، فأدخل، وآتي النبي ﷺ، فأسلم عليه، فأقول: هل حرك شفتيه بالسلام!
واستكان صاحباي فجعلا يبكيان الليل والنهار لا يطلعان رؤوسهما، فبينا أنا أطوف في السوق إذا بنصراني جاء بطعام، يقول: من يدل على كعب؟ فدلوه علي، فأتاني بصحيفة من ملك غسان. فإذا فيها: أما بعد: فإنه بلغني أنّ صاحبك قد جفاك وأقصاك، ولست بدار مضيعة ولا هوان، فالحق بنا نواسك. فسَجَرْتُ لها التنور، وأحرقتها. إلى أن قال: إذ سمعت نداء من ذروة سلع أبشر يا كعب بن مالك. فخَرَرْتُ ساجدًا. ثم جاء رجل على فرس يبشرني، فكان الصوت أسرع من فرسه، فأعطيته ثوبي بشارة، ولبست غيرهما.
ونزلت توبتنا على النبي ﷺ ثلث الليل. فقالت أمّ سلمة: يا نبيّ الله ألا نبشّر كعبًا؟ قال: إذًا يحطمكم الناس، ويمنعونكم النوم. قال: فانطلقت إلى النبي ﷺ، فإذا هو جالسٌ في المسجد وحوله المسلمون، وهو يستنير كاستنارة القمر، فقال: أبشرْ يا كعب بخير يوم أتى عليك. ثم تلا عليهم: لقد تاب الله على النبي الآيات. وفينا نزلت أيضًا: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. فقلت: يا نبي الله، إنّ من توبتي ألا أحدُّث إلا صدقًا، وأنْ أنخلع من مالي كله صدقة. فقال: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك.. (الحديث). وفي لفظ: فقام إلي طلحة يهرول، حتى صافحني وهنأني. فكان لا ينساها لطلحة.
وفي حجة الوداع بعثه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينادى في الناس بمنى: أنّ رسول الله قال إنّها أيّام أكل وشرب وذكر لله، فانتهى المسلمون من صيامهم.
وكان يتقن الكتابة، ويعرف الحساب، فأرسله النبي ليعلّم حدود المدينة. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يستمع إلى شعره ويرتاح إلى ذلك، بل ويطلب أنْ ينشدَه، يستعين بسمعه على السّفر. قال ابن سيرين: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفره قد شنق ناقته بزمامها، فوضعت رأسها عند مقدمة الرّحل، إذ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا كعب بن مالك احْدُ بنا، فقال كعب:
قَضَيْنا مِنْ تِهامَةَ كُلَّ حَقٍّ وَخَيْبَرَ ثُمَّ أجْمَمْنا السُّيوفا
ُنخيِّرُها وَلَوْ نَطَقَتْ لَقالَتْ:=قواطِعُهُنَّ دَوْسًا أو ثَقِيفا#
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: والذي نفسي بيده، لهِيَ أشَدُّ عليهم من رَشْقِ النّبل.
وقيل أنّ قبيلة دوس أسلمتْ فَرَقًا بسبب هذه الأبيات.
وعندما توفّي النبي صلّى الله عليه وسلّم كان نبأ وفاته فجيعةً كبرى لكعب، ولغيره من المسلمين، فقالَ في رِثائِه:
فُجِعْنـا بِخَيْرِ النّاسِ حَيّاً وَميِّتاً وَأَدْنـاهُ مِـنْ رَبِّ البَرِيَّة مَقْعَدا
وَأَفْظَعِهِـمْ فَقْـداً علـى كُلِّ مُسْلِمٍ وَأَعْظَمِهِـمْ فِـي النّاسِ كُلِّهِمُ يَدا
ومَنْ شِعْرِهِ في المَشاهِدِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، قولُهُ يفخَرُ بيومِ بدر:
أَلَا هَلْ أَتَى غسانَ فِي نَأْيِ دارِها وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ عَلِيمُها
بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيٍّ عَدَاوَةً مَعَدٌّ مَعاً جُهَّالُها وَحَلِيمُها
لِأَنَّا عَبَدْنَا اللَّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ رَجاءَ الْجِنانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُها
نَبِيٌّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزَّةٍ وَأَعْراقُ صِدْقٍ هَذَّبَتْها أُرُومُها
فَسَارُوا وَسِرْنا فَالْتَقَيْنَا كَأَنَّنَا أُسُودُ لِقاءٍ لَا يُرجَّى كَلِيمُها
ضَرَبْناهُمُ حَتَّى هَوَى فِي مَكَرِّنا لِمَنْحَرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيٍّ عَظِيمُها
فَوَلَّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضٍ صوارمٍ سَواءٌ عَلَيْنَا حِلْفُها وصَمِيمُها
وفي عهد الرّاشدين كان ممّن حضر يوم السّقيفة من الأنصار، ثمّ لم يُذكرْ عنه المؤرّخون شيئًا منذ ذلك الوقت حتّى خلافة عثمان، فقد اقترن اسمه مع اسم عثمان وخاصة أيام الفتنة، فكان من الذين بقوا مع عثمان يوم الدّار وقد قُتِل حفيده فيها عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب، وبقي معه حتى استشهاد عثمان وظل مخلصًا له بعد استشهاده أيضًا، فقال يؤنّب الأنصار على خُذْلانِهِم عثمان بقصيدة مطلعها:
مَنْ مُبْلِغِ الْأَنْصارَ عَنِّي آيَةً رُسُلًا تَقُصُّ عَلَيْهِمُ التِّبْيانا
وممّا قاله عن عثمان بعد استشهاده وهو يصوّر ما حدَثَ يوم الدار:
فَكَــفَّ يَــدَيْهِ ثُــمَّ أَغْلَـقَ بَـابَهُ وَأَيْقَــنَ أنَّ اللهَ لَيْـسَ بِغَافِـلِ
وَقَـالَ لِمَـنْ فِـي دارهِ لا تُقاتِلُوا عَفَا اللهُ عَنْ كُلِّ امْرِىءٍ لَمْ يُقَاتِلِ
اخْتُلِفَ حول سنةِ وفاةِ كَعبِ بن مالك؛ فَمِنْهُم من قال إنَّهُ تُوفِّيَ سنَةَ 50هـ، وهو قول الواقدي وعليه أغلب المؤرّخين، وقيل سنة 51هـ و53هـ، لكنّ الأصح والذي عليه الإجماع هو الأول. وكذلك اختلفوا حول مكان وفاته فقيل بالمدينة، وقيل في الشام والأول هو الأصحّ؛ لأنّ ابنه عبد الله كان يقودُهُ بعد أنْ عَمِي لصلاة الجمعة في المدينة. ولم يختلفْ المؤرّخون في سِنِّهِ وقتَ وفاته وكانتْ سبعةً وسَبعينَ عاماً.
لم يتَّخِذْ كعبُ بن مالِك من الشّعر صناعةً يمتهنها، أو سبيلًا لكسبِ العيش، بل كان يقوله بما تجيش به نفسه المؤمنة، وملابسات حياته المسلمة، فكان مطبوعًا ولم يتكلّف، ويقول الشّعر على سجيّته، إذ إنّه لم يعْدُ تأثيرات نفسيّة آنيّة فنفثها شعرًا وتحرّكت بها قريحته وانقدحت فيه المعاني دون طول تفكّر.
وكان ابن عصره فلمْ يخرج عن سبيل الأقدمين من ناحية غاية الشعر فهو عنده -كما عند قبله- ديوان العرب تُسجّل فيه المآثر والأخبار والعادات.
وقد عدَّه ابنُ سلّام الجمحيّ من شعراء يثرب الكبار، بالإضافةِ إلى: حسّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة. واختارَ له أصحابُ المختارات الشّعريّة والحماسات الكثيرَ من القصائد والقطع.