
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
الأَعْشَى الكَبِيرُ أَوْ أَعْشَى قَيْس هُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلَ، مِنْ قَبِيلَةِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِحْدَى قَبائِلِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَمِنْ شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الأُولَى، وَهو أَحَدُ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، اُشْتُهِرَ بِجَوْدَةِ قَصائِدِهِ الطِّوالِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ بَعْضُ النُقّادِ القُدامَى عَلَى الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ لِتَصَرُّفِهِ فِي المَدِيحِ وَالهِجاءِ وَسائِرِ فُنُونِ الشِّعْرِ، وَقَدْ تَنَقَّلَ الأَعْشَى فِي بِلادٍ كَثِيرَةٍ بَحْثاً عَنْ المالِ فَكانَ مِنْ أَوائِلِ مَنْ تَكْسَّبَ بِشِعْرِهِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَكانَتْ وَفاتُهُ سَنَةَ 7ه المُوافَقَة لِسَنَةِ 629م
هُوَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خِصْفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزارِ بْنِ مَعدِ بْنِ عَدْنانَ. فهو مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ أشهرِ بُطُونِ قَبِيلَةِ هَوازِنَ، وهي من القَبائلِ المُحارِبَةِ وكَثِيرَةِ العَدَدِ حَيْثُ انْتَشَرَتْ فُرُوعُهُمْ فِي نَواحِي نَجْدِ وَإِقْلِيمِ البَحْرَيْنِ وَالعِراقِ وَعُمانَ وَالمَغْرِبِ وَالأَهْوازِ وَمِصْرَ وَغَيْرِها، وَقَدْ تَفَرَّعَتْ عَنْ هذِهِ القَبِيلَةِ فُرُوعٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهُمْ بَنُو كِلابٍ التي ينتسب إليها عامر بن الطفيل، ومنهم بَنُو كَعْبٍ، وَبَنُو نُمَيرٍ، وَبَنُو هِلالٍ، وَكانَتْ قَبِيلَةُ عامِرٍ مِنْ أَعْظَمِ القَبائِلِ عَدَداً، وَكانَتْ دِيارُ بَنِي عامِرٍ فِي نَجْدٍ وَشَرْقَ الحِجازِ، وَقد عُرِفَتْ قبيلة بني عامر بِالبَأْسِ وَالشَّجاعَةِ فِي الجاهِلِيَّةِ، فكانُوا لا يَدِينُونَ لِلمَلِكِ إِذْ كانُوا يُغِيرُونَ عَلَى لَطائِمِ النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ وَيُغنَمُوها، وَقَدْ خاضُوا وَقائِعَ وَحُرُوباً عَدِيدَةً مَعَ القَبائِلِ الأُخْرَى فِي الجاهِلِيَّةِ، وَأَشْهَرُ أَيّامِهُمْ يَوْمُ النِّسارِ وَيَوْمُ الفَلَجِ الأَوَّلِ وَيَوْمُ النَّشّاشِ وَغَيْرُها، وكانَ سَيِّدُهم في وَقْتِ عامرِ بنِ الطُّفيلِ عَمُّهُ أَبو البَراءِ، ثُمَّ آلتْ السِّيادَةُ إِلى ابْنِ الطُّفيلِ مِنْ بَعدِهِ.
وقدْ نَشأَ عامِرٌ فِي أُسْرَةٍ مِن أَسيادِ بَني عامِرٍ وَمِنْ أشْرافِهِم، فَعمُّهُ عامرُ بنُ مالكٍ هو سَيِّدُ بَني عامِرٍ وَلُقِّبَ بِمُلاعِبِ الأَسِنَّةِ لِشجاعَتِهِ وَقُوَّةِ بَأْسِهِ وَفِيهِ يَقولُ أَوْسُ بْنُ حجرٍ:
فَلاعَبَ أَطْرَافَ الأَسنَّة عَامِرٌ فَراحَ لهُ حَظُّ الكَتيبةِ أَجْمعُ
وأمّا أبوه طُفيل فَقد اشْتُهِرَ بِالشَّجاعَةِ وكانَ يُعرفُ بِفارِسِ قُرْزُلٍ كما ذَكَرَ ابْنُ قُتيبَةَ، قالَ بَعضُ الشُّعراءِ لِعامِرٍ:
فَإنَّك يا عَامِ ابْنُ فارِسِ قُرْزُلٍ عَنِ القَصْدِ إِذْ يَمَّمْتَ ثَهلانُ جائِرُ
وَأُمُّهُ هِيَ كَبْشَةُ بِنْتُ عُرْوَةَ الرَّحالِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأُمُّ أَبِيهِ هِيَ أُمُّ البَنِينَ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرو، الَّتِي ذَكَرَها لَبِيدٌ بِقَوْلِهِ: (نَحْنُ بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأَرْبَعَةِ / وَنَحْنُ خَيْرُ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ)، وَعامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ هُوَ ابْنُ عَمِّ لَبَيدِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَهُوَ مِنْ أُسْرَةِ حازَتْ المَجْدَ فِي السِّيادَةِ وَقَوْلِ الشِّعْرِ، وَلَمْ يُولَدْ لِعامِرٍ إِذْ كانَ عَقِيماً لا يُنْسَلُ لَهُ.
عاشَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فِي نِهايَةِ القَرْنِ السّادِسِ وَبِدايَةِ القَرْنِ السّابِعِ المِيلادِيِّ، وَنَشَأَ فِي الحِجازِ مَعَ قَبِيلَتِهِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَقَدْ عاشَ حَياتَهُمْ القائِمَةَ عَلَى الإِغارَةِ وَالغَزْوِ، وَتَشْرَبَ قِيَمَها وَقَوانِينَها الَّتِي تَحْتَفِي بِالبَأْسِ وَالشِدَّةِ، وَلا تَرِدُ أَيُّ أَخْبارٍ عَنْ صِباهُ وَنَشْأَتِهِ، وَمُعْظَمِ المَصادِرِ الَّتِي تَناوَلَتْ جانِباً مِنْ حَياتِهِ رَكَّزَتْ عَلَى أَمْرَيْنِ هُما مَعارِكُهُ وَغاراتُهُ المُتَعَدِّدَةُ الَّتِي أَظْهَرَتْ شَجاعَتَهُ وَشِِدَّةَ بَأْسِهِ، وَالأَمْرُ الآخَرُ هُوَ قِصَّةُ وُفُودِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي انْتَهَتْ بِمَوْتِهِ.
لَقَدْ عُرِفَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ أَنَّهُ مِنْ فُرْسانِ قَوْمِهِ وَمِنْ فُتّاكِ العَرَبِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ سادَ قَوْمَهُ بَعْدَ عَمِّهِ أَبِي البَراءِ عامِرِ بْنِ مالِكٍ، وَكانَ عَمُّهُ سَيِّداً مِنْ ساداتِ العَرَبِ، وَأَكْثَرُ ما اشْتُهِرَ بِهِ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ هُوَ شجاعتُهُ وَإِقْدامِهِ في الحروبِ، فَقَدْ خاضَ مَعَ قَوْمِهِ العَدِيدَ مِنْ الوَقائِعِ وَالغاراتِ، وَحَقَّقَ لَهُمْ انْتِصاراتٍ عَدِيدَةً وَجَعَلَ لَهُمْ مَكانَةً بَيْنَ القَبائِلِ، وَمِنْ أَشْهَرِ الأَيّامِ الَّتِي خاضَها يَوْمُ فَيْفَ الرِّيحِ الَّذِي أَغارَتْ فِيهِ قَبائِلُ مِنْ مَذْحِجٍ وَخَثْعَمٍ وَمُرادٍ عَلَى بَنِي عامِرٍ فَتَصَدَّتْ لَهُمْ بَنُو عامِرٍ وَأبْلُوا فِيهِ بَلاءً حَسَناً، وَفِي هذا اليَوْمِ فَقَدَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ إِحْدَى عَيْنَيْهِ عِنْدَما طَعَنَهُ مُسْهِرُ بْنُ يَزِيدَ الحارِثِيُّ، وَفِي ذلكَ يَقُولُ عامرٌ:
لَعَـمْــرِي وَمَـا عَـمْــرِي عَـلَيَّ بِهَـيِّنٍ لَقَدْ شَانَ حُرَّ الْوَجْهِ طَعْـنَـةُ مُسْهَـرِ
فَبِـئْسَ الْفَتَـى إِنْ كُنْتَ أَعْوَرَ عَاقِراً جَبَـانـاً فَمَـا عُذْرِي لَدَى كُلِّ مُحْضَرِ
وَقَـدْ عَـلِمُــوا أَنِّيـ أَكُـرُّ عَـلَيْهِــمِ عَـشِــيَّةَ فَـيْـفِ الرِّيحِ كَرَّ الْمُدَوَّرِ
وَمَـا رِمْـتُ حَـتَّى بَلَّ صَدْرِي وَنَحْـرَهُ نَـجِــيــعٌ كَهُـدَّابِ الدِّمَقْـسِ الْمُسَـيَّرِ
وَكانَ لِعامِرٍ فَرَسٌ مِنْ أَجْوَدِ الخُيُولِ اسْمُهُ المَزْنُوقُ وَفِيهِ يَقُولُ:
وَقَـدْ عَـلِمَ الْمَـزْنُــوقُ أَنِّي أَكُـرُّهُ عَـشِــيَّةَ فَـيْـفِ الرِّيحِ كَرَّ الْمُشَهَّرِ
إِذَا ازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ الرِّمَاحِ زَجَرْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ ارْجِعْ مُقْـبِـلاً غَيْرَ مُدْبِرِ
وَأَنْــبَـــأْتُهُ أَنَّ الْفِــرَارَ خَــزَايَــةٌ عَلَى الْمَرْءِ مَا لَمْ يُبْلِ عُذْراً فَيُعْذَرِ
وَقَدْ كانَ لِعامِرٍ مَكانَةٌ وَمَنْزِلَةٌ عاليةٌ وَطارَ ذِكْرُهُ بَيْنَ النّاسِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنبارِيّ فِي مُقَدِّمَةِ دِيوانِ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ أَنَّ قَيْصَرَ كانَ إِذا قَدِمَ عَلَيْهِ قادِمٌ مِنْ العَرَبِ قالَ: ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ؟ فَإِنْ ذَكَرَ نَسَباً عَظُمَ بِهِ عِنْدَهُ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ فَانْتَسَبَ لَهُ فَقالَ: أَنْتَ ابْنُ عَمِّ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ؟ غَضِبَ عَلْقَمَةُ وَقالَ: أَرانِي لا أَعْرِفُ إِلّا بِعامِرٍ.
وَرُبَّما كانَتْ هذِهِ الحادِثَةُ إِحْدَى الأَسْبابِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى حُدُوثِ المُنافَرَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلْقَمَة، وَهِيَ أَشْهَرُ مُنافِرَةٍ جَرَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَيُّ حَكَمٍ أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَهُما عَلَى الآخَرِ حَتَّى وَصَلا إِلَى هَرَمِ بْنِ قُطْبَة فَقالَ فِيهما: أَنْتُما كَرُكْبَتَيْ البَعِيرِ الأَدْرَمِ تَقَعانِ مَعاً، وَلَيْسَ فِيكُما أَحَدٌ إِلّا وَفِيهِ ما لَيْسَ فِي صاحِبِهِ، وَكِلاكُما سَيِّدٌ كَرِيمٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الأَصْفَهانِيُّ تَفْصِيلَ هٰذِهِ المُنافَرَةِ فِي كِتابِهِ (الأَغانِي). وَكانَ الأَعْشَى مَعَ عامِرٍ ضِدَّ عَلْقَمَة وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
عَلْقَمُ ما أَنْتَ إِلَى عامِرٍ الناقِضِ الأَوْتارِ وَالواتِرِ
إِنْ تَسُدْ الحُوْصَ فَلَمْ تَعْدُهُمْ وَعامِرٌ سادَ بَنِي عامِرِ
سادَ وَأَلْفَى رَهْطَهُ سادَةً وَكابِراً سادُوكَ عَن كابْرِ
وَعامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَإِنْ امْتازَ بِالشَّجاعَةِ وَالبَأْسِ فَإِنَّهُ اتَّصَفَ بِبَعْضِ الصِّفاتِ المَذْمُومَةِ الَّتِي نَفَّرَت مِنْهُ النّاسَ وخَلَقَتْ لَهُ أَعْداءَ كُثُر، فَقَدْ كانَ جافِيَ الطَّبْعِ مُتَكَبِّراً فاتِكاً بَخِيلاً، وَكانَ عَقِيماً، وَقَدْ كانَ لِعُقْمِهِ إِضافَةً إِلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ أَكْبَرُ الأَثَرِ فِي قَسْوَتِهِ وَعَنْجَهِيَّتِهِ وَكِبْرِيائِهِ، فَرُبَّما حاوَلَ تَعْوِيضَ ما فَقَدَهُ مِنْ خِلالِ إقْدامِهِ فِي المَعارِكِ وَشَجاعَتِهِ عِنْدَ اللِّقاءِ، حيثُ يَقُولُ:
فَبِـئْسَ الْفَتَـى إِنْ كُنْتَ أَعْوَرَ عَاقِراً جَبَـانـاً فَمَـا عُذْرِي لَدَى كُلِّ مُحْضَرِ
وَكانَ لِذٰلِكَ مُهابّاً مِنْ قِبَلِ النَّاسِ حَتَّى عندَ أَعْدائهِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهُ هَجا بَنِي ذُبْيانَ فَلَمّا بَلَغَ هذا الشِّعْرُ شُعَراءَ بَنِي ذُبْيانَ أَرَادوا هِجاءَهُ، وَائْتَمَرُوا لَهُ، فَقالَ لَهُمْ النّابِغَةُ: إِنَّ عامِراً لَهُ نَجْدَةٌ وَشِعْرٌ، وَلَسْنا بِقادِرِينَ عَلَى الانْتِصارِ مِنْهُ، وَلكِنْ دَعَونِي أُجِبْهُ، وَأُصَغِّرُ إِلَيْهِ نَفْسَهُ، وَأَفْضِّلُ إِلَيْهِ أَباهُ وَعَمَّهُ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُما وَأُعِيِّرُهُ بِالجَهْلِ فَقالَ:
فَـإِنْ يَـكُ عـامِــرٌ قَـدْ قـالَ جَهْـلاً فَــإِنَّ مَــظِنَّة الْجَهْــلِ الشَّبــابُ
فَــكُنْ كَــأَبِيكَ أَوْ كَــأَبــي بَـراء تُــوافِقْكَ الْحُــكُــومَــةُ وَالصَّوابُ
وَلا تَــذْهَبْ بِــحِلْمِكَ طــامِياتٌ مِــنَ الْخُــيَلاءِ لَيْــسَ لَهُـنَّ بـابُ
فَــإِنَّك سَــوْفَ تَــحْلُمُ أَو تَــنــاهَــى إِذا ما شِبْـتَ أَو خــابَ الْغُــرابُ
وَيَتَجَلَّى جَفاءُ طَبْعِ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَغُرُورِهِ فِي مَوْقِفِهِ مِنْ الإِسْلامِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَما ذَكَرَ التَبْرِيزِيُّ فِي شَرْحِ الحَماسَةِ- وَمَعَهُ أَرْبَدُ أَخُو لَبِيدٍ يُضْمِرانِ الشَرَّ وَالسُّوءَ فَأَلْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وِطاءً وَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، فَقالَ عَلَيَّ أَنَّ لِي الوَبَرَ وَلَكَ المَدَرَ وَتَجْعَلُ لِي نِصْفَ ثِمارِ المَدِينَةِ وَيَكُونُ لِي الأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ، فَأَبَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكانَ ذلِكَ مِنْ عامِرٍ مُخاتَلَةً لِأَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَدَ اتَّفَقا عَلَيْهِ فَخابَ مَسْعاهُما، وَخرَجَ عامِرٌ مُغْضَباً يَقُولُ وَاللهِ لَأَمْلِأْنَّها عَلَيْكَ خَيْلاً جُرْداً وَرِجالاً مُرداً وَلَأَرْبِطْنَّ بِكُلِّ نَخْلَةٍ فَرَساً، فَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُمَّ اكْفِنِي عامِراً واهِدِ بَنِي عامِرٍ قَوْمَهُ، فَسَأَلْتُ عائِشَةُ مِنْ هذا فَقالَ هذا عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَسْلَمَ فَأَسْلَمْتُ مَعَهُ بَنُو عامِرٍ لَزاحَمُوا قُرَيْشاً عَلَى مَنابِرِهِمْ، وَسارَ عامِرٌ يُرِيدُ قَوْمَهُ فَلَمّا كانَ فِي أَثْناءِ طَرِيقِهِ أَخَذَتْهُ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البكرِ فَحَبَسْتْهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ سَلُولٍ فَجَعَلَ يَثِبُ إِلَى السَّماءِ وَيَقُولُ يا مَوْتُ ابْرُزْ لِي أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَعِيرِ وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ وَماتَ مَكانَهُ. وَقَدْ شَكَّكَ المُسْتَشْرِقُ بروكلمان بِقِصَّةِ غَدْرَهِ بِالنَّبِيِّ وَأَشارَ إِلَى أَنَّها غَيْرُ صَحِيحَةٍ.
تُوُفِّيَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ حَوالَيْ سَنَةِ 11ه المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 632م، فِي طَرِيقِ رُجُوعِهِ إِلَى قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ وَفَدَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما ذُكر فِي قِصَّتِهِ السابِقَةِ الذِّكرِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ بِسَبَبِ طاعُونٍ أَصابَهُ فخَرَجَت عَلَى رُكْبَتِهِ غُدَّةٌ عَظِيمَةٌ فَنَزَلَ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، وَحِينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ قالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَعِيرِ وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَماتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي كِتابِ (الكامِلِ) أَنَّ حُبارَ بْنَ سَلْمَى وقفَ عَلَى قَبْرِ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، وَلَمْ يَكُنْ حَضَرَهُ، فَقالَ: أَنْعِمْ صَباحاً أَبا عَلَيٍّ، فَوَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ سَرِيعاً إِلَى المَوْلَى بِوَعْدِكَ، بَطِيئاً عَنْهُ بِإِيعادِكَ، وَلَقَدْ كُنْتَ أَهْدَى مِن النَّجْمِ، وَأَجْرَى مِن السَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقالَ: كانَ يَنْبَغِي أَنْ تَجْعَلُوا قَبْرَ أَبِي عَلِيٍّ مِيلاً فِي مِيْلٍ.
وَقَـدْ عَـلِمَ الْمَـزْنُــوقُ أَنِّي أَكُـرُّهُ عَـشِــيَّةَ فَـيْـفِ الرِّيحِ كَرَّ الْمُشَهَّرِ
إِذَا ازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ الرِّمَاحِ زَجَرْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ ارْجِعْ مُقْـبِـلاً غَيْرَ مُدْبِرِ
وَلَمْ تَرِدْ أَغْراضٌ أُخْرَى فِي شِعْرِهِ كَالمَدِيحِ وَالغَزْلِ وَالرِثاءِ.
فَبِـئْسَ الْفَتَـى إِنْ كُنْتُ أَعْوَرَ عَاقِراً جَبَـانـاً فَمَـا عُذْرِي لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ
(اِبْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(التَّبريزيّ/ شرح الحماسة)
(أبو بكرٍ الأنباريّ/ مقدّمة ديوان عامر بن الطفيل)
(خير الدِّين الزركليّ/ الأعلام).
(شوقِي ضِيف/ تاريخُ الأدبِ العربيِّ)
(مُطاع صفدِي وإيليا حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)