
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
الأَعْشَى الكَبِيرُ أَوْ أَعْشَى قَيْس هُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلَ، مِنْ قَبِيلَةِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِحْدَى قَبائِلِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَمِنْ شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الأُولَى، وَهو أَحَدُ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، اُشْتُهِرَ بِجَوْدَةِ قَصائِدِهِ الطِّوالِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ بَعْضُ النُقّادِ القُدامَى عَلَى الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ لِتَصَرُّفِهِ فِي المَدِيحِ وَالهِجاءِ وَسائِرِ فُنُونِ الشِّعْرِ، وَقَدْ تَنَقَّلَ الأَعْشَى فِي بِلادٍ كَثِيرَةٍ بَحْثاً عَنْ المالِ فَكانَ مِنْ أَوائِلِ مَنْ تَكْسَّبَ بِشِعْرِهِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَكانَتْ وَفاتُهُ سَنَةَ 7ه المُوافَقَة لِسَنَةِ 629م
هو جَرْوَلُ بنُ أَوْسٍ بنِ مَالكٍ بنِ جُؤَيَّةَ بنِ مَخْزُومٍ بنِ مَالكٍ بنِ غَالبٍ بنِ قُطَيعَةَ بنِ عَبسٍ بنِ بَغيضٍ بنِ رَيثٍ بنِ غَطفانَ بنِ سَعدٍ بنِ قَيسٍ بنِ عَيلانَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارٍ بنِ مَعَدّ بنِ عَدنانَ، وكُنيتُهُ أَبُو مُليكَةَ.
وَقَد اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَلْقِيبِهِ بِالحُطَيْئَةِ، فَوردَ أَنَّهُ لَقَّبَ بِذلِكَ لِقِصَرِهِ وَقُرْبِهِ مِن الأَرْضِ تَشْبِيهاً بِالقَمْلَةِ الصَّغِيرَةِ يُقالُ لَها حَطْأَة، وَقِيلَ: سُمِّيَ الحُطَيْئَةَ لِدَمامَتِهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كانَ مَحْطُوءَ الرِّجْلِ وَالرِّجلُ المَحْطُوءَةُ: الَّتِي لا أَخْمَصَ لَها، وَقالَ قَوْمٌ: بَلْ اشْتِقاقُ الحُطَيْئَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَطَأْتُهُ بِيَدِي أَحْطَؤُهُ حَطْئاً، إِذا ضَرَبْتَهُ بِيَدِكَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذلِكَ.
وأمّا نَسَبُ الحُطَيْئَةِ فَالمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ عَبْسٍ، لكِنَّ الحُطَيْئَةَ كانَ يَدَّعِي أَحْياناً نَسَباً غَيْرَهُ، فَقَدْ ذَكَرَ ابنُ دُرَيْدٍ فِي (الاشْتِقاقِ) أَنَّ الحُطَيْئَةَ كانَ يَدَّعِي إِذا غَضِبَ عَلَى بَنِي عَبْسٍ أَنَّهُ ابنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي الحارِثِ بنِ سَدُوسٍ، يَنْزِلُونَ القُرَيَّةَ بِاليَمامَةِ، أَتاهُمْ يَطْلُبُ مِيراثَهُ مِنْ أَبِيهِ فَمَنَعُوهُ، فَرَجَعَ إِلَى عَبْسٍ. وَأَشارَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلّامٍ في طبقاتِهِ أَنَّ الحُطَيْئَةَ كانَ يَنْتَمِي إِلَى بَنِي ذُهْلٍ بنِ ثَعْلَبَةَ فَقالَ:
إِنَّ اليَمامَةَ خَيْرُ ساكِنِها أَهْلُ القُرَيَّةِ مِنْ بَنِي ذُهْلِ
وَعَلَّقَ ابنُ سَلّامٍ عَلَى ذلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالقُرَيَّةُ مَنازِلُهُمْ وَلَمْ يَنْبُت الحُطَيْئَةُ فِي هؤُلاءِ.
وَقَدْ لاحَظَ كارْل بُروكلمان فِي (تارِيخِ الأَدَبِ العَرَبِيِّ) أَنَّ الحُطَيْئَةَ كانَ يَنْتَسِبُ حَسَبَ الحاجَةِ إِلَى قَبائِلَ مُخْتَلِفَةٍ أَثْناءَ تَجْوالِهِ.
وَتُشِيرُ بَعْضُ المَصادِرِ كَـ(الأَغانِي) إِلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ وُضُوحِ نَسَبِ الحُطَيْئَةِ أَنَّهُ كانَ -كَما ذَكَرَ ابنُ الكَلْبِيِّ- مَغْمُوزَ النَّسَبِ وَكانَ مِنْ أَوْلادِ الزِّنَا الَّذِينَ شَرُفُوا، وَيُذْكَرُ أَنَّ أَوْسَ بنَ مالِكٍ العَبْسِيَّ تَزَوَّجَ بِنْتَ رَباحٍ بنِ عَوْفٍ الشَّيْبانِيِّ وَكانَتْ لَها أَمَةٌ يُقالُ لَها: الضَّرّاءُ فَأَعْلقَها أَوْسٌ. وَكانَ لِبِنْتِ رَباحٍ أَخٌ يُقالُ لَهُ: الأَفْقَمُ فَلَمّا وَلَدَتْ الضَّرّاءُ جاءَتْ بِهِ شَبِيهاً بِالأَفْقَمِ. فَقالَتْ مَوْلاتُها: مِنْ أَيْنَ لَكَ هذا الصَّبِيُّ قالَتْ: مِنْ أَخِيكِ وَهابَتْ أَنْ تَقُولَ مِنْ زَوْجِكِ ثُمَّ ماتَ الأَفْقَمُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ مِنْ حُرَّةٍ، وَتَزَوَّجَ الضّراءَ رَجُلٌ مِنْ عَبْسٍ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَيْنِ فَكانا أَخَوَيْ الحُطَيْئَةِ مِن أُمِّهِ، وَأَعْتَقَتْ بِنْتُ رَباحٍ الحُطَيْئَةَ وَرَبَّتهُ فَكانَ كَأَنَّهُ أَحَدَهُمْ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ أُمُّهُ بِأَنَّهُ مِنْ أَوْسٍ.
وفي أبياتٍ للحُطيئَةِ يُشيرُ إِلى أَنَّهُ مَجهولُ النَّسَبِ لا يَعرِفُ أَباهُ، فقد سَألَ أُمَّهُ عَن أَبيهِ ونَسَبهِ فلم يَظفرْ مِنها بِجوابٍ، حَيثُ يَقولُ:
تَقُـولُ لِـيَ الضـَّرَّاءُ لَسـْتَ لِواحِـدٍ وَلا اثْنَيْنِ فَانْظُرْ كَيْفَ شِرْكُ أُولَئِكا
وَأَنْـتَ امْـرُؤٌ تَبْغِي أَباً قَدْ ضَلَلْتَهُ هَبِلْـتَ أَلَمَّـا تَسـْتَفِقْ مِـنْ ضـَلالِكا
أَمّا أُسْرَةُ الحُطَيْئَةِ فَقَدْ أُشِيرَ فِي أَخْبارِهِ أَنَّ زَوْجَتَهُ هِيَ أُمامَةٌ وَلَهُ ابْنَةٌ تُسَمَّى مُلَيكَةٌ وَبِها يُكَنَّى، وَوَرَدَ فِي طَبَقاتِ ابْنِ سَلامٍ أَنَّهُ خَرَجَ فِي أَحَدِ أَسْفارِهِ وَمَعَهُ امْرَأَتانِ أَوْ امْرَأَةٌ وَابْنانِ يُقالُ لِأَحَدِهِما سَوادَةٌ وَلِلآخَرِ إِياسٌ، وَبَناتٌ لَهُ. وَيَظهرُ أنّ الحُطيئةَ كانَ صاحِبَ ويدلّ على ذلك أبياتُهُ الَّتي اسْتَعْطَفَ فيها الخَلِيفَةَ عُمَرَ لإِطْلاقِ سَراحه مِنَ السِّجْنِ وفيها يقولُ:
مَــاذَا تَـقُــولُ لِأَفْراخٍ بِذِي مَرَخٍ زُغْـبِ الْحَواصِــلِ لا مـاءٌ وَلا شَجَرُ
الحُطَيْئَةُ مِنْ الشُّعَراءِ المُخْضَرَمِينَ؛ فَقَدْ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ عُمْراً وَكانَ راوِيَةً لِزُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ وَأَسْلَمَ، وَيَتَّضِحُ مِنْ أَخْبارِهِ أَنَّهُ عاشَ طُفُولَةً صَعْبَةً مُتَفَكِّكَةً فَقَدْ كانَ مَجْهُولُ النَّسَبِ لا يَعْرِفُ أَباهُ فِي رَأْيِ بَعْضِ الرُّواةِ، وَهُوَ ما جَعَلَهُ يَنْتَسِبُ إِلَى قَبائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَكانَتْ عَلاقَتُهُ بِأُمِّهِ سَيِّئَةً وَقَد هَجاها فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ شِعْرِهِ، مِنْ ذلِكَ أَنَّها تَزَوَّجَتْ بِالكَلْبِ بْنِ كُنَيْسٍ فَهَجاهُ وَهَجا أُمَّهُ فَقالَ:
وَلَقَـدْ رَأَيْتُكِ فِي النِّساءِ فَسُؤْتِنِي وَأَبـا بَنِيـكِ فَساءَنِي فِي الْمَجْلِسِ
وَقَدْ انْعَكَسَتْ هذِهِ النَّشْأَةُ عَلَى شَخْصِيَّةِ الحُطَيْئَةِ، فَقَدْ وُصِفَ الحُطَيْئَةَ بِأَنَّهُ كانَ سَفِيهاً شِرِّيراً جَشِعاً سَؤُولاً مُلْحِفاً دَنِيءَ النَّفْسِ كَثِيرَ الشَّرِّ بَخِيلاً قَبِيحَ المَنْظَرِ رَثُّ الهَيْئَةِ مَغْمُوزُ النَّسَبِ فاسِدُ الدِّين، وَكانَ شاعِراً هِجاءً هَجا أَباهُ وَأُمَّهُ وَنَفْسَهُ.
أَمّا أَخْبارُهُ فِي الجاهِلِيَّةِ فَأَشْهَرُها أَنَّهُ كانَ راوِيَةَ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَتَى كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَقالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ رِوايَتِي لَكُمْ وَانْقِطاعِي إِلَيْكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ الفُحُولُ غَيْرِي وَغَيْرُكَ فَلَوْ قُلْتُ شِعْراً تَبْدَأُ فِيهِ بِنَفْسِكَ ثُمَّ تُثَنِّي بِي فَإِنَّ النّاسَ لَأَشْعارِكُمْ أَرْوَى. فَقالَ كَعْبٌ:
فَمَـنْ لِلقَـوَافِي شَانَها مَنْ يَحُوكُها إِذَا مـا ثَـوَى كَعْـبٌ وَفَـوَّزَ جَـرْوَلُ
يَقُــولُ فَلَا يَعْيــا بِشـَيْءٍ يَقُـولُهُ وَمِـنْ قَائِلِيهـا مَـنْ يُسـِيءُ وَيَعْمَلُ
وَمِمّا وَرَدَ عَن الحُطَيْئَةِ فِي الجاهِلِيَّةِ أَيْضاً أَنَّهُ اشْتَرَكَ فِي بَعْضِ المُنافَراتِ فِي ذلِكَ الزَّمانِ، فقد كانَ مَعَ عَلْقَمَةَ بنِ عُلاثَةَ حِينَ نافَرَ عامِرَ بنَ الطُّفَيْلِ فَقالَ يُفَضِّلُ عَلْقَمَةَ:
يـا عـامِ قَـدْ كُنْتَ ذا باعٍ وَمَكْرُمَةٍ لَـوْ أَنَّ مَسـْعاةَ مَـنْ جـارَيْتَهُ أَمَـمُ
جـارَيْتَ قَرْمـاً أَجـادَ الْأَحْوَصـانِ بِهِ جَـزْلَ الْمَـواهِبِ فِـي عِرْنِينِـهِ شـَمَمُ
وَقَدْ أَدْرَكَ الحُطَيْئَةَ الإِسْلامَ وَأَسْلَمَ، لكِنْ لَمْ يَرِدْ فِي أَخْبارِهِ تارِيخُ إِسْلامِهِ، وَرَجَّحَ ابنُ قُتَيْبَةَ في (الشِّعر والشّعراء) أَنَّ الحُطَيْئَةَ لَمْ يُسْلِمْ إِلّا بَعْدَ وَفاةِ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيمَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ مِنْ وُفُودِ العَرَبِ. لكِنَّ الحُطَيْئَةَ وَإِنْ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ كانَ فاسِدَ الدِّينِ، رَقِيقَ الإِسْلامِ لَئِيمِ الطَّبْعِ كَما وَصَفَهُ ابنُ قُتَيْبَةَ، فَبَعْدَ وَفاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ مِمَّن ارْتَدَّوا عَن الإِسْلامِ وَقالَ فِي أَوَّلِ خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ حِينَ ارْتَدَّت العَرَبُ:
أَطَعْنـا رَسـُولَ اللـهِ إِذْ كانَ صادِقاً فَيـا عَجَبـاً مـا بـالُ دِينِ أَبِي بَكْرِ
لِيُورِثَهــا بَكْــراً إِذا مـاتَ بَعْـدَهُ فَتِلْـكَ وَبَيْـتِ اللـهِ قاصـِمَةُ الظَّهْـرِ
وَقَالَ ابْنُ حَجَر فِي الْإِصَابَة: كَانَ أسلَمَ فِي عَهدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثمَّ أُسِرَ وَعَاد إِلَى الْإِسْلَامِ.
وكانَ الحُطيئةُ فِي حَياتِهِ يَسلُكُ سَبيلَ التَّكسُّبِ مِن شِعرِهِ، وَكانَ لِشِعْرِهِ أَثَرٌ بالِغٌ، فَمِمّا يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ مَدَحَ بَنِي أَنْفِ النّاقَةِ وَكانُوا يَغْضَبُونَ مِن هذا اللَّقَبِ إِلَى أَنْ قالَ الحُطَيْئَةُ مادِحاً لَهُمْ:
قَـوْمٌ هُـمُ الْأَنْـفُ وَالْأَذْنـابُ غَيْرُهُـمُ وَمَـنْ يُسـَوِّي بِـأَنْفِ النَّاقَةِ الذَّنَبا
فصار ذلك مدحاً لهم، يفتخرون به.
وَكانَ الحُطَيْئَةُ جَشِعاً سَؤُولاً وَكانَ النّاسُ يَهابُونَهُ وَيَتَّقُونَ هِجاءَهُ بِإِعْطائِهِ مَهْما كانَتْ ظُرُوفُهُمْ، فَقَدْ ذَكَرَ ابنُ سَلّامٍ فِي طَبَقاتِهِ أَنَّ الحُطَيْئَةَ لَمّا قَدمَ المَدِينَةَ فِي سَنَةٍ مُجْدِبَةٍ مَشَى أَشْرافُ أَهْلِ المَدِينَةِ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ شَيْئاً مُعَدّاً يَجْمَعُونَهُ بَيْنَهُمْ لَهُ فَكانَ أَهْلُ البَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصارُ يَجْمَعُونَ لَهُ العَشَرَةَ وَالعِشْرِينَ وَالثَّلاثِينَ دِيناراً حَتَّى جَمَعُوا لَهُ أَرْبَعَمِئَةِ دِينارٍ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ أَغْنَوْهُ فَأَتَوْهُ فَقالُوا لَهُ هذِهِ صِلَةُ آلِ فُلانٍ وَهذِهِ صِلَةُ آلِ فُلانٍ فَأَخَذَها، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَفُّوهُ عَن المَسْأَلَةِ فَإِذا هُوَ يَوْمَ الجُمْعَةِ قَدْ اسْتَقْبَلَ الإِمامَ ماثِلاً يُنادِي بَعْدَ الصَّلاةِ فَقالَ مَنْ يَحْمِلُنِي عَلَى نَعْلَيْنِ وَقاهُ اللّٰهُ كَبَّةَ جَهَنَّمَ.
وَمِنْ أَشْهَرِ أَخْبارِ الحُطَيْئَةِ قِصَّتُهُ مَعَ الزِّبْرِقانِ بنِ بَدْرٍ، فَقَدْ هَجاهُ بِأَبْياتِ سَجْنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عَلَى إِثْرِها، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَلّامٍ فِي طَبَقاتِهِ أَنَّ سَبَبَ هِجائِهِ الزِّبْرِقانَ أَنَّهُ صادَفَهُ بِالمَدِينَةِ وَكانَ قَدمَها عَلَى عُمَرَ رِضَى اللّٰهُ عَنْهُ، فَقالَ الحُطَيْئَةُ وَدِدْتُ أَنَّى أَصَبْتُ رَجُلاً يَحْمِلُنِي وَأُصفيهِ مَدِيحِي وَأَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، قالَ الزِّبْرِقانُ قَدْ أَصَبْتَهُ تَقدَّم عَلَى أَهْلِي فَإِنِّي عَلَى إِثْرِكَ. وَأَرْسَلَ الزِّبْرِقانُ إِلَى امْرَأَتِهِ أَنْ أَكَرمِي مَثْواهُ، وَكانَتْ ابْنَتُهُ مُلَيكَةُ جَمِيلَةً فَكَرِهَتْ امْرَأَتُهُ مَكانَها فَظَهَرَتْ لَهُمْ مِنْها جَفْوَةٌ، فَاغْتَنَمَ بَغِيضٌ بنُ عامِرٍ وَأَخَواهُ عَلْقَمَةُ وَهَوْذَةُ ما فِيهِ الحُطَيْئَةُ مِن الجَفْوَةِ فَدَعُوهُ عِنْدَهُمْ وَأَكْرَمُوهُ، فَمَدَحَ بَني قُرَيْعٍ وَذَمَّ الزِّبْرِقانَ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الزِّبْرِقانُ عُمَرَ فَأَقدمَهُ عُمَرُ وَقالَ لِلزِّبْرِقانِ ما قالَ لَكَ فَقالَ قالَ لِي:
دَعِ الْمَكـارِمَ لا تَرْحَـلْ لِبُغْيَتِهـا وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكاسِي
فَقالَ عُمَرُ لِحِسّانَ ما تَقُولُ أَهْجاهُ؟ وَعُمَرُ يَعْلَمُ مِن ذلِكَ ما يَعْلَمُ حَسّانُ وَلكِنَّهُ أَرادَ الحُجَّةَ عَلَى الحُطَيْئَةِ، قالَ ذَرَقَ عَلَيْهِ، فَأَلْقاهُ عُمَرُ فِي حُفْرَةٍ اتَّخَذَها مَحْبَساً فَقالَ الحُطَيْئَةُ:
مَــاذَا تَـقُــولُ لِأَفْراخٍ بِذِي مَرَخٍ زُغْـبِ الْحَواصِــلِ لا مـاءٌ وَلا شَجَرُ
أَلْقَيْـتَ كاسِـبَهُـمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ فَاغْــِفِرْ عَلَيْكَ سَلامُ اللهِ يا عُمَرُ
أَنْـتَ الْأَمِينُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صاحِبِهِ أَلْقَتْ إِلَيْكَ مَقالِيدَ النُّهَى الْبَشَرُ
لَـمْ يُـؤْثِرُوكَ بِها إِذْ قَدَّمُوكَ لَها لَكِـنْ لِأَنْفُسـِهِمْ كـانَتْ بِـكَ الْخِيَرُ
وَذَكَرَ المُبَرِّدُ فِي (الكامِلِ) أَنَّ عُمْرَ رَقَّ لَهُ فَأَخْرَجَهُ، وَدَعا بِكُرْسِيٍّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَدَعا بِالحُطَيْئَةِ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَدَعا بِإِشْفى وَشَفْرَةٍ، يُوهِمُهُ أَنَّهُ عَلَى قطعِ لِسانِهِ، حَتَّى ضَجَّ مِنْ ذاكَ، فَكانَ فِيما قالَ لَهُ الحُطَيْئَةُ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنِّي وَاللّٰهِ قَدْ هَجَوْتُ أَبِي وَأُمِّي وَهَجَوْتُ امْرَأَتِي، وَهَجَوْتُ نَفْسِي. فَتَبَسَّمَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللّٰهُ.
وَقَدْ كانَ الحُطَيْئَةُ بَخِيلاً، وَيُرْوَى أَنَّ ضَيْفاً نَزَلَ بِالحُطَيْئَةِ، وَهُوَ يَرْعَى غَنَماً لَهُ، وَفِي يَدِهِ عَصا، فَقالَ الضَّيْفُ: يا راعِيَ الغَنَمِ ما عِنْدَكَ؟، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الحُطَيْئَةُ بِعَصاه، وَقالَ: عَجْراءُ مِن سلمِ (العَجراءِ: الَّتِي فِيها عُقَدٌ. وَالسّلمُ: شَجَرٌ مِن العُضاهِ)، فَقالَ الرَّجُلُ: إِنِّي ضَيْفٌ، فَقالَ الحُطَيْئَةُ: لِلضِّيْفانِ أَعْدَدْتُها.
وقالَ فِيهِ الرّاعِي النُّمَيرِيّ:
ألاَ قَبَحَ اللهُ الحُطَيْئَةَ إنَّهُ عَلَى كُلِّ ضَيْفٍ ضَافَهُ فَهْوَ سَالحُ
دَفَعْتُ إلَيْهِ وَهْوَ يَخْنُقُ كَلْبَهُ ألاَ كُلُّ كَلْبٍ لاَ أبَالَكَ نَابِحُ
بَكَيْتَ عَلَى زَادٍ خَبِيثٍ قَرَيْتَهُ كَمَا كُلُّ عَبْسِيٍ عَلى الزَّادِ نَائِحُ
لَمْ يَرِدْ تارِيخٌ مُحَدَّدٌ لِوَفاةِ الحُطَيْئَةِ في المصادرِ القديمةِ، لكِن يَتَبَيَّنُ مِن خِلالِ بَعْضِ أَخْبارِهِ أَنَّهُ ماتَ فِي بِدايَةِ العَصْرِ الأُمَوِيِّ، فَقَدْ وَفَدَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ العاصِ وَقَدْ كانَ والِياً عَلَى المَدِينَةِ فِي زَمَنِ مُعاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيانَ، لِذا وَرَدَ فِي كِتابِ (تارِيخِ الأدب العَرَبِ) لِبروكلمان أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 30ه/650م، وَأَمّا الزَّرْكَلِيُّ فِي (الأَعْلام) فَذَكَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 45هـ/665م.
وَمِمّا وَرَدَ عَنْ الحُطَيْئَةِ حِينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ -كَما فِي (الشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ)- أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَوْصِ يا أَبا مُلَيكَةَ، فَقالَ: مالِي لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدي دُونَ الإِناثِ، فَقالُوا: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَأْمُرْ بِهذا، فَقالَ: لكَنَّى آمُرُ بِهِ. ثُمَّ قالَ: وَيْلٌ لِلشِّعْرِ مِن الرُّواةِ السُّوءِ، وَقِيلَ لَهُ: أَوْصِ لِلمَساكِينَ بِشَيْءٍ، فَقالَ: أُوصِيهِم بِالمَسْأَلَةِ ما عاشُوا فَإِنَّها تِجارَةٌ لَنْ تَبُورَ. وَقِيلَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ يَساراً، فَقالَ: اشْهَدُوا أَنَّهُ ما بَقِيَ عَبْسِيٌ وَقِيلَ لَهُ: فُلانٌ اليَتِيمُ ما تُوصِي لَهُ بِشَيْءٍ؟ فَقالَ أَوْصِي بِأَنْ تَأْكُلُوا مالَهُ وَتَنيكُوا أُمَّهُ. قالُوا: فَلَيْسَ إِلّا هذا؟ قالَ: احْمِلُونِي عَلَى حِمارٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ عَلَيْهِ كَرِيمٌ، لَعَلِّي أنجُو، ثُمَّ تَمَثَّلَ:
لِكُلِّ جَدِيدٍ لَذَّةٌ غَيْرُ أَنَّنِي رَأَيتُ جَدِيدَ المَوْتِ غَيْرَ لَذِيذِ
لَهُ خَبْطَةٌ فِي الخَلْقِ لَيْسَتْ بِسُكَّرٍ وَلا طَعْمِ راحٍ يُشْتَهَى وَنَبِيذِ
وَماتَ مَكانَهُ. وَقَدْ وَرَدَ هذا الحِوارُ فِي مَصادِرَ أُخْرَى مَعَ بَعْضِ الاخْتِلافاتِ.
الحُطَيْئَةُ شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ مِنْ فُحُولِ الشُّعَراءِ، فَقَدْ وَضَعَهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثّانِيَةِ مِن فُحُولِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ مَعَ أَوْسِ بنِ حَجَرٍ وَبِشرِ بنِ أَبِي خازِمٍ وَكَعبِ بنِ زُهَيْرٍ، وَرَأَى أَنَّهُ مَتِينُ الشِّعرِ شُرُودُ القافِيَةِ.
كانَ الحُطَيْئَةُ راوِيَةَ زُهَيْرِ بنِ أبي سُلْمَى فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَتَى كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَقالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ رِوايَتِي لَكُمْ وَانْقِطاعِي إِلَيْكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ الفُحُولُ غَيْرِي وَغَيْرُكَ فَلَوْ قُلْتَ شِعْراً تَبْدَأُ فِيهِ بِنَفْسِكَ ثُمَّ تُثَنِّي بِي فَإِنَّ النّاسَ لَأَشْعارِكُمْ أَرْوَى. فَقالَ كَعْبٌ:
فَمَنْ لِلقَوافِي شانَها مَنْ يَحُوكُها إِذا ما ثَوَى كَعبٌ وَفَوزُ جَرْولٍ
نَقُولُ وَلا نَعْيا بِشَيْءٍ نَقُولُهُ وَمِنْ قائِلِيها مَنْ يُسِيءُ وَيَعْمَلُ
تَنَحَّي فَاقْعِدِي مِنِّي بَعِيداً أَراحَ اللّٰهُ مِنْكِ العالَمِينا
وَقالَ لِأَبِيهِ:
لِحاكَ اللّٰهُ ثُمَّ لِحاكَ حَقّاً أَباً وَلَحاكَ مِنْ عَمٍّ وَخالٍ
فَنِعْمَ الشَّيْخُ أَنْتَ لَدَى المَخازِي وَبِئْسَ الشَّيْخُ أَنْتَ لَدَى المَعالي
وَقالَ لِنَفْسِهِ:
أَبَتْ شَفَتايَ اليَوْمَ إِلّا تَكَلُّما بِسُوءٍ، فَما أَدْرِي لِمَنْ أَنا قائِلُه
أَرَى لِي وَجْهاً شَوَّهَ اللّٰهُ خَلْقَهُ فَقُبِّحَ مِن وَجْهٍ وَقُبِّحَ حامِلُه
كانَ الحُطَيْئَةُ مِنْ أَكْثَرِ النّاسِ تَكُسُّباً فِي الشِّعْرِ، قالَ عَنْهُ ابنُ رَشِيقٍ: إِنَّ الحُطَيْئَةَ أَكْثَرَ مِنْ السُّؤالِ بِالشِّعْرِ، وَانْحِطاطِ الهِمَّةِ فِيهِ وَالإِلْحافِ، حَتَّى مُقِتَ وَذَلَّ أَهْلُه. وَقالَ عنه أيضاً: فَأَمّا الحُطَيْئَةُ فَقَبَّحَ اللّٰهُ هِمَّتَهُ السّاقِطَةَ عَلَى جَلالَةِ شِعْرِهِ وَشَرَفِ بَيْتِهِ، وَقَدْ كانَتْ الشُّعَراءُ تَرَى الأَخْذَ مِمَّنْ دُونَ المُلُوكِ عاراً، فَضْلاً عَن العامَّةِ وَأَطْرافِ النّاسِ.
رَأَى ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ الحُطَيْئَةَ كانَ مِمَّنْ سَبَقَ إِلَى بَعْضِ المَعانِي فَأَخِذَت مِنْهُ، مِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ:
عَوازِبُ لَمْ تَسْمَعْ نُبُوحَ مُقامَةٍ وَلَمْ تَحْتَلِبْ إِلّا نَهاراً ضَجُورُها
أَخَذَهُ ابنُ مُقْبِلٍ فَقالَ:
عَوازِبُ لَمْ تَسْمَعْ نُبُوحَ مُقامَةٍ وَلَمْ تَرَ ناراً تِمَّ حَوْلٍ مُجَرَّمِ
وَرَدَ عَنْ الحُطَيْئَةِ أَنَّهُ سُئِلَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ عَنْ رَأْيِهِ فِي أَشْعُرِ النّاسِ، فَكانَ يَرَى نَفْسَهُ مِنَ المُتَقَدِّمِينَ عَلَى الشُّعَراءِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عَبْدَ الرَحْمنِ بنَ أَبي بَكْرَةَ قالَ لَهُ: يا أَبا مُلَيكَةً، أَيُّ النّاسِ أَشْعُرُ؟ فَأَخْرَجَ لِساناً دَقِيقاً كَأَنَّهُ لِسانُ حَيَّةٍ، فَقالَ: هذا إِذا طَمِعَ، وَوَرَدَ أَنَّهُ سُئِلَ فِي مَوْقِفٍ آخَرَ عَنْ أَشْعَرِ العَرَبِ فَوَضَعَ نَفْسَهُ بَعْدَ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى وَعَبيدِ بنِ الأَبْرَصِ. وَفِي مَوْقِفٍ آخَرَ قَدَّمَ أَبا دُؤادٍ ثُمَّ عَبِيداً ثُمَّ جَعَلَ نَفْسَهُ بَعْدَهُما.
يُعَدُّ الحُطَيْئَةَ مِنْ مَدْرَسَةِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى فِي التَّنْقِيحِ وَفِي التَّثْقِيفِ وَالتَّحْكِيكِ فِي الشِّعْرِ، قالَ ابنُ رَشِيقٍ: وَكانَ الحُطَيْئَةُ يَقُولُ: خَيْرُ الشِّعْرِ الحَوْلِيُّ المُحَكَّكُ، أَخَذَ فِي ذلِكَ بِمَذْهَبِ زُهَيْرٍ، وَأَوْسٍ، وَطُفِيلٍ.