
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
الأَعْشَى الكَبِيرُ أَوْ أَعْشَى قَيْس هُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلَ، مِنْ قَبِيلَةِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِحْدَى قَبائِلِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَمِنْ شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الأُولَى، وَهو أَحَدُ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، اُشْتُهِرَ بِجَوْدَةِ قَصائِدِهِ الطِّوالِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ بَعْضُ النُقّادِ القُدامَى عَلَى الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ لِتَصَرُّفِهِ فِي المَدِيحِ وَالهِجاءِ وَسائِرِ فُنُونِ الشِّعْرِ، وَقَدْ تَنَقَّلَ الأَعْشَى فِي بِلادٍ كَثِيرَةٍ بَحْثاً عَنْ المالِ فَكانَ مِنْ أَوائِلِ مَنْ تَكْسَّبَ بِشِعْرِهِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَكانَتْ وَفاتُهُ سَنَةَ 7ه المُوافَقَة لِسَنَةِ 629م
تَتَّفِقُ المَصادِرُ عَلَى أَنَّ اسْمَهُ هُوَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ نِ رَبِيعَةَ بْنِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعاوِيَةَ العامِرِيّ، مِنْ هَوازِنَ، وَيُكنَّى أَبا عَقِيلٍ. وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ إِحْدَى بُطُونِ قَبِيلَةِ هَوازِنَ، وَكانَتْ دِيارُ بَنِي عامِرٍ فِي نَجْدٍ وَشَرْقَ الحِجازِ، وَهِيَ مِنْ القَبائِلِ كَثِيرَةِ العَدَدِ حَيْثُ انْتَشَرَتْ فُرُوعُهُمْ فِي نَواحِي نَجْدِ وَإِقْلِيمِ البَحْرَيْنِ وَالعِراقِ وَعُمانَ وَالمَغْرِبِ وَالأَهْوازِ وَمِصْرَ وَغَيْرِها، وَقَدْ تَفَرَّعَتْ عَنْ هذِهِ القَبِيلَةِ فُرُوعٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهُمْ بَنُو كِلابٍ وَيَنْتَسِبُ إِلَيْهِمْ لَبِيدٌ، وَبَنُو كَعْبٍ، وَبَنُو نُمَيرٍ، وَبَنُو هِلالٍ، وَكانَتْ قَبِيلَةُ عامِرٍ مِنْ أَعْظَمِ القَبائِلِ عَدَداً وَعُرِفَتْ بِالبَأْسِ وَالشَّجاعَةِ فِي الجاهِلِيَّةِ، فكانُوا لا يَدِينُونَ لِلمَلِكِ إِذْ كانُوا يُغِيرُونَ عَلَى لَطائِمِ النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ وَيُغنَمُوها، وَقَدْ خاضُوا وَقائِعَ وَحُرُوباً عَدِيدَةً مَعَ القَبائِلِ الأُخْرَى فِي الجاهِلِيَّةِ، وَأَشْهَرُ أَيّامِهُمْ يَوْمُ النِّسارِ وَيَوْمُ الفَلَجِ الأَوَّلِ وَيَوْمُ النَّشّاشِ وَغَيْرُها.
وَقَدْ نَشَأَ لَبِيدٌ فِي أُسْرَةٍ ذاتِ مَكانَةٍ فِي قَبِيلَةِ بَنِي عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَعَمَّهُ عامِرُ بْنُ مالِكٍ هُوَ مُلاعِبُ الأَسِنَّةِ، سُمِّيَ بِذلِكَ لِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ حجرٍ فِيهِ:
فَلاعَبَ أَطْرَافَ الأَسنَّة عَامِرٌ فَراحَ لهُ حَظُّ الكَتيبةِ أَجْمعُ
أَمّا أَبُوهُ رَبِيعَةُ فَكانَ جَواداً كَرِيماً وَسُمِّيَ بِرَبِيعِ المُقْتِرِينَ وقَدْ ماتَ فِي أَحَدِ حُرُوبِ قَبِيلَتِهِ مَعَ بَنِي أَسَدٍ، أَمّا أُمُّهُ فَهِيَ مِنْ قَبِيلَةِ عَبْسٍ وَاسْمُها تامِرَةُ بِنْتُ زِنْباعٍ العَبْسِيَّةُ نَشَأَتْ يَتِيمَةً فِي حِجْرِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيادٍ، وَتَزَوَّجَتْ أَوَّلاً قَيْسَ بْنَ جُزْءِ بْنِ خالِدِ بْنِ جَعْفَرَ فَوُلَدَتْ لَهُ أَرْبَدَ، فَأَرْبَدَ هُوَ أَخُوهُ مِنْ أُمِّهِ وَكانَ أربدُ قَدْ وَفَدَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَفِي نِيَّتِهِما الغَدْرُ بِالنَبِيِّ فَدَعا عَلَيْهِما فَماتَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ بِالطّاعُونِ وَماتَ أَرْبَدُ بِالصّاعِقَةِ، وَقَدْ رَثاهُ لَبِيد فِي قَصائِدَ عَدِيدَةٍ مِنْ ذلِكَ قَوْلَهُ:
أَخْشَـى عَلى أَرْبَدَ الحُتُوفَ وَلا أَرْهَـبُ نَـوْءَ السِّمـاكِ وَالْأَسَـدِ
فَجَّعـَنِي الرَّعْدُ وَالصَّواعِقُ بِالْ فـارِسِ يَـوْمَ الْكَرِيـهَـةِ النَّجُدِ
الْحارِبِ الْجابِـرِ الْحَرِيبَ إِذا جـاءَ نَكِـيـبـاً وَإِنْ يَعُـدْ يَعُـدِ
ولِلبيدٍ ابنتانِ اثنتانِ وليْسَ لهُ أَبناءٌ، ذَكرهُما عِندما حَضرتْهُ الوَفاةُ بِقولِهِ:
تَمَــنَّــى ابْنَــتــايَ أَنْ يَعِــيــشَ أَبُوهُــمــا وَهَــلْ أَنــا إِلَّا مِـنْ رَبـيـــعَـــةَ أَو مُـضَـــرْ
وَنـائِحَـــتـــانِ تَـنْــدُبــانِ بِعــاقِــلٍ أَخــا ثِــقَــــةٍ لا عَــيْـــنَ مِـنْــهُ وَلا أَثَرْ
وَإِحْدَى ابْنَتَيْهِ شاعِرَةٌ فقد وردَ أَنَّهُ جَعَلَها تُجيبُ الوَلِيدِ والِي الكُوفَةِ حِينَ أعانَهُ عَلَى إِطْعامِ المَساكِينِ حِينَ هَبَّتْ الصَّبا وَقَدْ كانَ لبيدُ قَدْ ألْزَمَ نَفْسَهُ بِذلِكَ مُنْذُ الجاهِلِيَّةِ، وفي ذلك تقولُ ابْنَتُهُ:
إِذا هَبَّتْ رِياحُ أَبِي عَـقِـيلٍ دَعُونا عِنْدَ هَبَّتِهـا الـوَلِـيدا
عاشَ لَبِيدٌ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ رَبِيعَةُ فِي حَرْبٍ لَبَنِي عامِرٍ مَعَ بَنِي أَسَدٍ، وَيُقالُ قَتَلَهُ مُنْقِذُ بْنُ طَرِيفٍ الأَسَدِيّ وَقِيلَ غَيْرُهُ، وَأَدْرَكَ ثَأْرَهُ أَخُوهُ عامِرُ بْنُ مالِكٍ الَّذِي كانَ يُلَقَّبُ بِمُلاعِبِ الأَسِنَّةِ، وَقَدْ ظَلَّتْ ذِكْرَى هذا الأبِ حاضِرَةً فِي وِجْدانٍ لَبِيدٍ، وَكانَ أَبُوهُ يُعْرَفُ بِرَبِيعِ المُقْتَرِينَ لِسَخائِهِ وَكَرَمِهِ وَفِي ذلِكَ يَقُولُ لَبِيدٌ:
وَلا مِنْ رَبِيعِ المُقْتِرِينَ رُزِئْتُهُ بِذِي عَلَقٍ فاقْنَي حَياءَكِ وَاصْبِرِي
وَقالَ عن كرمِهِ وَجودِهِ:
وَأَبِي الَّذِي كانَ الأَرامِلُ فِي الشِّتاءِ لَهُ قَطِينا
وَقَدْ تَكَفَّلَ أَعْمامُ لَبِيدٍ بِتَرْبِيَتِهِ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهِ، وَأَحْسَنُوا إِلَيْهِ وأكرموهُ، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ لَبِيدٌ:
لَعِبْتُ عَلَى أَكْتافِهِمْ وَحُجُورِهِمْ وَلِيداً وَسَمُّونِي لَبِيداً وَعاصِماً
وَقَدْ ظَهرتْ عَلَى لَبِيدٍ عَلاماتُ الذَّكاءِ وَالشَّجاعَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنَبَّهَ إِلَى مَوْهِبَةِ لَبِيدٍ هُوَ النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ، وَقِصَّةُ ذلكَ كَما وَرَدَتْ في عَدَدٍ مِنَ المَصادِرِ كَـ(الشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ) و (الأَغانِي) أَنَّ النّابِغَةَ الذُّبْيانِيَّ نَظَرَ إِلَى لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ، مَعَ أَعْمامِهِ عَلَى بابِ النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَنُسِبَ لَهُ، فَقالَ لَهُ: يا غُلامُ، إِنَّ عَيْنَيْكَ لَعَيْنا شاعِرٍ، أَفَتَقْرِضُ مِنْ الشِّعْرِ شَيْئاً؟ قالَ: نَعَمْ يا عَمُّ. قالَ: فَأَنْشِدْنِي شَيْئاً مِمّا قُلْتَهُ. فَأَنْشَدَهُ قَوْلَهُ:
أَلَمْ تَرْبَعْ عَلَى الدِّمَنِ الخَوالِي
فَقالَ لَهُ: يا غُلامُ، أَنْتَ أَشْعَرُ بَنِي عامِرٍ، زِدْنِي يا بُنَيَّ. فَأَنْشَدَهُ:
طَلَلٌ لِخَوْلَةَ بِالرَّسِيسِ قَدِيمُ
فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى جَنْبَيْهِ وَقالَ: اذهبْ فَأَنْتَ أَشْعَرُ مِنْ قَيْسٍ كُلِّها، أَوْ قالَ: هُوزانِ كُلِّها.
وَمِنْ الحَوادِثِ فِي حَياةِ لَبِيدٍ الَّتِي أَظْهَرَتْ شَجاعَتَهُ وَذَكاءَهُ وَمَوْهِبَتَهُ، أَنَّهُ وَفَدَ فِي طُفُولَتِهِ -كما ذكر الأصفهانيّ- مَعَ أَعْمامِهِ وَأَقارِبِهِ عَلَى النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ مَلِكِ الحِيْرَةِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُ الرَّبِيعَ بْنَ زِيادٍ العَبْسِيّ وَهُوَ مَنْ كَفِلَ أُمَّ لَبِيدٍ بَعْدَ تَيتُّمِها وَكانَ الرَّبِيعُ نَدِيماً لِلنُّعْمانِ وَمُقَرِّباً لَدَيْهِ، وَكانَ عَلَى عَداوَةٍ مَعَ رَهْطِ لَبِيدٍ، فَلَمّا قَدمُوا عَلَى النُّعْمانِ كانُوا يَحْضُرُونَ لِحاجَتِهِمْ، فَإِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ خَلا بِهِ الرَّبِيعُ فَطَعَنَ فِيهِمْ وَذَكَرَ مَعايِبَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ بِالنُّعْمانِ حَتَّى صَدَّهُ عَنْهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ يَوْماً فَرَأَوْا مِنْهُ جَفاءً، وَقَدْ كانَ يُكْرِمُهُمْ وَيُقَرِّبُهُمْ، فَخَرَجُوا غِضاباً وَلَبِيدٌ مُتَخَلِّفٌ فِي رِحالِهِمْ يَحْفَظُ مَتاعَهُمْ، فَأَتاهُمْ ذاتَ لَيْلَةٍ وَهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أَمْرَ الرَّبِيعِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَكَتَمُوهُ، فَقالَ: وَاللهِ لا حَفِظْتُ لَكُمْ مَتاعاً، وَلا سَرَحْتُ لَكُمْ بَعِيراً أَوْ تُخْبِرُونِي فِيمَ أَنْتُمْ؟ وَكانَتْ أُمُّ لَبِيدٍ يَتِيمَةً فِي حِجْرِ الرَّبِيعِ، فَقالُوا: خالُكَ قَدْ غَلَبْنا عَلَى المَلِكِ وَصَدَّ عَنّا وَجْهَهُ. فَقالَ لَبِيدٌ: هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَزْجُرَهُ عَنْكُمْ بِقَوْلٍ مُمِضٍّ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ النُّعْمانُ أَبَداً؟ فَقالُوا: وَهَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قالَ: نَعَمْ.
قالُوا: فَإِنّا نُبْلُوكَ، قالَ: وَما ذاكَ؟ قالُوا: تَشْتُمُ هذِهِ البَقْلَةَ - وَقُدّامُهُمْ بِقِلَّةٌ دَقِيقَةُ القُضْبانِ، قَلِيلَةُ الوَرَقِ، لاصِقَةٌ بِالأَرْضِ، تُدْعَى التُرْبَةُ - فَقالَ: هذِهِ التُّرْبَةُ الَّتِي لا تُذْكِي ناراً وَلا تُؤَهِّلُ داراً، وَلا تَسُرُّ جاراً، عُودُها ضَئِيلٌ، وَفَرْعُها كَلِيْلٍ، وَخَيْرُها قَلِيلٌ، أَقْبَحَ البُقُولِ مَرْعىً، وَأَقْصَرُها فَرْعاً، وَأَشُدُّها شاسِعٌ، وَآكِلُها جائِعٌ، وَالمُقِيمُ عَلَيْها قانِعٌ، فَالْقُوْا بِي أَخا عَبَسٍ، أَرُدُّهُ عَنْكُمْ بِتَعْسٍ، وَأَتْرُكُهُ مِنْ أَمْرِهِ فِي لَبْسٍ، فَاخْذُوهُ مَعَهُمْ وَأَدْخَلُوهُ عَلَى النُّعْمانِ، فَوَجَدُوهُ يَتَغَدَّى وَمَعَهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الغَداءِ أَذِنَ لِلجَعْفَرِيِّينَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَذَكَرُوا الَّذِي قَدَّمُوا لَهُ مِنْ حاجَتِهِمْ، فَاعْتَرَضَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ فِي كَلامِهِمْ، فَقالَ لَبِيدٌ فِي ذلِكَ:
أفِي كُلِّ يَوْمٍ هامَتِي مُقَزَّعَةْ
يا رُبَّ هيجا هيَ خَيرٌ مِن دَعَهْ
نَحْنُ بَنُو أُمِّ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةْ
وَنَحْنُ خَيْرُ عامِرِ بنِ صَعْصَعَةْ
الْمُطْعِمُونَ الْجَفْنَةَ الْمُدَعْدَعَةْ
وَالضَّارِبُونَ الْهامَ تَحْتَ الْخَيْضَعَةْ
مَهْلاً أَبَيْتَ اللَّعْنَ لا تَأْكُلْ مَعَهْ
إِنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَةْ
وَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِيها إِصْبَعَهْ
يُدْخِلُها حَتَّى يُوارِي أَشْجَعَهْ
كَأَنَّما يَطْلُبُ شَيْئاً ضَيَّعَهْ
فَرَفَعَ النُّعْمانُ يَدَهُ مِنْ الطَّعامِ وَقالَ: خَبَّثْتَ وَاللهِ عَلَيَّ طَعامِي يا غُلامُ، وَما رَأَيْتُ كَاليَوْمِ. فَقالَ الرّبيعُ: كَذَبَ وَاللهِ اِبْنُ الفاعِلَةِ، وَلَقَدْ فَعَلْتُ بِأُمِّهِ كَذا. فَقالَ لَهُ لَبِيدٌ: مِثْلُكَ فَعَلُ ذلِكَ بِرَبِيبَةِ أَهْلِهِ وَالقَرِيبَةِ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنَّ أُمِّي مِنْ نِساءٍ لَمْ يَكُنَّ فَواعِلَ ما ذَكَرْتَ. وَقَضَى النُّعْمانُ حَوائِجَ الجَعْفَرِيِّينَ، وَمَضَى مِنْ وَقْتِهِ وَصَرَفَهُمْ، وَمَضَى الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ إِلَى مَنْزِلِهِ مِنْ وَقْتِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ النُّعْمانُ بِضِعْفِ ما كانَ يَحْبُوهُ، وَأَمَرَهُ بِالاِنْصِرافِ إِلَى أَهْلِهِ.
لَقَدْ تَمَيَّزَ لَبِيْدٌ بالفروسيّةِ والكرمِ والشَّجاعةِ، فقد كانَ -كَما ذَكَرَ اِبْنُ قُتَيْبَةَ- مِنْ ضِمْنِ مَنْ أَرْسَلَهُمْ الحارِثُ بْنُ أَبِي شَمَرٍ الغَسّانِي وَهُمْ مِئَةُ فارِسٍ وَجَّهَهُمْ إِلَى المُنْذِرِ بْنِ ماءِ السَّماءِ لِقَتْلِهِ، فَلَمّا صارُوا إِلَى مُعَسْكَرِ المُنْذِرِ، أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ أَتَوْهُ داخِلِينَ فِي طاعَتِهِ، فَلَمّا تَمَكَّنُوا مِنْهُ قَتَلُوهُ، فَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَنَجا لَبِيد، حَتَّى أَتَى مَلِكَ غَسّان فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَحَمَلَ الغَسّانِيُّونَ عَلَى عَسْكَرِ المُنْذِرِ فَهَزَّمُوهُمْ، وَهُوَ ما يُعرف بيَوْمِ حَلِيمَةَ.
أَمّا كَرَمُهُ وَسَخاؤُهُ فَمِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَبِيداً كانَ قَدْ آلَى فِي الجاهِلِيَّةِ أَنْ لا تَهُبَّ صَبا إِلّا أَطْعَمَ، وَبَعْدَ إسْلامِهِ كانَ لَهُ جَفْنَتانِ يَغْدُو بِهِما وَيَرُوحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ فَيُطْعِمهُمْ، فَهَبَّتْ الصَّبا يَوْماً وَالوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ عَلَى الكُوفَةِ، فَصَعَدَ الوَلِيدُ المِنْبَرَ فَخَطَبَ النّاسَ ثُمَّ قالَ: إِنَّ أَخاكُمْ لَبِيْدَ بْنَ رَبِيعَةَ قَدْ نَذَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ أَلّا تَهُبَّ صَباً إِلّا أَطْعَمَ، وَهذا يَوْمٌ مِنْ أَيّامِهِ، وَقَدْ هَبَّتْ صَبا فَأَعِينُوهُ، وَأَنا أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ، ثُمَّ نَزَلَ عَن المِنْبَرِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِمِائَةِ ناقة، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِأَبْياتٍ قالَها:
أَرَى الجَزّارَ يَشْحَذُ شَفْرَتَـيْهِ إِذا هَبَّتْ رِياحُ أَبِي عَقِـيلِ
أَشُمُّ الأَنْفِ أَصِيدُ عـامِـرِيٍّ طَوِيلُ الباعِ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ
وَفَى ابْنُ الجَعْفَرِيِّ بِما نواهُ عَلَى العِلّاتِ وَالمالِ القَلِـيلِ
بِنَحْرِ الكُومِ إِذْ سَحَبَتْ عَلَـيْهِ ذُيُولُ صَباً تَجاوَبُ بِالأَصِيلِ
فَلَمّا بَلَغَتْ أَبْياتُهُ لَبِيداً قالَ لِابْنَتِهِ: أَجِيبِيهِ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ عِشْتُ بُرْهَةً وَما أَعْيا بِجَوابِ شاعِرٍ. فَقالَتْ ابْنَتُهُ:
إِذا هَبَّتْ رِياحُ أَبِي عَـقِـيل دَعَونا عِنْدَ هِبَّتِهـا الـوَلِـيدا
أَشُمُّ الأَنْفِ أَرْوَعُ عَبْشَـمْـيّاً أَعانَ عَلَى مُرُوءَتِهِ لِـبِـيدا
بِأَمْثالِ الهِضابِ كَأَنَّ رَكْـبـاً عَلَيْها مِنْ بَنِي حامٍّ قُـعُـودا
أَبا وَهَبٍ جَزاكَ اللّـهُ خَـيْراً نَحَرْناها فَأَطْعَمْنا الـثَّـرِيدا
فَعُدْ إِنَّ الكَرِيمَ لَـهُ مَـعـادٌ وَظَنِّي يا ابْنَ أَرْوَى أَنْ تَعُودا
وَيُعْتَبَرُ التَحَوُّلُ المِحْوَرِيُّ فِي حَياةِ لَبِيدٍ هُوَ دُخُولُهُ فِي الإِسْلامِ، فَقَدْ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدٍ بَنِي كِلابٍ، فَأَسْلَمُوا وَرَجَعُوا إِلَى بِلادِهِمْ، وَقِيلَ إِنَّ لَبِيدَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ كانا مِنْ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَبَعْدَ إِسْلامِهِ سَكَنَ لَبِيدٌ الكُوفَةَ حَتَّى وَفاتِهِ، وَقَدْ تَرَكَ الإِسْلامُ تَأْثِيراً بالِغاً عَلَى لَبِيدٍ، فَقَدْ انْقَطَعَ عَنْ قَوْلِ الشِّعْرِ، وَتَذْكُرُ الرِّواياتُ -كَما أَوْرَدَ ابْنُ قُتَيْبَةَ- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ لَهُ: أَنْشِدَنِي مِنْ شِعْرِكَ، فَقَرَأَ سُورَةَ البَقَرَةِ، وَقالَ: ما كُنْتُ لِأَقُولَ شِعْراً بَعْدَ إِذْ عَلَّمَنِي اللهُ سُورَةَ البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرانَ، فَزادَ عُمَرُ فِي عَطائِهِ خَمْسَمِئَةِ دِرْهَمٍ وَكانَ أَلْفَيْنِ، فَلَمّا كانَ فِي زَمَنٍ مُعاوِيَةَ قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ: هذانِ الفُودانُ فَما بالُ العَلاوَةِ؟ يَعْنِي بِالفُودِينِ الأَلْفَيْنِ، وَبِالعَلاوَةِ الخَمْسَمِئَةِ، وَأَرادَ أَنْ يَحُطَّهُ إِيّاها، فَقالَ: أَمُوتُ الآنَ وَتَبْقَى لَكَ العَلاوَةُ وَالفُودانُ، فَرَقَّ لَهُ مُعاوِيَةُ وَتَرَكَ عَطاءَهُ عَلَى حالِهِ، فَماتَ بَعْدَ ذلِكَ بِيَسِيرٍ.
كانَ لَبِيدٌ مِنْ المُعَمَّرِينَ فَقَدْ عاشَ مِئَةً وَسَبْعاً وَخَمْسِينَ سَنَةً كَما ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، أَوْ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعُينَ كَما وَرَدَ فِي كِتابِ الأَغانِي، وَاخْتُلِفَ فِي زَمَنِ وَفاتِهِ فَقِيلَ فِي خِلافَةِ عُثْمانَ رضي الله عنهُ وَكانَ الوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ والِياً عَلَى الكُوفَةِ آنذاك، وَقِيلَ بَلْ فِي السَّنَةِ الَّتِي دَخَلَ فِيها مُعاوِيَةُ الكُوفَةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ أَوْ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ المُوافِقَةَ لِسَنَةِ 661م، وَقَدْ دُفِنَ فِي صَحْراءِ بَنِي جَعْفَر بْنِ كِلابٍ رَهْطِهِ، وَقالَ لِابْنَتَيْهِ حِينَ احْتُضِرَ:
تَمَــنَّــى ابْنَــتــايَ أَنْ يَعِــيــشَ أَبُوهُــمــا وَهَــلْ أَنــا إِلَّا مِـنْ رَبـيـــعَـــةَ أَو مُـضَـــرْ
وَنـائِحَـــتـــانِ تَـنْــدُبــانِ بِعــاقِــلٍ أَخــا ثِــقَــــةٍ لا عَــيْـــنَ مِـنْــهُ وَلا أَثَرْ
وَفـي ابْـنَـــي نِـزارٍ أُسْـوَةٌ إِنْ جَـزِعْـــتُـــمــا وَإِنْ تَـسْـــأَلاهُـــمْ تُخْــبَــرا فِيــهِـمُ الْخَبَـرْ
وَفِــيــــمَــــنْ سِـواهُـــمْ مِنْ مُلوكٍ وَسُوقَــةٍ دَعــائِمُ عَــرْشٍ خـانَهُ الدَّهْـرُ فَـانْـــقَـــعَـــرْ
فَــإِنْ حــانَ يَــوْمـــاً أَنْ يَــمـــوتَ أَبــوكُــما فَـلا تَـخْـــمِــشــا وَجْهـاً وَلا تَحْــلِقـا شَعَـرْ
وَقُــــولا هُـــوَ الْمَـــرءُ الَّذي لا خَــلِيــــلَهُ أَضـــاعَ وَلا خـــانَ الصَّـــدِيـــــقَ وَلا غَــدَرْ
إِلَى الْحَــوْلِ ثُــمَّ اسْــمُ السَّلامِ عَـلَيْــكُــمــا وَمَـنْ يَـبْـــكِ حَـوْلاً كـامِـــلاً فَـقَـــدِ اعْتَـذَرْ
لِلبِيدِ مَكانَةٌ بارِزَةٌ بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَقَدْ ظَهَرَتْ مَوْهِبَتُهُ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفارِهِ، وَيُذْكَرُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ لاحَظَ قُدْرَتَهُ وَمَكانَتَهُ الشِّعْرِيَّةَ هُوَ النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ عِنْدَما سَمِعَهُ كَما تَذَكَّرَ بَعْضُ الرِّواياتِ أنَّهُ أَشْعَرَ العَرَبَ.
وَضَعَ لَبِيدٌ نَفْسَهُ فِي المَنْزِلَةِ الثّالِثَةِ بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهليين، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَماعَةً فِي الكُوفَةِ رَأَوْهُ ذاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى مِحْجَنٍ لَهُ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ رَسُولاً يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْعَرِ العَرَبِ فَقالَ: المَلِكُ الضِّلِّيلُ ذُو القُرُوحِ، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُمْ فَقالُوا: هذا امْرُؤُ القَيْسِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ: ثُمَّ مَنْ؟ فَقالَ لَهُ: الغُلامُ المَقْتُولُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُمْ فَقالُوا: هذا طَرَفَةُ. ثُمَّ رَجَعَ فَسَأَلَهُ ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ صاحِبُ المِحْجَنِ، يَعْنِي نَفْسَهُ.
كانَ القُدَماءُ يَسْتَجِيدُونَ شِعْرَ لَبِيدٍ لِما فِيهِ مِنْ الحِكْمَةِ وَالمَعانِي الصَّادِقَةِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها كانَتْ تَرْوِي جَمِيعَ شِعْرِ لَبِيدٍ وَكانَتْ تَسْتَجِيدُ قَوْلَهُ:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعاشُ فِي أكْنافِهِمْ وَبَقِيْتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ
ثُمَّ تَقُولُ: رَحِمَ اللهُ لَبِيداً كَيْفَ لَوْ أدْرَكَ مَنْ نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرانِيْهِمْ. وَمِنْ ذلِكَ أَنَّ الفَرَزْدَقَ مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي أُقَيْصِر، وَعَلَيْهِ رَجُلٌ يُنْشِدُ قَوْلَ لَبِيدٍ:
وَجَلا السُيُولُ عَنْ الطُّلُولِ كَأَنَّها زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَها أَقْـلامُـهـا
فَسَجَدَ الفَرَزْدَقُ فَقِيلَ لَهُ: ما هذا يا أَبا فِراس؟ فَقالَ: أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ سَجْدَةَ القُرْآنِ، وَأَنا أَعْرِفُ سَجْدَةَ الشِّعْرِ.
عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ فِي طَبَقاتِهِ مَعَ النّابِغَةِ الجَعْدِيِّ وَأَبُو ذُؤْيَب الهُذَلِيِّ، وَالشَّمّاخِ بْنِ ضِرارٍ. وَذَكَرَ ابْنُ سَلّامٍ أَنَّ لَبِيداً كانَ فارِساً شاعِراً شُجاعاً وَكانَ عَذْبَ المَنْطِقِ، رَقِيقَ حَواشِي الكَلامِ.
اخْتَلَفَ النُقّادُ وَالرُّواةُ القُدَماءُ فِي تَقْيِيمِ شِعْرِ لَبِيدٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ مُقَصِّراً عَنْ غَيْرِهِ فَالأَصْمَعِيُّ لَمْ يُعِدَّهُ مِنْ الفُحُولِ وَأَلْمَحَ إِلَى أَنَّ شِعْرَهُ يَخْلُو مِنْ الرَّوْنَقِ. وَقالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ العَلاءِ: "ما أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ شِعْراً مِنْ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لَذِكَرَهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِإِسْلامِهِ، وَلِذِكْرِهِ الدِّينَ وَالخَيْرَ، وَلكِنَّ شِعْرَهُ رَحَى بَزْرٍ". أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ وَراءَهُ كَبِيرُ شَيْءٍ.
عَدَّهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنْ الشُّعَراءِ السّابِقِينَ لِلمَعانِي، وَمِمّا سَبَقَ إِلَيْهِ فَأُخِذَ مِنْهُ قَوْلَهُ:
كَعَقْرِ الهاجِرِيِّ إِذا ابْتَناهُ بِأَشْباهِ حُذِيْنَ عَلَى مِثالِ
أَخَذَهُ الطِّرْمَّاحُ فَقالَ:
حَرَجاً كَمِجْدَلِ هاجِرِيٍّ لَزَّهُ بِذَواتِ طَبْخِ أَطِيمَةٍ لا تَخْمُدُ
عُمِلتْ عَلَى مِثلٍ فَهُنَّ تَوائِمٌ شَتَّى يُلائِمُ بَيْنَهُنَّ القَرْمَدُ
وَلَبِيدٌ أَوَّلُ مَنْ شَبَّهَ الأَبارِيقَ بِالبَطِّ، فَأُخِذَ ذلِكَ مِنْهُ، قالَ يَذْكُرُ الخَمْرَ:
تَضَمَّنُ بِيْضاً كَالإِوَزِّ ظُرُوفُها إِذا أَتْأَقُوا أَعْناقَها وَالحَواصِلا
فَأَخَذَهُ بَعْضُ الضَّبِيِّينَ فَقالَ:
وَيَوْمٌ كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّرَ طُولُهُ دَمُ الزِّقِّ عَنّا وَاصْطِفاقُ المُزاهَرِ
كَأَنَّ أَبارِيقَ الشُّمُولِ عَشِيَّةً إِوَزٌّ بِأَعْلَى الطَّفِّ عُوَجُ المَناقِرِ
الحَمْدُ للّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي حَتَّى كَسانِي مِن الإِسْلامِ سِرْبالا
وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُ:
ما عاتَبَ المَرْءَ الكَرِيمَ كَنَفْسِهِ وَالمَرْءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصّالِحُ
وَالسَبَبُ فِي تَرْكِهِ الشِّعْرُ كَما تُجْمِعُ المَصادِرُ هُوَ تَأْثِيرُ القُرْآنِ الكَرِيمِ عَلَيْهِ، حَيْثُ وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَنْشَدَهُ ما قالَهُ بَعْدَ الإِسْلامِ فَقَرَأَ سُورَةَ البَقَرَةِ، وَقالَ: ما كُنْتُ لِأَقُولَ شِعْراً بَعْدَ إِذْ عَلَّمَنِي اللهُ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرانَ.
يَرَى بروكلمان أَنَّ شِعَرَ لَبِيد مِنْ أَجْوَدِ أَشْعارِ البَداوَةِ، فَهُوَ قَدِيرٌ عَلَى صِياغَةِ مَوْضُوعاتِ البَداوَةِ صِياغَةً ساحِرَةً، كَما أَنْكَرَ بروكلمان أَنَّ لَبِيد تَوَقَّفَ عَنْ قَوْلِ الشِّعْرِ بَعْدَ إسْلامِهِ وَذلِكَ لِأَنَّ كَثِيراً مِنْ شِعْرِهِ مَطْبُوعٌ بِطابَعِ الوَحْيِ.
يَرَى مُطاعُ صفدِي وَخَلِيل حاوِي أَنَّ شِعْرَ لَبِيدٍ فِيهِ نَهْجانِ يَتَقارَبانِ وَلا يَتَوَحَّدانِ، أَوْلاهُما النَّهْجُ الصَّحْراوِيُّ البَدَوِيُّ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ خُشُونَةُ الأَلْفاظِ وَغَرابَتُها، وَيَغْلُبُ هذا النَّهْجُ عَلَى المَوْضُوعاتِ الوَصْفِيَّةِ كَوَصْفِ الطَّلَلِ وَالظَّعائِنِ وَالنّاقَةِ، أَمّا النَهْجُ الثّانِي فَهُوَ نَهْجٌ غِنائِيٌّ يَمْتازُ بِالرِّقَّةِ فِي الأَلْفاظِ، وَالأُسْلُوبِ الهادِئِ، وَيَغْلِبُ عَلَى شِعْرِ الرِّثاءِ وَالحِكْمَةِ.
" وَكانَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو عَقِيلٍ فارِساً شاعِراً شُجاعاً وَكانَ عَذْبَ المَنْطِقِ رَقِيقَ حَواشَي الكَلامِ وَكانَ مُسَلِماً رَجُلَ صِدْقٍ"
" وَكانَ فِي الجاهِلِيَّةِ خَيْرَ شاعِرٍ لِقَوْمِهِ يَمْدَحُهُمْ وَيُرْثِيهِمْ وَيَعُدُّ أَيّامَهُمْ وَوَقائِعَهُمْ وَفُرْسانَهُمْ وَكانَ يُطْعِمُ ما هَبَّت الصِّبا"
(ابنُ سلَّام / طَبقاتُ فُحولِ الشُّعراء).
(أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني)
(بروكلمان/ تاريخ الأدب العربي)
(مَطاع صفدِي وَخَلِيل حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)
(يحيى الجبوري/ لبيد بن ربيعة العامري)