
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
الأَعْشَى الكَبِيرُ أَوْ أَعْشَى قَيْس هُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلَ، مِنْ قَبِيلَةِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِحْدَى قَبائِلِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَمِنْ شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الأُولَى، وَهو أَحَدُ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، اُشْتُهِرَ بِجَوْدَةِ قَصائِدِهِ الطِّوالِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ بَعْضُ النُقّادِ القُدامَى عَلَى الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ لِتَصَرُّفِهِ فِي المَدِيحِ وَالهِجاءِ وَسائِرِ فُنُونِ الشِّعْرِ، وَقَدْ تَنَقَّلَ الأَعْشَى فِي بِلادٍ كَثِيرَةٍ بَحْثاً عَنْ المالِ فَكانَ مِنْ أَوائِلِ مَنْ تَكْسَّبَ بِشِعْرِهِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَكانَتْ وَفاتُهُ سَنَةَ 7ه المُوافَقَة لِسَنَةِ 629م
هو قُطْبَةُ بنُ أَوسِ بنِ مِحْصَنِ بنِ جَرولِ بنِ حَبيبِ بنِ عَبدِ العُزَّى بنِ خُزيمَةَ بنِ رُزامِ بنِ مازِنِ بنِ ثَعلبةَ بنِ سَعدِ بنِ ذُبيانَ بنِ بَغيضِ بنِ ريثِ بنِ غَطَفانَ. وَقَدْ سَقَطَ أَوْسٌ مِنْ نَسَبِهِ فِي بَعْضِ المَصادِرِ فَهُوَ قُطْبَةُ بْنُ مِحصَنٍ فِي (المُفَضَّلِيّات) وَ(طَبَقات فُحُولِ الشُّعَراءِ).
وَقَدْ لُقِّبَ بِالحادِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، وَقَدْ يَصْغَّرُ فَيُقالُ الحُوَيْدِرَةُ كما وردَ في طَبقاتِ ابنِ سلّامٍ، لُقِّبَ بِذلِكَ لِقَوْلِ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ فِيهِ وَكانا يَتَهاجَيانِ:
كأَنَّكَ حَادِرَةٌ المَنْكِبَيْـ ـنِ رَصْعاءُ تُنْقِضُ في حائِرِ
اُشْتُهِرَ بِنِسْبَتِهِ إِلَى ذُبْيانَ فَيُقالِ الحادِرَةِ الذُّبْيانِيِّ، إِلّا أَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ كَذلِكَ إِلَى غَطَفانَ وَإِلَى ثَعْلَبَةَ. وَقَبِيلَتُهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ هي إِحْدَى بُطُونِ ذُبْيانَ من غَطَفان، كانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي الحِجازِ وَفِي شَمالِ المَدِينَةِ، وَكانَتْ قَبِيلَةً كَثِيرَةَ الغَزْوِ، يُذْكُرُ مِنْ أَيّامِهِمْ يَوْمُ شُواحِطَ وَيَوْمِ الكُفافَةِ. وَلَمْ تَرِدْ فِي المَصادِرِ الَّتِي تَناوَلَتْ أَخْبارَ الحادِرَةِ كَالأَغانِي أَيُّ أَخْبارٍ حَوْلَ أُسْرَتِهِ.
الأَخْبارُ عَنْ الحادِرَةِ نَزِرَةٌ قَلِيلَةٌ فِي المَصادِرِ، وَهذا ما يَجْعَلُ تَشْكِيلَ صُورَةٍ عَنْ حَياتِهِ مِنْ الصُعُوبَةِ بِمَكانٍ، فَما وَرَدَ عَنْهُ فِي الغالِبِ هِيَ مَواقِفُهُ مِنْ بَعْضِ غَزَواتِ قَوْمِهِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وإضافةً إلى خَبَرِ مُهاجاتِهِ مع شاعِرٍ فَزارِيٍّ هُوَ زَبّانُ بْنُ سَيّار، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ الأَصْفَهانِيُّ فِي (الأَغانِي) خَبَرَ غَزْوِ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ رَهْطِ الحادِرَةِ وَهُوَ يُسَمَّى يَوْمَ شُواحِطَ، فَهُزِمتْ بنو عامرِ وَقُتِلَ مِنْ ساداتِهِمْ عُقَيلُ النُّمَيْرِيُّ وَذُؤابُ بْنُ غالِبٍ فَقالَ الحادِرَةَ:
كَأَنَّ عُقَـيْـلاً فِي الضُّحَى حَلَّقَتْ بِهِ وَطارَتْ بِهِ فِي الْجَوِّ عَنْقاءُ مُغْرِبُ
وَذِي كَـرَمٍ يَـدْعُــوكُــمُ آلَ عـامِــرٍ لَدى مَـعْــرَكٍ سِـرْبــالُهُ يَـتَــصَــبَّبُ
رَأَتْ عامِـرٌ وَقْعَ السُّيُوفِ فَأَسْلَمُوا أَخاهُمْ وَلَمْ يَعْطِفْ مِنَ الْخَيْلِ مُرْهِبُ
وَسَلَّمَ لَمَّا أَنْ رَأى الْمَوْتَ عامِرٌ لَهُ مَـرْكَــبٌ فَـوْقَ الْأَسِـنَّةِ أَحْدَبُ
وَهذا يُظْهَرُ أَنَّ الحادِرَةَ كانَ شاعِرَ قَوْمِهِ يَذُبُّ عَنْهُمْ بِلِسانِهِ، وَيَذْكُرُ مَواقِعَهُمْ وَيُخَلِّدُ انْتِصاراتِهِمْ وَمَآثِرَهُمْ، وَما يُؤَكِّدُ ذلِكَ أَيْضاً قَوْلُهُ فِي يَوْمِ الكُفافَةِ وَكانَ لِقَبِيلَتِهِ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ:
وَنَحْـنُ مَنَعْنا مِنْ تَمِيمٍ وَقَدْ طَغَتْ مَراعِـي الْمَلا حَتَّى تَضَمَّنَها نَجْدُ
كَمعطفنا يَوْمَ الْكُفـافَـةِ خَيْـلَنا لِتتْبَعَ أُخرى الجيشِ إِذْ بَلغَ الجِدُّ
عَلى حِينَ شالَتْ وَاسْتَخَفَّتْ رِجالَهُمْ جَلائِبُ أَحْيـاءٍ يَسِيلُ بِها الشَّدُّ
أَمّا أَشْهَرُ أَخْبارِ الحادِرَةِ فَكانَتْ مُهاجاتُهُ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّارٍ الفَزارِيّ، وَكانَ سَبَبُها -كَما يَذْكُرُ أبو الفرج الأَصْفَهانِيُّ- أَنَّ الحادِرَةَ كانَ جاراً لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيمٍ، فَأَغارَ زَبّانُ بْنُ سَيّارٍ عَلَى إِبْلِهِ فَأَخَذَها فَدَفَعَها إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ وادِي القُرَى يَهُودِيٍّ، وَكانَ لَهُ عَلَيْهِ دَينٌ فَأَعْطاهُ إِيّاها بِدِينِهِ، وَكانَ أَهْلُ وادِي القُرَى حُلَفاءَ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ؛ فَلَمّا سَمِعَ اليَهُودِيُّ بِذلِكَ قالَ: سَيَجْعَلُ الحادِرَةُ هذا سَبَباً لِنَقْضِ العَهْدِ الَّذِي بَيْنَنا وَبَيْنَهُ، وَنَحْنُ نَقْرَأُ الكِتابَ وَلا يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَغْدِرَ، فَرَدَّ الإِبِلَ عَلَى الحادِرَةِ فَرَدَّها عَلَى جارِهِ، وَرَجَعَ إِلَى زَبّانَ فَقالَ لَهُ: أَعْطِنِي مالِي الَّذِي عَلَيْكَ، فَأَعْطاهُ إِيّاهُ زَبّانُ، وَوَقَعَ الهِجاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحادِرَةِ؛ فَقالَ الحادِرَةُ فِيهِ:
لِعَمْـرَةَ بَيْـنَ الْأَخْرَمَـيْـنِ طُلُولُ تَـقــادَمَ مِـنْهـا مُشْهِـرٌ وَمُحِـيـلُ
وَقَفْتُ بِها حَتَّى تَعالى لِيَ الضُّحَى لِأُخْـبِــرَ عَـنْهــا إِنَّنـِي لَسَـؤُولُ
فَإِنْ تَحْـسَـبُوها بِالْحِجابِ ذَلِيلَةً فَمـا أَنا يَوْماً إِنْ رَكِبْتُ ذَلِيلُ
سَأَمْـنَـعُهـا فِي عُصْـبَـةٍ ثَعْـلَبِيَّةٍ لَهُــمْ عَــدَدٌ وافٍ وَعِــزٌّ أَصِــيــلُ
فَإِنْ شِئتُـمُ عُدْنا صَدِيقاً وَعُدْتُمُ وَإِمَّا أَبَيْـتُـمْ فَالْمَـقـامُ زَحُولُ
وَلَجَّ الهِجاءُ بَيْنَهُما بَعْدَ ذلِكَ فَكانَ هذا سَبَبَهُ، وَيُذْكُرُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الأَغانِي ما يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الحادِرَةَ وَزَبّانَ كانا صَدِيقَيْنِ، فَقَدْ خَرَجا يَوْماً يَصْطادانِ فَاصْطادا جَمِيعاً، فَخَرَجَ زَبّانُ يَأْكُلُ وَيَشْتَوِي فِي اللَّيْلِ وَحْدَهُ، فَقالَ الحادِرَةُ:
تَرَكْـتَ رَفِيـقَ رَحْلِكَ قَدْ تَراهُ وَأَنْتَ لِفِيكَ فِي الظَّلْماءِ هادِ
فَحَقَدَها عَلَيْهِ زَبّانُ، ثُمَّ أَتَيا غَدِيراً فَتَجَرَّدَ الحادِرَةُ، وَكانَ ضَخْمُ المَنْكِبَيْنِ أَرْسَحَ، فَقالَ زَبّانُ:
كأَنَّكَ حَادِرَةٌ المَنْكِبَيْـ ـنِ رَصْعاءُ تُنْقِضُ في حائِرِ
فَقالَ لَهُ الحادِرَةُ:
لَحا اللهُ زَبَّانَ مِنْ شاعِرٍ أَخِـي خَنْـعَـةٍ غادِرٍ فاجِـرِ
كَــأَنَّكَ فُـقَّاــحَــةٌ نَـوَّرَتْ مَعَ الصُّبْحِ فِي طَرَفِ الْحائِرِ
فَغَلَبَ هذا اللَّقَبُ عَلَى الحادِرَةِ.
لا يُعْرَفُ تارِيخُ وَفاةِ الحادِرَةِ، وَلكِنَّ أَخْبارَهُ تُظْهِرُ أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ الجاهِلِيَّةِ، وَأَوْضَحَ دَلِيلٍ عَلَى ذلِكَ أَنَّ زَبّانَ بْنَ سَيّارٍ الَّذِي كانَ يُهاجِي الحادِرَةَ لَهُ مُنافَرَةٌ مَعَ عُيِينَةَ بْنِ حِصْنٍ، وعُيينةُ وَفَدَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَسلمَ وَكانَ مِنْ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.
عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ مِنْ فُحُولِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَوَضْعَهُ فِي الطَّبَقَةِ التّاسِعَةِ مَعَ ضابِئِ بْنِ الحارِثِ وَسُوَيْدِ بْنِ كُراعٍ العُكْلِيّ، وَسُحَيم عَبْدِ بَنَي الحَسْحاسِ.
اشْتُهِرَ الحادِرَةُ بِقَصِيدَتِهِ العَيْنِيَّةِ (بَكَرَتْ سُمَيَّةُ غُدْوَةً فَتَمَتَّعِي) وَهِيَ مِنْ القَصائِدِ المُخْتارَةِ فِي المُفَضَّلِيّاتِ، وَيُرْوَى أَنَّ حَسّانَ بْنَ ثابِتٍ كانَ إِذا قِيلَ لَهُ: تُنُوشِدَتْ الأَشْعارُ فِي مَوْضِعِ كَذا وَكَذا يَقُولُ: فَهَلْ أُنْشِدَتْ كَلِمَةُ الحُوَيْدِرَةِ: (بَكَرَتْ سُمَيَّةُ غُدْوَةً فَتَمَتَّعِي)، وَقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَهِيَ مِنْ مُخْتارِ الشِّعْرِ، أَصْمَعِيَّةٌ مُفَضَّلِيَّةٌ.
ذَكَرَ الأَصْمَعِيُّ فِي فُحُولَةِ الشُّعَراءِ أَنَّ الحادِرَةَ لَوْ كانَ قالَ خَمْسَ قَصائِدَ مِثْلِ قَصِيدَتِهِ -يَعْنِي العَيْنِيَّةَ- كانَ فَحْلاً.
جَعَلَ ابْنُ قُدامَةَ فِي كِتابِهِ (نَقْد الشِّعْرِ) قَصِيدَةَ الحادِرَةِ العَيْنِيَّةَ مِثالاً عَلَى اللَّفْظِ فِي الشِّعْرِ الَّذِي يَكُونُ سَمْحاً سَهْلَ مَخارِجِ الحُرُوفِ مِنْ مَواضِعِها، عَلَيْهِ رَوْنَقُ الفَصاحَةِ، مَعَ الخُلُوِّ مِنْ البَشاعَةِ.