
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
الأَعْشَى الكَبِيرُ أَوْ أَعْشَى قَيْس هُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلَ، مِنْ قَبِيلَةِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِحْدَى قَبائِلِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَمِنْ شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الأُولَى، وَهو أَحَدُ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، اُشْتُهِرَ بِجَوْدَةِ قَصائِدِهِ الطِّوالِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ بَعْضُ النُقّادِ القُدامَى عَلَى الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ لِتَصَرُّفِهِ فِي المَدِيحِ وَالهِجاءِ وَسائِرِ فُنُونِ الشِّعْرِ، وَقَدْ تَنَقَّلَ الأَعْشَى فِي بِلادٍ كَثِيرَةٍ بَحْثاً عَنْ المالِ فَكانَ مِنْ أَوائِلِ مَنْ تَكْسَّبَ بِشِعْرِهِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَكانَتْ وَفاتُهُ سَنَةَ 7ه المُوافَقَة لِسَنَةِ 629م
هُوَ عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ شَهْرِ بْنِ نِهْمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ مُعاوِيَةَ بْنِ رُومانَ بْنِ بَكِيلِ بْنِ جُشَمَ بْنِ خِيوانَ بْنِ نَوفِ بْنِ هَمْدانَ، وَوَرَدَ اسْمُهُ مَعَ اِخْتِلافاتٍ بَسِيطَةٍ فِي بَعْضِ المَصادِرِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَ الحارِثَ مِنْ نَسَبِهِ فَيَكُونُ عَمْرَو بْنَ مُنَبِّهٍ كَما وَرَدَ فِي كِتابِ (المُؤْتَلِفِ وَالمُخْتَلِفِ فِي أَسْماءِ الشُّعَراءِ)، كَما اخْتَلَفَتْ المَصادِرُ فِي الاسْمِ الَّذِي اشْتُهِرَ به فَوَرَدَ فِي بَعْضِ المَصادِرِ كَالأَغانِي أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ بَرّاقٍ، وَوَرَدَ فِي أَكْثَرِها بِاِسْمِ عَمْرِو بْنِ بَرّاقَةَ، وَلَعَلَّ سَبَبَ هذا الخَلْطِ هُوَ وُرُودُهُ فِي بَيْتٍ لِتَأَبُّطَ شَرّاً بِلَفْظِ ابْنِ بَرّاقٍ فِي قَوْلِهِ:
لَيْلَةَ صاحُوا وَأَغْرَوا بي سِراعَهُمُ بِالْعَيْكَتَينِ لَدَى مَعْدى ابْنِ بَرّاقِ
وَرُبَّما يَرْجِعُ السَّبَبُ فِي ذلِكَ أَيْضاً إِلَى الخَلْطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شاعِرٍ آخَرَ هُوَ عَمْرُو بْنُ بَرّاق الثُّمالِيّ. وَقَدْ عُرِفَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ كَما تَذْكُرُ أغلب المَصادِرِ نِسْبَةً لِأُمِّهِ.
وَعَمْرُو بْنِ بَرّاقَةَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمٍ وَإِلَيْها يُنْسَبُ فَيُقالُ لَهُ النِهْمِيُّ، وَنِهْمٌ هِيَ إِحْدَى بُطُونِ بَكِيْلٍ كُبْرَى قَبائِلِ هَمْدانَ اليَمَنِيَّةِ، وَقَبِيلَةُ نِهْمٍ من القَبائِلِ اليَمَنِيّةِ التي كانَتْ تُقِيمُ بَيْنَ صَنْعاءَ وَمَأْرِبَ، وَمَساكِنُها مِنْ رَأْسِ نُقَيل شُجاع فِي الشَّمالِ إلى الجَوْفِ بِالشَّرْقِ وإلَى بَنِي جَبْرٍ إحْدَى قَبائِلِ اليَمَنِ بِالجَنُوبِ.
وَلم تذكر المصادر وكتبُ التراجمِ أيّةَ أَخْبارٍ حَوْلَ أُسْرَةِ ابْنِ بَرّاقَةَ، وَلا يُسْعِفُنا فِي ذلِكَ أيضاً شِعْرُ ابْنُ بَرّاقَةَ، فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أُسْرَتِهِ وَأَبِيهِ حَتَّى أُمِّهِ رَغْمَ أنَّهُ يُنْسَبُ إِلَيْها، فَمُعْظَمُ ما وصَلَ مِن شِعْرِهِ كان فِي الفَخْرِ وَالحَماسَةِ.
عَمْرُو بْنُ بَرّاقَةَ مِنْ الشُّعَراءِ الَّذِينَ لَمْ تَحْفَلْ كُتُبَ التَّراجِمِ بِأَخْبارِهِمْ، فَالمَعْلُوماتُ حَوْلَهُ نَزِرَةٌ قَلِيلَةٌ ارْتَبَطَتْ فِي الغالِبِ بِالحَدِيثِ عَنْ الصَّعالِيكِ وَغَزَواتِهِمْ، فَكانَ يُذْكَرُ فِي سِياقِ الحَدِيثِ عَنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ المَشْهُورِينَ كَالشَنْفَرَى وَتَأَبَّطَ شَرّاً إذ كان كما يُروى مُرافِقاً لَهُمْ في غاراتِهم، مِنْ ذلِكَ ما أَوْرَدَهُ الأَصْفَهانِيُّ نَقْلاً عَنْ المُفَضَّلِ الضَّبِيِّ أَنَّ تَأَبَّطَ شَرّاً وَ عَمْرَو بْنَ بَرّاقٍ وَالشَّنْفَرى غَزَوا بَجِيلَةَ فَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُمْ بِغُرَّةٍ، وَثارُوا إِلَيْهِمْ فَأَسَرُوا عَمْراً وَكَتَّفُوهُ، وَأَفْلَتَهُمْ الآخَرانِ عَدْوَاً، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِما، فَلَمّا عَلِما أَنَّ ابْنَ بَرّاقٍ قَدْ أُسِرَ قالَ تَأَبَّطَ شَرّاً لِصاحِبِهِ: امْضِ فَكُنْ قَرِيباً مِنْ عَمْرٍو، فَإِنِّي سَأَتَراءَى لَهُمْ وَأُطْمِعُهُمْ فِي نَفْسِي حَتَّى يَتَباعَدُوا عَنْهُ، فَإِذا فَعَلُوا ذلِكَ فَحُلَّ كِتافَهُ وَاُنْجُوْا فَفَعَلَ ما أَمَرَهُ بِهِ، وَأَقْبَلَ تَأَبَّطَ شَرّاً حَتَّى تَراءَى لِبَجِيلَةَ، فَلَمّا رَأَوْهُ طَمِعُوا فِيهِ، فَطَلَبُوهُ وَجَعَلَ يُطْمِعُهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَيَعْدُو عَدْواً خَفِيفاً يَقْرُبُ فِيهِ، وَيَسْأَلُهُمْ تَخْفِيفَ الفِدْيَةِ وَإِعْطاءَهُ الأَمانَ، حَتَّى يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَهُمْ يُجِيبُونَهُ إِلَى ذلِكَ، وَيَطْلُبُونَهُ وَهُوَ يُحْضِرُ إِحْضاراً خَفِيفاً، وَلا يَتَباعَدُ، حَتَّى عَلا تَلْعَةً أَشْرَفَ مِنْها عَلَى صاحِبَيْهِ، فَإِذا هُما قَدْ نَجَوا، فَفَطِنَتْ لَهُما بَجِيلَةُ، فَأَلْحَقَتْهُما طَلَباً فَفاتاهُمْ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ بَجِيلَةَ أَأَعْجَبَكُمْ عَدْوُ ابْنِ بَرّاقٍ اليَوْمَ، وَاللهِ لَأَعْدُونَّ لَكُمْ عَدْواً أُنْسِيكُمْ بِهِ عَدْوَهُ، ثُمَّ عَدا عَدْوَاً شَدِيداً، وَمَضَى وَذلِكَ قَوْلَهُ: (يا عِيدُ ما لَكَ مِنْ شَوْقٍ وَإِبْراقِ).
وَقَدْ أَوْرَدَ الأَصْفَهانِيُّ رِوايَةً أُخْرَى لِهذِهِ القِصَّةِ عَنْ الأَصْمَعِيِّ فيها أنّ الذي ظفرتْ بهِ بجيلةَ وكتفوه هو تَأَبَّطَ شَرّاً وَمَنْ احتالَ عليهم وصَرْفَهُمْ عَنهُ لِشِدَّةِ عَدْوِهِ هُوَ عَمْرُو بْنُ بُرّاقٍ.
وَقَدْ وَرَدَ لَهُ خَبَرٌ وحيدٌ كانَ فيهِ مُنفرداً عَن بَقيةِ الصَّعاليكِ، وهوَ خبرٌ يُبَيِّنُ سَبَبَ قَوْلِهِ قَصِيدَتَهُ المَشْهُورَةَ التي مطلعها: (تَقُولُ سُلَيْمَى لا تعرَّض لتَلفةٍ)، وَقِصَّتُها كما وردَ في (الأَغاني) أَنَّ رَجُلاً مِنْ هَمْدانَ يُقالُ لَهُ حَرِيمٌ أغارَ عَلَى إِبِلٍ لِعَمْرِو بْنِ بَرّاقٍ وَخَيْلٍ فَذَهَبَ بِها فَأَتَى عَمْرُو امْرَأَةً كانَ يَتَحَدَّثُ إِلَيْها وَيَزُورُها فَأَخْبَرَها أَنَّ حَرِيماً أَغارَ عَلَى إِبلِهِ وَخَيْلِهِ فَذَهَبَ بِها وَأَنَّهُ يُرِيدُ الغارَةَ عَلَيْهِ فَقالَتْ لَهُ المَرْأَةُ وَيْحَكَ لا تَعْرَّض لِتَلَفاتِ حَرِيمٍ فَإِنِّي أَخافُهُ عَلَيْكَ، قالَ فَخالَفَها وَأَغارَ عَلَيْهِ فَاسْتاقَ كُلَّ شَيْءٍ كانَ لَهُ فَأَتاهُ حَرِيمٌ بَعْدَ ذلِكَ يَطْلُبُ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ما أَخَذَهُ مِنْهُ فَقالَ لا أَفْعَلُ وَأَبَى عَلَيْهِ فَانْصَرَفَ فَقالَ عَمْرٌو فِي ذلِكَ:
تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ
وَكَيْـفَ يَنـامُ اللَّيْلَ مَنْ جُلُّ مالِهِ حُـسـامٌ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أَبْيَـضُ صارِمُ
غَمُـوضٌ إِذا عَضَّ الْكَرِيـهَـةَ لَمْ يَدَعْ لَهُ طَـمَــعـاً طَوْعُ الْيَمِـيـنِ مُلازِمُ
أَلَمْ تَعْـلَمِـي أَنَّ الصَّعالِيكَ نَوْمُهُمْ قَلِيـلٌ إِذا نامَ الْخَلِيُّ الْمُسـالِمُ
وَقَدْ أَدْرَكَ ابْنُ بَرّاقَةِ الإِسْلامِ وَأَسْلَمَ، وَلَيْسَ هُناكَ مِنْ أَخْبارٍ حَوْلَ فَتْرَةِ حَياتِهِ فِي الإِسْلامِ إِلّا ما ذُكِرَ عَنهُ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وَكانَ ابنُ برّاقةَ آنذاك شَيْخاً كَبِيراً يَعْرُجُ، وَقد وردَت لَهُ بَعْضُ أَبْياتٍ عِنْدَ قُدُومِهِ عَلَى عُمْرٍ مِنْها قَوْلُهُ:
ما إِنْ رَأَيْتُ كَفَتَى الْخَطَّابِ
أَبَرَّ بالدِّين وبالْأَحْسابِ
بَعْدَ النَّبيِّ صاحِبِ الْكُتَّابِ
وقوله:
إِنَّكَ مُـسْــتَــرْعــىً وَإِنّا رَعِيَّةٌ وَإِنَّكَ مَدْعُـوٌّ بِسِـيـماكَ يا عُمَرْ
لَدى يَــوْمَ شَــرٍّ شَـرُّهُ لِشِـرارِهِ وَخَيْرٌ لِمَنْ كانَتْ مُؤانَسَةُ الْخِيَرْ
وَقَدْ أَشارَتْ بَعْضُ المَصادِرِ كَكِتابِ الإِكْلِيلِ لِلهَمْدانِيِّ أَنَّ ابْنَ بَرّاقةَ كانَ شاعِرَ قَبِيلَتِهِ هَمْدانَ فِي الجاهِلِيَّةِ، مِمّا يُوحِي بِأَنَّ أَكْثَرَ شِعْرِهِ قَدْ ضاعَ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْنا، وَيُشِيرُ ذلِكَ أَيْضاً إِلَى أَنَّ بَرّاقَةً لَهُ شَأْنٌ وَمَنْزِلَةٌ فِي قَوْمِهِ، وَقد ذُكِرَ أَنَّهُ امْتازَ بِالشَّجاعَةِ والفروسيةِ وَكانَ مِنْ الصَّعالِيكِ الفُتّاكِ وَالعَدائِينَ كَما وردَ فِي قِصَّتِهِ مَعَ الشَّنْفَرَى وَتَأَبَّطَ شَرّاً.
لَيْسَ هُناكَ تارِيخٌ مُحَدَّدٌ لِوَفاةِ عَمْرِو بْنِ بَرّاقَةَ، وَقَدْ حاوَلَتْ بَعْضَ كُتُبِ التَّراجِمِ أَنْ تُعْطِيَ زَمَناً تَقْرِيبِيّاً لِوَفاتِهِ، فورَدَ فِي كتابِ (الأَعْلامِ) أَنَّهُ تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ 11 للهجرة، اعتماداً على بَعضِ الأخبارِ الوارِدَةِ عنِ هذا الشَّاعرِ، فَقَدْ أدْرَكَ الإِسْلامَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضي اللهِ عَنْهُ، وَذُكِرَ فِي كِتابِ الإِكْلِيلِ أَنَّ عُمْرَو بن بَرّاقةَ كانَ مِنْ المُعَمَّرِينَ وَأَنَّهُ أَدْرَكَ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَلا صُلْحَ حَتَّى تَعثُرَ الخَيْلُ بِالقَنا وَتُضْرَبَ بِالبِيْضِ الرِّقاقَ الجَماجِمُ
وَقَوْلُهُ:
مَتَـى تَجْـمَعِ الْقَلْبَ الذَّكِيَّ وَصارِماً وَأَنْفـاً حَمِـيّـاً تَجْـتَـنِبْكَ الْمَظالِمُ
وَلَمْ تَرِدْ فِي شِعْرِهِ أَغْراضٌ أُخْرَى كَالمَدِيحِ وَالرِّثاءِ وَغَيْرِها.
مَتَـى تَجْـمَعِ الْقَلْبَ الذَّكِيَّ وَصارِماً وَأَنْفـاً حَمِـيّـاً تَجْـتَـنِبْكَ الْمَظالِمُ
وَكُـنْـتُ إِذا قَوْمٌ غَزَوْنـي غَزَوتُهُـمْ فَهَلْ أَنا في ذا يالَ هَمْدانَ ظالِمُ
وَهُما البَيْتانِ اللّذانِ اسْتَشْهَدَ بِهِما الحَجّاجُ بنُ يوسفَ الثَّقفيّ فِي خُطْبَتِهِ المَشْهُورَةِ فِي أَهْلِ الكُوفَةِ الَّتِي قالَ فِيها: "وَإِنَّما مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ ما قالَه ابْنُ بَرّاقَةَ الهَمْدانِيُّ:
وَكُـنْـتُ إِذا قَوْمٌ غَزَوْنـي غَزَوتُهُـمْ فَهَلْ أَنا في ذا يالَ هَمْدانَ ظالِمُ
مَتَـى تَجْـمَعِ الْقَلْبَ الذَّكِيَّ وَصارِماً وَأَنْفـاً حَمِـيّـاً تَجْـتَـنِبْكَ الْمَظالِمُ
أَما وَاللهِ لَا تَقرعُ عصاً عصاً إلَّا جَعلتُها كَأَمسِ الدَّابِرِ"
لابنِ برّاقةَ العديدُ مِن الأَبيات الشِّعريَّةِ التي تُعَدُّ من الشّواهدِ الشِّعريّةِ فِي الكُتُبِ اللُّغويّةِ والنَّحْويَّةِ والمعاجمِ، مِنْها قولُهُ: (وَنَـنْــصُــرُ مَـوْلانــا وَنَـعْــلَمُ أَنَّهُ كَمَـا النَّاسُ مَجْـرُومٌ عَلَيْهِ وَجارِمُ) جاء فِي بابِ حُرُوفِ الجَرِّ، وَقَوْلُهُ: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ) أُورِدَ شاهداً أنّ التّاءَ فِي الفِعلِ تَدلُّ عَلى الغائبةِ والمُخاطَبِ، وغيرها مِنَ الشَّواهِدِ.
مِنْ أَشْهَرِ قَصائِدِ ابْنِ بَرّاقَةَ قَصِيدَتُهُ المِيمِيَّةُ الَّتِي مَطْلَعَها: (تَـقُـولُ سُلَيـمَـى لا تَعَـرَّضْ لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمٍ)، وَقَدْ رَأَى مُطاع الصَفْدِي وَإِيلْيا حاوِي أَنَّ هذِهِ القَصِيدَةَ تُنْبِئُ -رُغْمَ قِلَّةِ ما وَصَلَ مِنْ شِعْرِ ابْنِ بَرّاقَةَ- عَنْ شاعِرٍ مَوْهُوبٍ، قَوِيِّ السَبْكِ، يَبْحَثُ عَنْ المَعانِي الجَدِيدَةِ، وَيَعْمَدُ إِلَى صِياغَةٍ فَنِّيَّةٍ تَتَّحِدُ فِيها العاطِفَةُ بِالحِكْمَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى شُؤُونِ الحَرْبِ وَالسِّلْمِ وَالسَّعْيِ وَراءَ المَجْدِ وَالغِنَى.
(أبو القاسم الآمدي/ المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء)
(الهمداني/ الإكليل)
(ابن الجراح/ من اسمه عمرو من الشعراء).
(ابن حجر العسقلاني/ الإصابة في تمييز الصحابة)
(مُطاع صفدِي وَخَلِيل حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)