
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
المثقِّب العبديّ هو عائذ بن مِحصَن بن ثعلبة بن واثلة، من قبيلةِ عبد القيس المنحدرة من القبائل النزارية العدنانيّة. كُنيتُهُ أَبو عديّ، والمثقِّب لقبٌ غلبَ عليه لبيتٍ من الشّعر يقول فيه "وثقّبن الوصاوصَ للعيون". شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 36ق.ه/587م. مدحَ ملكَ المناذرة الشّهير عمرو بن هند بمجموعة من القصائد، اشتُهِرَت منها قصيدتُهُ النّونيّة "أفاطم قبل بينك متّعيني" الّتي أبانت عن توتّر بين المثقِّب والملك، وله شعرٌ في مدح النّعمانِ بن المنذر الّذي يُرجَّح أنّ المثقّب توفّي في فترةِ حكمه. يغلبُ على شعرِهِ وصفُ النّاقةِ والرّحلة، والمدح والفخر، إضافةً إلى الحكمةِ السّائرة.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
الْمُثقِّبُ العَبْدِيُّ هُوَ عائِذُ بنُ مِحْصَنِ بنِ ثعلبةَ بنِ واثلةَ بنِ عَدِيِّ بنِ دُهْنِ بنِ منبِّهِ بنِ نُكرَة بنِ لُكَيزِ بن أفصى بنِ عبدِ القيسِ بنِ أفصى بنِ دُعْمِيِّ بنِ جديلةَ بنِ أسد بنِ ربيعةَ بنِ نزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عدنان.
كُنيتُهُ أبو عَدِيّ، وقيلَ: أبو عمرو. أمّا "المثقِّب" -بكسر القاف- فهو لقبٌ غلبَ عليهِ لقولِه:
ظَهَرْنَ بِكِلَّةٍ وَسَدَلْنَ رَقْماً وَثَقَّبْنَ الْوَصاوِصَ لِلْعُيونِ
ولقولِه:
ظَعائِنُ لا تُوفِي بِهِنَّ ظَعائِنٌ وَلا الثَّاقِباتُ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غالِبِ
أمّا قبيلتُهُ فهي قبيلةُ عبدِ القيس العدنانيّة النّزاريّة، والنّسبةُ إليها: عبديّ. وهي من القبائلِ الّتي كانت في تهامةَ ثمّ خرجت إلى البحرينِ وهجَر والخطّ والقطيف، ولعبد القيس في هذه المناطق بطونٌ كثيرة. ومن تلك البطون بطنُ "بني نُكرة" الّذي ينتمي إليه المثقِّب؛ فيُقال له "النُّكريّ" أيضاً، وهو البطنُ الّذي كان مستقرّاً في القطيف.
لا تذكُرُ المصادرُ الأدبيّةُ شيئاً كثيراً عن أسرةِ المثقِّب العبديّ، سوى أنّ جدَّهُ هو ثعلبةُ بنُ واثلة الّذي أصلحَ مع قيس بن شراحيل ما بينَ قبيلتي بكر وتغلب في حربهما الشّهيرة، وقد ذكرَهُ المثقِّبُ بقوله:
أَبِي أَصْلَحَ الْحَيَّيـْنِ بَكْـراً وَتَغْـلِباً وَقَـدْ أُرْعِـشَــتْ بَـكْــرٌ وَخَـفَّ حُلُومُهـا
وَقـامَ بِـصُــلْحٍ بَـيْــنَ عَـوْفٍ وَعـامِــرٍ وَخُـطَّةِ فَـصْــلٍ مـا يُـعـابُ زَعِيـمُهـا
وأختُهُ هي زوجةُ "نهار بن أسود" والد الشّاعر "شأس بن نهار" المعروف بالممزّق العبديّ. وعلى هذا يكونُ المثقِّبُ خالاً للممزَّقِ العبديّ، وقد ذكَرَهُ المثقِّبُ في شعرِهِ فقال:
إنَّما جادَ بِشَأْسٍ خالِدٌ بَعْدَ ما حاقَتْ بِهِ إِحْدى الظُّلَمْ
ولا تذكُرُ المصادرُ الأدبيّةُ شيئاً عن زوجاتِ المثقِّبِ العبديِّ أو أبنائِه.
يرجِّحُ المستشرقُ غوستاف غرنباوم أن تكونَ ولادةُ المثقِّبِ العبديّ سنةَ 550م الموافقة لـ74ق.هـ، ويميلُ حسن كامل الصّيرفيّ (محقق الديوان) إلى أنّ ميلادَه كان قبل هذا التّاريخ بخمسَ عشرةَ سنة؛ أي في سنةِ 535م الموافقة لـ89ق.ه؛ اعتماداً على أنّ المثقِّب العبديّ كان يُخاطبُ الملكَ عمرو بن هند بلفظة "أخي"؛ ما يعني أنّ الشّاعر والملك في سنّ متقاربة، ويرى فريقُ الموسوعة الشّعريّة أنّ هذا تعليلٌ بعيد؛ لأنّ لفظ الأخوّة لا يشي بتقارب الأسنانِ بالضّرورة.
ومهما يكُن من أمر، فالمصادرُ الأدبيّةُ تنصُّ على أنّ المثقّبَ العبديّ كان معاصراً لعمرو بنِ هند، على أنّها لم تنصّ على أيّ مشاهد جمعَتِ الشّاعر بالملك، وفي شعرِه ما يُشيرُ إلى أنّه لم يلتقِ عمرَو بن هند على الرّغم من إكثارِهِ من مديحِه، يقولُ:
وَإِلى عَـــــمْـــــــرٍو وَإِنْ لَمْ آتِهِ تُـجْـــلَبُ الْمِـدْحَــةُ أَوْ يَمْـضِـي السَّفَرْ
وَاضِــحُ الْوَجْــهِ كَـرِيـــمٌ نَـجْـــرُهُ مَــلَكَ السِّيـــفَ إِلى بَـطْـــنِ الْعُـشَــرْ
ويمتدحُ المثقِّبُ العبديُّ عمرَو بنَ هند بقدرتِهِ على إخمادِ الثّوراتِ الّتي قامت ضدَّه، ولعلّه يقصدُ ثوراتِ قومِهِ أنفسِهم على ملوك المناذرة، يقولُ في مدح كتيبة الدّوسر الّتي امتلكها ملوك المناذرة وخصّصوها لقمع الثّورات:
ضَـرَبَـــتْ دَوْسَـرُ فِـيـــنـــا ضَرْبَةً أَثْــبَــتَــتْ أَوْتادَ مُلْكٍ مُسْــتَــقِــرّْ
صَـبَّحـَــتْــنــا فَيْــلَقٌ مَلْمُـومَـةٌ تَـمْـــنَـــعُ الْأَعْـقــابَ مِنْهُـنَّ الْأُخَرْ
فَــجَــــزاهُ اللَّهُ مِـنْ ذِي نِـعْــمَــةٍ وَجَــزاهُ اللَّهُ إِنْ عَــبْــــدٌ كَـفَـــرْ
ويبدو من شعرِ المثقِّب أنّ علاقتَهُ بالملكِ عمرِو بنِ هند كان يشوبُها بعضُ التّوتّر؛ فقد كانَ يذكرُ في شعرِهِ أنّه لا يرى من الملكِ صفاءً مقابلاً لصفائِهِ، وقد خيّرَهُ في أشهرِ قصائدِهِ بينَ إخلاصِ المودّةِ أو إخلاصِ العداوةِ فقال:
إِلى عَمْـرٍو وَمِنْ عَمْـرٍو أَتَتْنِي أَخِي النَّجَداتِ وَالْحِلْمِ الرَّصِينِ
فَـإِمَّا أَنْ تَـكُــونَ أَخِـي بِحَـقٍّ فَأَعْـرِفَ مِنْـكَ غَثِّي مِنْ سَمِينِي
وَإِلَّا فَــاطَّرِحْـــنِــي وَاتَّخـِذْنِــي عَــدُوّاً أَتَّقــِيــكَ وَتَـتَّقــِيــنِــي
ويبدو أنّ تأخُّرَ المثقِّب العبديّ في زيارةِ عمرو بن هند كان بسببِ ريبتِهِ من حقيقةِ شعورِ الملكِ نحوَه، وربّما كانَ خائفاً من أن يبطشَ به كما فعلَ مع شعراءَ آخرين -كطرفة بن العبد-. يقول معبّراً عن خوفِه من هذه الرّحلة:
وَمـا أَدْري إِذا يَـمَّمــْتُ وَجْهـاً أُرِيدُ الْخَيْـرَ أَيُّهُمـا يَلِيـنِـي
أَأَلْخَـيْـرُ الَّذي أَنا أَبْتَـغِـيـهِ أَمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْـتَـغِـيـنِي
دَعِـي مـاذا عَـلِمْــتِ سَـأَتَّقـِيـهِ وَلَكِـنْ بِـالْمُــغَــيَّبِ نَبِّئـِيـنِـي
ولا تُظهرُ لنا المرويّاتُ التّاريخيّةُ أسبابَ هذا التّوتّر الّذي يُشيرُ إليهِ المثقِّب في شعره، لكن من المعروفِ أنّ القبائل الّتي كان يحكمُها المناذرةُ لم تكُن على وفاقٍ دائمٍ مع الملوك؛ فعمرُو بنُ هند نفسُه كان قد قُتِلَ على يدِ عمرِو بنِ كلثوم التّغلبيّ.
وقد عاشَ المثقِّبُ العبديُّ إلى فترةِ النّعمانِ بنِ المنذر ومدحَهُ كذلك، ويبدو أنّه قابلَهُ خلافاً لعمرِو بن هند. يقول في مدحه:
وَأَيْــقَـــنْــتُ إِنْ شـاءَ الْإِلَهُ بِـأَنَّهُ سَـيُــبْــلِغُـنِـي أَجْلادُهـا وَقَصِـيـدُهـا
فَـإِنَّ أَبـا قـابُــوسَ عِـنْـدِي بَلاؤُهُ جَـزاءً بِـنُـعْـمَـى لا يَحِـلُّ كُنُـودُهـا
وَجَـدْتُ زِنـادَ الصَّاـلِحــيـنَ نَمَـيْـنَهُ قَدِيـمـاً كَمـا بَذَّ النُّجُومَ سُعودُها
فَـلَوْ عَـلِمَ اللهُ الْجِـبــالَ ظَلَمْـنَهُ أَتـاهُ بِـأَمْـراسِ الْجِبـالِ يَقُـودُهـا
فَـإِنْ تَـكُ مِنَّا فِي عُمـانَ قَبِـيـلَةٌ تَـواصَــتْ بِـإِجْـنـابٍ وَطالَ عُنُـودُهـا
وَقَدْ أَدْرَكَتْهـا الْمُدْرِكـاتُ فَأَصْبَحَتْ إِلى خَيْـرِ مَنْ تَحْتَ السَّماءِ وُفودُها
إِلى مَــلِكٍ بَــذَّ الْمُـلوكَ بِـسَــعْــيِهِ أَفـاعِــيــلُهُ حَزْمُ الْمُلُوكِ وَجُودُهـا
أمّا شخصيّةُ المثقِّب ففي شعرِهِ ما يُظهِرُ الكثيرَ من الحكمةِ المستمدّةِ من عمقِ التّجربة، يقول ضارباً مثلاً مشهوراً في عصرِه ويُحاكيه بمثَلٍ من عنده:
طَـرَقَــتْـنـا ثُمَّ قُلْنـا إِذْ أَتَتْ مَـرْحَـبـاً بِالزَّوْرِ لَمَّا أَنْ أَلَمّْ
ضَـرَبَــتْ لَمَّا اسْـتَـقَـلَّتْ مَثَـلاً قـالَهُ الْقُـوَّالُ عَنْ غَيْـرِ وَهَمْ
مَــثَـــلاً يَـضْــرِبُهُ حُـكَّامُــنــا قَوْلُهُـمْ: "فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمْ"
فَـأَجــابَــتْ بِـصَــوابٍ قَـوْلَهــا: مَنْ يَجُدْ يُحْمَدْ، وَمَنْ يَبْخَلْ يُذَمّْ
ويقولُ في القصيدةِ نفسِها موصياً بضرورةِ وفاءِ الإنسانِ بوعدِهِ إذا قال "نعم":
لا تَـقُــولَنَّ إِذا مـا لَمْ تُـرِدْ أَنْ تُتِـمَّ الْوَعْدَ فِي شَيْءٍ: نَعَمْ
حَـسَــنٌ قَوْلُ "نَعَـمْ" مِنْ بَعْـدِ "لا" وَقَـبِــيــحٌ قَـوْلُ "لا" بَعْـدَ "نَعَـمْ"
إِنَّ "لا" بَـعْــدَ "نَـعَــمْ" فـاحِــشَــةٌ فَبِــ"لا" فَابْدَأْ إِذا خِفْتَ النَّدَمْ
فَإِذا قُلْتَ "نَعَـمْ" فَاصْـبِـرْ لَها بِـنَـجـاحِ الْوَعْدِ إِنَّ الْخُلْفَ ذَمّْ
وَاعْـلَمَ اْنَّ الذَّمَّ نَقْـصٌ لِلْفَتـى وَمَــتـــى لا يَـتَّقِ الذَّمَّ يُـذَمّْ
ويقولُ موصياً بضرورةِ استقلال الإنسانِ بنفسِهِ عند جسيماتِ الأمور:
وَلَلْمَوْتُ خَيْـرٌ لِلْفَتى مِنْ حَياتِهِ إِذا لَم يَثِـبْ لِلْأَمْرِ إِلَّا بِقائِدِ
فَعالِجْ جَسِيماتِ الْأُمُورِ وَلا تَكُنْ هَـبِـيـتَ الْفُؤادِ هَمُّهُ لِلْوَسائِدِ
ويتحدّثُ عن صراعِ الإنسانِ معَ القدرِ في نونيّته فيقول:
وَمـا أَدْري إِذا يَـمَّمــْتُ وَجْهـاً أُرِيدُ الْخَيْـرَ أَيُّهُمـا يَلِيـنِـي
أَأَلْخَـيْـرُ الَّذي أَنا أَبْتَـغِـيـهِ أَمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْـتَـغِـيـنِي
دَعِـي مـاذا عَـلِمْــتِ سَـأَتَّقـِيـهِ وَلَكِـنْ بِـالْمُــغَــيَّبِ نَبِّئـِيـنِـي
كما يظهرُ في شعرِ المثقِّب -شأن الكثير من الشّعراء الجاهليّين- ولعُهُ بمكارمِ الأخلاق وافتخارُه بها؛ يتحدّث عن إقرائِهِ للضّيف بعد رحلةِ عنائِه في الشّتاء فيقول:
وَسارٍ تَعَـنَّاهُ الْمَبِـيـتُ فَلَمْ يَدَعْ لَهُ طامِـسُ الْظَّلْماءِ وَاللَّيْلِ مَذْهَبا
رَأَى ضَوْءَ نارٍ مِنْ بَعِـيـدٍ فَخالَها لَقَدْ أَكْذَبَتْهُ النَّفْسُ بَلْ راءَ كَوْكَبا
فـلَمَّا اسْـتَــبــانَ أَنَّهـا آنِسِـيَّةٌ وَصَـدَّقَ ظَنّـاً بَعْـدَ ما كانَ كَذَّبـا
رَفَـعْــتُ لَهُ بِالْكَـفِّ ناراً تَشُـبُّهـا شـآمِــيَّةٌ نَكْـبـاءُ أَوْ عاصِـفٌ صَبـا
وَقُلْتُ ارْفَعاها بِالصَّعِيدِ كَفى بِها مُـنــادٍ لِسـارٍ لَيْـلَةً إِنْ تَـأَوَّبــا
فَـلَمَّا أَتـانِــي وَالسَّمـاءُ تَبُـلُّهُ فَلَقَّيـْتُهُ: أَهْلاً وَسَهْلاً وَمَرْحَـبـا
وَقُمْـتُ إِلى الْبَرْكِ الْهَواجِدِ فَاتَّقَتْ بِكَوْماءَ لَمْ يَذْهَبْ بِها النَّيُّ مَذْهَبا
فَرَحَّبـْتُ أَعَلى الْجَنْبِ مِنْها بِطَعْنَةٍ دَعَتْ مُسْـتَـكِـنَّ الْجَوْفِ حَتَّى تَصَبَّبا
تَسـامـى بَناتُ الْغَلْيِ فِي حَجَراتِها تَسـامي عِتاقِ الْخَيْلِ وَرْداً وَأَشْهَبا
ويقولُ مفتخراً بحسنِ جوارِه:
أُكـْـرِمُ الْجــارَ وَأَرْعــى حَــقَّهُ إِنَّ عِرفـانَ الْفَتَـى الْحَقَّ كَرَمْ
يتّفقُ كلّ من جرجي زيدان ولويس شيخو وخير الدّين الزِّرِكليّ أنّ وفاة المثقّب كانت سنة 587م الموافقة لـ36ق.هـ، ويتّفق فريق الموسوعة الشّعريّة مع هذا التّاريخ لأنّه يقعُ في قلبِ السّنواتِ الّتي حكمَ فيها النّعمانُ بنُ المنذر الحيرة، ولا يبدو أنّ المثقّبَ قد أدرك الفترةَ المتأخرةَ من حكم النّعمان.
عَدَّهُ ابنُ سلّام الجُمَحيّ على رأسِ شعراءِ البحرينِ في تناولِهِ لشُعراء القُرى بكتابه "طبقات فحول الشّعراء"، واستجاد له بعض الأبيات من نونيّته المشهورة بـ"أفاطم قبلَ بينِكِ متّعيني".
ذكرَ ابنُ قتيبةَ الدّينوريّ في "الشّعر والشّعراء" أنّ كثيراً من الشّعراء تأثّروا ببيتٍ له في وصفِ النّاقة؛ ومنهم عمر بن أبي ربيعة، وتميم بن أبي بن مقبل، وذو الرُّمّة، والطِّرمّاح.
كان أبو عمرو بن العلاء كثيرَ الإعجاب بقصيدتِهِ "أفاطم قبل بينك متّعيني"، وتمنّى لو كان الشّعر كله مثلها.
اختار له المفضَّل الضّبّيّ في المفضّليّات 3 قصائد من شعره، وهي القصائد: 28، 76، 77.
اختار له البحتريّ في حماسته مجموعة كبيرة من الاختيارات، وهي الاختيارات: 263، 287، 627، 747، 751، 810، 811.
اختار له صدر الدين البصري مجموعة من الاختيارت، وهي الاختيارات: 50، 89، 265، 661.
اختار له محمّد مهدي الجواهريّ في "الجمهرة" 3 اختيارات شعريّة.
اختار له مطاع صفدي وخليل الحاوي في "موسوعة الشعر العربيّ" مجموعة من الاختيارات الشّعريّة.
(أبو عمرو بن العلاء في وصفِ نونيّة المثقّب العبديّ)
"شعرُه جيّد فيه حكمة ورقّة ومعانٍ إنسانيّة" (محمد مهدي الجواهريّ – الجمهرة)
"وفي شعر المثقّب تغلب ضخامة التّركيب وجزالة الكلمات على العاطفة، حتّى ليأتي الشّاعر أحياناً كثيرة بغريب الألفاظ ليدلّل على سعة قاموسه اللغويّ" (مطاع صفدي وخليل الحاوي/ موسوعة الشّعر العربيّ)
"المثقِّب العبديّ شاعر مجيد غريب الألفاظ متين التّركيب جدًّا، ولكن شعره يتّضح أحياناً ويسهل، أمّا أغراض شعره فتدور على المدح والفخر والحكمة، ويبرز في شعره الطّرد، ووصف الرّحلة والثّور خاصّة" (عمر فرّوخ- تاريخ الأدب العربيّ).