
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
زَيدُ الخَيْلِ هُوَ زَيدُ بنُ مُهَلْهَلٍ مِنْ قَبِيلَةِ طَيِّئٍ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ، وَكانَ شاعِراً مُحْسِناً، وَخَطِيباً لَسِناً، وَشُجاعاً مِقْداماً، وَكانَ طَوِيلاً جَسِيماً مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ مَوْصُوفاً بِالكَرَمِ، لُقِّبَ بِزَيْدِ الخَيْلِ لِكَثْرَةِ خَيْلِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ طِرادِهِ بِها. أَسْلَمَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِلهِجْرَةِ وَسَمّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدُ الخَيْرِ، وَقالَ لَهُ: "يا زَيْدُ، ما وُصِفَ لِي أَحَدٌ فِي الجاهِلِيَّةِ فَرَأَيْتُهُ فِي الإِسْلامِ إِلَّا رَأَيْتُهُ دُونَ ما وُصِفَ لِي غَيْرَكَ". وَبَقِيَ فِي المَدِينَةِ سَبْعَةَ أَيّامٍ ثُمَّ أَصابَتْهُ حُمّى شَدِيدَةٌ فَخَرَجَ عائِداً إِلَى نَجْدٍ، وَفِي طَرِيقِهِ نَزَلَ عَلَى ماءٍ لَطَيئٍ يُقالُ لَهُ (فَرْدَةُ) وَماتَ هُنالِكَ، وَقِيلَ بَلْ ماتَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهُ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ زَيدُ بنُ مُهَلْهَلِ بنِ يَزِيدَ بنِ مُنْهِبِ بنِ عَبْدِ رُضا (وَرُضا صَنَمٌ كانَ لَطَيِّئٍ) بنِ مَحْلِسِ بنِ ثَوْرِ بنِ عَدِيِّ بنِ كِنانَةَ بنِ مالِكِ بنِ نائِلِ بنِ نَبْهانَ وَهُوَ أَسْوَدُ بنُ عَمْرِو بنِ الغَوْثِ بنِ جَلْهَمَةَ (وَهُوَ طَيِّئٌ سُمِّيَ بِذلِكَ لِأَنَّهُ كانَ يَطْوي المَناهِلَ فِي غَزَواتِهِ) بنِ أُدَدِ بنِ مَذْحِجِ بنِ زَيْدِ بنِ يَشْجُبَ الأَصْفَرِ بنِ عُرَيْبِ بنِ مالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلانَ بنِ سَبَأِ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطانَ بنِ عابِرٍ. وَيُكْنَّى زَيدٌ أَبا مُكْنِفٍ.
وَسُمِّيَ زَيْدَ الخَيْلِ لِكَثْرَةِ خَيْلِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ قَوْمِهِ وَلا لِكَثِيرٍ مِنْ العَرَبِ إِلّا الفَرَسُ وَالفَرَسانُ، وَكانَتْ لَهُ خَيْلٌ كَثِيرَةٌ، مِنْها المُسَمّاةُ المَعْرُوفَةُ الَّتِي ذَكَرَها فِي شِعْرِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ: الهَطّالُ، وَالكُمَيْتُ، وَالوَرْدُ، وَكامِلٌ، وَدَؤولٌ، وَلاحِقٌ. وَحِينَ أَسْلَمَ سَمّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ الخَيْرِ.
وَيَنْتَمِي زَيْدُ الخَيْلِ إِلَى بَنِي ثُعَلٍ وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ بُطُونِ قَبِيلَةِ طَيِّئٍ وَأَكْثَرِهِمْ قُوَّةً وَعَدَداً، وَمِنْ هذا البَطْنِ ظَهَرَ عَدَدٌ مِنَ الشُّعَراءِ كَحاتمِ الطّائِيِّ وَأَبُو تَمّامٍ وَالبُحْتُرِيِّ. وَطَيِّئٌ مِنَ القَبائِلِ اليَمَنِيَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ اليَمَنِ عَلَى أَثَرِ خُرُوجِ الأَزْدِ مِنْهُ، وَنَزَلُوا سُمَيْراءَ وَفَيد فِي جِوارِ بَنِي أَسَدٍ، ثُمَّ غَلَبُوهُمْ عَلَى أَجا وَسلْمَى، وَهُما جَبَلانِ مِنْ بِلادِهِمْ، فَاسْتَقَرُّوا بِهِما.
وَأُمُّ زَيْدٍ هِيَ قَوْسَةُ بِنْتِ الأَثْرَمِ، وَكانَ لِزَيْدِ الخَيْلِ ثَلاثَةُ بَنِينَ كُلُّهُمْ يَقُولُ الشِّعْرَ، وَهُمْ: عُرْوَةُ، وَحُرَيثٌ، وَمُهَلْهِلٌ. وَقِيلَ بَلْ وَلَدانِ هُما عُرْوَةُ وَحُرَيثٌ، وَقِيلُ أَوْلادُهُ مُكنِفٌ وَعُرْوَةُ وَحَنْظَلَةُ وَحُرَيثٌ.
عاشَ زَيدُ الخَيْلِ أَكْثَرَ حَياتِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَفِيها بَلَغَ مَكانَةً فِي قَوْمِهِ فَكانَ مِنْ أَسْيادِ بَنِي نَبْهانَ، وَكانَ فارِساً شُجاعاً مُظْفَّراً مِقْداماً، شَهِدَ كَثِيراً مِنْ الغاراتِ وَالوَقائِعِ بَيْنَ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ القَبائِلِ، وَقادَ قَوْمَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْها، وَأَخْبارُ غاراتِهِ وَوَقَعاتِهِ كَثِيرَةٌ ذَكَرَها أَبُو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي). وَمِنْ هذِهِ الوَقَعاتِ أَنَّهُ جَمَعَ طَيِّئاً وَأَخْلاطاً لَهُمْ، وَجُمُوعاً مِنْ شُذّاذِ العَرَبِ، فَغَزا بِهِمْ بَنِي عامِرٍ وَمَنْ جاوَرَهُمْ مِنْ قَبائِلِ العَرَبِ مِنْ قَيْسٍ، وَسارَ إِلَيْهِمْ فَصَبَحَهُمْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ انْهَزَمَتْ بَنُو عامِرٍ. وَيُقالُ إنّهُ أَسَرَ عامرَ بنَ الطُّفيلِ فَجَزَّ ناصِيَتَهُ وَأَطْلَقَهُ. ووردَ أنّهُ أسرَ الحُطَيْئَةَ الشّاعِرَ وكعبَ بنَ زُهيرٍ.
وَأَغارَ عَلَى بَنِي مُرَّةَ بنِ غَطَفانَ، فَأَسَرَ الحارِثَ بْنَ ظالِمٍ وَامْرَأَتَهُ فِي غارَتِهِ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِما، وَقالَ يَذْكُرُ ذلِكَ:
أَلَا هَـلْ أَتَـى غَوْثـاً وَرُومَـانَ أَنَّنَا صـَبَحْنَا بَنِـي ذُبْيَانَ إِحْدَى الْعَظَائِمِ
وَسـُقْنَا نِسـَاءَ الْحَـيِّ مُـرَّةَ بِالْقَنَا وَبِالْخَيْلِ تَرْدِي قَدْ حَوَيْنَا ابْنَ ظَالِمِ
وَأَغارَ كَذلِكَ عَلَى بَنِي فَزارَةَ وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
كَـرَرْتُ عَلَـى أَبْطَـالِ سـَعْدٍ وَمَالِكٍ وَمِثْلِـي دَعَا الدَّاعِي إِذَا هُوَ نَدَّدَ
فَلَأْيـاً كَـرَرْتُ الْوَرْدَ حَتَّى رَأَيْتُهُمْ يَكُبُّونَ فِي الصَّحْرَاءِ مَثْنَى وَمَوْحَدَا
وَفِي السَّنَةِ التّاسِعَةِ لِلهِجْرَةِ وَفَدَ زَيدُ الخَيْلِ عَلَى رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي عِدَّةٍ مِنْ طَيِئٍ، فَأَناخُوا رِكابَهُمْ بِبابِ المَسْجِدِ، وَدَخَلُوا وَرَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النّاسَ، فَلَمّا رَآهُمْ قالَ: إِنِّي خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ العُزَّى، وَمِمّا حازَتْ مَناعٌ مِنْ كُلِّ ضارٍّ غَيْرِ يفاعٍ، وَمِنْ الجَبَلِ الأَسْوَدِ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَقامَ زَيْدٌ، وَكانَ مِنْ أَجْمَلِ الرِّجالِ وَأَتَمِّهِمْ، وَكانَ يَرْكَبُ الفَرَسَ المُشْرِفَ وَرِجْلاهُ تَخَطّانِ الأَرْضَ كَأَنَّهُ عَلَى حِمارٍ، فَقالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلّا اللّٰهُ وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ. قالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قالَ: أَنا زَيْدُ الخَيْلِ بنُ مُهَلْهَلٍ. فَقالَ رَسُولُ اللّٰهِ: بَلْ أَنْتَ زَيْدُ الخَيْرِ، وَقالَ: الحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي جاءَ بِكَ مِنْ سَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، وَرَقَّقَ قَلْبَكَ عَلَى الإِسْلامِ، يا زَيْدُ، ما وُصِفَ لِي رَجُلٌ قَطُّ فَرَأَيْتُهُ إِلّا كانَ دُونَ ما وُصِفَ بِهِ إِلّا أَنْتَ، فَإِنَّكَ فَوْقَ ما قِيلَ فِيكَ. وَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِيكَ لَخِصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ، قالَ: وَما هُما يا رَسُولَ اللّٰهِ؟ قالَ: الأَناةُ وَالحِلْمُ، فَقالَ زَيْدٌ: الحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى ما يُحِبُّ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ.
فَلَمّا وَلَّى قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ رَجُلٍ إِنْ سَلِمَ مِنْ آطامِ المَدِينَةِ.
وَذُكِرَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ دَعَواتٍ كانَ يَدْعُو بِها فَيَعْرِفُ الإِجابَةَ، وَيَسْتَسْقِي فَيُسْقَى، وَقالَ: يا رَسُولَ اللّٰهِ، أَعْطِنِي ثَلاثَمِئَةِ فارِسٍ أُغِيرُ بِهِمْ عَلَى قُصُورِ الرُّومِ، فَقالَ لَهُ: أَيُّ رَجُلٍ أَنْتَ يا زَيْدُ، وَلكِنْ أُمُّ الكَلْبَةِ تَقْتُلُكَ- يَعْنِي الحُمَّى- فَلَمْ يَلْبَثْ زَيْدٌ بَعْدَ انْصِرافِهِ إِلّا قَلِيلاً حَتَّى حُمَّ وَماتَ.
وَوَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُكْمِ أَكْلِ ما تَصِيدُهُ الكِلابُ مِنَ الوُحُوشِ فَقالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: "إِذا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَكُلْ مِمّا أَمْسَكَ"، أَوْ كَما قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ المَهامِّ بَعْدَ ذلِكَ فَقَدْ رَوَدَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَى الجَرّارِ رَئِيسِ تَغلِبَ وَكانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى الإِسْلامَ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ زيداً بِقِتالِهِ، فَمَضَى زَيْدٌ فَقاتَلَهُ فَقَتَلَهُ لَمّا أَبَى الإِسْلامَ، وَقالَ فِي ذلِكَ:
صـَبَحْتُ حَـيَّ بَنِي الْجَرَّارِ دَاهِيَةً مَا إِنْ لِتَغْلِبَ بَعْدَ الْيَوْمَ جَرَّارُ
نَحْوِي النِّهَابُ وَنَحْوِي كُلَّ جَارِيَةٍ كَـأَنَّ نِقْبَتَهَـا فِي الْخَدِّ دِينَارُ
بَعْدَ أَنْ وَفَدَ زَيْدٌ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فِي السَّنَةِ التّاسِعَةِ أَخَذَتْهُ الحُمَّى فَقالَ:
أُنِيخَـتْ بِآجَـامِ الْمَدِينَـةِ أَرْبَعـاً وَخَمْسـاً يُغَنِّـي فَوْقَهَا اللَّيْلَ طَائِرُ
فَلَمَّـا قَضـَى أَصـْحَابُنَا كُـلَّ بُغْيَـةٍ وَخَـطَّ كِتَابـاً فِـي الصـَّحِيفَةِ سَاطِرُ
شــَدَدْتُ عَلَيْهَـا رَحْلَهَـا وَشـَلِيلَهَا مِنَ الدَّرْسِ وَالشَّعْرَاءِ وَالْبَطْنُ ضَامِرُ
فَمَكَثَ سَبْعاً، ثُمَّ اشْتَدَّتْ الحُمَّى بِهِ فَخَرَجَ، فَقالَ لِأَصْحابِهِ: جَنِّبُونِي بِلادَ قَيْسٍ، فَقَدْ كانَتْ بَيْنَنا حَماساتٌ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَلا وَاللّٰهِ لا أُقاتِلُ مُسْلِماً حَتَّى أَلْقَى اللّٰهَ. فَنَزَلَ بِماءٍ لِحَيٍّ مِنْ طَيِّئٍ يُقالُ لَهُ فَرْدَةُ، وَاشْتَدَّتْ بِهِ الحُمَّى، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أَمُرْتَحِـلٌ صـَحْبِي الْمَشـَارِقَ غُـدْوَةً وَأُتْـرَكَ فِـي بَيْـتٍ بِفَـرْدَةَ مُنْجِـدِ
سَقَى اللهُ مَا بَيْنَ الْقَفِيلِ فَطَابَةٍ فَرُحْبَـةٍ إِرْمَـامٍ فَمَـا حَـوْلَ مُرْشِدِ
فَمَكَثَ بِالفَرْدَةِ سَبْعَةَ أَيّامٍ ثُمَّ ماتَ. وَقِيلَ إِنَّهُ ماتَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ رضي اللّه عنهُ كَما ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الإِصابَةِ).