
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الزّبرقانُ بن بدرٍ، شاعرٌ صحابِيٌّ مخَضرَم. عاشَ في الجاهليّةَ وأدركَ الإسلامَ فأسلمَ، واسمُهُ حُصَيْن ولكنْ سُمّيَ بالزِّبْرِقانِ لجمالهِ الشبيهِ بالقمرِ، وقيلَ لأنّهُ كان يصبِغُ عمامَتَهُ بالزّعْفرانِ. وهو سيّدٌ من ساداتِ قومِهِ وأحدُ رؤساءَ تميمٍ المشهورينَ، وقد حاربَ في صفوفِ جيشِ خالدٍ بن الوليدِ وسعدِ بن أبي الوقّاص وشاركَ في الفتوحاتِ وحروبِ الرّدّةِ وعاشَ إلى خلافةِ معاويةَ بن أبي سفيانَ وتوفّيَ سنةَ 45هـ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هوَ حُصَيْنُ بن بدرِ بنُ خلفِ بن بهدلةَ بنُ عوفِ بنُ كعبِ بن سعد بن زيدِ مناةٍ بن تميم التميمي السّعْديّ.
وسُمّيَ بالزّبْرِقانِ لجمالِه، والزِّبْرِقانُ: القمَرَ، وقيلَ كانَ يُقالُ له قمرُ نجْدٍ. وكانَ ممّنْ يدخلُ مكّةَ مُتَعَمِّمًا لحُسْنِه. وقيلَ لأنَّهُ كانَ يصبغُ عِمامتهُ بالزّعْفرانِ وكانَت سادةُ العربِ تفعلُ ذلك. وقيلَ بسببِ خِفَّةِ لِحْيَتِه.
ولهُ ثلاثُ كُنى: أبو عبّاس، وأبو عيّاش، وأبو شَذرة.
وأمَّا قبيلتُه تميمٌ فهِيَ جمجمةٌ من جماجمَ العربِ الكبْرى وأمنعُ القبائلِ العربيّةِ جانبًا، وبيتُهُ يحتلُّ مركز الصّدارةِ فيها؛ إذْ كانَ يُقالُ "العددُ من بني تميمٍ في بني سَعْد، والبيتُ في دارمٍ، والفرسانُ في يربوعٍ". ولشرفِهِ وشهرتِه كانَ إذا تغرَّبَ رجُلٌ من قبيلتهِ وسُئِلَ عن نسبِهِ انتسبَ إليهِ، فقيلَ:
وما حَلَّ سَعْدِيٌّ غَرِيبًا بِبَلْدَةٍ=فَيُنْسَبَ إلَّا الزِّبْرقانُ لَهُ أبُ
وكان والدُه بدرٌ أحدَ زعماءَ تميمٍ المشهورينَ، وأمُّه من باهلة. وزوجتُه ذاتُ الخمارِ، هُنَيدةُ بنتُ صعصعةٍ عمّةُ الشاعرِ الفرزدقِ.
وأختُهُ خليدةُ التي نالتها سهام المُخَبّل السعديّ عندما هجا الزّبرقان.
ومن أبنائِهِ: عيّاشٌ والعبّاسُ وشذرةٌ.
ولهُ عددٌ من البنات زوّجهُنَّ من أُسَرٍ قرشيّةٍ شريفةٍ، وكانَ أزواجَهُنّ: سعدُ بن أبي وقّاص، والمسوَّرُ بن مخرمة الزهريّ، وعامرُ بن أميّةَ الضمريّ، والحارثُ بن أبي الحكمِ بن أبي العاص بن أميّة بن عبدِ شمسٍ، وعثمانُ بنُ أبي العاص، والحكمُ بن أبي العاص، وأميّةُ بن أبي العاص.
وأشهرُ بناتِه بكرةُ أمُّ يزيدٍ بن الحكمِ بنُ أبي العاص الثقفيّ الشاعرِ المشهورِ، وقيلَ إنّها أوّلُ عربيّةٍ ركبتْ البحرَ.
ولهُ عقبٌ بطَلَبيرة في الأندلسِ، وكانَ أوّلُ نزولِهم الأندلسَ نزلوا بقريةٍ ضخمةٍ تسمّى الزّبارقة، نسبةً إليهم لكنْ غلَبَهُمْ عليها النّصارى فانتقلوا إلى طَلَبيرة، ومحلَّتُهم كانتْ معروفةً بحومةِ العربِ، وإيّاهمْ عنى الشاعرُ عندَ مدحِهِ لأبي عامرٍ المنصورِ في إحدى فتوحاتِهِ حينَ قالَ:
فَلَوْ شاءَ أَهْلُ الزِّبْرِقانَ تَحَمَّلُوا=فَعادُوا إِلى أَوْطانِهِمْ بِالزَّبارِقِ
وابنُ خالتِه عمرو بن معدّ يكرُب الشاعرُ المشهورُ والفارسُ المعروفُ.
لمْ نجدْ في المصادرِ الّتي بينَ أيدينا الكثير عن نشأتِه وصباهُ، ولكنّ جُلَّ ما وَرَدَنا عنهُ هوَ في فتوّتهِ وشبابِه وصدرٍ من كهولتِه؛ فقدْ كان مشهورًا بالفروسيّةِ والشّاعريّةِ في الجاهليّةِ. وكانَ يقودُ قومَه في حروبِهمْ ومعارِكِهمْ، وشَهِدَ يومَ (المُشَقَّر) ضدّ الفُرْسِ؛ إذْ إنَّ بني تميمٍ وألفافًا من القبائلِ قطعوا الطريقَ على لطيمَةٍ لكسرى (واللّطيمةُ: عِيرٌ تحملُ المِسْكَ والبَزّ وغيرَهُما للتجارةِ)، جاءتْ من باذام من اليمنِ، فلمّا صارتْ في أرضِ نجدٍ، خَفَرها هوذة بن عليّ الحنفيّ فعرضَ لها بنو تميمٍ بموضعٍ يُقال لهُ نطاع، فأخذوا منها سيوفًا ومناطقَ وذهبًا وآنيةً، وجوهرًا وعِطْرًا، وكانَ الزبرقانُ فيهم وقالَ:
اللهُ أَعْطانِي وَأَنْعَمْ يَوْمَ زَوْمَلَةَ الْأَعاجمْ
وكانَ على صِلَةٍ بشعراءَ عصرِهِ كعمرو بن الأهتمْ، وعبدةَ بن الطبيبِ، والمخبَّلِ السعديّ، وتحاكُمِهِمْ إلى ربيعةَ بن حذارٍ الأسديّ ليحكُمَ بينَهم أيُّهم أشعرُ.
وقدْ جرتْ مهاجاةٌ بينَه وبينَ عمرو بن الأهتم والمخبّلِ ولكنْ لمْ تصلْنا الأشعارُ وضاعتْ كما ضاعَ كثيرٌ من شعرِ الزبرقانِ وغيرِهِ، ولكنْ يُرجِّحُ المؤرّخونَ أنّ سببَ الهجاءِ بينَهُ وبينَ عمرو هوَ على السّيادةِ والقيادةِ فكلاهُما سيّدٌ في قومِهِ، أمّا المخبّلُ فقيلَ إنّهُ أرادَ خِطبةَ خليدةَ أختِ الزبرقانِ فمنعَهُ إيّاها وردّهُ لشيءٍ في عقلِه، فهجاهُ المخبَّلُ ونالَ خليدةَ بعضُ ذلكَ الهجاءِ، ولكنَّه مرَّ يومًا بخليدةَ وقدْ أصابَهُ كَسْرٌ وهوَ لا يعرفُهَا فآوتُه وجبرَتْ كسرَهُ فلمّا عرفَها ندمَ وقالَ:
لَقَدْ ضَلَّ حِلْمِي فِي خُلَيْدَةَ ضَلّةً سَأُعْتِبُ قَوْمِي بَعْدَها وَأَتُوبُ
وَأَشْهَدُ وَالْمُسْتَغْفَرُ اللهُ أَنَّنِي كَذَبْتُ عَلَيْها وَالْهِجاءُ كَذُوبُ
وقيل كانَ هجاؤه أقربَ للعتابِ لأنَّه كانَ حليمًا كما عاتب ابن عمّه فقال:
وَلِــيَ ابْـنُ عَـمٍّ لا يَـزا لُ يَعِيبُنِـي وَيُعِيـنُ عائِبْ
وَأُعِينُــهُ فِـي النَّائِبـا تِ وَلا يُعِينُ عَلَى النَّوائِبْ
تَسْــرِي عَقــارِبُهُ إِلَــيْ يَ وَلا تَنــاوَلُهُ عَقــارِبْ
وَأَسلمَ الزّبرقانُ في السّنةِ التاسعةِ للهجرةِ، وكَانَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدَّمُوا عَطَارِدَ بْنَ حَاجِبٍ فَخَطَبَ، أَمَرُوا الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ فَقَامَ فَأَنْشَدَ شِعْرًا قَالَهُ يَفْخَرُ فِيهِ:
نَحْــنُ الْكِــرامُ فَلا حَـيٌّ يُعادِلُنـا مِنَّـا الْمُلُـوكُ وَفِينـا تُنْصَبُ الْبِيَعُ
وَكَــمْ قَسَرْنا مِـنَ الْأَحْيـاءِ كُلِّهِـمُ عِنْـدَ النِّهـابِ وَفَضْـلُ الْعِـزِّ يُتَّبَـعُ
فلمّا فرغَ من إنشادِهِ، قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم لحسّانَ بنُ ثابتٍ: قُمْ يا حسّانُ، فأجِبْ الرجلَ. فقامَ حسّانٌ فقالَ:
إنَّ الذَّوائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كانَتْ سَرِيرَتُهُ تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلُّ الْخَيْر يُصْطَنَعُ
وَخَلَا الْوَفْدُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ قَائِلُهُمْ: تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مُؤَيَّدٌ مَصْنُوعٌ لَهُ، لَخَطِيبُهُمْ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُمْ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَهُمْ أَحْلَمُ مِنَّا، فأسلموا.
واسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ عَلَى صَدَقَةِ قَوْمِهِ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ. فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَيْهَا، وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ وَمَنَعُوا الصَّدَقَةَ وَثَبَتَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدَّاهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وعندما وُجِّهَ خالدٌ بن الوليدِ لقتالِ المرتدّينَ كانَ الزبرقانُ أحدَ قادتِهِ الّذينَ أبلُوا بلاءً حسَنًا في القتالِ، وشهدَ مع خالدٍ اليمامةَ والمشاهدَ كلَّها. وشاركَ في فتوحاتِ العراقِ ومعركةِ القادسيّةِ مع زوجِ ابنتِهِ سعدِ بن أبي وقّاص، وقدْ أبلَى فيها أحسنَ البلاءِ كذلك.
وقدْ هجاهُ الحطيئةُ، وكانَ سببَ ذلك أنَّ الحطيئةَ لقيَ الزبرقانَ بـ "قرقرى" ومعه ابناه أوسٌ وسوادةٌ وبناتُه وامرأتُه فعرفُهُ الزبرقانُ وسألَهُ أينَ تريدُ؟ قالَ: العراقَ لأصادفَ من يكفينِي عيالِي وأصفِيْهِ مدْحِي، فقالَ لهُ: لقيتَهُ، قالَ: منْ؟ قالَ: أنا، قالَ: من أنتَ؟ قالَ: الزبرقانُ بن بدرٍ. وكتبَ لهُ كتابًا إلى امرأتِه، لتعطِيهُ وتنفِقُ عليهِ، فبلغَ ذلكَ بغيضَ بن عامرٍ وإخوته وبني عمِّه، وكانوا ينازعونَ الزبرقانَ الرّياسةَ، فدسُّوا إلى أمّ بدرةَ امرأةِ الزّبرقانِ أنَّ الزبرقانَ يريدُ أنْ يتزوّجَ بنتَ الحطيئةِ، ولذلكَ أمركِ أنْ تكرِمِيهِ، فجَفَتْهُ أمّ بدرة، فأرسلَ بغيضٌ وأهلُه إلى الحطيئةِ أنِ ائْتِنا فنحنُ أحسنُ لكَ جوارًا من الزّبرقانِ، وأطمَعُوهُ ووعدُوهُ، فتحوَّل إليهم، فلمّا جاءَ الزبرقانُ بلغُهُ الخبرُ فركبَ إليهِم، فقالَ لهُمْ: ردُّوا عليّ جارِي، فأبُوا حتّى كادَ أنْ يكونَ بينَهم حربٌ، فحضرَهُم أهلُ الحيِّ فاصطلحُوا على أنْ يخيّرُوهُ، فاختارَ بغيضًا ورهطَه، فجعلَ الحطيئةُ يمدحُهُمْ منْ غيرِ أنْ يتعرَّضَ بالزبرقانِ، فلمْ يزلْ كذلكَ حتى أرسلَ الزبرقانُ إلى شاعرٍ من النمرِ بن قاسطٍ يقالُ لهُ: دثار بن شيبان فهجا بغيضًا وآل بيتِهِ، فلمَا سمعَ الحطيئةُ شعرَ دثارٍ، حمِيَ لجيرانِهِ، فقالَ شعرَه في الزّبرقانِ معرِّضًا بهِ:
مـا كانَ ذَنْبُ بَغِيضٍ أَنْ رَأى رَجُلاً ذا فاقَـةٍ عـاشَ فِـي مُسْتَوْعِرٍ شاسِ
جـارٌ لِقَـوْمٍ أَطـالُوا هُونَ مَنْزِلِهِ وَغــادَرُوهُ مُقِيمـاً بَيْـنَ أَرْمـاسِ
مَلُّــوا قِــراهُ وَهَرَّتْــهُ كِلابُهُـمُ وَجَرَّحُـــوهُ بِأَنْيـــابٍ وَأَضــْراسِ
دَعِ الْمَكـارِمَ لا تَرْحَـلْ لِبُغْيَتِهـا وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكاسِي
وَابْعَـثْ يَسـاراً إِلـى وُفْرٍ مُذَمَّمَةٍ وَاحْـدِجْ إِلَيْها بِذِي عَرْكَيْنِ قِنْعاسِ
فاستعدى الزبرقانُ عمرَ عليه، فحبسَ الحطيئةَ أيّامًا، فقالَ وهو محبوسٌ:
ماذا تَقُولُ لِأَفْراخٍ بِذِي مَرَخٍ زُغْبِ الْحَواصِلِ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ
أَلْقَيْتَ كاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ فَاغْفِرْ عَلَيْكَ سَلامُ اللهِ يا عُمَرُ
ولم يكنِ امتناعُ الزّبرقانِ عن الردِّ على هجاءِ الحطيئةِ لضعفٍ وعِيٍّ؛ فهوَ الشاعرُ المفلقُ كما قالَ عنهُ ابنُ سلّام، ولكنّه وهو الحليمُ في الجاهليّة فقدْ رأى أنَّ الهجاءَ ممّا يُؤجِّجُ الشحناءُ والبغضاءُ بين الناسِ، وأنّه ابتعادٌ عن التقوى وحقيقةِ الدّينِ الّذي دخلَهُ ودخَلَ قلبَهُ.
ولمّا توفّيَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم رثاهُ بأبياتٍ رقيقةٍ فقالَ:
آلَيْتُ لا أَبْكِي عَلى هالِكٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ خَيْرِ الْأَنامْ
بَعْدَ الَّذِي كانَ لَنا هادِياً مِنْ حَيْرَةٍ كانَتْ وَبَدْرَ الظَّلامْ
عاشَ الزّبرقانُ عُمْراً طويلاً فقد شاخَ وأسنَّ وكُفَّ بصرُه، وتوفّيَ على الأرجحِ في خلافةِ معاويةَ بن أبي سفيانَ نحوَ 45هـ كما يرى كثيرٌ من المؤرّخينَ ومنهم الزّركلي.
كان شاعراً حَسَنَ الأداءِ، وجيّدَ المعاني، جَزِلَ العبارةِ، متينَ السَّبْكِ. وقالَ عنهُ ابنُ سلّامٍ في طبقاتِه: الزّبرقانُ شاعرٌ مفلقٌ. وقالَ الأصمعيّ: إنّ خُفافَ بنُ ندبةِ وعنترةَ العبسيّ والزّبرقانَ بن بدرٍ والعبّاسَ بن مرداسٍ أشعرُ الفرسانِ. وقدْ عدَّهُ العسكريُّ كذلكَ من جملةِ أشعرِ الفرسانِ معَ دريدِ بن الصِّمّةِ وعنترةِ وخفافِ وعروةَ بن الوردِ وغيرِهم. وعدَّه القلقشنديّ من الشعراءِ المشاهيرِ الطائري السُّمْعةِ.
وكانَ إضافةً إلى شاعريّتِهِ وفروسيّتهِ أنّهُ كانَ كاتبًا، وذكرَ أبو الفرجِ الأصفهانيّ أنَّ عددًا من الشّعراءِ الجاهليّينَ كانوا يكتبونَ ويقرؤونَ، ومن هؤلاءِ الزّبرقانُ بن بدرٍ وسويدُ بن الصّامتِ وكعبُ بن زهير والنابغةُ الذبيانيّ وغيرهم.
وهو شاعرُ تميمٍ الّذي قدَمتُهُ يومَ وفْدِها على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فأنشدَ باسمِها ونوَّهَ بمآثِرِها. وهذا أمرٌ لهُ دلالتُه على علوِّ شأنِه بينَ شعراءَ قبيلتِهِ الكُثُر.
وقدْ طَرَقَ في شِعْرِه موضوعاتٍ عِدّة كالفخرِ والحماسةِ والرثاءِ والمديحِ، ولكنْ كانَ الأكثرُ في الفخرِ والحماسةِ بما يناسبُ شخصيّتَه الفروسيّة.