
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الحارِثُ بنُ عُبادٍ، مِنْ ساداتِ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ سادَةِ العَرَبِ وَحُكَمائِهِمْ، اعْتَزَلَ حَرْبَ البَسُوسِ وَقالَ فِيها قَوْلَتَهُ الَّتِي أَصْبَحَتْ مَثَلاً (لا ناقَةَ لِي فِيها وَلا جَمَلَ)، حَتَّى قَتَلَ المُهَلْهِلُ ابْنَهُ بُجَيْراً وَقِيلَ إنّه ابْنُ أَخِيهِ، فَثارَ الحارِثُ وَقالَ قَصِيدَتَهُ المَشْهُورَةَ (قَرِّبا مَرْبِطَ النَّعامَةِ مِنِّي) وَقد أَكْثَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ القَتْلَ، وَنُصِرْتْ بِهِ بَكْرٌ عَلَى تَغْلِبَ، وَعُرِفَ بِشَجاعَتِهِ وَوَفائِهِ حَتَّى قِيلَ (أَوْفَى مِنْ الحارِثِ بنِ عُبادٍ).
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
هُوَ الحارِثُ بنُ عُبادٍ بنِ ضُبَيعَةَ بنِ قَيسٍ بنِ ثَعلبةَ بنِ عُكابةَ بنِ صَعْبٍ بنِ عليٍّ بنِ بكرٍ بنِ وائلٍ، فهُوَ يَنتسِبُ إِلى واحِدةٍ مِن أَشهرِ قبائلِ رَبيعَةَ وَهِي قَبيلةُ بَكرٍ بنِ وائلٍ، وتُعدُّ قَبيلةُ بَكرِ بنِ وائلٍ مِن أَعْظمِ القَبائلِ المُحارِبَةِ، فقد غَزَتْ تُخومَ الأمبراطوريَّةِ الفارسيَّةِ، فَجهَّزَ المَلكُ شابورُ حوالي سَنةَ 330م جيشاً لتأديبِها، فَقتلَ وَسَبَى وأَسَرَ عدداً كبيراً مِنَ الأَسرى فِي فارس، ويُذكرُ أنَّهُ كانَ للنُّعمانِ بنِ المُنذرِ كَتيبةٌ يُقالُ لَها الصَّنائِعُ، وَهُم صَنائِعُ المَلِكِ، أَكْثرهُم مِن بَكرٍ بنِ وائلٍ، وَأَشْهَرُ وَقعاتِ هذه القبيلة هي حربُ البَسوسِ معَ قبيلةِ تغلبَ حوالي سنةَ 490م، وهي الحربُ الَّتي اعتَزَلَها الحارِثُ بنُ عُبادٍ فِي البِدايةِ ثُمَّ أُجبِرَ عَلَى خوضِها بِها بعدَ ذلكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي (جَمْهَرَة أَنْسابِ العَرَبِ) أَنَّ لِلحارِثِ أَخَوانِ اثْنانِ هُما عَمْرٌو وَجَرِيرٌ، وَوَرَدَ فِي مَصادِرَ أُخْرَى أَنَّ لَهُ أَخاً ثالِثاً هُوَ مُرَّةُ، غَيْرَ أَنَّ الحارِثَ يَذْكُرُ فِي بَعْضِ شِعْرِهِ أَنَّ لَهُ تِسْعَةَ إِخْوَةٍ وَذلِكَ فِي قَوْلِهِ:
ظَنَنْتُــمْ سـَدُوسُ إِذْ قَتَلْتُـمُ والِـدِي وَتِســْعَةَ إِخْــوانِي أُمِــدُّ بِعاشــِرِ
وَلِلحارِثِ وَلَدٌ اسْمُهُ بُجيْرٌ كانَ قَدْ قَتَلَهُ المُهَلْهِلُ، وَقِيلَ إِنَّ بُجِيراً هُوَ ابْنُ أَخِ الحارِثِ عَمْرٍو بنِ عُبادٍ. وَلَعَلَّ لَهُ أَبْناءً آخَرِينَ حَيْثُ كانَ يُكَنَّى بِأَبِي المُنْذِرِ، وَقَدْ وَرَدَ ذلِكَ فِي قِصَّتِهِ عِنْدَ ثَأْرِهِ مِنْ قَبِيلَةِ تَغْلِبَ فَقد أَكْثَرَ فِيهِم القَتْلَ وَكانَ قَدْ آلَى عَلَى نَفْسِهِ أَلّا يَكُفَّ عَنْهُمْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ فِيهِمْ الأَرْضُ، وَحِينَ أَكْثَرَ مِنْ القَتْلِ فِيهِمْ حَفَرُوا سِرْداباً فِي الأَرْضِ وَوَضَعُوا فِيهِ رَجُلاً يُنادِي:
أَبا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعضَنا حَنانَيكَ بَعضُ الشَّرِّ أَهوَنُ مِنْ بَعْضِ
وَيَظْهَرُ أَنَّ ذُرِّيَّتَهُ مِن البَناتِ كانَتْ كَثِيرَةً، وَكُنَّ مَضْرِبَ المَثَلِ فِي الجَمالِ وَالشَّرَفِ فَيُقالُ "أَشْرَفُ مِنْ بَناتِ الحارِثِ بْنِ عُبادٍ" كَما وَرَدَ فِي كِتابِ (الحَيوان)، وَوَرَدَ أيْضاً ذِكْرَهُنَّ فِي قَوْلِ الفَرَزْدَقِ:
أَراهـا نُجـومَ اللَّيلِ وَالشَّمسُ حَيَّةٌ زِحـامِ بَنـاتِ الحـارِثُ بـنِ عُبـادِ
نِســاءٌ أَبـوهُنَّ الأَغَـرُّ وَلَـم تَكُـن مِـنَ الحُـتِّ فـي أَجبالِهـا وَهَـدادِ
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الحارِثَ تَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ امْرَأَةٍ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي (مَجْمَعِ الأَمْثالِ) أَنَّ الحارِثَ طَلَّقَ بَعْضَ نِسائِهِ مِنْ بَعْدِ ما أَسَنَّ وَخَرِفَ، فَخَلَفَ عَلَيْها بَعْدَهُ رَجُلٌ كانَتْ تُظْهِرُ لَهُ مِن الوَجْدِ بِهِ مالم تَكُنُّ تُظْهِرُ لِلحارِثِ، فَلَقِيَ زَوْجُها الحارِثُ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلَتِهِ مِنْها، فَقالَ الحارِثُ: (عِشْ رَجَباً تَرَ عَجَباً) فَأَرْسَلَها مَثَلاً، وَقد ذَكَرَ مِنْ نِسائِهِ (أَمِّ الأَغَرِ) فِي قَوْلِهِ:
قُــلْ لِأُمِّ الْأَغَــرِّ تَبْكِــي بُجَيْــراً حِيــلَ بَيْــنَ الرِّجــالِ وَالْأَمْـوالِ
الحارِثُ بنُ عُبادٍ مِنْ ساداتِ قَوْمِهِ وَمِنْ فُرْسانِهِمْ المَعْدُودِينَ، وَكانَ مِنْ ذَوِي الشَّأْنِ وَالسِّيادَةِ عِنْدَ العَرَبِ، وَمِمّا يَدُلُّ عَلَى ذلِكَ أَنَّهُ كانَ مِمَّنْ اخْتارَهُم النُّعْمانُ بْنُ المُنْذِرِ مِنْ ضِمْنِ أَشْرافِ العَرَبِ لِلوُفُودِ عَلَى كِسْرَى لِيَسْمَعَ مِنْهُمْ كما وَرَدَ فِي كِتابِ (العِقْدِ الفَرِيدِ) عَنْ وُفُودِ العَرَبِ إِلَى كِسْرَى، وَقَدْ ظَهَرَ الحارِثُ مِنْ خِلالِ كَلِمَتِهِ وحوارِهِ مع كِسرى حَكِيماً شُجاعاً مُقَدَّماً بَيْنَ العَرَبِ، فَقَدْ قالَ لِكِسْرَى:
دامَتْ لَكَ المَمْلَكَةُ بِاِسْتِكْمالِ جَزِيلِ حَظِّها، وَعُلُوِّ ثَنائِها، مَنْ طالَ رشاؤُهُ كَثُرَ مَتْحُهُ، وَمَنْ ذَهَبَ مالُهُ قَلَّ مَنْحُهُ. تَناقُلُ الأَقاوِيلِ يعْرِفُ اللُّبَّ، وَهٰذا مَقامٌ سَيُوجِفُ بِما يَنْطِقُ فِيهِ الرَّكبُ، وَتَعْرِفُ بِهِ كُنْهَ حالِنا العَجَمُ وَالعَرَبُ، وَنَحْنُ جِيرانُكَ الأَدْنُونَ، وَأَعْوانُكَ المُعِينُونَ، خُيُولُنا جَمَّةٌ، وَجُيُوشُنا فَخْمَةٌ، إِنْ اسْتَنْجَدْتَنا فَغَيْرُ رُبْضٍ، وَإِنْ اسْتَطْرَقْتَنا فَغَيْرُ جُهْضٍ، وَإِنْ طَلَبْتَنا فَغَيْرُ غُمْضٍ، لا نَنْثَنِي لِذُعْرٍ، وَلا نَتَنَكَّرُ لِدَهْرٍ، رِماحُنا طِوالٌ، وَأَعْمارُنا قِصارٌ.
قالَ كِسْرَى: أَنْفُسٌ عَزِيزَةٌ، وَأُمَّةٌ وَاللّٰهُ ضَعِيفَةٌ.
قالَ الحارِثُ: أَيُّها المَلِكُ، وَأَنَّى يَكُونُ لِضَعِيفٍ عِزَّةٌ، أَوْ لِصَغِيرٍ مِرَّةٌ؟
قالَ كِسْرَى: لَوْ قَصُرَ عُمْرُكَ لَمْ تَسْتَوْلِ عَلَى لِسانِكَ نَفْسُكَ.
قالَ الحارِثُ: أَيُّها المَلِكُ، إِنَّ الفارِسَ إِذا حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الكَتِيبَةِ مُغَرِّراً بِنَفْسِهِ عَلَى المَوْتِ، فَهِيَ مِنِيَّةٌ اسْتَقْبَلَها، وَحَياةٌ اسْتَدْبَرَها، وَالعَرَبُ تَعْلَمُ أَنِّي أَبْعَثُ الحَرْبَ قِدماً، وَأَحْبِسُها وَهِيَ تصرَّفُ بِهِمْ، حَتَّى إِذا جاشَتْ نارُها، وَسُعِّرَتْ لَظاها، وَكَشَفَتْ عَنْ ساقِها، جَعَلْتُ مَقادَها رُمْحِي، وَبَرْقَها سَيْفِي، وَرَعدَها زَئِيرِي، وَلَمْ أُقَصِّرْ عَنْ خَوْضِ خَضاخِضِها، حَتَّى أَنْغَمِسَ فِي غَمَراتِ لُجَجِها، وَأَكُونَ فَلَكاً لِفُرْسانِي إِلَى بَحبُوحَةِ كَبْشِها، فَأَسْتَمْطِرُها دَماً، وَأَتْرُكُ حُماتَها جَزَرَ السِّباعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمٍ.
ثُمَّ قالَ كِسْرَى لِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ العَرَبِ: أَكَذلُكَ هُوَ؟
قالُوا: فِعالُهُ أَنْطَقُ مِنْ لِسانِهِ.
قالَ كِسْرَى: ما رَأَيْتُ كَاليَوْمِ وَفْداً أَحْشَدَ، وَلا شُهُوداً أَوْفَدَ"
وَأَغْلَبُ أَخْبارِ الحارِثِ ارْتَبَطَتْ بِحَرْبِ البَسُوسِ وَمَوْقِفِهِ مِنْها، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ نَشْأَتِهِ إِلّا قِصَّتُهُ مَعَ حَرْب سُدُوسٍ وَالَّتِي كانَ هُوَ السَّبَبَ فِي وُقُوعِها، وَقَدْ ذَكَرَها لُوِيس شِيخُو فِي (شُعَراءِ النَصْرانِيَّةِ)، وَفيها أَنَّ الحارِثَ فِي بِدايَةِ شَبابِهِ قَتَلَ غُلاماً مِنْ بَنِي سُدُوسٍ بَعْدَ أَنْ تَشاجَرا عَلَى مَوْرِدِ الإِبِلِ، فَأَقْبَلَ الفَضِيلُ بْنُ عِمْرانَ السدوسيّ عَلَى الحارِثِ فَرَماهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَاتبَعَهُ بِغُلامِهِ، فَوَقَعَتْ بِسَبَبِ ذلِكَ حَرْبٌ عُرِفَتْ بِحَرْبِ سُدُوسٍ، وَقَدْ قُتِلَ فِيها أَبُو الحارِثِ عُبادُ بْنُ ضُبيعَةَ، وَصارَ لِلحارِثِ بْنِ عُبادٍ اسْمٌ فِي قَوْمِهِ. وَشَهِدَ يَوْمَ خَزازٍ وَجادَتْ فِيهِ مَشاهِدُهُ وَحُسُنُ بَلاؤُهُ وَبارَزَ فُرْساناً مِنْ حِميرٍ وَقَتَلَهُمْ، حَتَّى سادَ قَوْمَهُ بَعْدَ ذلِكَ.
ولمّا وَقعتْ حَرْبُ البَسُوسِ كانَ الحارثُ مِنْ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الحَرْبَ وَتَنَحَّى بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ إِخْوَتِهِ وَأَقارِبِهِ وَحَلَّ وَتَرَ قَوْسِهِ وَنَزَعَ سِنانَ رُمْحِهِ، وَذلِكَ أَنَّهُ اسْتَعْظَمَ قَتْلَ كُلَيبٍ لِسُؤدَدِهِ فِي ناقَةٍ، وَقالَ قَوْلَتَهُ الشَّهِيرَةَ الَّتِي ذَهَبَتْ مَثَلاً "لا ناقَةَ لِي فِي هذا وَلا جَمَلَ"، وَكانَ الحارِثُ فِي هذا المَوْقِفِ مُتَجاوِباً مَعَ مَوْقِفِ بُطُونٍ أُخْرَى مِنْ قَبِيلَةِ بِكْرٍ مِثْلِ بَني يَشْكُرَ وَبَنِي لُجَيمٍ، وَمِمّا يُرْوَى أَنَّ سَعْدَ بْنَ مالِكٍ عَرَّضَ بِمَوْقِفِ الحارِثِ بنِ عُبادٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ اعْتَزَلُوا الحَرْبَ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
يــا بُـؤْسَ لِلْحَـرْبِ الَّتِـي وَضـَعَتْ أَراهِـطَ فَاسْتَراحُوا
وَالْحَــرْبُ لا يَبْقَــى لِجـا حِمِهـا التَّخَيُّـلُ وَالْمِـراحُ
إِلَّا الْفَتَى الصَّبَّارُ فِي النْـ نَجَـداتِ وَالْفَـرَسُ الْوَقـاحُ
بِئْسَ الْخَلائِفُ بَعْــــــدَنا أَوْلادُ يَشـــْكُرَ وَاللِّقــاحُ
مَــنْ صــَدَّ عَـنْ نِيرانِهـا فَأَنـا ابْـنُ قَيْـسٍ لا بَراحُ
وَظَلَّ الحارِثُ عَلَى مَوْقِفِهِ مِنْ حَرْبِ البَسُوسِ حَتَّى قُتِلَ ابْنُهُ بُجيرٌ، فَقَدْ وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ بَجَيْراً خَرَجَ فِي أَثَرِ إِبِلٍ لَهُ نَدَتْ يَطْلُبُها فَعَرَضَ لَهُ مُهَلْهِلٌ فِي جَماعَةٍ يَطْلُبُونَ غِرَّةَ بَكْرٍ بنِ وائِلٍ، فَقالَ لَهُ امْرُؤُ القَيْسِ بْنُ أَبانَ التَغْلِبِيُّ- وَكانَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِمْ فِي حُرُوبِهِمْ: مَهْلاً يا مُهَلْهِلُ فَإِنَّ عَمَّ هذا وَأَهْلَ بَيْتِهِ قَدْ اعْتَزَلُوا حَرْبَنا وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي شَيْءٍ مِمّا نَكْرَهُ، وَوَاللّٰهِ لَئِنْ قَتَلَتْهُ لِيُقْتَلَنَّ بِهِ رَجُلٌ لا يُسْأَلُ عَنْ نَسَبِهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ مُهَلْهِلٌ إِلَى قَوْلِهِ وَشَدَّ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، وَقالَ: بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيبٍ، فَقالَ الغُلامُ: إِنْ رَضِيَتْ بِهذا بَنُو ثَعْلَبَةَ فَقَدْ رَضِيتُهُ. فَلَمّا بَلَغَ الحارِثُ قَتلَ بُجِيْرٍ قالَ: نِعْمَ الغُلامُ غُلامٌ أَصْلَحَ بَيْنَ ابْنَي وائِلٍ وَباءَ بِكُلَيبٍ. فَلَمّا سَمِعُوا قَوْلَ الحارِثِ: قالُوا لَهُ: إِنَّ مُهَلْهِلاً لَمّا قَتَلَهُ قالَ لَهُ: بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيبٍ- وَقالَ مُهَلْهِلٌ:
كُــلُّ قَـتِــيـلٍ كُلَيْـبٍ حُلَّامْ حَتَّـى يَنَالَ الْقَتْلُ آلَ هَمَّامْ
وقالَ أَيضاً:
كُـلُّ قَتِـيــلٍ فِي كُلَيْبٍ غِرَّه حَتَّى يَنَالَ الْقَتْلُ آلَ مُرَّه
فَغَضِبَ الحارِثُ عِنْدَ ذلِكَ فَنادَى بِالرَّحِيلِ وَقالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
قَرِّبــا مَرْبِــطَ النَّعامَــةِ مِنِّــي لَقِحَــتْ حَــرْبُ وائِلٍ عَــنْ حِيــالِ
قَرِّبــا مَرْبِــطَ النَّعامَــةِ مِنِّــي جَــدَّ واللَّــهِ جِــدُّ بَــأْسٍ عُضـالِ
وَقَدْ جَدَّ فِي قِتالِ بَنِي تَغْلِبَ، وَكانَ رَئِيسَ بَكْرٍ بنِ وائِلٍ فِي يَوْمِ قِضَةَ وَهو مِنْ أَيّامِ حَرْبِ البَسُوسِ، وَكانَتْ لِبَكْرٍ الغَلَبَةُ فِيهِ، وَفِي هذا اليَوْمِ أَسَرَ الحارِثُ بنُ عُبادٍ المُهَلْهِلَ بَعْدَ أَن انْهَزَمَ الناسِ وَهُوَ لا يَعْرِفُهُ، فَقالَ لَهُ: دُلَّنِي عَلَى المُهَلْهِلِ قالَ: وَلِي دَمِي؟ قالَ: وَلَكَ دَمُكَ، قالَ: وَلِي ذِمَّتُكَ وَذِمَّةُ أَبِيكَ؟ قالَ: نَعَمْ، ذلِكَ لَكَ، قالَ: فَأَنا مُهَلْهِلٌ، قالَ: دُلَّنِي عَلَى كَفءٍ لِبُجَيرٍ، قالَ: لا أَعْلَمُهُ إِلّا امْرَأَ القَيْسِ بْنِ أَبانَ، فَجَزَّ ناصِيَتَهُ وَقَصَدَ امْرَأَ القَيْسِ فَشَدَّ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ. فَقالَ الحارِثُ فِي ذلِكَ:
لَهْفَ نَفْسِي عَلَى عَدِيٍّ وَلَمْ أَعْـ ـرِفْ عَدِيًّا إِذْ أَمْكَنَتْنِي الْيَدانِ
فـارِسٌ يَضْرِبُ الْكَتِيبَةَ بِالسَّيـْ فِ وَتَســْمُو أَمـامَهُ الْعَيْنـانِ
طُلَّ مَنْ طُلَّ فِي الْحُرُوبِ وَلَمْ يُطْـ لَـلْ قَتِيـلٌ أَبـاتَهُ ابْنُ أَبانِ
وَبِسَبَبِ هذا المَوْقِفِ أَصْبَحَ الحارِثُ بْنُ عُبادٍ مَضْرِباً لِلمَثَلِ فِي الوَفاءِ، فَيُقالُ "أَوْفَى مِنْ الحارِثِ بنِ عُبادٍ" كَما وَرَدَ فِي (مَجْمَع الأَمْثالِ) لِلمَيْدانِيِّ.
لا يُعْرَفُ تارِيخٌ مُحَدَّدٌ لِوَفاةِ الحارِثِ بنِ عُبادٍ، لكِنْ مِنْ خِلالِ تَتَبُّعِ حَياتِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عاشَ حَتَّى مُنْتَصَفِ القَرْنِ السَّادِسِ المِيلادِيِّ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ حَيْثُ عاصَرَ حَرْبَ البَسُوسِ حَتَّى نِهايَتِها، وَقَدْ ذَكَرَ لُوِيس شِيخُو فِي كِتابِهِ (شُعَراءَ النَصْرانِيَّةِ) أَنَّ الحارِثَ تُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 550م، فِي حِينِ أَشارَ الزَرْكَلِيُّ في (الأعلام) أَنَّ وَفاتَهُ كانَتْ نَحْوَ سَنَةِ 570م.
كَـم وَقعَةٍ لي في الهَوى مَشهورَةٍ مـا كُنتُ فيها الحارِثَ بنَ عُبادِ
أَيُّهـا المُلزِمـي جَـرائِرَ قَـومِي بَعـدَما قَد مَضَتْ عَلَيها اللَّيالِي
لَـم أَكُـنْ مِـنْ جُناتِها عَلِمَ اللَّـ ـهُ وَإِنِّـي لِحَرِّهـا اليَـومَ صـالِ
قَرِّبــا مَرْبِــطَ النَّعامَــةِ مِنِّــي لَقِحَــتْ حَــرْبُ وائِلٍ عَــنْ حِيــالِ
لا بُجَيْــرٌ أَغْنــى قَتِيلاً وَلا رَهْـــ طُ كُلَيْــبٍ تَزاجَــرُوا عَــنْ ضــَلالِ
لَـمْ أَكُـنْ مِـنْ جُناتِهـا عَلِمَ اللَّـ ـــهُ وَإِنِّـي لِحَرِّهـا الْيَـوْمَ صـالِ
" أَوْفَى مِنَ الحَارِثِ بنِ عُبَادٍ"
(مجمع الأمثال/ الميداني).
(لُوِيس شيخُو/ شُعَراءُ النَّصْرانِيَّة)