
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
ذُو الإصْبَعِ العَدْوانِيُّ هو حُرْثانُ بنُ مُحرّثٍ بنِ ثعلبَةَ العَدْوانِيّ، مِن بَني قَيسِ بنِ عَيْلانَ، وَلُقِّبَ بِذي الإِصْبَعِ لِأَنَّ حَيَّةً نَهَشَتْ إِصْبَعَ قَدَمِهِ فَقَطَعَتْهُ، وهو شَاعِرٌ جاهلِيٌّ مِنْ المُعمِّرين فقد عاشَ مِئةً وَسبعينَ عاماً، وَهُوَ مِن الحُكَماءِ فِي قَوْمِهِ، اشْتُهِرَ بِأبياتِ الحِكْمةِ والعِظَةِ والفَخْرِ والوَصايا، وقدْ عايَشَ خِلافاتٍ وَوقائِعَ نَشبتْ داخِلَ قَبيلتِهِ وَحاوَلَ مَنْعها فَلم يُفلِح، وَأَدَّتْ إِلى تَفانِي قَبيلَتِهِ، تُوُفِّيَ نَحْوَ عامِ 22ق.ه/600م.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
ذُو الإِصْبَعِ العَدْوانِيُّ هُوَ حَرْثانُ بْنُ مُحَرِّثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ ظَرِبٍ مِنْ بَنِي عَدْوانَ، كَما وَرَدَ فِي أَغْلَبِ المَصادِرِ، مَعَ بعضِ الاخْتِلافاتِ فِي مصادر أخرى، فَقَدْ ذَكَرَ الأَصْمَعِيُّ فِي مُخْتاراتِهِ أَنَّ اسْمَهُ هُوَ حَرْثانُ بْنُ السَّمَوْأَلِ، وَوَرَدَ أَنَّهُ حَرْثانِ بْنُ مُحَرِّثٍ فِي كِتابِ (المُعَمِّرُونَ) لِلسِجِسْتانِيِّ، وَهُوَ عِنْدَ الآمِدِيِّ فِي (المُؤْتَلِفِ وَالمُخْتَلِفِ) حارِثَةُ بْنُ مُحَرِّثٍ. وَقَدْ لُقِّبَ بِذِي الإِصْبَعِ لِأَنَّ أَفْعَى نَهَشَتْ إبْهامَ رِجْلِهِ فَقَطَعَتْهُ أَوْ شَلَّتْهُ وَقِيلَ كانَتْ لَه إصْبَعٌ زائِدَةٌ فِي قَدَمِهِ.
أَمّا قَبِيلَتُهُ بَنُو عَدْوانَ فَهُم بَطْنٌ مِنْ قَيْسِ ابْنِ عَيْلانَ، مِنْ العَدْنانِيَّةِ، وَهُمْ بَنُو عَدْوانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلانَ بْنِ مُضِرَ بْنِ نِزارِ بْنِ مَعَدِ بْنِ عَدْنانَ، كانَتْ مَنازِلُهُمْ في الطّائِفِ مِنْ أرْضِ نَجْدٍ، ثُمَّ غَلَبَتْهُمْ عَلَيْها ثَقِيفٌ، فَخَرَجُوا إلى تُهامَةَ، وَقَدْ نَشَبَ خِلافٌ فِي قَبِيلَةِ الشّاعِرِ بَنِي عَدْوانَ أَدَّى إِلَى تَفَرُّقِها وَقِتالِ بَعْضِها بَعْضاً حَتَّى تَفانَتْ وَيَذْكُرَ الأَصْفَهانِيُّ أَنَّ سَبَبَ هٰذا الخِلافِ أَنَّ بَنِي ناجِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوانَ أَغارُوا عَلَى بَنِي عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عُدْوانَ، وَنَذَرَتْ بِهِمْ بَنُو عَوْفٍ فَاقْتَتلُوا، فَقُتِلَ بَنُو ناجٍ ثَمانِيَةَ نَفَرٍ، فِيهِمْ عُمَيْرُ بْنُ مالِكٍ سَيِّدِ بَنِي عَوْفٍ، وَقَتَلَتْ بَنُو عَوْفٍ رَجُلاً مِنْهم يُقالُ لَهُ سِنانُ بْنُ جابِرٍ، وَتَفَرَّقُوا عَلَى حَرْبٍ. وَكانَ الَّذِي أَصابُوهُ مِنْ بَنِي واثِلَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبّادٍ وَكانَ سَيِّداً، فَاصْطَلَحَ سائِرُ النّاسِ عَلَى الدِّياتِ أَنْ يَتَعاطَوها وَرَضُوا بِذلِكَ، وَأَبَى مَرِيرُ بْنُ جابِرٍ أَنْ يَقْبَلَ بِسْنان بْنِ جابِرٍ دِيَةً، وَاعْتَزَلَ هُوَ وَبَنُو أَبِيهِ وَمِنْ أَطاعَهُمْ وَمَنْ والاهُمْ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذلِكَ كَرِبُ بْنُ خالِدٍ أَحَدُ بَنِي عَبسِ بْنِ ناجٍ، فَمَشَى إِلَيْهِما ذُو الإِصْبَعِ وَسَأَلَهُما قُبُولَ الدِّيَةِ وَقالَ: قَدْ قُتِلَ مِنّا ثَمانِيَةُ نَفَرٍ فَقَبِلْنا الدِّيَةَ وَقُتِلَ مِنْكُمْ رَجُلٌ فَاقْبَلُوا دِيَتَهُ، فَأَبَيا ذلِكَ وَأَقاما الحَرْبَ، فَكانَ ذلِكَ مَبْدَأَ حَرْبِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَتَّى تَفانَوْا وَتَقَطَّعُوا. فَقالَ ذُو الإِصْبَعِ فِي ذٰلِكَ:
وَيَا بُؤْسَ لِلَأْيّامِ وَالدَّهْرُ هَالِكا وَصَرْفُ اللَّيالِي يَخْـتَـلِفْـنَ كَذَلِكا
أَبَعْـدَ بَنِـي ناجٍ وَسَعْـيِـكَ فِيـهُمُ فَلَا تُتْبِعَنْ عَيْنَيْكَ ما كَانَ هَالِكا
إذا قُلْتُ مَعْـرُوفـاً لِأُصْلِحَ بَيْنَهُمْ يَـقُــولُ مُـرَيْــرٌ لا أُحاوِلُ ذَلِكا
فَأَصْـحُـوا كَظَهْرِ الْعُودِ جُبَّ سَنامُهُ تَحُـومُ عَلَيْهِ الطَّيْرُ أَحْدَبَ بارِكا
فَإِنْ تَكُ عَدْوانُ بْنُ عَمْرٍو تَفَرَّقَتْ فَقَـدْ غَنِـيَتْ دَهْراً مُلُوكاً هُنالِكا
أَمّا أُسْرَةُ ذِي الإِصْبَعِ العَدْوانِيِّ فَهِيَ -فيما يَظْهَرُ مِنْ المَصادرِ التي تَناولتْ حَياةَ الشَّاعِرِ- تَتَكَوَّنُ مِن ابْنٍ وَاسْمُهُ أَسِيدٌ ذَكَرَهُ ذو الإصبَعِ فِي وَصِيَّتِهِ الَّتِي قالَها حِينَ وَفاتِهِ، وَأَرْبَعُ بَناتٍ مِنْهُنَّ ابْنَتُهُ أُمامَةُ وَهِيَ مِنْ الشّاعِراتِ فِي الجاهِلِيَّةِ، كَما تَظْهَرُ زَوْجَتُهُ وَاسْمُها زُنَيْبَةُ فِي بَعْضِ شِعْرِهِ وَقَدْ هَزِئَتْ بِهِ لَمّا رَأَتْ فِيهِ مِنْ عَلاماتِ التَّقَدُّمِ فِي السِّنِّ، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
هَزِئَتْ زُنَيْـبَـةُ أَنْ رَأَتْ ثَرَمِي وَأَنِ انْحَـنَـى لِتَقـادُمٍ ظَهْري
مِنْ بَعْـدِمـا عَهِدَتْ فَأَدْلَفَني يَـوْمٌ يَـجِــيءُ وَلَيْلَةٌ تَسْـرِي
حَـتَّى كَـأَنِّي خَـاتِـلٌ قَنَـصـاً وَالْمَرْءُ بَعْـدَ تَمـامِهِ يَحْري
لا تَهْزَئِي مِنِّي زُنَيـبُ فَما فِي ذاكَ مِنْ عَجَـبٍ وَلَا سُخْـرِ
أَوَلَمْ تَـرَيْ لُقْـمَــانَ أَهْـلَكَهُ ما اقْتَاتَ مِنْ سَنَةٍ وَمِنْ شَهْرِ
وَلِذِي الإِصْبَعِ العَدْوانِيِّ قِصَّةٌ تَرْوِيها المَصادِرُ مَعَ بَناتِهِ الأَرْبَعَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الأَصْفَهانِيُّ أَنَّ بَناتِهِ كنَّ يُخْطَبْنَ إِلَيْهِ فَيَعْرِضُ ذلِكَ عَلَيْهِنَّ فَيَسْتَحِينَ وَلا يُزَوِّجْهُنَّ، وَكانَتْ أُمُّهُنَّ تَقُولُ: لَوْ زَوَّجْتَهُنَّ فَلا يَفْعَلْ. قالَ: فَخَرَجَ لَيْلَةً إِلَى مُتَحَدَّثٍ لَهُنَّ فَاسْتَمَعَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ لا يَعْلَمْنَ فَقُلْنَ: تَعالَيْنَ نَتَمَنَّى وَلْنَصْدُقْ، فَقالَتْ الكُبْرَى:
أَلَا لَيْتَ زَوْجِي مِنْ أُناسٍ ذَوِي غِنىً حَدِيثُ الشَّبابِ طَيِّبُ الرِّيحِ وَالعِطْرِ
طَبِيبٌ بِأَدْواءِ الـنِّـسـاءِ كَـأَنَّـهُ خَلِيفَةُ جانٍ لا يَنـامُ عَـلَـى وِتْـرِ
فَقُلْنَ لَها: أَنْتِ تُحِبِّينَ رَجُلاً لَيْسَ مِنْ قَوْمِكِ. فَقالَتْ الثّانِيَةُ:
أَلَا هَلْ أَراها لَيْلَةً وَضَـجِـيْعُهـا أَشُمُّ كَنَصْلِ السَّيْفِ غَيْرِ مُـبَـلَّـدِ
لَصُوْقٍ بِأَكْبادِ النِّـسـاءِ وَأَصْـلُـهُ إِذا ما انْتَمَى مِنْ سِرِّ أَهْلِي وَمَحْتَدِي
فَقُلْنَ لَها: أَنْتِ تُحِبِّينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكِ. فَقالَتْ الثّالِثَةُ:
أَلَا لَيْتَهُ يَمْلا الجِفـانَ لِـضَـيْفِـهِ لَهُ جَفْنَةٌ يَشْقَى بِها النِيْبُ وَالجَـزْرُ
لَهُ حَكَماتُ الدَّهْرِ مِنْ غَيْرِ كَبْـرَةٍ تَشِينُ وَلَا الفانِي وَلا الضَّرِعُ الغَمْرُ
فَقُلْنَ لَها: أَنْتِ تُحِبِّينَ رَجُلاً شَرِيفاً. وَقُلْنَ لِلصُّغْرَى: تَمَنَّي، فَقالَتْ: ما أُرِيدُ شَيْئاً، قُلْنَ: وَاللهِ لا تَبْرَحِينَ حَتَّى نَعْلَمَ ما فِي نَفْسِكِ، قالَتْ: زَوْجٌ مِنْ عُودٍ خَيْرٌ مِنْ قُعُودٍ. فَلَمّا سَمِعَ ذلِكَ أَبُوهُنَّ زَوَّجَهُنَّ أَرْبَعَتَهُنَّ. فَمَكَثْنَ بُرْهَةً، ثُمَّ اجْتَمَعْنَ إِلَيْهِ، فَقالَ لِلكُبْرَى: يا بُنَيَّةُ، ما مالُكُم؟ قالَتْ: الإِبِلُ، قالَ: فَكَيْفَ تَجِدُونَها؟ قالَتْ: خَيْرُ مالٍ، نَأْكُلُ لُحُومَها مَزَعاً، وَنَشْرَبُ أَلْبانَها جَرَعاً، وَتَحْمِلُنا وَضَيْفَنا مَعاً، قالَ: فَكَيْفَ تَجِدِينَ زَوْجَكِ؟ قالَتْ: خَيْرُ زَوْجٍ يُكْرِمُ الحَلِيلَةَ، وَيُعْطِي الوَسِيلَةَ، قالَ: مالٌ عَمِيمٌ وَزَوْجٌ كَرِيمٌ. ثُمَّ قالَ لِلثّانِيَةِ: يا بُنَيَّةُ ما مالُكُم؟ قالَتْ: البَقَرُ، قالَ: فَكَيْفَ تَجِدُونَها؟ قالَتْ: خَيْرُ مالٍ، تَأَلَفُ الفِناءَ، وَتَوْدِكُ السِّقاءَ، وَتَمْلَأُ الإِناءَ، وَنِساءٌ فِي نِساء، قالَ: فَكَيْفَ تَجِدِينَ زَوْجَكِ؟ قالَتْ: خَيْرُ زَوْجٍ يُكْرِمُ أَهْلَهُ وَيَنْسَى فَضْلَهُ، قالَ: حَظِيتِ وَرَضِيتِ. ثُمَّ قالَ لِلثّالِثَةِ: ما مالُكُم؟ قالَتْ: المِعزَى، قالَ: فَكَيْفَ تَجِدُونَها؟ قالَتْ: لا بَأْسَ بِها نُوَلِّدُها فُطُماً، وَنَسْلَخُها أَدَماً، قالَ: فَكَيْفَ تَجِدِينَ زَوْجَكِ؟ قالَتْ: لا بَأْسَ بِهِ لَيْسَ بِالبَخِيلِ الحَكِرِ وَلا بِالسَّمِحِ البَذِرِ، قالَ: جَدْوَى مُغْنِيَةٌ. ثُمَّ قالَ لِلرّابِعَةِ: يا بُنَيَّةُ، ما مالُكُم؟ قالَتْ: الضَّأْنُ، قالَ: وَكَيْفَ تَجِدُونَها؟ قالَتْ: شَرُّ مالٍ، جُوْفٌ لا يَشْبَعْنَ، وَهِيمٌ لا يَنْقَعْنَ، وَصُمٌّ لا يَسْمَعْنَ، وَأَمَرَ مُغْوِيَتِهِنَّ يَتْبَعْنَ، قالَ: فَكَيْفَ تَجِدِينَ زَوْجَكِ؟ قالَتْ: شَرُّ زَوْجٍ، يُكْرِمُ نَفْسَهُ وَيُهِينُ عِرْسَهُ، قالَ: "أَشْبَهَ امْرَأً بَعْضُ بَزِّهِ".
عاشَ ذو الإصبَعِ العَدْوانِيُّ فَتْرَةً طَوِيلَةً وكان من المعمِّرين، حَيْثُ تَذَكَّرَ المَصادِرُ أَنَّهُ عاشَ مِئَةً وَسَبْعِينَ عاماً، وَذَهَبَ أَبُو حاتِم السِجِسْتانِيُّ فِي كِتابِهِ (المُعَمِّرُونَ) إِلَى أَنَّ ذا الإِصْبَعَ العَدْوانِيَّ عاشَ ثَلاثَمِئَةِ عامٍ، وَرُبَّما كانَ هذا خَلْطٌ بَيْنَ ذِي الإِصْبَعِ وعامِرِ بْنِ الظَرِبِ العَدْوانِيِّ الَّذِي تَذْكُرُ المَصادِرُ أَنَّهُ عاشَ ثَلاثَمِئَةِ عامٍ، وَمَعَ طُولِ حَياة ذي الأصبَعِ العَدوانيّ إِلّا أَنْ ما وصلَ مِنْ أَخْبارِهِ كانَ قَلِيلاً، فَلا نَعْثُرُ عَلَى مَعْلُوماتٍ كافِيَةٍ عَنْ حَياتِهِ، وَأَغْلَبُ ما ورد عنه كانَ حَوْلَ مَوْقِفِهِ مِنْ قَوْمِهِ في صراعاتهم وخلافاتهم، فقَدْ عاشَ ذُو الإِصْبَعِ العَدْوانِيِّ فِي فَتْرَةٍ نَشِبَتْ فِيها خِلافاتٌ طَوِيلَةٌ داخِلَ قَبِيلَتِهِ، وَقَدْ حاوَلَ ذُو الإِصْبَعِ العَدْوانِيَّ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَأَنْ يَقِيَ قَوْمَهُ مَغَبَّةَ الحَرْبِ فَلَمْ يُفْلِحْ، وَتَقاتَلَ قَوْمُهُ حَتَّى تَفانَوْا كَما يَذْكُرُ الرُّواةَ.
وَفِي حَياةِ ذِي الإِصْبَعِ العَدْوانِيِّ صِراعٌ وَخِلافاتٌ فَرْدِيَّةٌ أُخْرَى، خاضَها مَعَ حاسِدِيهِ وَمُنافِسِيهِ مِنْ قَبِيلَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذُو الإِصْبَعِ هذا الخِلافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنَ عَمِّهِ عَمْرو فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ من شِعرِه، وَأَفْرَدَ لِهذا المَوْضُوعِ قَصِيدَتَهُ النُّونِيَّةَ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
يا عَمْرُو إِلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أُضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الْهامَةً اسْقُوني
عَنِّي إِلَيْكَ فَما أُمِّي بِراعِيَةٍ تَرْعَى الْمَخاضَ وَلَا رَأْيِي بِمَغْبُونِ
إِنِّي أَبِيٌّ أَبِيٌّ ذو مُحافَظَةٍ وَابْنُ أَبِيٍّ أَبِيٍّ مِنْ أَبِيَّيْنِ
عَفٌّ نَدُودٌ إذا ما خِفْتُ مِنْ بَلَدٍ هُوناً فَلَسْتُ بِوَقَّافٍ عَلَى الْهُونِ
وَقَدْ تَمَيَّزَ ذُو الإِصْبَعِ بِحِكْمَتِهِ وَحُسْنِ نَظَرِهِ فِي الأُمُورِ، وَكانَ مِن الحُكماءِ فِي قَوْمِهِ يَتَقاضَى النّاسُ لَدَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ حِينَ أَسَنَّ تَغَيَّرَ عَقْلُهُ وَكانَ رُبَّما أَتَى بِالشَيْءِ الَّذِي لا يَجُوزُ حَتَّى يَتَبَيَّنَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ، وَكانَ لَهُ ابْنُ عَمٍّ يَتَصَدَّرُ لِلحُكُومَةِ، فَقالَ أَهْلُ ذِي الإصْبَعِ لَهُ: إِنَّكَ رُبَّما خَلَطْتَ فِي أَحْكامِكَ، وَنَحْنُ نَخافُ أَنْ يَنْزِلَ بِنا بَلاءٌ مِن هذا الأَمْرِ، قالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَلامَةً، إِذا خَلَطْتُ عَرّفْتُمُونِي بِغَيْرِ كَلامٍ حَتَّى أنتَبِهَ. فَقالُوا: إِنّا نُقِيمُ أَمَتَكَ فُلانَة لِهذا الأَمْرِ، وَكانَتْ فَهِمَةً لَبِيبَةً، فَإِذا خَلَطْتَ قَرَعَتْ العَصا بِالأَرْضِ فَتَعْلَمَ الخَبَرَ، فَقالَ: افْعَلُوا، فَكانَتْ الأَمَةُ لا تُفارِقُهُ، فَإِذا اخْتَلَطَ قَرَعَت العَصا فَانْتَبَهْ وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فَيَرْجِعُ إِلَى فِكْرِهِ وَيَزُولُ عَنْهُ خَلْطُهُ.
كانَتْ وَفاةُ ذِي الإِصْبَعِ العَدْوانِيِّ عَلَى ما ذَهَبَتْ إِلَيْهِ أَغْلَبُ المَصادِرِ عامَ 22ق.ه وَقِيلَ 25ق.ه وَهُوَ ما يُوافِقُ تَقْرِيباً سَنَةَ 600م، وَماتَ وَقَدْ بَلَغَ مِنْ العُمْرِ مِئَةً وَسَبْعِينَ عاماً، وَلَهُ عِنْدَ وَفاتِهِ وَصِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ لِاِبْنِهِ أَسِيد، فَقَدْ وَرَدَ فِي الأَغانِي أَنَّهُ دَعا ابْنَهُ أسِيداً فَقالَ لَهُ: يا بُنَيَّ، إِنَّ أَباكَ قَدْ فَنِيَ وَهُوَ حَيٌّ وَعاشَ حَتَّى سَئِمَ العَيْشَ، وَإِنِّي مُوصِيكَ بِما إِنْ حَفِظْتَهُ بَلَغْتَ فِي قَوْمِكَ ما بَلَغْتُهُ، فَاحْفَظْ عَنِّي: أَلِنْ جانِبَكَ لِقَوْمِكَ يُحِبُّوكَ، وَتَواضُعٍ لَهُمْ يَرْفَعُوكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ يُطِيعُوكَ، وَلا تَسْتَأْثِرْ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ يُسَوِّدُوكَ؛ وَأَكْرِمْ صِغارَهُمْ كَما تُكْرِمُ كِبارَهُمْ يُكْرِمْكَ كِبارُهُمْ وَيَكْبُرُ عَلَى مَوَدَّتِكَ صِغارُهُمْ، وَاسْمَحْ بِمالِكَ، وَاحْمِ حَرِيمَكَ، وَأعْزِزْ جارَكَ، وَأَعِنْ مَنْ اسْتَعانَ بِكَ، وَأَكْرِمْ ضَيْفَكَ، وَأَسْرِعْ النَّهْضَةَ فِي الصَّرِيخِ، فَإِنَّ لَكَ أَجَلاً لا يَعْدُوكَ، وَصُنْ وَجْهَكَ عَن مَسْأَلَةِ أَحَدٍ شَيْئاً، فَبِذلِكَ يَتِمُّ سُؤدَدُكَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
أَأَسِــيـــدُ إِنَّ مَـالاً مَـلَكْ تَ فَسِـرْ بِهِ سَيْـراً جَمِـيلا
آخِ الْكِـرامَ إِنِ اسْـتَــطَــعْ تَ إِلَى إِخـائِهِــمِ سَـبِـيـلا
وَاشْــرَبْ بِــكَـــأْسِهِـــمِ وَإِنْ شَرِبُـوا بِهِ السُّمَّ الْمَثِيلا
أَهِــنِ اللِّئامَ وَلا تَــكُــنْ لِإِخـائِهِــمْ جَـمَــلاً ذَلُولا
إِنَّ الْكِــــرامَ إذا تُــــوا خِيـهِـمْ وَجَدْتَ لَهُمْ فُضُولا
وَدَعِ الَّذي يَـعِــدُ الْعَـشِــي رَةَ أَنْ يَسِـيـلَ وَلَنْ يَسيلا
أَبُـــنَــــيَّ إِنَّ الْمـــالَ لَا يَبْـكِـي إذا فَقَدَ الْبَخِيلا
أَأَسِـيــدُ إِنْ أَزْمَـعْــتَ مِـنْ بَــلَدٍ إِلَى بَــلَدٍ رَحِـيــلا
فَاحْـفَـظْ وَإنْ شَحَـطَ الْمَزا رُ أَخا أَخِيكَ أَو الزَّمِيلا
وَارْكَـبْ بِنَـفْـسِـكَ إِنْ هَمَـمْ تَ بِها الْحَزُونَةَ وَالسُّهُولا
وَصِـلِ الْكِـرامَ وَكُـنْ لِمَـنْ تَــرْجُـــو مَــوَدَّتَهُ وَصُــولا
وَدَعِ التَّوانِـي في الْأُمو رِ وَكُنْ لَها سَلِسـاً ذَلُولا
وَابْـسُـطْ يَمِـيـنَـكَ بِالنَّدى وَامْدُدْ لَها باعـاً طَوِيلا
وَابْـسُـطْ يَدَيْـكَ بِمـا مَلَكْ تَ وَشَيِّدِ الْحَسَـبَ الْأَثِيلا
وَاعْـــزِمْ إذا حَـــاوَلْتَ أَمْ راً يُفْـرِجُ الْهَمَّ الدَّخِيلا
وَابْـذُلْ لِضَـيْــفِــكَ ذاتَ رَحْ لِكَ مُـكْــرِمــاً حَتَّى يَزُولا
وَاحْلُلْ عَلَى الْأَيْفـاعِ لِلْ عافِـيـنَ وَاجْتَنِبِ الْمَسيلا
وَإِذا الْقُـرُومُ تَـخــاطَــرَتْ يَوْمـاً وَأَرْعَدَتِ الْخَصِـيـلا
فَاهْـصِـرْ كَهَصْـرِ اللَّيْثِ خَضْ ضَبَ مِنْ فَريـسَتِهِ التَّلِيلا
وَانْزِلْ إِلَى الْهَيْـجـا إذا أَبْطـالُها كَرِهُوا النُّزُولا
وَإِذا دُعِـيــتَ إِلَى الْمُهِـمْ مِ فَـكُــنْ لِفـادِحِهِ حَمُـولا
يَغْلِبُ عَلَى شِعْرِ ذِي الإِصْبَعِ العَدْوانِيِّ طابَعُ الحِكْمَةِ، وَيَظْهَرُ مِنْ خِلالِهِ أَثَرُ التَجْربَةِ وَالخِبْرَةِ، فَقَدْ كانَ مِنْ الشُّعَراءِ المُعَمِّرِينَ وَمِنْ الحُكَماءِ الَّذِينَ كانُوا يَقْضُونَ بَيْنَ النّاسِ، لِذا فَقَدْ كانَتْ أَهَمَّ الأَغْراضِ فِي شِعْرِهِ الحِكْمَةُ وَالعِظَةُ وَالفَخْرَ.
تَناوَلَ شِعْرُ ذِي الإصْبَعِ العَدْوانِيِّ القَضايا الاجْتِماعِيَّةَ، فَفِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الأَبْياتِ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى وَصايا وَعَظاتٍ، وَفِيها أَيْضاً بَيانٌ لِآفاتِ العَلاقاتِ الإِنْسانِيَّةِ ولطبيعة الخلافات التي يكون منشأها الحسد والمنافسة، فَهُوَ شاعِرُ مُنازَعَةٍ وَخِصامٌ وَمُنافَرَةٌ كَما لاحَظَ مَطاعُ الصَفَدِي وَخَلِيلٌ حاوِي فِي المَوْسُوعَةِ الشِعْرِيَّةِ، وهُوَ يُكْثِرُ من العِتابِ وَالنُّصْحَ وَالتَّحَدِّيَ كَما هُوَ واضِحٌ مِنْ عِتابِهِ فِي شِعْرِهِ لِقَبِيلَتِهِ وَلِاِبْنِ عَمِّهِ عَمْرو الَّذِي يَقُولُ فِيهِ:
وَلِي ابْنُ عَمٍّ عَلَى ما كَانَ مِنْ خُلُقٍ مُخْتَلِفانِ فَأَقْلِيهِ وَيُقْلِني
أَزْرى بِنَا أَنَّنا شالتْ نَعامَتُنا فَخالَني دُونَهُ بَلْ خِلْتُهُ دُوني
فَإِنْ تُصِبْكَ مِنَ الْأَيّامِ جائِحَةٌ لَمْ أَبْكِ مِنْكَ عَلَى دُنْيا وَلَا دِينِ
" شاعرٌ فَارسٌ من قُدماءِ الشُّعراءِ في الجاهليَّةِ ولهُ غَاراتٌ كثيرةٌ عَلى العَربِ وَوَقائِعُ مَشْهورةٌ"
(الأصفهانيّ/ كِتابِ الأَغانِي)
(محقِّقا ديوانه)
" يَبْدُو ذُو الإِصْبَعِ فِي شِعْرِهِ شاعِرَ مُنازَعَةٍ وَخِصامٍ وَمُفاخَرَةٍ، يَحُزُّ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَتَفَرَّقَ شَمْلَ بَنِي قَوْمِهِ، وَأَنْ يَتَعاظَمُوا بَعْضاً عَلَى بَعْضٍ، وَيَمِيلُ غالِباً إِلَى نَوْعٍ مِنْ المُشادَّةِ الوِجْدانِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فِي سُؤَدَدِ الأَصْلِ وَطِيبِ المَحْتَدِ"
(مَطاع صفدِي وَخَلِيل حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)