
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
قُسُّ بنُ ساعِدَةَ الإِيادِيَّ، أَحَدُ أَشْهَرِ حُكَماءِ العَرَبِ وَأَفْصَحِ خُطَبائِهِمْ فِي الجاهِلِيَّةِ، كانَ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ مُتَوَكِّأً عَلَى عَصا أَوْ سَيْفٍ، وَأَوَّلَ مَنْ قالَ فِي كَلامِهِ أَمّا بَعْدُ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ كانَ قَدْ لَزِمَ العِبادَةَ فِي كَعْبَةِ نَجْرانَ، فَقِيلَ لَهُ: قُسُّ نَجْرانَ. اشْتُهِرَ بِخُطْبَتِهِ الَّتِي سَمِعَها النَّبِيُّ صلى الله عليهِ وسلَّمَ فِي سُوقِ عُكاظٍ وَفِيها يَظْهَرُ إِيمانُهُ بِالبَعْثِ وَالحِسابِ، وَقَدْ أَشارَ بَعْضُ الدارِسِينَ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ هذِهِ القِصَّةِ، وَكانَ قُسٌّ مِن المُعَمَّرِينَ رُوِيَ أَنَّهُ عاشَ سِتَّمِئَةِ سَنَةٍ أَوْ ثَلاثِمِئَةٍ وَثَمانِينَ سَنَة، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 23ق.هـ/600م.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
أَوْرَدَ البَغْدادِيُّ فِي (خِزانَةِ الأَدَبِ) الأَقْوالَ فِي نَسَبِ قُسٍّ فَقالَ: وَفِي نَسَبِهِ خِلافٌ؛ فَقِيلَ قُسُّ بنُ ساعِدَةَ بنِ حُذافَةَ بنِ زُفَرَ وَقِيلَ حُذافَةُ بنُ زَهْرِ بنِ إِيادِ بنِ نِزارٍ. وَقِيلَ هُوَ قُسُّ بنُ ساعِدَةَ بنِ عَمْرٍو بنِ عَدِيِّ بْنِ مالِكِ بْنِ أيدعانَ بنِ النَّمِرِ بنِ واثِلَةَ بنِ الطَشّانِ بنِ عَوْذِ بنِ مَناةَ بنِ يقدمَ بنِ أَفْصَى بنِ دُعْمِيِّ بنِ إِيادٍ. وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ ساعِدَةَ بنِ عَمْرٍو بنِ شِمرِ بنِ عَُدِيِّ بنِ مالِكٍ. وذَكرَ صاحِبُ (الأغاني) أنّهُ قُسُّ بنُ ساعِدَةَ بنِ عَمْرٍو- وَقِيلَ مَكان عَمْرٍو شِمْر- بنِ عَدِيِّ بْنِ مالِكِ بْنِ أيدعانَ بنِ النَّمِرِ بنِ واثِلَةَ بنِ الطَّمَثانِ بنِ زَيدِ مَناةَ بنِ يقدمَ بنِ أَفْصَى بنِ دُعْمِيِّ بنِ إِيادٍ.
وَقُسٌّ مِنْ قَبِيلَةِ إِيادٍ وَلَها يُنْسَبُ فَيُقالُ الإِيادِيُّ، وَإِيادٌ -كَما وَرَدَ فِي كِتابِ (نَشوَة الطَرَبِ فِي تارِيخِ جاهِلِيَّةِ العَرَبِ) لَيْسَتْ مِنْ القَبائِلِ الكَبِيرَةِ ذاتِ العَدَدِ وَلَيْسَتْ مِنْ جَماجِمِ العَرَبِ؛ لِأَنَّها لَيْسَتْ لَها قَبائِلُ تَنْتَسِبُ إِلَيْها، وَكانَ إِيادٌ قَدْ خَرَجَ مِنْ الحَرَمِ مَعَ بَنِيهِ إِلَى جِهَةِ العِراقِ وَالجَزِيرَةِ، وَكانَتْ مِنْ مَنازِلِهِمْ المَشْهُورَةِ فِي الجاهِلِيَّةِ عَيْنُ أَباغٍ وَالعُذَيْبُ وَبارِقٌ، وَكانَتْ لَهُمْ حُرُوبٌ مَعَ جَذِيمَةَ الأَبْرَشِ مَلِكِ عَرَبِ العِراقِ، وَمَعَ غَيْرِهِ مِنْ المُلُوكِ. وَكانُوا مَعَ كِسْرَى أَبروِيز عَلَى العَرَبِ يَوْمَ ذِي قار، فَأَرْسَلُوا فِي الباطِنِ لِقَبائِلِ بَكْرٍ أَنَّهُمْ يَنْهَزِمُونَ بِالعَجَمِ عِنْدَ اللِّقاءِ، فَفَعَلُوا ذلِكَ.
قُسُّ بنُ ساعِدَةَ الإِيادِيُّ مِنْ أَشْهَرِ حُكَماءِ العَرَبِ وَخُطَبائِهِمْ، اُشْتُهِرَ بِفَصاحَتِهِ وَبَلاغَتِهِ حَتَّى ضُرِبَ بِهِ المَثَلَ فِي الفَصاحَةِ فَيُقالُ: "أَفْصَحُ مِنْ قُسٍّ"، كَما أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَأَلَّهُ مِنَ العَرَبِ، وَفِي خُطَبِهِ وَأَقْوالِهِ ما يُنْبِئُ عَنْ إِيمانِهِ بِإِلهٍ واحِدٍ وبالبَعثِ والحِسابِ، وَلا يَظْهَرُ فِي المَصادِرِ وَالتَّراجِمِ الَّتِي تَناوَلَتْ حَياةَ قُسٍّ أَخْبارٌ عَنْ نَشْأَتِهِ وَبِداياتِ تَشَكُّلِ وَعْيَهُ، وَأَكْثَرٍ أَخْبارِهِ تَنْصَبُّ عَلَى قصّةِ خُطْبَتِهِ الَّتِي سَمِعَها الرَّسُولُ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُوقِ عُكاظٍ، لكِنْ ثَمَّةَ إِشاراتٌ تَدُلُّ عَلَى مَكانَةِ قُسٍّ فِي قَوْمِهِ وَبَيْنَ العَرَبِ كافَّةً، فَقَدْ كانَ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَى قَيْصَرَ، وَلَهُ مَعَهُ بَعْضُ المُحاوَراتِ الَّتِي ذَكَرَتْها كُتُبُ الأَدَبِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي (العِقْد الفَرِيدِ) أَنَّ قَيْصَرَ سَأَلَهُ: "ما أَفْضَلُ المَعْرِفَةِ؟ قالَ: مَعْرِفَةُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ. قِيلَ لَهُ: فَما أَفْضَلُ العِلْمِ؟ قالَ: وُقُوفُ المَرْءِ عِنْدَ عِلْمِهِ. قِيلَ لَهُ: فَما أَفْضَلُ المُرُوءَةِ؟ قالَ: اسْتِبْقاءُ الرَّجُلِ ماءَ وَجْهِهِ." وَوَرَدَ كَذلِكَ أَنَّ قَيْصَرَ سَـألَهُ عَنْ مِقْدارِ الأَطْعِمَةِ وَأَيِّ الأَشْرِبَةِ أَفْضَلُ عاقِبَةً لِلبَدَنِ. وَهذا يُظْهِرُ أَنْ قُسَّاً حَظِيَ بِمَكانَةٍ عالِيَةٍ فِي بَلاطِ قَيْصَرَ لِما امْتازَ بِهِ مِنْ حِكْمَةٍ وَرَأْيٍ سَدِيدٍ.
وَكَذلِكَ أَشارَتْ عِدَّةُ مَصادِرَ كَـ(البيان والتّبيين) وَ(المُعَمَّرِينَ) وَ(الأَغانِي) وَغَيْرِها أَنَّ قُسَّ بنَ ساعِدَةَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالبَعْثِ مِن أَهْلِ الجاهِلِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ تَوَكَّأَ عَلَى عَصا وَأَوَّلُ مَنْ قالَ أَمّا بَعْدُ، وَكانَ مِنْ حُكَماءِ العَرَبِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ مِنْ فُلانٍ إِلَى فُلانٍ ابْنِ فُلانٍ. وَيُقالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَلا عَلَى شَرَفٍ وَخَطْبٍ عَلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ كانَ قَدْ لَزِمَ العِبادَةَ فِي كَعْبَةِ نَجْرانَ، فَقِيلَ لَهُ: قُسُّ نَجْرانَ.
وَقَدْ عاصَرَ قُسُّ بنُ ساعِدَةَ الرَّسُولَ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَبْعَثَهُ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ رَآهُ فِي عُكاظٍ وَسَمِعَ خُطْبَتَهُ، فَقَدْ في كتاب (العِقْد الفَرِيدِ) أَنَّهُ وَفْدَ إِيادٍ قَدمَ عَلَى رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقالَ: أَيُّكُمْ يَعْرِفُ قُسَّ بنَ ساعِدَةَ الإِيادِيَّ؟ قالُوا: كُلُّنا يَعْرِفُهُ قالَ: فَما فَعَلَ؟ قالُوا: هَلَكَ، قالَ: ما أَنْساهُ بِسُوقِ عُكاظٍ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ وَيَقُولُ: اسْمَعُوا وَعُوا: مَنْ عاشَ ماتَ، وَمَنْ ماتَ فاتَ، وَكُلُّ ما هُوَ آتٍ آت، إِنَّ فِي السَّماءِ لَخَبَرا، وَإِنَّ فِي الأَرْضِ لَعِبَرا، سَحائِبٌ تَمُورُ، وَنُجُومٌ تَغُورُ، فِي فَلَكٍ يَدُورُ. يُقْسِمُ قُسٌّ قَسَماً: إِنَّ للّٰهِ دِيناً هُوَ أَرْضَى مِنْ دِينِكُمْ هذا. ثُمَّ قالَ: مالِي أَرَى النّاسَ يَذْهَبُونَ وَلا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا بِالإِقامَةِ فَأَقامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا فَنامُوا. أَيُّكُمْ يَرْوِي مِنْ شِعْرِهِ؟ فَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
فِــي الـذَّاهِبينَ الْأَوَّلِـي نَ مِنَ الْقُرُونِ لَنا بَصائِرْ
لَمَّــا رَأَيْــتُ مَــوارِداً لِلْمَـوْتِ لَيْـسَ لَها مَصادِرْ
وَرَأَيْــتُ قَــوْمِي نَحْوَهـا تَمْضـِي الْأَصـاغِرُ وَالْأَكابِرْ
وَذَكَرَ الجاحِظُ فِي (البَيان وَالتَّبيِينِ) إِنَّ لِقُسٍّ وَلِقَوْمِهِ فَضِيلَةٌ لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنْ العَرَبِ لِأَنَّ رَسُولَ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى كَلامَهُ وَمَوْقِفَهُ عَلَى جَمَلِهِ بِعُكاظٍ وَمَوْعِظَتَهُ. وَعَجِبَ مِنْ حُسْنِ كَلامِهِ وَأَظْهَرَ تَصْوِيبَهُ، وَهذا شَرَفٌ تَعْجَزُ عَنْهُ الأَمانِيُّ وَتَنْقَطِعُ دُونَهُ الآمالُ، وَإِنَّما وَفَّقَ اللّٰهُ ذلِكَ لِقُسٍّ لاِحْتِجاجِهِ لِلتَّوْحِيدِ وَلِإِظْهارِ الإِخْلاصِ وَإِيمانِهِ بِالبَعْثِ وَمِنْ ثَمَّ كانَ قُسٌّ خَطِيبِ العَرَبِ قاطِبَةً.
وَقَدْ وَرَدَتْ هذِهِ القِصَّةُ مَعَ بَعْضِ التَّغْيِيراتِ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَصادِرِ، وَأَشارَ ابنُ حَجَرٍ في (الإصابة) أَنَّ بَعْضَ الرُّواةِ أَفْرَدَ طَرِيقَ حَدِيثِ قُسٍّ، وَفِيهِ شِعْرُهُ، وَخُطبَتُهُ، وَهُوَ فِي (المُطَوِّلاتِ) قَدْ وَرَدَتْ فِي الطَّبَرانِيِّ وَغَيْرِها، وَطُرُقُهُ كُلُّها ضَعِيفَةٌ. وَذَهَبَ جَواد عَلِي أَيْضاً إِلَى أَنَّ هذِهِ الحادِثَةَ مَوْضُوعَةٌ حَيْثُ يَقُولُ: "وَفِي الَّذِي يَرْوِيهِ أَهْلُ الأَخْبارِ عَنْ خُطْبَةِ قُسٍّ وَرِوايَةِ النَّبِيِّ لَها تَصادُمٌ فِي الرِّواياتِ وَقَدْ ذَكَرَ ذلِكَ العُلَماءُ، وَإِنِّي أَرَى أَنَّ القِصَّةَ مَوْضُوعَةٌ وَهِيَ مِنْ هذا النَّوْعِ الَّذِي وُضِعَ لِلتَّبْشِيرِ بِقُرْبِ ظُهُورِ دِينٍ جَدِيدٍ" كَما ذكرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتابِهِ (الإِصابَةِ) أَنَّ بَعْضَ العُلَماءِ عَدَّ قُسّاً مِنَ الصَّحابَةِ، لكنَّ بَعْضَهُمْ أَشارَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِك البِعْثَةَ.
عاشَ قُسُّ بنُ ساعِدَةَ طَوِيلاً فَكانَ مِنَ المُعَمَّرِينَ، وثمّةَ مُبالَغَةٌ في العمر الذي وصل إليه قس بن ساعدة، فقد ذكر المَرْزُبانِيِّ فِي (مُعْجَم الشُعَراءِ) أَنَّهُ عاشَ سِتَّمِئَةِ سَنَةٍ، وَفِي (المُعَمَّرِينَ) لِلسّجِسْتانِيِّ أَنَّهُ عاشَ ثَلاثَمِئَةٍ وَثَمانِينَ سَنَةً، وَذَكَرَ لُوِيس شِيخُو فِي شُعَراءِ النَّصْرانِيَّةِ أَنَّ وَفاتَهُ كانَتْ نَحْوَ سَنَةِ 600م.
وَأَحْلَمُ مِنْ قُسٍّ وَأَجْرَى مَنْ الَّذِي بِذِي الغَيْلِ مِنْ خُفّانَ أَصْبَحَ حارِدا
وَقالَ الحُطَيْئَةُ:
وَأَقُولُ مِنْ قُسٍّ وَأَمْضَى إِذا مَضَى مِنْ الرُّمْحِ إِذْ مَسَّ النُّفُوسَ نِكالُها
وَقالَ لَبِيدٌ:
وَأَخْلَفْنَ قُسّاً لَيْتَنِي وَلَعَلَّنِي وَأَعْيا عَلَى لُقْمانَ حُكْمَ التَّدَبُّرِ
وَإِنَّما قالَ ذلِكَ لَبِيدٌ لِقَوْلِ قُسٍّ:
هَلْ الغَيْبُ مُعْطِي الأَمْنَ عِنْدَ نُزُولِهِ بِحالٍ مُسِيءٍ فِي الأُمُورِ وَمُحْسِنِ
وَما قَدْ تَوَلَّى فَهُوَ لا شَكَّ فائِتٌ فَهَلْ يَنْفَعَنِّي لَيْتَنِي وَلَعَلَّنِي
(الميدانيّ/ مجمَعُ الأمثال).
(أبو الفرجِ الأصفهانيّ/ الأَغاني).
(لُوِيس شيخُو/ شُعَراءُ النَّصْرانِيَّة)