
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عَليُّ بن أبي طالبِ بن عبد المطّلبِ الهاشميِّ القرشيِّ، أبو الحَسَن، أميرُ المؤمنينَ، ورابعُ الخلفاءِ الراشدينَ، وأحدُ العشرةِ المبشّرينَ بالجنّة، وابنُ عمِّ النبيِّ وصهرُه، وُلِدَ بمكَّةَ ورُبِّيَ في حِجْرِ النّبيِّ ولمْ يفارِقهُ، وكانَ اللّواءُ بيدِهِ في أكثرِ المشاهد. وُلِّيَ الخلافةَ بعدَ مقتلِ عثمانَ بنُ عفانَ سنة (35هـ)، وقامَت في عهدِهِ واقعةُ الجَمَل، وظفرَ عليٌّ فيها بعدَ أنْ بلغَ عددُ القتلى من الفريقينِ نحوَ عشرةِ آلافٍ، ثمّ كانتْ وقعةُ صفِّينَ سنة (37هـ) وسببُها أنَّ عليًّا عزلَ معاويةَ بن أبي سفيانَ عن ولايةِ الشّامِ يومَ تسلُّمِ الخلافةِ فعصاهُ معاويةُ فاقْتَتَلا مئةً وعشرةَ أيّامٍ قُتِلَ فيها من الفريقينِ نحو سبعينَ ألفًا، ثمّ كانتْ وقعةِ النّهروانِ بينَ عليٍّ ومن سَخِطَ عليهِ من الخوارج حينَ رَضِيَ بتحكيمِ أبي موسى الأشعريّ وعمرو بن العاص بينه وبين معاويةَ (38هـ) فتمكَّن الإمامُ عليٌّ منهم وقتلوا جميعًا وكانَ عددهم نحو 1800. أقام عليٌّ بالكوفةِ (دارِ خلافتِه) إلى أنْ قتَلَهُ عبدُ الرّحمنِ بن مُلْجِم غِيلةً سنة (40هـ) واخْتُلِفَ في مكانِ قبرِه فقيلَ بالنّجفِ وقيلَ بالكوفةِ وقيلَ في بلاد طيّئ. اشْتُهِرَ عليّ عند المسلمينَ بالفصاحةِ والحكمةِ، فيُنْسَبُ لهُ الكثيرُ من الأشعارِ والأقوالِ المأثورةِ. كما يُعدُّ رمزًا للشجاعةِ والقوّةِ ويتَّصفُ بالعدلِ والزُهدِ حسب الروايات الواردةِ في كتبِ الحديثِ والتاريخِ. كما يُعتبر من أكبرِ علماءِ عصره علمًا وفقهًا.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هو عليُّ بن أبي طالبِ بن عبد المطّلبِ بن هاشمِ بن عبدِ منافِ بن قُصَيّ بن كلابِ بن مرّة بن كعبِ بن لؤيّ بن غالبِ بن فِهْرِ بن مالكِ بن النّضْر وهو قريشُ بن كنانةَ بن خزيمةَ بن مدركةَ بن إلياسَ بن مضرِ بن نزارِ بن معدِّ بن عدنان.
وقريشٌ قبيلةٌ مُضريِّةٌ عدنانيّةٌ، تنتسب إلى النبي إسماعيل عليه، وكانت لها السقايةُ والرّفادةُ وسدانة البيت، ومكانةٌ دينيّةٌ بارزة بين العرب.
ويُكنّى بأبي الحسنِ، وأبي تُراب، وأبي السّبطين، وأبي الحَسَنين، وأبي الرّيحانتينِ.
ولُقِّب بحيدرة وهو الأسد، وقد ذكرَ هذا اللّقب عند مبارزته لمرحب اليهوديّ يومَ غزوةِ خيبرَ.
وهو أصغرُ ولدِ أبيهِ أبي طالبِ بن عبد المطّلبِ بن هاشمِ أحدِ ساداتِ قريشٍ والمسؤولِ عن السقايةِ فيها. وأُمُّه فاطمةُ بنتُ أسدِ بن هاشمِ بن عبدِ منافٍ، الّتي قيلَ إنّها أوَّلُ هاشميّةٍ تَلِدُ لهاشميّ، وكانَ والِدا عليٍّ قدْ كَفِلا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينَ تُوفِّيَ والداهُ وجدُّهُ وهو صغيرٌ فتربَّى ونشَأَ في بيتِهِما.
وجَدّهُ عبد المطّلب كانَ إليهِ ما كانَ إلى من قبلَهُ من الشرفِ والسيادةِ والرفادةِ والسقايةِ، وهو من جدّدَ حفرَ بئرِ زمزم وأقامَ سقايَتها للحجيج. وُلقِّبَ بـ "شيبةَ الحمدِ"، وقيل فيه: أنّه كان أحسنَ قريشٍ وجهًا، وأمدَّهم جسمًا، وأحلمهم حِلْمًا، وأجودهم كفًّا، وأبعد الناس من كلّ موبقةٍ تُفسد الرجال.
وإخوتهُ: طالبٌ، وعقيلٌ، وجعفر.
وأخواتُهُ: أمّ هانئ: واسمها هند أو فاختة، وجُمانة، ورَيطة.
وزوجاتُهُ: فاطمةُ الزّهراء، وفاطمةُ بنتُ حِزام الكلابيّة (أمّ البنين)، وخولةُ بنتُ جعفر الحنفيّة، وأمامةُ بنتُ أبي العاصِ بن الرّبيع، وأسماءُ بنتُ عُميس.
وأبناؤه: الحَسَنُ، والحُسَين، والمُحْسِن، والعبّاس، وعبدُ الله، وجعفر، وعثمان، وعبيدُ الله، وأبو بكر، ومحمّد بن الحنفيّة، وعمرُ.
وبناتُهُ: زينبُ، وأمُّ كلثومٍ، ورقيّةُ، ورَمْلةُ، وخديجةُ.
ومحمّد بن أبي بكر الصّديق هو ربيبُه.
لا يُعْرَفُ يقينًا متى وُلِدَ عليُّ بن أبي طالب، لكنْ بحسبِ بعضِ مصادرِ التّراثِ فإنّهُ وُلِدَ بمكّةَ يومَ الجمعةِ الثالثَ عشر من رجبٍ بعد ثلاثين عامًا من عام الفيلِ. وتذكرُ بعضُ المصادرِ أنّ أمَّهُ فاطمةَ أرادتْ أنْ تسمِّيهِ أسدًا أو حيدرةَ تيمُّنًا بأبيها، بينما أرادَ أبو طالبٍ أنْ يسمِّيهِ زيدًا، لكنْ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سمّاهُ عليًّا، وفي مصادرَ أخرى أنَّ أمَّهُ جاءَها هاتِفٌ يأمُرُها بتسميَتِه بعليّ. ورُوِي أيضًا أنّ والِدَه وجَدَ لوحًا مكتوبًا عليهِ أبياتٌ من الشِّعْر في مدحِ ابنهِ وتسميته بعليّ.
حينَ كان عليٌّ ما بين الخامسةِ والسادسةِ من عمرِه مرّتْ بمكّةَ سنينٌ عَسِرَةٌ وضيقٌ أثّرتْ على الأحوالِ الاقتصاديّة في مكّة وما حولها، وكان لأبي طالب ثلاثةُ أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهبَ إليه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وعمّه العبّاس بن عبد المطّلب وعرضَا عليه أنْ يأخُذَ كلٌّ منهما ولدًا من أبنائه يربّيه ويكْفُلُه تخفيفًا للعبْءِ الّذي عليه، فأخذَ العبّاسُ جعفرًا وأخذ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليًّا، فتربّى في بيتِه وكان ملازمًا له أينما ذهبَ، وتذكُر بعضُ المصادرِ أنّه كان يذهبُ معهُ إلى غارِ حراءِ للتعبّدِ والصّلاة، كما يُذكر أنّه كان قبل الإسلامِ حَنَفِيًّا ولمْ يسجدْ لصنمٍ قطُّ طيلةَ حياتِه، ولهذا يقول المسلمون «كرّم الله وجهه» بعد ذكرِ اسمه، وقيل لأنّه لمْ ينظرْ لعورةِ أحدٍ قطّ.
أسلمَ عليٌّ وهو صغير، بعد أنْ عرضَ النبيُّ الإسلامَ على أقاربِه من بني هاشم، تنفيذًا لما جاء في القرآن. وقد وردَ في بعض المصادرِ أنّ محمّدًا قد جمعَ أهلَهُ وأقارِبَهُ على وليمة، وعرضَ عليهم الإسلام.
وروى ابنُ إسحاق في إسلامه: "ثمّ إنّ عليّ بن أبي طالب جاء بعد ذلك اليوم- يعني بعد إسلامِ خديجةَ وصلاتِها معه- قال: فوجدهما يصلّيان، فقال علي: يا محمّد، ما هذا؟ فقال رسول الله ﷺ: "دينُ الله الذي اصطفى لنفسه، وبعثَ به رسُلَهُ، فأدعوكَ إلى اللهِ وإلى عبادتِه وكفرٌ باللّاتِ والعزّى". فقال له علي: هذا أمرٌ لم أسمَعْ به قبلَ اليوم، فلستُ بقاضٍ أمرًا حتّى أُحِدّثَ أبا طالب. فكَرِهَ رسولُ الله ﷺ أنْ يفشي عليه سِرَّهُ قبل أنْ يُسْتَعْلن أمره، فقال له: يا عليّ، إنْ لمْ تسلِمْ فاكتُمْ. فمكثَ عليّ تلك الليلة، ثمّ إنّ الله أوقعَ في قلب عليّ الإسلامَ، فأصبحَ غاديًا إلى رسول الله ﷺ حتى جاءَه فقال: ماذا عرضتَ عليّ يا محمّد؟ فقال له رسول الله ﷺ: "تشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وتكفرُ باللات والعزى، وتبرأُ من الأنداد". ففعل عليّ وأسلَمْ، ومكَثَ عليّ يأتيه سرًا خوفًا من أبي طالب، وكتم عليّ إسلامَه".
وبهذا أصبحَ عليٌّ أوّلَ من أسلمَ من الصَبيان.
لمْ يهاجِرْ عليّ إلى الحبشةِ في الهجرةِ الأولى حين سمحَ الرّسول لبعض من آمن به بالهجرة إلى هناك هربًا من اضطهادِ قريش، وقاسى معه مقاطعة قريشٍ لبني هاشم وحصارَهم في شِعْب أبي طالب. كما رافقَ الرّسول في ذهابِه للطّائفِ لنَشْرِ دعوتِه هناكَ بعد أن اشتدّ ايذاءُ قريشٍ له، ومكثَ عليّ مع النبي محمد في مكّةَ حتى هاجر إلى المدينة.
وهو الّذي فدى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلةَ الهجرةِ بعد أنْ تآمرت قريشٌ على قتْلِ النبي محمد فورَ خروجِه من بيتهِ أو وهو في فراشه نائمٌ. واستأمنه النبيّ على أماناتِ النّاس ليؤدّيها لهم بعد هجرَتِه.
وأمّا هجرته فقدْ خرجَ عليٌّ للهجرةِ إلى المدينةِ وهو في الثّانيةِ والعشرينَ من عمرِه، وحسب روايةِ ابن الأثيرِ في أُسْدِ الغابةِ فقدْ خرجَ عليّ وحيدًا يمشي اللّيلَ ويَكْمُنُ النّهار، ولمْ تَمْضِ غيرُ أيّامٍ قليلةٍ حتّى وصلَ عليّ إلى قُباءَ حيث انتظرَه الرّسولُ بها ورفضَ الرّحيل قبل أنْ يصِلَ عليّ الذي كان قد أنْهَكَهُ السّفرُ وتوَرَّمتْ قدماه حتّى نَزَفَ منهما الدّم. وبعد وصوله بيومين نزلَ عليّ مع الرّسول إلى المدينة.
كان موضِعَ ثقةِ النّبِيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فكان أحدَ كُتّابِ القرآنِ أو كتّابِ الوحي الذين يدوّنونَ القرآنَ في حياةِ النبيّ، وكان أحدَ سفرائِه الذين يحملون الرسائلَ ويَدْعون القبائلَ للإسلامِ، واستشاره النبيّ في الكثيرِ من الأمورِ مثلما استشارَه فيما يُعْرَفُ بحادثةِ الإفك. شَهِدَ بيعةَ الرّضوانِ وأمره النبيّ حينئذٍ بتدوينِ وثيقةَ صُلْحِ الحُدَيبِيَة وأَشْهَدَهُ عليها.
شَهِدَ جميعَ المعاركِ مع النبيّ إلّا غزوةَ تبوك الّتي خلّفه فيها على المدينةِ وعلى عياله بعده وقال له: "أنت منّي بمنزلةِ هارونَ من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي"، وسلّم له الرايةَ في الكثيرِ من المعارك. عُرِفَ ببراعتِه وقوَته في القتال، وقد تجلَى هذا في غزواتِ الرّسول؛ ففي غزوة بدرٍ، هزمَ عليّ الوليدُ بن عتبة، وقتَلَ ما يزيدُ عن عشرينَ من المشركين. وفي غزوةِ أُحُدٍ قَتَل طلْحةَ بن عبد العزّى حاملُ لواءِ قريشٍ في المعركة، وأرسلهُ النبيّ إلى فَدَك فأخذَها في سنة 6 هـ، وفي غزوة الأحزابِ قتَلَ عمرو بن ودٍّ العامريّ أحَدُ فرسانِ العرب، وبعد أنْ قتله وانكشف وتنحّى عنه وقال:
آلى ابْنُ عَبْدٍ حِينَ جاءَ مُحارِباً َوَحَلَفـتَ فَاسْـتَمِعُوا مِنَ الْكَذَّابِ
أَلَّا يَفِـرَّ وَلا يُمَلِّـلَ فَـالْتَقى أَسَـدانِ يَضْـطَرِبانِ كُـلَّ ضـِرابِ
الْيَوْمَ يَمْنَعُنِي الْفِرارَ حَفِيظَتِي وَمُـصَمِّمٌ فِـي الـرَّأْسِ لَيْسَ بِنابِ
وفي غزوة خيبر، هزمَ عليٌّ فارس اليهود "مرحَبًا"، وبعد أنْ عَجِزَ جيشُ المسلمين مرّتينِ عن اقتحام حِصْن اليهود، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "لأدفعنّ الرّايةَ إلى رَجُلٍ يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه الله ورسوله ويفتح عليه"، فأعطاها لعليّ ليقودَ الجيش، وفتحَ الحِصْن وتحقَّقَ النَصر للمسلمين. وقيل إنّه اقتحمَ حِصْن خيبرَ متَّخِذًا البابَ دِرْعًا له لشدّةِ قوّته في القتال. وكان ممّن ثبتَ مع النبيّ في غزوة حنين. وكان له سيفٌ شهيرٌ أعطاه له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوةِ أُحُدٍ عُرِفَ باسم ذو الفقار، كما أهداه النبيّ درعًا عُرِفَتْ بالحطميّة ويقال أنّها سمّيَتْ بهذا الاسمِ لكثرةِ السّيوفِ التي تحطَّمت عليها.
ولمّا توفّي النبي رثاه بأبياتٍ شجيّة تنبي عن حقيقةِ الفاجعةِ التي أصابته والمسلمينَ عمومًا، فقال:
أَمِــنْ بَعْـدِ تَكْفِيـنِ النَّبِـيِّ وَدَفْنِـهِ نَعِيـــشُ بِــآلاءٍ وَنَجْنَــحُ لِلسَّـلْوَى
رُزِئْنـا رَسُـولَ اللهِ حَقّـاً فَلَن نَرَى بِـذاكَ عَـدِيلاً مـا حَيينـا مِنَ الرَّدَى
وُكُنْـتَ لَنـا كَالْحِصْـنِ مِـنْ دُونِ أَهْلِهِ لَـهُ مَعْقِـلٌ حِـرْزٌ حَرِيـزٌ مِـنَ الْعِـدَى
وَكُنَّــا بِــهِ شُــمُّ الْأُنُــوفِ بِنَحْـوِهِ عَلــى مَوْضــِعٍ لا يُسْــتطاعُ وَلا يُـرى
وبعد وفاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلّم، اضطلعَ عليٌّ بتغسيلِ جثمانِهِ الشّريف وتجهيزِه للدّفن، وفي هذه الأثناء اجتمَعَ الأنصارُ في سقيفةِ بني ساعدة ورشّحوا سعد بن عبادة ليكونَ خليفةً للمسلمين، وحين سمع أبو بكر وعمر بهذا توجَّها إلى السقيفةِ وأكّدوا على أحقّيّة المهاجرين بالخلافةِ كما تقول المصادر السّنّية ودارَ جدالٌ بينهم، وفي النّهاية اختيرَ أبو بكرٍ ليكونَ خليفةً النبي.
ويروي بعضُ المؤرّخينَ أنَ عليًّا كان مقتنعًا بأحقيّتِه في الخلافة، واعتقدَ أنَّ المسلمينَ سيختارونه في السقيفة، فقالَ حين وصَلَهُ نبأُ ترشيحِ الأنصارِ لسعد بن عبادة: "لو كانت الإمامةُ فيهم، لم تكن الوصيّة بهم"، ثم قال: "فماذا قالت قريش؟" قالوا: "احتجّت بأنّها شجرة الرسول"، فقال: "احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرّة"، فاجتمع عليّ وبعض الصحابة المحتجين على خلافة أبي بكر في بيتِ عليّ ومنهم طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، وأمّه صفية عمّة النبي، ولكنّ السنّة يصحِّحون روايةً تقول إنّه تقبَّل الأمرَ ورضيَ بخلافةِ أبي بكر، كما وافقهم في هذا بعض الفقهاءِ الشيعةِ أمثال محمّد حسين كاشف الغطاء في كتاب "أصل الشيعة وأصولها"، الّذي قال إنّ عليًّا قد بايعَ وسالَم.
وتؤكّدُ بعضُ المصادرِ أنّ عليّ بن أبي طالب احتفظَ بدورٍ كبيرٍ خلال عهودِ الخلفاءِ الثّلاثةِ الذين سبقوه، وكانوا يستشيرونه في الكثيرِ من الأمور.
ولمّا قُتِل عثمان، بويعَ للخلافةِ بالمدينةِ المنوّرة في اليومِ التالي من الحادثةِ (سنة 35هـ) فبايَعَهُ جميعُ من كان في المدينةِ من الصّحابةِ والتابعين والثوّار. ويُرْوَى أنّهُ كان كارهًا للخلافةِ في البدايةِ واقترحَ أنْ يكونَ وزيرًا أو مستشارًا إلّا أنّ بعضَ الصحابةِ حاولوا إقناعَه فضلًا عن تأييدِ الثوّار له، ويروي ابن خلدون والطبري أنّه ارتضى تولّي الخلافة خشيةَ حدوثِ شقاقٍ بين المسلمين.
فقامَ بعضُ أكابرِ الصّحابةِ يطلبونَ القبضَ على قتلةِ عثمانَ، فتريَّثَ ولمْ يتعجَّلْ في الأمرِ، فغضبتْ عائشةُ رضي الله عنها ومعَها جَمْعٌ كبيرٌ في مقدِّمَتِهم طلحةُ والزّبيرُ فقاتلوا عليًّا في وقعةِ الجملِ سنةَ (36هـ)، وظفرَ عليٌّ فيها بعدَ أنْ بلغَ عددُ القتلى من الفريقينِ نحوَ عشرةِ آلافٍ، ثمّ كانتْ وقعةُ صفِّينَ سنة (37هـ) وسببُها أنَّ عليًّا عزلَ معاويةَ بن أبي سفيانَ عن ولايةِ الشّامِ يومَ تسلُّمِ الخلافةِ، فعصاهُ معاويةُ واقْتَتَلا مئةً وعشرةَ أيّامٍ قُتِلَ فيها من الفريقينِ نحو سبعينَ ألفًا، ثمّ كانتْ وقعةِ النّهروانِ بينَ عليٍّ ومن سَخِطَ عليهِ من الخوارج حينَ رَضِيَ بتحكيمِ أبي موسى الأشعريّ وعمرو بن العاص بينه وبين معاويةَ (38هـ)، فتمكَّن عليٌّ منهم وقُتِلُوا جميعًا وكانَ عددهم نحو 1800.
وبرغم أنّ حركة الفتوحات في عهد عليّ قد انخفضت، إلّا أنّ عهدَه اتَّصفَ بالكثيرِ من المنجزاتِ المدنيّةِ والحضاريّةِ؛ منها تنظيمُ الشّرطةِ وإنشاءُ مراكزَ متخصّصَة لخدمةِ العامّة كدارِ المظالمِ ومَرْبَد الضّوال وبناءِ السّجون، وكان يُدِيرُ حكْمَهُ انطلاقًا من دارِ الإمارة، كما ازدهرَتْ الكوفةُ في عهدِه وبُنِيَتْ بها مدارسُ الفقهِ والنحوِ، وقيل إنّه هو مَن أمرَ أبا الأسودِ الدُؤَلِي بتشكيلِ حروفِ القرآنِ لأوّل مرّة، ويعتقدُ بعضُ الباحثينَ أنّه أوّل من سكَّ الدرهمَ الإسلاميّ الخالِص، مخالفينَ بهذا المصادرَ التاريخيّة الأخرى التي تقولُ إنّ عبدَ الملكِ بن مروانَ هو أوّلُ من ضَرَبَ الدّراهم الإسلاميّة الخالِصَة.
كانَ عليّ بن أبي طالب يؤمُّ المسلمين في صلاةِ الفجرِ في مسجد الكوفة، وفي أثناءِ الصّلاةِ ضرَبَهُ عبدُ الرّحمن بن ملجم بسيفٍ مسمومٍ على رأسِه، فقالَ عليّ جملتَه الشهيرة: "فزتُ وربِّ الكعبة"، وتقولُ بعض الروايات إنّه كان في الطريقِ إلى المسجدِ حينَ ضرَبَهُ ابن ملجم؛ ثم حُمِلَ على الأكتافِ إلى بيتِه وقال: "أبصروا ضاربي، أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إنْ هلَكْتُ، فاقتلوه كما قتلني، وإنْ بقيتُ رأيتُ فيه رأيي"، ونهى عن تكْبِيلِه بالأصفادِ وتعذيبه. وجِيء له بالأطبّاء الذين عجزوا عن معالجتِه، فلمّا علم أنّه ميّتٌ قام بكتابة وصيّته. ظلَّ السُّمُّ يسري بجسده إلى أن توفّي بعدها بثلاثة أيّام، تَحديدًا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال. وبعد مماته تولّى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه ودفنه، ثم اقتصُّوا من ابن ملجم بقتلِه.
على الرّغم من أنّ عليّ بن أبي طالب لم يُشتهَر بصفتِه شاعرًا بل بصفتِه صحابيًّا جليلاً وخليفةً راشديًّا عظيمًا، إلّا أنّ شهرتَه في الفصاحة والبيان ظلّت محطّ أنظار العلماء والنقّاد على مرّ التاريخ، وله ديوان شعرٍ كبير يمتلئ بالحكمة والتّجربة والتّعليق على أحداث التاريخ الإسلاميّ التي شهدها، ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ هناك تضاربًا كبيرًا في الأبيات المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب.