
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
رأينــا عجيبــاً والزّمــانُ عجيـبُ
رجـــالاً ولكـــنْ مـــالَهُنَ قلــوبُ
تَماثيــلُ فــي صـَخْرٍ نَحيـتٍ كأنّهـا
بنــو زمــنٍ لـم يُلـفَ فيـه أريـب
نَزْلنـا وُفـوداً فـي حِماها ولم يكن
لنـا مـن قِراهـا فـي الوفود نَصيب
وَمَـنْ يـكُ مُلْقَـى رَحْلِـهِ عنـد سـُوقةٍ
لــــه وَرِقٌ للزّائريــــنَ رطيـــب
فنحــن لـدى كِسـرى أبَرويـزَ غُـدوةً
نُـــزولٌ ولكـــنّ الفِنــاءَ جَــديب
بظــاهرِ قَرميســينَ والرَّكـبُ مُحـدقٌ
حَـــوالَيْهِ فيهـــم جَيئةٌ وذهُـــوب
لــدى مَلِــكِ مـن آلِ ساسـانَ ماجـدٍ
وَقــورٍ عليــه التّـاجُ وهْـو مَهيـب
وقــد ظَـلّ بيـنَ المُوبـذان مكـانَه
وشـــِيرينَ للأبصــارِ وهْــو قريــب
مكـانَ المُنـاجي مـن خليلَيْهِ واقفاً
وإن عّـــزَّ منهــم ســامعٌ ومجيــب
يرُونَـكَ مـن تحـتِ الحـوادثِ أَوجُهـاً
بهــا مـن تصـاريف الزمـان شـُحوب
وقـاموا علـى الأقـدامِ لا يَعتَريهـمُ
مَـدى الـدهرِ مـن طول القيام لُغوب
عليهــم ثيــابٌ لَسـْنَ مُجتـابَ لابـسٍ
ولكــنْ مــن الصــَخْر الأصـَمِّ مَجـوب
تُعُجِّــبَ منهــا كيــف جُـرَّ لِمثْلهـا
ذيــولٌ لهــم أم كيــفَ زُرَّ جُيــوب
وقــد شَخَصــتْ للنــاظِرين بَواديـاً
صــُدورٌ لهــم مــن تحتهـا وجنُـوب
كمــا تَصــِفُ الأعضــاءَ يومـاً غلائلٌ
إذا كــان فيهــا للريــاحِ هُبـوب
ومــن تحتــه شـَبْديزُ ناصـِبُ جِيـدهِ
ومُنتَفِــضٌ فــي الـوجهِ منـه سـَبيب
ومُســبَلُ ضــافٍ بيـن حـاذَيْهِ مُرسـَلٌ
لـــه خُصــَلٌ مــالتْ بــه وعَســيب
ثنـى سـُنْبُكاً منـه عـنِ الأرض صافناً
وهيهــاتَ منــه أن يكــونَ خــبيب
تُؤُمّــلَ منــه كيــف نســْجُ حِزامـه
فيَصـــعَدُ فيـــه نـــاظِرٌ ويَصــوب
وقـد بـان حتّـى عِرقُـه تحـت جِلْـدهِ
وإن لــم تَبِـنْ فـي صـَفْحَتْيهِ نُـدوب
تَــرى كـلَّ عُضـْوٍ منـه أُكمـلَ صـُنعْهُ
فلا شــيءَ إلاّ الــروحَ منــه تَغيـب
وفارِســـُه شــاكي الســلاحِ مُــدَرَّعٌ
علــى الأرضِ للرُمْــحِ الأصــحِّ سـَحوب
يُخَيّـــلُ للــرائي زمــانُ حيــاته
فيَعلَـــقُ منــه بــالفؤادِ وَجيــب
ومِـن حَـوْله مـن كـلِّ ما اللهُ خالقٌ
تَماثيــلُ مــا فــي نَحْتِهـنَّ عُيـوب
ســَماءٌ ذُراهــا بــالنجومِ مُنيـرةٌ
وأرضٌ ثَراهـــا بالرِيـــاضِ خَصــيب
ومُقتَنَـــصٌ فيــه الجــوارحُ ســُرَّبٌ
تَطيــر وتَعــدو والوحــوشُ ســُروب
ومــن كــلِّ أَنــواع الأنـامِ مُصـوَّرٌ
شـــبَابٌ وشـــُمْطٌ يَمرحــونَ وشــِيب
ومَجلــسُ أُنْـسٍ يُفْسـِحُ الطَـرفَ مِلْـؤه
قيـــانٌ تُغنِّـــي وَســـْطَهُ وشــُروب
وصــَرْعَى وقَتْلَـى فـي قتـالِ عسـاكرٍ
تَحــــولُ حصـــونٌ دُونَهـــم ودُروب
فمِــن جــانبٍ أَضــحتْ تُصـَبُّ مُدامـةٌ
ومــن جــانبٍ أَضــحَتْ تُشــَبُّ حـروب
خَليطـــانِ هــذا للقــراعِ مُعَبَــسٌ
يَصـــولُ وهـــذا للســّماع طَــروب
وقـد حققَّـوا التصـويرَ حتّى وجوهُهم
يَــبينُ لنــا بِشــْرٌ بهــا وقُطـوب
وكــلٌّ يُعــاني شــُغْلَه غيــرَ أنّـه
علـــى فَمِـــه دونَ الكلام رَقيـــب
مَلاعــبُ فيهــا المَلْـكُ رامٍ بطَرْفِـه
وكــلُّ ابْـنِ دُنْيـا إن نَظـرْتَ لعـوب
وعاشــوا طــويلاً ثُـمَّ فّـرَّقَ شـَمْلَهم
زَمـــانٌ أكـــولٌ للأنـــامِ شــَروب
فلــولا مَكـانُ الـدِينِ قَـلَّ لفَقـدِهم
بُكــاءٌ لنــا فــي إثْرهـم ونَحيـب
مُلـوك أقـاموا مـا أقـاموا أعـزّةً
وقــد شــعَبتْهم بعــد ذاكَ شــَعوب
وُخيّــل للــرّائي ليــذكُرَ عهْــدَهم
خيــالٌ لعمــري إن رأيــتَ عجيــب
خيــالٌ لهـم يُهْـدَى إلـى كُـلِّ أُمَـةٍ
لقصـــْد اعتبـــارٍ إن رآه لَــبيب
ومـا هـو بالطّـاوي السـُّهوب وإنّما
لكــي يُجتلَــى تُطـوىَ إليـه سـُهوب
سـَيبْقَى ويَفْنَـى النـاظِرون وتنقضـي
قبـــائلُ حتّـــى ينقضــي وشــعوب
ولا بُــدّ يومــاً مــن فَنـاءٍ مُقَـدّرٍ
ســـَنُدْعَى إليـــه دَعــوةً فَنُجيــب
أُحِبُّــكَ يــا كســرى لعـدْلك وحـدَه
ودينُـــكَ مَشـــنوءٌ إلـــى مَعيــب
ومَعْبــودُكم نــارٌ ومَــورِدُكم غـداً
فســوفَ تَــرَى العُبّـادَ كيـف تُنيـب
ونحــن ســَبقْنا الأعجَميِـنَ بمُلكهـا
ومــا كــان منهــم للبلادِ وثُــوب
بَـدأنا وعُـدْنا فانتزَعْنـاهُ ثانيـاً
فللمُلْـــكِ فينــا ســابِقٌ وجَنيــب
مُلوكٌ من العُرْب الكرامِ إذا انتموا
تَبلّـــجَ منهـــم مالِـــكٌ وعَريــب
ومـا فـي بنـى مـاءِ السماء أُشابَةٌ
تُعَــدُّ وهــل مــاءُ السـّماءِ مَشـوب
فلاحــظْ غــداةَ الافتخــارِ نصـابَنا
أمـــن مثلِـــه للأعجَميــن نَصــيب
هُـمُ عَمـروا الـدُنيا ولاديـن عندهم
زمانــاً وإهمــال الديانــة حـوب
ونحـن عمرنـا الـدين أوَّل مـا بدا
ولــم تــكُ دُنْيــا للرِّجـالِ خَلـوب
وذا زَمَــنٌ مـا منهمـا فيـه عـامرٌ
فصــْبراً وغيَــري يـا أُميـمَ كـذوب
فـإن سـاءنا ذا الأمـرُ إذ هو مُبْهَجٌ
فقــد سـَرَّنا مـا شـئْت وهْـو قَشـيب
عسـى زمـنٌ يثْنِـي لنـا العِطفَ مُنجِبٌ
فمـا فـي بنـي هـذا الزّمـانِ نَجيب
تَنـاهى بـيَ الإيحـاشُ منهـم فكلُّهـم
وإن أظهــر الــودَّ الكـثير مُريـب
وآنَســني نَحــتٌ مـن الصـْخرِ ماثـلٌ
مُقيــمٌ عــن الأبصــار ليـس يَغيـب
عَـديمُ الأذى طَبْعـاً ولا عيـشَ للفـتى
بقُــرْبِ امرىــءٍ يُخشـَى أذاه يَطيـب
غَـدا قائمـاً يَقـري الرّجـالَ تأسّياً
إذا ضــافَه نــائي الـدّيارِ غَريـب
فلـولا الـذي خلْـفَ النّـوى من علائقٍ
أقمــتُ لــديه مــا أقــام عَسـيب
وهـل مُنْكِـرٌ إن كـان بالنّـاس قاسه
أخــو نَظْــرةٍ يرْمــي بهـا فَيُصـيب
وأبنـاءُ هـذا العصـرِ أيضـاً جلامـدٌ
تُريـــك جســـوماً مــالهنَّ قلــوب
وقـد مُسِخوا فاسَتحْجَروا حين أصبحوا
عُصــاةَ المعــالي والعِقـابُ ضـُروب
فـإن خُلِقـوا في الخيرِ صَخْراً فإنّهم
إلــى الشـرِّ سـَيلٌ إن أهـابَ مُهيـب
وأســعَدُ عنــد العقـلِ شـَخْصٌ مُمَثّـلٌ
وكُــلٌّ إلــى عُقْبَـى الفَنـاء يَـؤوب
أقــامَ خليّــاً مــا أقـامَ مُعمَّـراً
ومَــرَّ ولــم تُكْتَــبْ عليــه ذُنـوب
ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني القاضي.شاعر ولد في أرجان وطلب العلم بأصبهان، ويكرمان، وقد تولى منصب نائب قاضي قضاة خوزستان، ثم ولي القضاء بأرجان مولده.وكان يدرس في المدرسة النظامية في بغداد.وقد عاصر الأرجاني خمسة من الخلفاء، وتوفي في عهد الخليفة المقتضي لأمر الله. عن أربع وثمانين سنة.وجل شعره حول المديح والوصف والشكوى والحكم والأمثال الفخر.له ديوان مطبوع.