
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
كـالنجمِ فـي خفـقٍ وفي ومضِ
متفــرداً بعــوالم السـُّدُمِ
حيــرانَ يتبـعُ حيـرةَ الأرضِ
ومصــارعَ الأيــامِ والأُمَــمِ
مستوحشـاً فـي الأفق منفردا
وكــأنَّه فـي سـامرِ الشـُّهُبِ
هـذا الزحامُ حيالَهُ احتشدا
هـوَ عنـه نـاءٍ جِـدُّ مغـتربِ
مترنحــاً كالعاشـقِ الثمـلِ
ريّـانَ مـن بَهـجٍ ومـن حَـزَنِ
نشـوانَ مـن ألـمٍ ومـن أملِ
مسـتهزئاً بـالكونِ والزَّمَـنِ
تلـك السـماءُ علـى جوانبه
بحـرُ الحياة الفائرُ الزَّبدِ
كـم راحَ يلتمـسُ القرارَ به
هيمـانَ بيـن شـواطىء الأبدِ
تهفـو علـى الأمـواج صورته
وشـعاعهُ اللمَّـاحُ في الغوْرِ
نفَـذتْ إلـى الأعمـاقِ نظرتُهُ
فـإذا الحيـاةُ جليـةُ السرِّ
ويمــرُّ بالأحــداثِ مبتسـماً
كالشـمسِ حيـنَ يلفُّها الغيمُ
زادَتـهُ عِلمـاً بالـذي عَلِمَا
دنيـا تنـاهى عندها الوهمُ
بَلـغَ الـروائعَ من حقائقها
فـإذا السعادةُ توأمُ الجهلِ
هتـف المحـدِّقُ فـي مشارقها
ذهـبَ النهـارُ فريسةَ الليلِ
يـا قلبُ مثلُ النَّجمِ في قلقِ
والنــاسُ حولـك لا يُحسـُّونا
لـولا اختلافُ النـورِ والغَسَقِ
مــرُّوا بأفقــكَ لا يُطلُّونـا
فاصـفحْ إذا غمطـوك إدراكا
واذكــر قصــورَ الأدميينـا
أتريـدهم يـا قلـبُ أملاكـا
كلَّا ومــا هــم بالنبيينـا
هـم عـالمٌ فـي غيِّـه يمضـي
مُستغرقاً في الحمأةِ الدنيا
نزلــوا قـرارةَ هـذه الأرضِ
وحللـتَ أنـتَ القمةَ العليا
عُبَّـادُ أوهـامٍ ومـا عبـدوا
إلَّا حقيــرَ مُنــىً وغايــاتِ
ومُنـاكَ ليـس يحـدّها الأبـدُ
دنيــا وراء اللا نهايــاتِ
ولـكَ الحيـاةُ دنـىً وأكوانُ
عـزَّتْ معارجُهـا على الراقي
تحيـا بهـا وتبيـدُ أزمـانُ
وشـبابُها المتجـدِّدُ الباقي
يـا قلبُ كم من رائعِ الحلَكِ
ألقـاكَ فـي بحـرٍ من الرُّعبِ
كـم عُـذْتَ منـه بقبَّةِ الفلَكِ
وصـرختَ وحـدكَ فيه يا قلبي
ومضـيتَ تضـربُ فـي غيـاهبِه
وتـردُّ عنـكَ المائجَ الصَّخِبا
تـترقب الـبرقَ المطيـفَ به
وتسـائلُ الأنـواءَ والسـُّحبا
وخفقـتَ تحـت دَجـاهُ من وَجَلِ
كـالطيرِ تحت الخنجر الصلْتِ
وعرفـتَ بيـن اليـأسِ والأملِ
صـحوَ الحيـاةِ وسكرةَ الموتِ
يـا قلـبُ عنـدكَ أيُّ أسـرارِ
مـا زِلـنَ فـي نشـرٍ وفي طيِّ
يـا ثـورةً مشـبوبةَ النَّـارِ
أقلقـت جسـم الكـائنِ الحيِّ
حَمَّلْتَـه العبـءَ الـذي فَرقَتْ
منـهُ الجبـالُ وأشفقتْ رَهَبا
وأثـرتَ منه الرُّوحَ فانطلقتْ
تحسو الحميمَ وتأكلُ اللهبا
وملأت سـِفَرَ المجـد مـن عَجَبِ
وخلقـتَ أبطـالاً مـن العَـدَمِ
وعلـى حـديثِك في فمِ الحِقَبِ
سـِمَةُ الخلـودِ ونفحة القِدَمِ
كـم مـن عجـائبَ فيكَ للبشرِ
أخـذَتهمُو منهـا الفجـاءاتُ
متنــبئاً بـالغيبِ والقـدَرِ
وعجيبــةٌ تلــك النبـوءاتُ
وعجبـتُ منـك ومن إبائكَ في
أسـرِ الجمـالِ وربقـةِ الحبِّ
وتَلفُّــتِ المتكــبر الصـَّلِفِ
عـن ذِلَّةِ المقهور في الحربِ
يـا حـرُّ كيـف قبِلـتَ شِرعتَه
وقنِعـتَ منـه بـزادِ مأسـورِ
آثــرت فــي الأغلال طلعتَـه
وأبيـتَ منـه فكـاكَ مهجـورِ
فـإذا جفاكَ الهاجرُ الناسي
وقسـا عليـكَ المشفقُ الحدِبُ
فاضـت بـدمعك فـورةُ الكاسِ
وهَفَــتْ بكفِّـكَ وهـي تضـطربُ
وفزِعـــتَ للأحلام والـــذِّكرِ
تبكـي وتنشـدُ رجعـةَ الأمـسِ
وودِدْتَ لـو حُكِّمـتَ في القَدَرِ
لتعيـدَ سـيرتَها مـن الرَّمْسِ
ووهِمْــتَ نـاراً ذات إيمـاضِ
فبسـطتَ كفَّـك نحوهـا فزَعـا
مَـرَّتْ بعينـكَ لمحـةُ الماضي
فـوثبت تُمْسـِكُ بارقـاً لَمعا
وصـحوتَ مـن وهْـمٍ ومـن خَبَلِ
فــإذا جراحُــك كُلَّهــن دَمُ
لجَّـتْ عليـك مـرارةُ الفشـلِ
ومشــى يحـزُّ وتينَـك الألـمُ
والأرضُ ضـاق فضـاؤها الرحبُ
وخَلــتْ فلا أهــلٌ ولا ســَكنُ
حـالَ الهـوى وتفـرَّق الصحْبُ
وبقيـتَ وحـدكَ أنـتَ والزَّمنُ
وصـَرختَ حيـن أجنّـك الليـلُ
مُتمَــرِّداً تجتاحُــكَ النَّـارُ
وبـدا صـراعُك أنـت والعقلُ
ولأنتمـــا بحــرٌ وإعصــارُ
مـا بيـن سـلمِكما وحربِكما
كــونٌ يَبِيـنُ ويختفـي كـونُ
وبنيتمـا الـدُّنيا وحسبكما
دنيـا يقيـمُ بناءَهـا الفنُّ
علي محمود طه المهندس.شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة.له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه)، (وليالي الملاح التائه) و(أرواح شاردة) و(أرواح وأشباه) و(زهر وخمر) و(شرق وغرب) و(الشوق المائد) و(أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.