
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
يا حاديَ العِيس عرّج بي على الخِيم
علــى منــازل أَعـراب بـذي سـَلَمِ
هنـاك نـار القِـرى مشبوبةَ الضرم
وثمَّـةَ المثـلُ الأعلـى مـن الشـَممِ
وثمـةَ المثـلُ الأعلـى مـن الجـودِ
وعُــج بكثبـان طـيّ فـي بواديهـا
حيـث المضـارب قـد عجَّـت نواديها
وجردُهــا مقربــاتٌ فـي نواحيهـا
عــزّ الفلاة ومـا تنبـو مواضـيها
فــي كــف كـل أبـيّ غيـرِ رِعديـدِ
هـذا حمـى حـاتمٍ بـالجود ينهمـرُ
كــأن نــائله فــي كفــه مطــرُ
كـأن فـي راحـتيه النـار تسـتعرُ
كـــأنه خــادم للضــيف يــأتمرُ
وهــذه شــيمة العُـرْب الصـناديدِ
وجـاد حـاتمُ حـتى انفـذ النشـبا
وهــل تصــون نفــوس حـرة ذهبَـا
والمـال إن لـم تصـنه حكمة ذهبَا
وليـذهب المال إن ابقى لنا حسبَا
فالمــال دون إبــاء شـرّ معبـودِ
وجــاء حـاتمَ أضـياف وكـان بـدا
ضــيق فلا ســبداً أبقـى ولا لَبَـدا
فنــادمت أمــه ضــيفانهَا وعـدا
مـن فـوق اجـردَ يبغي للقِرى مَدَدا
وعـاد قـاري الفيـافي غيرَ ممدودِ
فقــالت الأُم بعنـي كالعبيـد ولا
تبخـل وجودُك أضحى في الورى مثلا
فقــال واهَبْتِنــي يـا أُمّ واخَجَلا
لئَن أطعــتُ أيبقــي حــاتمٌ رَجُلا
أنـا الفِدى للنَّدى يا غادةَ الغيدِ
ولـم تجـد لفتاهـا شـارياً نَجِـدا
فابتـاعه الضـيف فافترت له كبِدا
وقــدّمت جـذالاً للضـيف مـا حمِـدا
ومـا درى أَنهـا بـاعت لـه وَلَـدا
يـا خيـرَ والـدة يـا خيـرَ مولودِ
وصــار حــاتم مـن أتبـاع سـيده
كــأنه عبــد قــنٍّ منــذ مَولِـده
وبَـــرّ ســـيدَه بِـــرّاً بمحتِــده
وجــاد بـالنفس إكرامـاً لقاصـدِه
والجـودُ بالنفس أقصى غايةِ الجودِ
يـا مـن يرى حاتماً كالعبد يَأتمرُ
ألا تــراه أميــراً دونـه البشـرُ
وكــم تـرى سـيِّداً فـي خـدّه صـَعَرُ
ونفســُه عبــدةٌ بــالطوق تفتخـرُ
والعبدُ بالنفس ليس العبد بالجيدِ
وجــاء مَــوْلى أبـي سـَفَّانةٍ رجـلُ
راذ رأى حاتمـاً جـادت لـه المقلُ
وقـال عبـدُك هـذا خيـرُ من بذلوا
ومن أجاروا ومن فادوا ومن سُئلوا
ومـن أجـابوا ومن نادى ومن نودي
هـذا الـذي يتبـاهى باسمه الكرمُ
ولا يحــاكي نَــداه الخلـقُ كلُّهُـمُ
ولا تضــارِعُه فــي جــوده الـدِيَمُ
هـذا هـو الحـر والـدنيا له خَدَمُ
ومَـن كحـاتمَ فـي الأمصـار والبيدِ
فقـــام ســيّدُه للحــال يســألُه
والأمــر عبـء ثقيـل ليـس يحمِلُـه
فضــنّ بالسـرّ مـن سـالت أنـاملُه
ولاح فــي وجهـه الزاهـي تجـاهلُه
والكَتْـمُ للجـود خُلـق في الأجاويدِ
وقـد أَلـح أميـرُ القـوم مختـبرا
لعبـده فـدرى مـن أمـره الخَـبرا
فقـال يـا سـيدَ الأنجـادِ والأُمـرا
أَنـا الرقيـق وأَنت الحرّ دون مِرا
ونصــفُ مـالي عَطـاء غيـرُ مـردودِ
هـذا نَـدى حـاتمَ الطـائي وشيمتُه
هــذا الخلــود وهــذي عبقريتُـهُ
والمـرء إن لـم يَجُدْ ضاعت كرامتُه
ولا تكرِّمُــــه إن ضـــنَّ ثروتُـــهُ
يـا نفـسُ مهما يكن من أزمةٍ جودي
هــذي مــآثر آبــاء لنــا نُجُـبِ
سـطعنَ فـي أُفُـق التاريـخ كالشُّهُبِ
وبِتْـنَ مفخـرة تبقـى علـى الحِقَـبِ
فَلْنفتخـر بمزايـا قومنـا العَـرَبِ
وَلْنحتفــظ بعُلـى آبائنـا الصـيدِ
أحمد تقي الدين.شاعر، ولد في بعقلين، ودرس في المدرسة الداوودية ثم مدرسة الحكمة.ثم درس الشريعة على كبار العلماء ثم أصبح من محجاته في لبنان. زاول المحاماة، ثم عين قاضياً وشغل مناصب القضاء في عدة محاكم منها، بعبدا وعاليه، وبعقلين وكسروان وبيروت والمتن. وقد كان مرجعاً لطائفته الدرزية في قضاياها المذهبية وقد كان شاعراً عبقرياً حكيماً، يعالج علل الأمة، بفكر ثابت ورأي سديد ومدارك واسعة. له ( ديوان شعر - ط ).