
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
النَّجاشِيُّ هُوَ قَيْسُ بْنُ عَمْرِو، مِنْ بَنِي الحارِثُ بْنِ كَعْبٍ إِحْدَى قَبائِلِ كَهْلانَ، لُقِّبَ بِالنَّجاشِيِّ لِأَنَّ أُمَّهُ كانَتْ مِنْ الحَبَشَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ لَوْنَهُ كانَ يُشْبِهُ لَوْنَ الحَبَشَةِ، نَشَأَ فِي نَجْرانَ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الحِجازِ، وَاسْتَقَرَّ فِي الكُوفَةِ. وَهُوَ شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمَ مَعَ قَوْمِهِ. وَكانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ فِي صِفِّينَ ثُمَّ لَحِقَ بِمُعاوِيَةَ، وَكانَ شاعِراً هِجّاءً هَدَّدَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ بِقَطْعِ لِسانِهِ لِهِجائِهِ بَنِيَ العَجْلانِ، وَجَلَدَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِشُرْبِهِ الخَمْرَ فِي رَمَضانَ، وَلَهُ مُهاجاةٌ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ، تُوُفِّيَ فِي نَجْرانَ فِي حُدُودِ سَنَةِ 49 لِلهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ قَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مالِكِ بْنِ حَزْنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ خُدَيْجِ بْنِ مُعاوِيَةَ بْنِ خُدَيْجِ بْنِ الحِماسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الحارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَعْلَةَ بْنِ خالِدِ بْنِ مالِكِ بْنِ أُدَدٍ.
وَيُكنَّى أَبا الحارِثِ وَأَبا مُخاشِنٍ. وَلُقِّبَ بِالنَّجاشِيِّ لِأَنَّ لَوْنَهُ كانَ يُشْبِهُ لَوْنَ الحَبَشَةِ كَما ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الإِصابَة)، وَقِيلَ نُسِبَ إِلَى أُمِّهِ وَهِيَ مِنَ الحَبَشَةِ.
وَالنَّجاشِيُّ يُنْسَبُ إِلَى بَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ فَيُقالُ لَهُ الحارِثِيُّ، وَقَبِيلَةُ الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ هُمْ بَطْنٌ مِنْ مَذْحِجٍ، أَقامُوا هُمْ وَبَنُو نَصْرِ بْنِ الأَزَدِ فِي نَجْرانَ.
وَلَيْسَ هُناكَ مِنْ أَخْبارٍ عَنْ أُسْرَتِهِ سِوَى أَنَّ أُمَّهُ كانَتْ حَبَشِيَّةً فَنُسِبَ إِلَيْها وَلَقِّبَ بِالنَّجاشِيِّ لِذلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذلِكَ فِي لَقَبِهِ، وَذُكِرَ مِنْ إِخْوانِهِ أَخٌ اسْمُهُ خُدَيجٌ كانَ شاعِراً وَلَهُ أَبْياتٌ فِي رِثاءِ النَّجاشِيِّ.
عاشَ النَّجاشِيُّ الحارِثِيُّ فِي الجاهِلِيَّةِ بِدايَةَ حَياتِهِ، فَقَدْ وُلِدَ قَبْلَ الإِسْلامِ فِي نَجْرانَ فِي اليَمَنِ، وَلَمْ تَرِد أَخْبارٌ حَوْلَ حَياتِهِ وَنَشْأَتِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَلا يُعْرَفُ تارِيخُ إِسْلامِهِ وَلكِنَّ المُرَجَّحَ أَنَّهُ أَسْلَمَ مَعَ وَفْدِ قَوْمِهِ فِي السَّنَةِ العاشِرَةِ لِلهِجْرَةِ بَعْدَ أَنْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ الرَّسُولُ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ.
وأَشْهَرُ أَخبارِهِ بَعدَ إِسلامِهِ هِيَ مُهاجاتُهُ مع تَميمِ بنِ أُبيِّ بنِ مُقبلٍ، وهِجاؤُهُ لِرهطِ تَميمٍ بَني العَجلانِ، فَقد َهجاهُ النَّجاشِيُّ هِجاءً شَدِيداً وَهَجاً قَوْمَهُ، فَقَهَرَهُ وَغَلَبَهُ عَلَيْهِ، لِذا ذَكَرَ ابْنُ سَلامٍ أَنَّهُ شاعرٌ مُغلَّب، فَلَجَأَ ابْنُ مُقْبِلٍ وَقَومُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَاسْتَعْدُوهُ عَلَى النَّجاشِيِّ، وَيَذْكُرُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتابِهِ (الشِعْرَ وَالشُعَراءَ) أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُمْ ما قالَ فِيكُمْ فَأَنْشَدُوهُ:
إِذا اللهُ عادَى أَهّلَ لُؤْمٍ وَرِقَّةٍ فَعادَى بَنِي العَجْلانِ رَهطَ ابنِ مُقْبِلِ
فَقالَ عُمَرُ: إِنَّما دَعا، فَإِنْ كانَ مَظْلُوماً اسْتُجِيبَ لَهُ، وَإِنْ كانَ ظالِماً لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ، قالُوا: وَقَدْ قالَ أَيْضاً:
قُبَيِّلَةٌ لَا يَغدُرونَ بِذِمَّةٍ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
فَقالَ عُمَرُ: لَيْتَ آلُ الخَطّابِ هكَذا، قالُوا: وَقَدْ قالَ أَيْضاً:
ولا يَرِدُونَ الماءَ إِلَّا عَشِيَّةً إِذا صَدَرَ الوُرَّادُ عَنْ كُلِّ مَنْهَلِ
فَقالَ عُمَرُ: ذلِكَ أَقَلُّ لِلِّكاكِ، قالُوا: وَقَدْ قالَ أَيْضاً:
تَعافُ الكِلابُ الضَّارِياتُ لُحُومَهُمْ وَتَأْكُلُ مِنْ كَعْبٍ وَعَوْفٍ وَنَهْشَلِ
فَقالَ عُمَرُ: أَجَنَّ القَوْمُ مَوْتاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّعُوهُمْ، قالُوا: وَقَدْ قالَ:
وَما سُمِّيَ العَجْلانَ إِلَّا لِقِيلِهِمْ خُذِ القَعْبَ وَاحْلُبْ أَيُّها العَبْدُ وَاعْجَلِ
فَقالَ عُمَرُ: خَيْرُ القَوْمِ خادِمُهُمْ وَكُلُّنا عُبَيْدُ اللهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى حَسّانَ وَالحُطَيْئَةِ، وَكانَ مَحْبُوساً عِنْدَهُ، فَسَأَلَهُما، فَقالَ حَسّانُ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي شِعْرِ الحُطَيْئَةِ، فَهَدَّدَ عُمَرُ النَّجاشَيَّ وَقالَ لَهُ: إِنْ عُدْتَ قَطَعْتُ لِسانَكَ.
وَكانَ بَيْنَ النَّجاشِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ حَسّانَ هِجاءٌ أَيْضاً، وَسَبَبُ ذلِكَ أَنَّ النَّجاشِيَّ وَهُوَ مِنْ رَهطِ الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ هَجا بَنِي النَّجّارِ بِقَوْلِهِ:
لَسْتُم بَنِي النَّجَّارِ أَكْفاءَ مِثْلَنَا فَأَبْعِدْ بِكُم عَنّا هُنَالِكَ أَبْعِدِ
فَإِنْ شِئْتُمُ نافَرْتُكُم عَن أَبِيكُمُ إِلَى مَنْ أَرَدْتُم مِن تُهامٍ ومُنْجِدِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ حَسّانَ بْنَ ثابِتٍ ساعَدَ ابْنَهُ وَلَقَّنَهُ ما يَقُولُ حَتَّى غَلَبَ النَّجاشِيَّ، فَقَدْ ذَكَرَ السُّكَّرِيُّ فِي دِيوانِ حَسّانَ أَنَّ الأَنْصارَ ساءَهُمْ هِجاءُ النَّجاشِيِّ فَتَوَجَّهُوا إِلَى حَسّانَ وَكَلَّمَهُ فِي ذلِكَ الحارِثِ بْنِ مُعاذِ بْنِ عَفْراءَ، فَقالَ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِن ابْنِي عَبْدِ الرَّحْمنِ قالَ: إِيّاكَ أَرَدْنا قَدْ قاوَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمن فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً. فَوَثَبَ وَقالَ: كُنْ وَراءَ البابِ وَاحْفَظْ ما أُلْقِي. فَضَرَبَتْهُ زافِرَةُ البابِ فَشَجَّتْهُ عَلَى حاجِبِهِ فَقالَ: بِسْمِ اللّٰهِ ثُمَّ قالَ: اللّٰهُمَّ اخْلُفْ فِيَّ رَسُولَكَ اليَوْمَ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ الحارِثُ: فَعُرَفْتُ حِينَ قالَها لِيَغْلِبَنَّهُ. فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَبَنِي الحِماسِ أَلَيْسَ مِنْكُم ماجِدٌ إِنَّ الْمُرُوءَةَ فِي الحِماسِ قَلِيلُ
يَا وَيْلَ أُمِّكُمُ وَوَيلَ أَبِيكُمُ وَيلاً تَرَدَّدَ فِيكُمُ وَعَوِيلُ
وَفِي الفِتْنَةِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعاوِيَةَ كانَ النَّجاشِيُّ فِي صَفِّ عَلَيٍّ يُسانِدُهُ بِالسَّيْفِ وَالبَيانِ، فَقَدْ شَهِدَ صِفِّين مَعَ عَلَيٍّ وَلَهُ مَدائِحُ لَعَليٍّ وَكانَ يَهْجُو مُعاوِيَةَ، فَمِنْ قَوْلِهِ فِي صِفِّين وَكَتَبَ بِها إِلَى مُعاوِيَةَ:
يـا أيُّهـا الرَّجُـلُ المُبْدِي عَدَاوَتَهُ رَوِّ لِنَفْسِكَ أيَّ الأَمْـرِ تَــأْتَمِرُ
لاَ تَحْسَبَنِّي كَـــأقْوَامٍ مَلَكْتَهُمُ طَـوْعَ الأَعِنَّـةِ لَمَّا تَرْشَحُ العُذُرُ
إِلّا أَنَّ النَّجاشِيَّ -كَما يَصِفُهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتابِهِ الشِّعْر وَالشُّعَراء- كانَ فاسِقاً رَقِيقَ الإِسْلامِ، وَيَذْكُرُ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ فِي شَهْرِ رَمَضانَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ بِالكُوفَةِ يُرِيدُ الكناسَةَ، فَمَرَّ بِأَبِي سَمّالٍ الأَسَدِيِّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو سَمَّالٍ وَلِيمَةً وَشَراباً فَثَنَى رِجْلَهُ فَنَزَلَ، فَأَكَلا وَشَرِبا، فَوَصَلَ خَبَرُهُما إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِما، فَهَرَبَ أَبُو سَمّالٍ، وَأُتِيَ بِالنَّجاشِيِّ فَقالَ لَهُ: وَيْحَكَ، وِلدانُنا صِيامٌ وَأَنْتَ مُفْطِرٌ، فَضَرَبَهُ ثَمانِينَ سَوْطاً وَزادَهُ عِشْرِينَ سَوْطاً، فَقالَ لَهُ: ما هذِهِ العلاوَةُ يا أَبا الحَسَنِ؟ فَقالَ: هذِهِ لِجُرْأَتِكَ عَلَى اللّٰهِ فِي شَهْرِ رَمَضانَ، ثُمَّ وَقَفَهُ لِلنّاسِ لِيَرَوْهُ فِي تَبّانٍ، فَهَجا النّجاشيُّ أَهْلَ الكُوفَةِ فَقالَ:
إذا سَقَى اللهُ قَوْمـاً صَوْبَ غَادِيَةٍ فَلَا سـَقَى اللَّهُ أهْلَ الكُوفَةِ الْمَطَرَا
التَّــاركِينَ علــى طُهْــرِ نِسَاءَهُمُ والنَّـاكِحِينَ بِشـَطَّيْ دِجْلَـةَ الْبَقَـرَا
والسَّارِقينَ إذَا مَـا جَـنَّ لَيْلُهُـمُ والطَّالِبِينَ إذا مَا أصْبَحُوا السُّوَرا
وقال:
جَلَـدُونِي ثُـمَّ قَـالُوا قَـدَرٌ قَـدَّرَ اللهُ لَهُمْ سُوءَ الْقَدَرْ
ثُمَّ هربَ مِنَ الكُوفةِ وقِيلَ نفاهُ عليٌّ رضي اللهُ عنهُ، فتوجَّهَ إِلى مُعاويةَ فِي الشّامِ وهَجا عَلياً. وقَد هجا النّجاشِيُّ قُريشاً كذلكَ، والسَّببُ فِي ذلكَ أنَّهم كانوا إِلى جانِبِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ حَسانَ فِي مُهاجاتِهِ لَهُ، وقِيلَ هَجاهُم بعدَ أَنْ جَلَدَهُ عليُّ بنُ أبِي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ لِشرْبِهِ الخمرَ فِي رَمضانَ، مِن ذَلكَ قولُهُ:
إنَّ قُرَيْشــاً والإِمَامَـةَ كالَّذِي وَفَى طَرَفَاهُ بَعْدَ أنْ كَانَ أجْدَعَا
وَحَـقَّ لِمَـنْ كَـانَتْ سَخِينَةُ قَوْمَهُ إذا ذُكِـرَ الأقْـوَامُ أنْ يَتَقَنَّعَا
وفِي آخِرِ حياتِهِ عادَ النَّجاشِيُّ إِلى مَوطِنِهِ فِي نَجرانَ وظلَّ فِيها حتَّى تُوفِّيَ هناكَ.
تُوفِّيَ النَّجاشِيُّ بعدَ سَنةِ 40 لِلهجرَةِ بِقليلٍ كَما أَشارَ بُروكلمان في (تارِيخ الأَدبِ العربيِّ) وحدَّدَ الزَّركليُّ هذهِ السَّنةّ تاريخاً لوفاتِهِ فِي كِتابِهِ (الأَعلام)، إِلَّا أنَّ المُرجَّحَ أَنّهُ تُوفِّيَ فِي سَنَةِ 49 أو بَعدَها لِأنَّهُ رثا الحُسينَ بنَ عَليٍّ رضيَ اللهُ عنهُ سنةَ 49 لِلهجرَةِ، وكانتْ وفاتُهُ فِي مَدينَةِ لَحج بِاليمنِ.
وقالَ أَخوهُ خُديجٌ يَرثيهِ:
وَمَنْ كانَ يَبْكِي هالِكاً فَعَلَى فَتَىً ثَوَى بِلِوَى لَحْجٍ وآبَتْ رَواحِلُه
فَتىً لَا يُطيعُ الزَّاجِرينَ عَنِ النَّدَى وَتَرْجِعُ بِالعِصْيانِ عَنهُ عَواذِلُه
إِذا اللهُ عادَى أَهْلَ لُؤْمٍ وَدِقَّةٍ فَعادَى بَنِي العَجلانَ رَهْطِ ابْنِ مُقْبِلِ
ثمَّ هاجَى النَّجاشِيُّ عبدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَسَّانَ بنِ ثَابتٍ فغلَبَهُ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ حسَّانَ بنِ ثَابتٍ بعد أَن أَعانَهُ أَبوهُ حَسَّانُ فِي هِجائِهِ.