
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عبد الله بن العجلان النّهديّ، شاعرٌ جاهليٌّ قديمٌ من قبيلةِ نهد المنحدرة من قبائل قضاعة. عُرِفَ بأنّه أقدمُ الشّعراءِ المتيّمين العرب الّذين تتشابه قصصُهم مع شعراءِ الشعر العذريّ في العصرِ الأمويّ، واشتُهرت قصّته مع طليقته "هند" الّتي طلّقها بضغطٍ من أبيه ثمّ ندم عليها ندماً شديداً، وظلّ حزيناً أسِفاً عليها إلى أن توفّي. وبرغمِ قصّةِ حبِّه إلّا أنّه كان سيّداً من ساداتِ قومِهِ ومقدّماً فيهم، وقد ورثَ السّيادةَ عن أبيه. يدورُ أغلبُ شعرِهِ في الشّوقِ إلى هند والبكاءِ عليها، وله شعرٌ في وصفِ بأسِ قومِهِ بني نهد وقتالهم المستمرّ لبني عامر.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
هو عَبدُ اللهِ بنُ العَجْلانِ بنِ عَبْدِ الأحَبِّ بنِ عامرِ بنِ كعبِ بنِ صُباحِ بنِ نَهدِ بنِ زَيدِ بنِ ليثِ بنِ سُودِ بنِ أسلُمَ بنِ الحافِ بنِ قُضاعة.
وعشيرتُهُ هي عشيرةُ "نهد" الّتي تنحدِرُ من قبائلِ قُضاعةَ، وهي من أقدمِ القبائلِ العربيّةِ في شبهِ الجزيرةِ العربيّة، ويختلفُ النسّابونَ في "قُضاعة" ما بينَ كونِها قبيلةً يمانيّةً أو عدنانيّة.
والدُهُ العجلانُ بنُ عبدِ الأحبّ من ساداتِ "نهد" في الجاهليّة، وكان من أكثرِ قومِهِ مالاً، ولم يكُن لهُ من الولدِ إلّا ابنُهُ عبدُ اللهِ بنُ العجلان.
وتركِّزُ المصادرُ الأدبيّةُ على زوجةِ عبدِ اللهِ بنِ العجلان "هند بنت كعب بن عمرو بنِ ليث النّهديّ"، وكان عبدُ اللهِ قد تزوّجَها ومكثَت عنده سبعَ سنواتٍ أو ثمان، ثمّ طلّقَها بأمرٍ من أبيهِ لأنّها لا تُنجِب، وقضى حياتَهُ كلَّها أسفاً عليها وندماً إلى أن مات. وشهرةُ عبدِ اللهِ بن العجلان النّهديّ في الأدبِ العربيّ تتمحورُ حولَ قصّتِهِ مع طليقتِهِ "هند"، وسنتناولُ هذه القصّةَ بالتّفصيل في التبويبةِ الخاصّةِ بحياتِه.
يُعَدّ عبد اللهِ بن العجلان النّهديّ أقدمَ الشّعراءِ المتيّمين العرب على الإطلاق؛ فهو شاعرٌ عُذريُّ الطّابعِ وقصَصُه مع طليقته "هند" شديدةُ الشّبه بقصص الشّعراءِ العذريّين في الشّعر الأمويّ على الرّغم من كونِهِ شاعراً جاهليًّا عاشَ قبل الإسلام. وتبدأُ قصّةُ عبدِ الله بنِ العجلان مع "هند" عند رؤيتِهِ لها عند ماءٍ يُقالُ له "نهر غسّان" تغتسل، فوقعَت في قلبِهِ وقالَ لنفسِه: "هذه واللهِ الضّالّةُ الّتي لا تُرَدّ"، ثمّ اشتدَّ وجدُهُ بها وأنشدَ يقول:
لَقَدْ كُنْـتُ ذَا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَهِمَّةٍ إِذَا شِئْتُ لَمْساً لِلثُّريَّا لَمَسْتُهَا
أَتَتْـنِي سِهَامٌ مِنْ لِحَاظٍ فَأَرْشَقَتْ بِقَلْبِيِ وَلَوْ أَسْطِيعُ رَدّاً رَدَدْتُّهَا
ثمّ أخبرَ ابنُ العجلانِ صديقاً له بما يجدُهُ من حبّ هند، فأوصاهُ أن يكتُمَ حبَّها عن النّاس وأن يُسارعَ إلى خطبتِها من أبيها؛ ذلك لأنّه إذا أشهرَ عشقَها فلن يزوِّجَها أبوها منه.
وتقدَّمَ ابنُ العجلانِ لخطبةِ هند ووافقَ أبوها، ثمّ تزوَّجَها ومكثَت عندَه سبعَ سنواتٍ أو ثمان، وكان شديدَ الولعِ بها وكثيرَ الإقامةِ عندها، غيرَ أنّها لم تكُن تُنجِب، وهو ما جعلَ أباهُ يأمرُهُ بتطليقِها؛ فلم يكُن لأبيهِ ولدٌ سوى عبد الله، وإن لم يُعقِب عبدُ اللهِ فستنقطعُ السّيادةُ من أسرتِه، غيرَ أنّ ابنَ العجلان أبى أن يطلِّقَها وخاصمَ فيها أباهُ وقتاً طويلاً.
وفي يومٍ ما كان عبد الله يشربُ الخمر وهو جالسٌ مع هند، فأرسلَ أبوهُ في طلبه، فعرفَت هندٌ أنّ أباهُ يطلبُهُ ليقنعَهُ بطلاقِها في حالةِ سكره، وقالت له: "لا تمضِ إليه، فواللهِ لا يُريدُكَ لخير، وإنّما يريدُكَ لأنّه بلغه أنّك سكران، فطمعَ فيك أن يقسمَ عليك فتطلّقني، فنم مكانك، ولا تمضِ إليه"، إلّا أنّ ابن العجلان سارعَ إلى أبيه ورفضَ الامتثالَ لهند، وتعلّقت بثوبِهِ تطلبُ منه ألّا يذهب، غير أنّه ضربَها بمسواك، وكان في يدِها زعفرانٌ فأثَّرَ في ثوبِهِ وهي متعلّقةٌ به.
وحين مضى إلى أبيه، عاودَهُ في أمرِها وأنَّبَه ولامه، وجمعَ عليه مشيخةَ بني هند وفتيانهم فأخذوا يُلحّون عليه بطلاقها ويعيّرونَه بشغفهِ بها وضعفِ حزمه، ولم يزالوا به كذلك حتّى طلّقها!
وحين أصبحَ عبدُ اللهِ خُبِّرَ بأنّه طلّقَ هنداً في سكرتِه تلك، وما لبثت هند حتّى احتجبت عنه وسارت إلى أبيها، ثُمّ إنّها تزوّجت من رجلٍ من بني نميرِ من بني عامر، وخرجت معه إلى بلادِه.
ومنذُ طلاقِ هند وزواجِها بالنُّميريّ، بدأت رحلةُ عبد الله بن العجلان مع المعاناة، وظلَّ دنفاً سقيماً عليها يُنشدُ الشّعر فيها إلى أن ماتَ في أسفِه وحزنِه!
وممّا قالَهُ ابنُ العجلانِ في النّدمِ على هند:
فَارَقْـتُ هِنْـداً طَائِعـاً فَنَـدِمْـتُ عِنْـدَ فِرَاقِهَا
فَالْعَـيْـنُ تَذْرِي دَمْعَـةً كَـالدُّرِّ مِـنْ آمـاقِهَــا
مُـتَـحَـلِّبـاً فَوْقَ الرِّدَا ءِ يُجُـولُ مِنْ رَقْراقِهَا
خَـــوْدٌ رَدَاحٌ طَـــفْــــلَةٌ ما الْفُحْشُ مِنْ أَخْلاقِها
وَلَقَـدْ أَلَذُّ حَـديــثَهــا وَأُسَـرُّ عِـنْـدَ عِنـاقِهـا
ومن رقيقِ أبياتِهِ في الشّوقِ إلى هند:
خَلِيـلَيَّ زُورَا قَبْـلَ شَحْطِ النَّوَى هِنْدَا وَلاَ تَأْمَـنَـا مِنْ دَارِ ذِي لَطَفٍ بُعْدا
وَلَاَ تَـعْــجَـلا لَمْ يَدْرِ صَاحِـبُ حَاجَـةٍ أَغَيّـاً يُلاَقِـي فِي التَّعَجُّلِ أَمْ رُشْدَا
إِذا ساعَـفَـتْ هِنْـدٌ رَضيـنـا وَلَمْ نَجِدْ لِإِلْفٍ سِـواهــا أَنْ يُفـارِقَـنـا فَقْـدا
فَـمُـرّا عَلَيْهـا بارَكَ اللهُ فِيـكُـمـا وَإِنْ لَمْ تَكُـنْ هِنْـدٌ طَريـقَـكُـما قَصْدا
وَقُـولاَ لَهَـا لَيْسَ الضَّلالُ أَجَازَنَـا ولَكـنَّنــَا جُـزْنَــا لِنَـلْقَـاكُـمُ عَمْـدَا
وَإِنّـا عَـلَى الْعَهْدِ الَّذي تَعْهَـديـنَهُ وشَـرُّ عِبـادِ اللهِ مَنْ نَقَـضَ الْعَهْدا
غَداً يَكْـثُـرُ الْباكُـونَ مِنَّاـ وَمِنْـكُمُ وَتَـزْدادُ دارِي مِـنْ دِيـارِكُــمُ بُعْـدا
وَقَدْ كانَ لولا ما نُجِـنُّ مِنَ الْهَوَى لَنـا جـائِزٌ ألَّا نُـراعــي لَكُـمْ وُدّا
إِذا الرِّيحُ مِنْ نَحْـوِ الشِّمالِ تَنَسَّمَتْ وَجَـدْتُ لِرَيّـاهــا عَـلَى كَـبِـدي بَرْدا
تَـخَــيَّرْتُ مِـنْ نُـعْــمــانَ عُودَ أراكَةٍ لِهِـنْــدٍ وَلكِـنْ مَـنْ يُـبَــلِّغُهُ هِـنْــدا
ويروي ابنُ رشيقٍ أنّ عبد الله بن العجلان ظلَّ مُدنفاً بهند نحوَ ثلاثينَ سنة، وقد رفضَ أن يتزوّجَ سواها إلى أن مات.
وكثيراً ما كانَ ابنُ العجلانِ يهربُ من مضاربِ قومِهِ ويتيهُ في الحجازِ ونجد وقد استخفَّهُ الوجدُ بهند، وقد هربَ مرّةً فوقعَ ببلادِ بني فزارة، فأنشأ يقول:
بَكَـى فَرَثَـتْ لَهُ أَجْبـالُ صُبْحٍ وَأَسْعَـدَتِ الْجِبـالَ بِها مُرُوتُ
حِـجَـازِيُّ الْهَوَى عَلِقٌ بِنَـجْـدٍ جَـوِيٌّ لا يَـعِـيـشُ وَلَا يَمُـوتُ
فَتَـرْدَعُهُ الدَّبُورُ لَها أَجِيجٌ ويُسْـلِمُهُ إِلَى الْوَجْدِ الْمَبِيتُ
كَـأَنَّ فُـؤادَهُ كَـفَّا غَـرِيــقٍ تَـنـازَعَهُ بِشَـطِّ الْبَحْـرِ حُوتُ
لِهِنْـدٍ مِنْـكَ عَيْـنٌ ذاتُ سَجْـلٍ وَقَلْبٌ سَوْفَ يُفْـقَـدُ أَو يَفُوتُ
إِذا اكْتَـنَفا بِضَرِّهِما سَقِيماً يُعـادِي الدَّاء لَيْسَ لَهُ مُقِيتُ
إلّا أنّ هُيامَ ابن العجلان بهند لم يحُل كثيراً دونَهُ ودونَ مكانتِهِ في قومِه؛ إذ إنّ ملمحاً من ملامحِ شخصيّتِهِ أنّه ظلّ شديدَ الوفاءِ لقبيلتِهِ على الرّغم من إغرائهم له بطلاقِ هند وإدخاله في هذه المعاناةِ الشّخصيّة؛ لذلك نجدُ في ديوانِهِ الكثيرَ من المقطوعاتِ الّتي تصفُ معاركَ قومِهِ مع القبائلِ الأخرى؛ لا سيّما مع بني عامر، ومن ذلك وصفُهُ لمعركةٍ قتلَ فيها بنو نهد رجالٌ من سادةِ بني عامر يذكرُهم بأسمائهم فيقول:
أَلَا أَبْلِغْ بَنِي الْعَجْلَانِ عَنّي فَلَا يُنْبِيكَ بِالْحَدَثانِ غَيْرِي
بَأنَّا قَدْ قَتَلْنَا الْخَيْرَ قُرْطاً وَجُلْنَـا في سَراةِ بَنِي قُشَيْرِ
وَأَفْلَتَـنَـا بَنُـو شَكَلٍ رِجَالاً حُفـاةً يُرْبِـؤُونَ عَلَى سُمَـيْـرِ
ومن المفارقاتِ أنّ هنداً قد تزوَّجت من رجلٍ من بني عامر خصومِ بني نهد، ولعلّ هذا الأمر هو الّذي أشعلَ ابنَ العجلان في حروبِ القومينِ وجعلته بارزاً فيها، يقولُ في وصفِ غربةِ هند من بني نهد إلى بني عامر:
أَلا إِنَّ هِنْداً أَصْبَحَتْ عامِرِيَّةً وَأَصْبَحْتَ نَهْدِيّاً بِنَجْدَيْنِ نائِيا
تَحُلُّ الرِّياضَ في نُمَيْرِ بنِ عامِرٍ بِأَرْضِ الرُّبابِ أَوْ تَحُلُّ الَمطالِيا
وتقولُ الأخبارُ إنّ هنداً ظلَّت على ولائِها لقومِها بني نهد على الرّغم من زواجِها في بني عامر، بل وقد كانت تحذِّرُهم من غاراتِ بني عامر وتُرسِلُ لهم في ذلك، وكان لها دورٌ محوريٌّ في تنبيهِ بني نهدٍ لغارةٍ من بني عامر، وكانت النّتيجةُ انتصارَ بني نهد، وقد خلّدَ ابنُ العجلان موقفَ هندٍ فقال يُخاطبُها ويفتخرُ بشجاعةِ قومِه وقومِها:
أَلَمْ يَأْتِ هِنْـداً كَيْفَما صُنْعُ قَوْمِها بَنـي عَامِـرٍ إِذْ جَاءَ يَسْعَى نَذِيرُهَا
فَـقَــالُوا لَنَا إِنَّا نُحِـبُّ لِقَاءَكُـمْ وَإِنَّا نُـحَــيِّي أَرْضَـكُــمْ ونَزُورُهـا
فَقُـلْنَـا إِذَاً لاَ نَنْكُلُ الدَّهْرَ عَنْكُمُ بِصُمِّ الْقَنَا اللَّائِي الدِّمَاءُ تُمِيرُها
فَلا غَرْوَ أَنَّ الْخَيْلَ تَنْحِطُ فِي الْقَنَا تَمَـطَّرُ مِنْ تَحْـتِ الْعَوَالي ذُكُورُهـا
غيرَ أنّ وفاءَ هند لقومِها لم ينتُج عنه أيّ تغيّر في علاقتِها بزوجِها الجديد، وقد بقيت هندٌ تحتَه إلى أن ماتت ومات ابن العجلان.
ومن الطّريف أن نذكر قصّةً أوردَتها المصادرُ الأدبيّة لوفاةِ عبد الله بنِ العجلان، ومفادُ القصّةِ أنّ عبدَ الله قد اشتدّ به الوجدُ والشّوقُ لهند، فخرجَ مخاطراً بنفسِهِ إلى بلادِ بني عامر، ثمّ نزلَ ببني نُمير وقصدَ إلى خباءِ هند، فلمّا قاربَ دارَها رآها وهي جالسةٌ على الحوض وزوجُها يسقي ويذودُ الإبلَ عن مائِه، فنظرَ إليها ونظرت إليه، ثمّ رمى بنفسِه عن بعيرِه وأقبلَ يشتدُّ إليها، فسارعَت تشتدّ إليه، واعتنق كلّ واحد منهما صاحبَه، وجعلا يبكيان ويشهقان، حتّى سقطا على وجوهِهما، ثمّ أقبل زوج هند إليهما فوجدهما ميتين!
يُقدِّرُ خيرُ الدّين الزّركليّ وفاةَ عبد الله بن العجلان النّهديّ بـ50ق.هـ الموافقة لـ574م، مقترباً ممّا ذكرَه الأنطاكيُّ في كتابه "نزهة المشتاق" من أنّه توفّي قبل عام الفيل بأربع سنوات. ويرى فريقُ الموسوعة الشّعريّة أنّ تاريخ وفاة ابن العجلان الّذي حدّده الزّركليّ أو الأنطاكيّ متّسقٌ مع الأخبارِ الّتي تروى عنه؛ فهو شاعرٌ جاهليٌّ قديم.
فَـمـا وَجَدَتْ وَجْدِي بِها أُمُّ واحِـدٍ وَلا وَجَدَ النَّهْديُّ وَجْدِي عَلى هِنْـدِ
وقالَ الفرزدق:
كَـأَنَّمــا طَـرَفَــتْ عَـيــنَــيَّ كـاحِــلَةٌ في الدَّارِ مِنْ سَرِبٍ بِالْماءِ مِسْيالِ
أَو كَابْـنِ عَجْلانَ إِذْ كانَتْ لَهُ تَلَفاً هِـنْــدُ الْهُـنُــودِ بِـمِــقْـدارٍ وَآجالِ
تَرْمِـي الْقُلُوبَ وَلا يَصـطـادُها أَحَدٌ بِــسَهْـــمِ قـانِــصَــةٍ لِلقَـوْمِ قَـتَّـالِ
وقال البحتريُّ:
هَـوىً لا جَـمِـيـلٌ فِي بُثَـيْـنَـةَ نالَهُ بِمِـثْـلٍ وَلا عَبْدُ بْنُ عَجْلانَ في هِنْدِ
ترجم له ابنُ قتيبةَ الدينوريّ في "الشعر والشعراء" وعدّه من عشّاق العرب ومتيّميهم.
اختارَ له أبو تمّام في حماستِهِ الكبرى اختياراً واحداً في باب النّسيب، هو الاختيار (476). وفي حماسته الصغرى (الوحشيات) اختار له اختيارين هما الاختيار (202) والاختيار (263).
اختار له البصريّ في حماسته اختياراً واحداً هو الاختيار (912).
اختار له مطاع صفدي وخليل الحاوي في كتابيهما "موسوعة الشعر العربي" مجموعة من الاختيارات الشّعريّة.
(ابن قتيبة الدّينوريّ)
(المرزُبانيّ)
(داود الأنطاكيّ)