
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ هُوَ زِيادُ بْنُ مُعاوِيَةَ بْنِ ضِباب الذُّبْيانِيّ مِنْ قَبِيلَةِ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، وَكانَ أَحَدَ الأَشْرافِ وَالمُقَدَّمِينَ فِي قَوْمِهِ، وقد اتَّصلَ بمُلُوكِ المَناذِرَةِ وَالغَساسِنَةِ وكانَ لَهُ عندَهم مَنْزِلَةٌ ومكانةٌ عاليةٌ، وَامْتازَ بِشِعْرِهِ فِي الاعْتِذارِيّاتِ، وَهِيَ الأَشْعارُ الَّتِي قالَها مُعْتَذِراً مِنْ النُعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ بعد هربِهِ مِنه، وَالنّابِغَةِ الذُبْيانِيِّ مِن أَوائِلِ مَنْ تَحاكَمَ عِنْدَهُ الشُّعَراءُ فَكانَتْ تُضْرِبُ لَهُ قُبَّةً فِي عُكاظ فَيعْرِضُ الشُّعَراءُ عَلَيْهِ أَشْعارَهم، وَقَدْ تُوُفِّيَ في سَنَة 18ق.هـ المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 604م.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
تَتَّفِقُ مُعْظَمُ المَصادِرِ عَلَى أَنَّ اسْمَ النّابِغَةِ الذُّبْيانِيِّ هُوَ زِيادُ بْنُ مُعاوِيَةَ بْنِ ضِبابِ بْنِ جُنابِ بْنِ يَرْبُوعَ بْنِ غَيْظِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيانَ بْنِ بَغِيَضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلانَ بْنِ مُضَرَ، وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَلْقِيبِهِ بِالنّابِغَةِ فَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ لُقِّبَ بذلكَ لقَوْلِهِ:
وَحَلَّتْ فِي بَنِي القَيْنِ بْنِ جَسْرٍ فَقَدْ نَبَغَتْ لَهُمْ مِنّا شُؤُونُ
لكِنَّ أَغْلَبَ الآراءِ تَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ إنّما لُقِّبَ بِالنّابِغَةِ لقَوْلِهِ للشِّعرِ ونَبُوغِهِ فيه بَعْدَما كَبُرَ وَاحْتَنَكَ.
وَالنّابِغَةُ مِنْ قَبِيلَةِ ذُبْيانَ بْنِ بَغِيضٍ، وَهِيَ تَنْتَسِبُ لِقَبائِلِ غَطَفانَ بْنِ قَيْسِ عَيْلانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزارِ بْنِ مَعدِ بْنِ عَدْنانَ، وَقَدْ تَفَرَّعَتْ مِنْ قَبِيلَةِ ذُبْيانَ ثلاثُ قَبائِلَ هِيَ: ثَعْلَبَة، وَفَزارَة، وَمُرَّة. وَالنّابِغَةُ هُوَ مِنْ فَرْعِ مُرَّةَ، وَكانَتْ مَنازِلُهُمْ بِنَجْدٍ مِمّا يَلِي وادِيَ القُرَى وَجَبَلَ طَيء، ثُمَّ افْتَرَقُوا فِي الفُتُوحاتِ الاِسْلامِيَّةِ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْها قَبائِلُ طَيء، وَقَبِيلَةُ تَغْلِبَ مِنَ القَبائِلِ الَّتِي لَها وَقَعاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الجاهِلِيَّةِ كَيَوْمِ الرَّقْمِ، وَهُوَ يَوْمٌ كانَ لِغَطْفانَ عَلَى بَنِي عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لكِنَّ أَشْهَرَ وَقَعاتِهِمْ كانَتْ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَبِيلَةِ عَبْس، وَقَدْ أَدْرَكَها النّابِغَةُ وَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ بِفَتْرَةٍ قَلِيلَةٍ.
وَقَدْ أَثارَ بَعْضُ مَعاصِرِي النّابِغَةِ الشَكَّ فِي نَسَبِ الفَرْعِ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ النابِغَةَ إِلَى بَنِي ذُبْيانَ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ قَوْمَهُ يَعُودُ نَسَبُهُمْ إِلَى مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ قُرَيْشٍ، وَعَوْفُ بْنُ لُؤَيٍّ خَرَجَ مِنْ قَوْمِهِ وَدَخَلَ فِي بَنِي ذُبْيانَ الغَطَفانِيِّينَ وَانْتَسَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ ذُبْيانَ، وَلَعَلَّ ذلِكَ الشَّكَّ هُوَ الَّذِي جَعَلَ يَزِيدَ بْنَ سِنانِ بْنِ أَبِي حارِثَةَ يَقُولُ فِي هِجائِهِ لِلنّابِغَةِ:
إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ صُلْبِ قَيْسٍ ماجِدٌ لا مُدَّعٍ حَسَباً وَلا مُسْتَنْكَرِ
فَرَدَّ عَلَيْهِ النّابِغَةُ:
جَمِّعْ مِحـاشَـكَ يا يَزيـدُ فَإِنَّني أَعْدَدْتُ يَرْبُـوعـاً لَكُمْ وَتَمِـيـما
وَلَحِقْـتُ بِالنَّسـَبِ الَّذي عَيَّرْتَـني وَتَرَكْـتَ أَصْلَكَ يا يَزيـدُ ذَميما
عَـيَّرْتَـنـي نَسَـبَ الْكِرامِ وَإِنَّما فَخْـرُ الْمَفـاخِـرِ أَنْ يُعَدَّ كَريما
وَقَدْ عاشَ النابِغَةَ فِي أُسْرَةٍ مِنْ أَسْيادِ قَوْمِهِ وَأَشْرافِهِمْ وَهذا يَظْهَرُ مِنْ المَكانَةِ الَّتِي كانَ عَلَيْها فِي قَوْمِهِ، وَقد هَيَّأَتْ لَهُ النشأةُ الفُرْصَةَ بَعْدَ ذلِكَ لِلاِتِّصالِ بِالمُلُوكِ وَالوُفُودِ عَلَيْهِمْ، وَكانَتْ أُمُّهُ أيضاً مِنْ بَنِي ذُبْيانَ وَاسْمُها عاتِكَةُ بِنْتُ أُنَيسٍ مِنْ بَنِي أَسْجَعَ، وَلِلنّابِغَةِ ابْنَةٌ تُدعى أَمامَةُ أَوْ ثُمامَةُ وَيُكَنَّى بِها، وَوَرَدَ أَنَّ لَهُ ابْنَةً أُخْرَى اسْمُها عَقْرَبُ أَسَرَها النُّعْمانُ بْنُ وائِلِ بْنِ الجَلّاحِ الكَلْبِيِّ عِنْدَما أَغارَ عَلَى بَنِي فَزارَةَ وَبَنِي ذُبْيانَ، فَاسْتَباحَهُمْ وَسَبَى سَبْياً مِنْ غَطَفانَ، فَلَمّا عَلِمَ أَنَّها ابْنَةُ النّابِغَةِ أَطْلَقَها وَأَطْلَقَ سَبْيَ غَطَفانَ، فَمَدَحَهُ النّابِغَةُ.
لا تَرِدُ مَعْلُوماتٌ عَنْ حَياةِ النّابِغَةِ فِي شَطْرِها الأَوَّلِ أَيْ قَبْلَ نُبُوغِهِ، فَلا ذِكْرَ لِطُفُولَتِهِ وَنَشْأَتِهِ، وَجُلُّ التَّرْكِيزِ كانَ حَوْلَ حَياتِهِ بَعْدَ النُّضْجِ حِينَ أَصْبَحَ مِنْ أَشْرافِ قَوْمِهِ وَأَسْيادِهِمْ، فَقَدْ أَصْبَحَتْ حَياتُهُ حافِلَةً بِالأَحْداثِ وَالوَقائِعِ، وَخاصَّةً فِيما يَتَّصِلُ بِمَواقِفِهِ مِنْ النِّزاعاتِ وَالحُرُوبِ وَالتَّحالُفاتِ فِي قَبِيلَتِهِ، وَبِعَلاقَتِهِ بِمُلُوكِ عَصْرِهِ مِنْ المَناذِرَةِ وَالغَساسِنَةِ، أَمّا عَلاقَتُهُ بِقَبِيلَتِهِ فَقَدْ كانَ النّابِغَةُ يُمَثِّلُ صَوْتَ العَقْلِ وَالحِكْمَةَ فِي قَوْمِهِ يُحاولُ أَن يَحميَهم وَيُجَنِّبَهُم المَخاطِرَ بِما كانَ يَمْتَلِكُهُ مِن خِبْرَةٍ وَمَهارَةٍ سِياسِيَّةٍ فِي عَصْرِهِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ نَهاهُمْ عَنْ التَعَدِّي عَلَى وادِي أُقُر إِذْ كانَ مَلِكاً لِلغَساسِنَةِ وَكانُوا قَدْ حَمَوْهُ وَمَنَعُوا أَنْ تَرْتادَهُ القَبائِلُ فَاِرْتادَتْهُ ذُبْيانُ وَأَسَدٌ فَنَكَلَ بِهِمْ الغَساسِنَةَ وَسَبُّوْا مِنْهُمْ كَثِيراً وَقالَ النابِغَةَ فِي ذلِكَ:
لَقَدْ نَهَيْتُ بَنِي ذُبْيانَ عَنْ أُقُرٍ وَعَنْ تَرَبُّعِهِمْ فِي كُلِّ أَصْفارِ
وَقُلْتُ يا قَوْمُ إِنَّ اللَّيْثَ مُنْقَبِضٌ عَلَى بَراثِنِهِ لِوَثْبَةِ الضَّارِي
وَفِي هذِهِ الفَتْرَةِ وَفَدَ النّابِغَةُ عَلَى الغَساسِنَةِ وَمَدَحَهُمْ فَكَفَّ أَذاهُمْ عَنْ قَوْمِهِ وَأَطْلَقَ السَّبايا مِنْهُمْ، وَهُوَ يُمَثِّلُ هُنا دَوْرَ السَّفِيرِ الَّذِي أَفادَ قَوْمَهُ وَمُنَعَ عَنْهُمْ الأَذَى بِوَساطَتِهِ، وَقَدْ حاوَلَ النّابِغَةُ كذلكَ أَنْ يُنْهِيَ الخِلافَ بَيْنَ ذُبْيانَ وَعَبْسٍ وَيُوقِفَ الحَرْبَ بينهم، إِذْ كانَ يُدْرِكُ مآلاتِها وَمَخاطِرَها، فَحِينَ دَبَّ الخِلافُ بَيْنَ القَبِيلَتَيْنِ وَتَحالَفَتْ عَبَسٌ مَعَ قَبِيلَةِ عامِر بن صعصعة قالَ:
أَبْلَغَ بَنِي ذُبْيانٍ أَنْ لا أَخا لَهُمْ بِعَبْسٍ إِذا حَلُّوا الدِّماخَ فَأَظْلَما
هُمْ يَرِدُونَ المَوْتَ عِنْدَ لِقائِهِ إِذا كانَ وِرْدُ المَوْتِ لا بُدَّ أَكْرَما
وَكانَ النابِغَةُ قَدْ أَمْضَى قبل ذلكَ زَمَناً طَوِيلاً مِنْ حَياتِهِ مُنادِماً لِلنُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ مَلِكَ الحِيْرَةِ، وَكانَ مِنْ المُقَرَّبِينَ لَدَيْهِ وممّن يُجزلُ لهم العطايا ممّا أثارَ حَسَدَ الآخرينَ في قَصرِ الملكِ وخاصّةً مِنْ الشُّعَراءِ وَقَدْ وردَ فِي كتابِ (الأَغانِي) أَنَّ حَسّانَ بْنَ ثابِتٍ عِنْدَما وَفَدَ عَلَى النُّعْمانِ وَرَأَى مَكانَةَ النّابِغَةِ عِنْدَهُ قالَ: فَحَسَدْتُهُ عَلَى ثَلاثٍ لا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ كُنْتُ لَهُ أَشَدَّ حَسَداً: عَلَى إِدْناءِ النُّعْمانِ لَهُ بَعْدَ المُباعَدَةِ وَمُسامَرَتِهِ لَهُ وَإِصْغائِهِ إِلَيْهِ، أَمْ عَلَى جَوْدَةِ شِعْرِهِ، أَمْ عَلَى مِئَةِ بَعِيرٍ مِنْ عَصافِيرِهِ أَمَرَ لَهُ بِها.
وَمِنْ أَشْهَرِ الحَوادِثِ الَّتِي أَحْدَثَتْ تَأْثِيراً فِي حَياةِ النابِغَةِ هِيَ هَرَبُهُ مِنْ النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ، وَقَدْ وَرَدَتْ آراءٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي سَبَبِ تلك الحادثةِ مِنْها أَنَّ عَبْدَ القَيْسِ بْنَ خِفاف التَّمِيمِيّ وَمُرَّةَ بْنَ سَعْدِ بْنِ قُرَيْعٍ السَّعْدِيّ عَمِلا هِجاءً فِي النُّعْمانِ عَلَى لِسانِ النّابغةِ، وَأَنْشَدا النُّعْمانَ مِنْهُ أَبْياتاً فِيها:
مَلِكٌ يُلاعِبُ أُمَّهُ وَقَطِـينَـهُ رَخْوُ المَفاصِلِ أَيْرُهُ كَالمِرْوَدِ
وَمِنْهُ:
قَبَّـحَ الـلــهُ ثُـــمَّ ثَـــنَّـــى بِـــلَـــعْـــنٍ وارِثَ الـصّـائِغِ الـجَـبـــانَ الـــجُـــهُـــولا
مَنْ يَضُرُّ الأَدْنَى وَيَعْجَزُ عَنْ ضِرْ رِ الأَقاصِي وَمَنْ يَخُونُ الخَلِيلا
يَجْمَعُ الجَيْشَ ذا الأُلُوفِ وَيَغْزُو ثُمَّ لا يَرْزَأُ الـــعَـــدُوَّ فَـــــــتِـــــــيلا
وكان يَعْنِي بَوارِثِ الصّائِغِ النُّعْمانِ، حيث كانَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ صَائغاً، فَلَمّا عَلِمَ النّابِغَةُ بِهذِهِ الوِشايَةِ هَرَبَ إِلَى الغَساسِنَةِ.
لكِنَّ القِصَّةَ الأَشْهَرَ لِسَبَبِ هُرُوبِهِ هِيَ ما يُعْرَفُ بِقِصَّةِ المُتَجَرِّدَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الكَثِيرَ مِنَ الرُّواةِ -كَما ذَكَرَ الأَصْفَهانِيُّ- أَنَّ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ هَرَبَ النّابِغَةُ مِنَ النُّعْمانِ أَنَّهُ كانَ وَالمُنَخِّلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عامِرٍ اليَشْكُرِيِّ جالِسَين عِنْدَهُ، وَكانَ النُّعْمانُ دَمِيماً أَبْرَشَ قَبِيحَ المَنْظَرِ، وَكانَ المُنَخِّلُ بْنُ عُبَيْدٍ مِنْ أَجْمَلِ العَرَبِ، وَكانَ يُرْمَى بِالمُتَجَرِّدَةِ زَوْجَةِ النُّعْمانِ، وَيَتَحَدَّثُ العَرَبُ أَنَّ ابْنَيْ النُّعْمانِ مِنْها كانا مِنْ المُنَخِّلِ. فَقالَ النُّعْمانُ لِلنّابِغَةِ: يا أَبا أُمامَة، صِفْ المُتَجَرِّدَةَ فِي شِعْرِكَ، فَقالَ قَصِيدَتُهُ الَّتِي وَصَفَها فِيها وَوَصَفَ بَطْنَها وَرَوادِفَها وَفَرْجَها. فَلَحِقَتْ المُنَخِّلَ مِنْ ذلِكَ غِيْرَةٌ، فَقالَ لِلنُّعْمانِ: ما يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ هذا الشِّعْرَ إِلّا مَنْ جَرَّبَهُ، فَوَقَرَ ذلِكَ فِي نَفْسِ النُّعْمانِ، وَبَلَغَ النّابِغَةَ فَخافَهُ فَهَرَبَ فَصارَ فِي غَسّان.
وَبَعْدَ هذِهِ الحادِثَةِ اتَّصَلَ النّابِغَةُ بِالغَساسِنَةِ، فَوَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ الحارِثِ الأَصْغَرِ بْنِ الحارِثِ الأَعْرَجِ بْنِ الحارِثِ الأَكْبَرِ بْنِ أَبِي شَمَّرٍ، فَمَدَحَهُ وَمَدَحَ أَخاهُ النُّعْمانَ، وَفِيهِ يَقُولُ:
كِـلِيــنِــي لِهَـمٍّ يا أُمَيْـمَـةَ ناصِـبِ وَلَيْـلٍ أُقـاسِــيـهِ بَطِـيـءِ الْكَواكِـبِ
تَـطــاوَلَ حَتَّى قُلْتُ لَيْسَ بِمُـنْـقَـضٍ وَلَيْـسَ الَّذِي يَـرْعَـى النُّجُومَ بِآيِـبِ
وَصَــدْرٍ أَراحَ اللَّيْــلُ عــازِبَ هَــمِّهِ تَضـاعَـفَ فِيـهِ الْحُزْنُ مِنْ كُلِّ جانِبِ
عَـلَيَّ لِعَـمْــروٍ نِعْـمَـةٌ بَعْـدَ نِعْـمَـةٍ لِوالِدِهِ لَيْـــسَـــتْ بِــذاتِ عَــقـــارِبِ
وَظَلَّ مُقِيماً مَعَ عَمْرٍو حَتَّى ماتَ وَتولّى بعدَه أَخُوهُ النُّعْمانُ. ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذلِكَ إلَى النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ مَلِكِ الحِيْرَةِ، وَقَدْ أَفْرَدَ عِدَّةَ قَصائِدَ يَعْتَذِرُ فيها مِنْ النُّعْمانِ وَيُدافِعُ عَنْ نَفْسِهِ، حَتَّى عَفا عَنْهُ النُعْمانُ، وَكانَ ذلِكَ بِواسِطَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ فَزارَةٍ اسْتَجارَ بِهِما النّابِغَةُ، وَرَحَلَ مَعَهُما إِلَى النُّعْمانِ فَضَرَبَ عَلَيْهِما النُّعمانُ قُبَّةً وَلَمْ يَشْعُرْ بِأَنَّ النابِغَةَ مَعَهُما وكانَ يُرْسِلُ إِلَيْهِما بِطِيبٍ وَألطافٍ مَعَ قِينَةٍ مِنْ إِمائِهِ، فَكانا يَأْمُرانِها أَنْ تَبْدَأَ بِالنّابِغَةِ قَبْلَهُما. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِلنُّعْمانِ فَعَلِمَ أَنَّهُ النّابِغَةُ. ويُقالُ إِنَّ النّابغةَ أَلْقَى عَلَيْها من قصيدتِه: (يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلْياءِ فَالسَّنَدِ). وَسَأَلَها أَنْ تُغَنِّيَهُ بِهِ إِذا أَخَذَتْ فِيهِ الخَمْرُ فَفَعَلَتْ فَأَطْرَبَتْهُ. فَقالَ: هذا شِعْرٌ عُلْوِيٌّ هذا شِعْرُ النابِغَةِ. ثُمَّ خَرَجَ النُّعمانُ فَعارَضَهُ الفَزارِيّانِ وَالنّابِغَةُ بَيْنَهُما قَدْ خُضِّبَتْ لِحْيَتُهُ بِحِنّاءٍ فَلَمَّا رَآهُ النُّعْمانُ قالَ: هِيَ بِدَمٍ كانَتْ أَحْرَى أَنْ تُخْضَبَ. فَقالَ الفَزارِيّانِ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ لا تَثْرِيبَ قَدْ أَجَرْناهُ وَالعَفْوُ أَجْمَلُ، فَأَمَّنَهُ وَاسْتَنْشَدَهُ أَشْعارُهُ، ولم يمكث النُّعمان طويلاً بعد وصول النّابغة فقد قتلَ عام 602م، وَعادَ بَعْدَ ذلكَ النّابِغَةُ إِلَى قَبِيلَتِهِ فِي أَواخِرِ حَياتِهِ.
عادَ النابِغَةَ إِلَى دِيارِ قَوْمِهِ فِي أَواخِرِ حَياتِهِ بَعْدَ تَجْوالٍ طويلٍ فِي بَلاطِ المُلُوكِ فِي عَصْرِهِ، فَلَمْ يَمْكُثْ طَوِيلاً حَتَّى وافاهُ الأَجَلُ، وَلَمْ يَرِدْ ذِكْرٌ لِظُرُوفِ وَفاتِهِ وَأَسْبابِها، وَذَكَرَ القُرَشِيُّ فِي جَمْهَرَةِ أَشْعارِ العَرَبِ أَنَّ النابِغَةَ أَسَنُّ جِدّاً فَتَرَكَ قَوْلَ الشِعْرِ، فَماتَ وَهُوَ لا يَقُولُهُ. وَكانَتْ وَفاتُهُ سَنَةَ 18 ق.هـ المُوافَقَةُ لِسَنَةِ 604م.
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً وَلَيْسَ وَراءَ اللهِ لِلمَرْءِ مَطْلَبُ
قالُوا: النّابِغَةُ. قالَ: فَأَيُّ شُعَرائِكُم الَّذِي يَقُولُ:
فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مَدْرِكِي وَإِنْ خِلْتَ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ واسِعُ
قالُوا: النّابِغَةُ. قالَ: هذا أَشْعُرُ شُعَرائِكُمْ.
وَمِنْ صُوَرِ تَقَدُّمِهِ فِي مَجالِ الشِّعْرِ فِي عَصْرِهِ وَعُلُوِّ مَكانَتِهِ فِيهِ أَنَّهُ كانَ مَحَطَّ إِجْماعٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ مُعاصِرِيهِ، فَكانُوا يَحْتَكِمُونَ إِلَيْهِ فِي شِعْرِهِمْ لِيُفاضِلَ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ الآمِدِيُّ أَنَّ العَرَبَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَضْلِ النّابِغَةِ الذُّبْيانِيِّ، وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَضْرِبَ قُبَّةً بِعُكاظ، فَيَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَشْعارِهِمْ لِبَصَرِهِ بِمَعانِي الشِّعْرِ، فَضَرَبَ القُبَّةَ وَأَتَتْهُ وُفُودُ الشُّعَراءِ مِنْ كُلِّ أوبٍ.
جَعَلَ ابْنُ سَلامٍ النَّابِغَةَ الذُّبْيانِيَّ فِي الطَّبَقَةِ الأُولَى فِي طَبَقاتِهِ، وَوَضَعَهُ بَعْدَ امْرِئِ القَيْسِ وَقَدَّمَهُ عَلَى زُهَيْرٍ وَالأَعْشَى، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ أَسْبابِ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَراءِ أَنَّهُ كانَ أَحْسَنَ الجاهِلِيِّينَ دِيباجَةً، وَأَكْثَرَهُمْ رَوْنَقَ كَلامٍ، وَأَجْزَلَهُمْ بَيْتاً، وَكَأَنَّ شِعْرَهُ كَلامٌ لَيْسَ فِيهِ تَكَلُّفٌ.
وَفِي شِعْرِ النابِغَةِ بَعْضُ المُؤَثِّراتِ الدِينِيَّةِ التي تُظْهِرُ أَنَّهُ كانَ عَلَى اِطِّلاعٍ عَلَى الثَقافاتِ وَالعَقائِدِ فِي عَصْرِهِ كَقَوْلِهِ:
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً وَلَيْسَ وَراءَ اللهِ لِلمَرْءِ مَذْهَبُ
وَقَوْلُهُ:
فَأَلْفِيَتُ الأَمانَةُ لَمْ تَخُنْها كَذلِكَ كانَ نُوحٌ لا يَخُونُ
وَقَوْلُهُ:
إِلّا سُلَيْمانُ إِذْ قالَ الإِلهُ لَهُ قُمْ فِي البَرِّيَّةِ فَاحْدُدْها عَنِ الفَنَدِ
وَفِي قَوْلِهِ:
أَبَى اللهُ إِلّا عَدْلَهُ وَوَفاءَهُ فَلا النَُكْرُ مَعْرُوفٌ وَلا العُرْفُ ضائِعُ
نَبِئْتُ أَنَّ أَبا قابُوس أَوْعَدَنِي وَلا قَرارَ عَلَى زَأْرٍ مِنْ الأَسْدِ
تَمَثَّلَ بِهِ الحَجّاجُ بْنُ يُوسُف حِينَ سَخِطَ عَلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوانَ
وَأشارَ إلى أنّهُ مِن الشُّعَراءِ السّابِقِينَ لِلمَعانِي الَّذِينَ تَأَثَّرَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ مِن الشُّعَراءِ وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ اِبْنُ قُتَيْبَةَ عِدَّةَ أَبْياتٍ مِنها قَوْلُهُ:
فَلَوْ كَفِّي اليَمِينُ بَغَتْكَ خَوناً لَأَفْرَدْتُ اليَمِينَ مِنَ الشِّمالِ
أَخَذَهُ المُثَقِّبُ العَبْدَيّ فَقالَ :
وَلَوْ أَنَّي تُخالِفُنِي شِمالِي بِنَصْرٍ لَمْ تُصاحِبْها يَمِينِي
قالَ الأَصْمَعَى: وَإِنَّما تُوصَفُ الإِماءُ في مِثْلِ هذا المَوْضِعِ بِالرَّواحِ لا بِالغُدُوِّ، لِأَنَّهُنَّ يَجِئْنَ بِالحَطَبِ إِذا رُحْنَ.
وَأَخَذُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ:
تَـخُــبُّ إِلى النُّعـْمــانِ حَـتَّى تَنـالَهُ فِـدىً لَكَ مِـنْ رَبٍّ طَـرِيــفِــي وَتـالِدي
وَكُنْـتُ امْرَأً لا أَمْدَحُ الدَّهْرَ سُوقَةٍ فَـلَسْــتُ عَـلى خَـيْــرٍ أَتـاكَ بِـحـاسِـدِ
فَامْتَنَّ عَلَيْهِ بِمَدْحِهِ، وَجَعَلَهُ خَيْراً سِيِّقَ إِلَيْهِ لا يَحْسُدُهُ عَلَيْهِ
وَأَخَذُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ :
إِذا ما غَزَوْا فِي الْجَيْشِ حَلَّقَ فَوْقَهُمْ عَـصــائِبُ طَـيْــرٍ تَهْـتَــدِي بِـعَـصـائِبِ
جَـوانِــحَ قَـدْ أَيْـقَــنَّ أَنَّ قَـبِــيــلَهُ إِذا ما الْتَقَى الْجَمْعانِ أَوَّلُ غالِبِ
جَعْلَ الطَيْرَ تَعْلَمُ الغالِبِ مِنَ المَغْلُوبِ قَبْلَ الْتِقاءِ الجَمْعِينِ، وَالطَّيْرُ قَدْ تَتَبَّعُ العَساكِرَ لِلقَتْلَى، وَلكِنَّها لا تَعْلَمُ أَيُّها يَغْلِبُ.
من أَكْثَرِ الأَغْراضِ الشِعْرِيّةِ عند النّابِغَةِ الذُبْيانِيِّ المَدِيحُ والفخر والرثاء والاعتذاريات، أمّا المديحُ فقد كانَ النّابغةُ مُنادِماً لِلمُلُوكِ المُناذِرَةِ وَالغَساسِنَةُ فِي عَصْرِهِ وله فيهم قصائدُ عديدةٌ، وَشاعَ في شِعرِهِ الفَخْرُ وَالتََهْدِيدُ وَالهِجاءُ حَيْثُ كانَ مُنافِحاً عَنْ قَوْمِهِ سَيِّداً فِيهِمْ، أَمّا الفَنُّ الَّذِي ابْتَدَعَهُ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ وَتَمَيَّزَ بِهِ فَهُوَ الاعْتِذارِيّاتُ وَهِيَ قَصائِدُ قالَها مُعْتَذِراً لِلنُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ بعد هربِهِ منه، وَمِنْها قَوْلُهُ (نَبِِّئْتُ أَنَّ أَبا قابُوس أَوْعَدَنِي وَلا قَرارَ عَلَى زَأْرٍ مِنْ الأَسَدِ) وَقَدْ رَأَى بَعْضُ النُقّادِ مثل مَطاعَ الصَّفدِي وَإِيلْيا حاوِي أَنَّ النّابِغَةَ خَرَجَ فِي اعْتِذارِيّاتِهِ عَن سِياقِ النَّفْسِيَّةِ العَرَبِيَّةِ وَطَبائِعِ الفُرُوسِيَّةِ الَّتِي كانَ يَضِجُّ بِها الشِّعْرُ القَدِيمُ.
أَشارَ المستشرقُ بروكلمان أَنَّ النّابِغَةَ مِنْ الشُّعَراءِ الَّذِينَ تَظْهَرُ أَفْكارُ النَّصْرانِيَّةِ فِي شِعْرِهِمْ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذلِكَ الاِعْتِرافَ بِذلِكَ الدِّينِ أَوْ اعْتِناقِهِ، وَبِذلِكَ يُخالِفُ بُروكلمان رأيَ لُوِيس شيخُو الَّذِي ذَهَبَ إِلَى أَنَّ النّابغةَ مِنْ الشُّعَراءِ النَّصارَى في العصر الجاهلي.
هُناكَ عِنايَةٌ مُبَكِّرَةٌ مِنْ قِبَلِ المُسْتَشْرِقِينَ بِشِعْرِ النّابِغَةِ، فَقَدْ نَشَرَ دِيوانَ النّابِغَةِ المُسْتَشْرِقُ ديرنبورج فِي المَجَلَّةِ الآسْيَوِيَّةِ عامَ 1868.
مِمّا أُخِذَ عَلَى النّابِغَةِ فِي شِعْرِهِ وُقُوعُهُ فِي الإِقْواءِ، مِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ (وَبِذاكَ خَبَّرَنا الغُرابُ الأَسْوَدُ) فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي مَطْلَعُها (أَمِـنَ الِ مَـيَّةَ رائِحٌ أَوْ مُـغْـتَـدِ عَــجْـــلانَ ذا زادٍ وَغَـيْــرَ مُـزَوَّدِ) وَيُذْكَرُ في المصادرِ أَنَّهُ دَخَلَ يَثْرِبَ فَهابُوهُ أَنْ يَقُولُوا لَهُ لَحَنْتَ وَانْكَفَأْتَ، فَدَعَوْا لَهُ قينَةً، وَأَمَرُوها أَنْ تُغَنِّيَ مِنْ شِعْرِهِ فَفَعَلَتْ، فَلَمّا سَمِعَ فِي الشِعْرِ غَيْرَ مُزَوَّدِ وَالغُرابُ الأَسْوَدُ وَمُدَّتْ الكَسْرَةُ لِأَجْلِ اللَّحْنِ حَتَّى صارَتْ ياءً، وَمُدَّتْ الضَّمَّةُ حَتَّى صارَتْ واواً فَطِنَ لِمَوْضِعِ الخَطَأِ فَلَمْ يَعُدْ.
(ابن سلّام الجُمحيّ/طبقاتُ فحول الشُّعراء).
(أورده ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(أبو الفرج الأصفهانيّ/ الأغاني)
(شوقي ضيف / تاريخُ الأَدبِ العربيِّ العصرِ الجاهليّ)
(عُمر الدّسوقي / النّابغة الذّبيانيّ)
(مَطاع صفدِي وَخَلِيل حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)