
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُنالِكَ خِلافٌ كَثِيرٌ فِي اسْمِ النّابِغَةِ الجَعْدِيِّ، فَقَدْ وَرَدَ فِي (الشِّعْر وَالشُّعَراء) أَنَّهُ عَبْدُ اللّٰهِ بنُ قَيْسٍ، وَوَرَدَ فِي (مُعْجَمِ الشُّعَراءِ) أَنَّهُ قَيْسُ بنُ عَبْدِ اللّٰهِ بْنِ عُدسِ بنِ رَبِيعِ بنِ جَعْدَةَ بنُ كَعبِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، هكَذا نَسَبَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ الكَلْبِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلّامٍ، وَقِيلَ اِسْمُهُ حَيّانُ بنُ قَيْسِ بنِ عَبْدِ اللّٰهِ بنِ وَحُوحِ بنِ عُدسِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ جَعْدَةَ.
أَمّا الأَصْفَهانِيُّ فِي (الأَغانِي) فَقَدْ أَشارَ إِلَى أَنَّ أَصَحَّ الأَقْوالِ فِي نَسَبِ الجَعْدِيِّ هِيَ أَنَّهُ: حِبّانُ بنُ قَيْسِ بنِ عَبدِ اللّٰهِ بنِ وَحُوحِ بنِ عُدسٍ (وَقِيلَ ابنُ عَمْرٍو بنِ عُدسٍ مَكانَ وَحُوح) ابْنِ رَبِيعَةَ بنِ جَعْدَةَ بنِ كَعْبِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ بنِ مُعاوِيَةَ بنِ بَكْرِ بنِ هَوازِن بنِ مَنْصُورِ بنِ عِكْرِمَةَ بنِ خَصْفَةَ بنِ قَيسِ عَيْلانَ بنِ مُضَرَ.
وَقَدْ اتَّفِقَ عَلَى أَنَّ كُنْيَتَهُ (أَبُو لَيْلَى)، لِما وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ ذلِكَ فِي شِعْرِهِ كَقَوْلِهِ:
أَتاكَ أَبُو لَيْلَى يَشُقُّ بِهِ الدُّجَى دُجَى اللَّيْلَ جَوّابَ الفَلاةِ عَثَمْثَمِ
وَقَدْ خاطَبَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُنْيَتِهِ فِي قِصَّتِهِ المَشْهُورَةِ مَعَهُ.
ولقب بالنابغة لِأَنَّهُ قَالَ الشّعْر فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أَقَامَ مُدَّة نَحْو ثَلَاثِينَ سنة لَا يَقُول الشّعْر ثمَّ نبغ فِيهِ فقاله فسمّي النَّابِغَة.
وَيُنْسَبُ النّابِغَةُ إِلَى بَنِي جَعْدَةَ فَيُقالُ الجَعْدِيُّ، وَجَعْدَةُ بَطْنٌ مِن بُطُونِ كَعبِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ وَهُمْ سِتَّةُ بُطُونٍ: عَقِيلُ بنُ كَعْبٍ، وَبَنُو المُنْتَفِقِ، وَبَنُو الحَرِيشِ، وَبَنُو العَجْلانِ، وَبَنُو قُشَيْرٍ، وَبَنُو جَعْدَةَ.
وَذَكَرَ الأَصْفَهانِيُّ أَنَّ للجعديِّ أَخٌ اسْمُهُ وَحُوحُ بنُ قَيْسٍ قُتِلَ فِي الجاهِلِيَّةِ فَرَثاهُ النّابِغَةُ. وَقَدْ تَزَوَّجَ النّابِغَةُ الجَعْدِيَّ -كَما وردَ في طبقاتِ ابنِ سَلّامٍ- امْرَأَةً مِن بَني المَجْنُونِ وَهُمْ عَدَدُ بَني جَعْدَةَ وَشَرَفُهُمْ فَنازَعَتْهُ وَادَّعَتْ الطَّلاقَ فَكانَ يَراها فِي مَنامِهِ فَقالَ:
مالِي وَمَا لِابنَةِ الْمَجْنُون تَطرُقُنِي بِاللَّيْلِ إِنَّ نَهارِي مِنْك يَكْفِينِي
عاشَ النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ طَوِيلاً، وَكانَ -كَما وَصَفَهُ المَرْزُبانِيُّ فِي (مُعْجَم الشُّعَراءِ)- طَوِيلَ البَقاءِ فِي الجاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ، وَكانَ أَكْبَرَ مِنْ النّابِغَةِ الذُّبْيانِيِّ وَبَقِيَ بَعْدَهُ بَقاءً طَوِيلاً، وَذُكِرَ فِي كتابِ (الشِّعْر وَالشُّعَراء) أَنَّ الذُّبْيانَيَّ نادَمَ النُّعْمانِ وَهذا نادَمَ أَباهُ المُنْذِرَ، وَفَى ذلِكَ يَقُولُ:
تَــذَكَّرْتُ وَالــذِّكْرَى تُهَيِّــجُ للْفَتَــى وَمِــنْ حَاجَــةِ الْمَحْـزُونِ أَنْ يَتَـذَكَّرَا
نَــدَامَايَ عِنْــدَ الْمُنْـذِرِ بْـنِ مُحَـرِّقٍ أَرَى الْيَـوْمَ مِنْهُـمْ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مُقْفِرَا
وَقد أشارَ الجَعْدِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ شِعْرِهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ وَهُوَ فَتىً يافِعٌ المَلِكَ المُنْذِرَ بْنِ مُحَرِّق والِدَ المَلِكِ النُّعْمانِ بنِ المُنْذِرِ، كَما شهد تَأْسِيسَ سُوقِ عُكاظٍ، حَيْثُ يَقُولُ:
وَلَقَد شَهِدتُ عُكاظَ قَبلَ مَحَلِّها فِيها وَكُنتُ أُعَدُّ مِنَ الفِتيانِ
وَالمُنذرَ بنَ مُحرّقٍ في مُلكِهِ وشهدتُ يَومَ هَجائِنِ النُعمانِ
وَقالَ عِنْدما بلغ مِئَةً وَاثني عَشَرَ عاماً:
فَمَن يَكُ سائِلاً عَنّي فَإِنّي مِنَ الفِتيانِ فِي عامِ الخُنانِ
مَضَت مِئةٌ لِعامِ وُلِدتُ فِيهِ وَعَشرٌ بَعدَ ذاكَ وَحِجَّتانِ
وَبَقِيَ أَيْضاً فَقَتْرَةً طَوِيلَةً فِي الإِسْلامِ حَتَّى وَرَدَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَرَوَى لَهُ حَدِيثَاً عَنْ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لِذا يُعَدُّ الجَعْدِيُّ أَحَدَ المُعَمَّرِينَ ويُقالُ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَي سَنَةٍ وَقِيلَ أَقَلَّ مِن ذلِكَ. وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ الجَعْدِيَّ ماتَ وَهُوَ ابنُ مِئَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وَقالَ يَذْكُرُ سِنَّهُ:
فَمَـنْ يَـكُ سـائِلاً عَنِّـي فَـإِنِّي مِـنَ الْفِتْيَانِ فِي عَامِ الْخُنانِ
مَضـَتْ مِئةٌ لِعَـامِ وُلِـدْتُ فِيـهِ وَعَشــْرٌ بَعْــدَ ذاكَ وَحِجَّتَــانِ
وَذُكِرَ أَنَّهُ عُمِّرَ مِئَةً وَثَمانِينَ سَنَةً وَأَنَّهُ أَنْشَدَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ:
لَبِســْتُ أُنَاســاً فَــأَفْنَيْتُهُمْ وَأَفْنَيْـتُ بَعْـدَ أُنَـاسٍ أُنَاسـا
ثَلَاثَـــةَ أَهْلِيــنَ أَفْنَيْتُهُــمْ وَكَـانَ الْإِلَـهُ هُـوَ الْمُسْتَآسـا
فَقالَ لَهُ عُمَرُ: كَمْ لَبِثْتَ مَعَ كُلِّ أَهْلٍ قالَ: سِتِّينَ سَنَةً.
وَمِنْ أَشْهَرِ مَواقِفِهِ وَأَخْبارِهِ فِي الإِسْلامِ أَنَّهُ جاءَ النَّبِيَّ وَأَنْشَدَهُ:
أَتَيْـتُ رَسـُولَ اللهِ إِذْ جَاءَ بِالْهُدَى وَيَتْلُــو كِتَابــاً كَـالْمَجَرَّةِ نَيِّـرَا
بَلَغْنَـا السَّما مَجْداً وَجُوداً وَسُؤْدَداً وَإِنَّــا لَنَرْجُـو فَـوْقَ ذَلِـكَ مَظْهَـرَا
فَقالَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِلَى أَيْنَ أَبا لَيْلَى" فَقالَ: إِلَى الجَنَّةِ، فَقالَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ شاءَ اللّٰهُ" وَأَنْشَدَهُ:
وَلَا خَيْـرَ فِـي جَهْـلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيـمٌ إِذَا مَـا أَوْرَدَ الْأَمْـرَ أَصْدَرَا
وَلَا خَيْـرَ فِـي حِلْـمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَــوَادِرُ تَحْمِــي صـَفْوَهُ أَنْ يُكَـدَّرَا
فَقالَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُفضِضُ اللّٰهُ فاكَ" قالَ: فَبَقِيَ عُمْرَهُ لَمْ تَنْفَضَّ لَهُ سِنٌّ.
وَقَدْ اشْتَرَكَ فِي الغَزَواتِ بَعْدَ ذلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قالَ لاِمْرَأَتِهِ حِينَ خَرَجَ غازِيّاً:
بَــاتَتْ تُــذَكِّرِنُي بِـاللّهِ قَاعِـدَةً وَالـدَّمْعُ يَنْهَـلُّ مِنْ شَأْنَيْهِما سَبَلا
يَـا بْنَـةَ عَمِّي كِتابُ اللهِ أَخْرَجَنِي عَنْكُـمْ وَهَـلْ أَمْنَعَنَّ اللهَ مَا فَعَلا
فَـإِنْ رَجَعْـتُ فَـرَبُّ النَّـاسِ يُرْجِعُنِي وَإِنْ لَحِقْـتُ بِرَبِّـي فَـابْتَغِي بَـدَلا
وَكانَ النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ -كَما وَرَدَ فِي خِزانَةِ الأَدَبِ- قَدْ خَرَجَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ إِلَى صِفَّيْنَ فَكَتَبَ مُعاوِيَةُ إِلَى مَرْوانَ فَأَخَذَ أَهْلَ النّابِغَةِ وَمالَهُ فَدَخَلَ النّابِغَةُ عَلَى مُعاوِيَةَ وَعِنْدَهُ مَروانُ وَعُبَيْدُ اللّٰهِ بنُ مَرْوانَ فَأَنْشَدَهُ:
فَمَـنْ رَاكِـبٌ يأْتِي ابْنَ هِنْدَ بِحَاجَتِي عَلَـى النَّـأْيِ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي وَتُجْلَبُ
وَيُخْبِـرُ عَنِّـي مَـا أَقُـولُ ابْنَ عَامِرٍ وَنِعْـمَ الْفَتَـى يَـأْوِي إِلَيْهِ الْمُعَصَّبُ
فَـإِنْ تَأْخُـذُوا أَهْلِـي وَمَـالِي بِظِنَّةٍ فَــإِنِّي لَجــرَّابُ الرِّجَــالِ مُجَــرَّبُ
صـَبُورٌ عَلَـى مَـا يَكْـرَهُ الْمَرْءُ كُلِّهُ سـِوَى الظُّلْـمِ إِنِّـي إِنْ ظُلِمْتُ سَأَغْضَبُ
فَالْتَفَتَ مُعاوِيَةُ إِلَى مَروانَ فَقالَ: ما تَرَى؟ قالَ: أَرَى أَنْ لا تَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئاً، فَقالَ: ما أهْوَنَ عَلَيْكَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَيَّ عِرْضِي ثُمَّ تَرْوِيهِ العَرَبُ أَما وَاللّٰهِ إِنْ كُنْتُ لَمِمَّنْ يَرْوِيهِ، أُرْدُدْ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ أخَذْتَهُ.
وَوَرَدَ عَنْهُ أَيْضاً أَنَّهُ أَقْحَمَتْهُ سَنَةً فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ اِبْنُ الزُبَيْرِ حِينَ صَلَّى الفَجْرُ حَتَّى مَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُولُ:
حَكَيْـتَ لَنـا الصـِّدِّيقَ لَمَّـا وَلِيتَنـا وَعُثْمـانَ وَالْفَـارُوقَ فَارْتَـاحَ مُعْـدِمُ
وَسَوَّيْتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحَقِّ فَاسْتَوَوا فَعَـادَ صـَبَاحاً حَالِـكُ اللَّيْـلِ مُظْلِـمُ
أَتَـاكَ أَبُـو لَيْلَـى يَجُـوبُ بِهِ الدُّجَى دُجَــى اللَّيْـلِ جَـوَّابُ الْفَلَاةِ عَثَمْثَـمُ
لِتَجْبُــرَ مِنْــهُ جَانِبـاً ذَعْـذَعَتْ بِـهِ صـُرُوفُ اللَّيَـالِي وَالزَّمـانُ الْمُصـَمِّمُ
فَقالَ لَهُ ابنُ الزُّبَيْرِ: هَوِّنْ عَلَيْكَ أَبا لَيْلَى، فَأَيْسَرُ وَسائِلَكَ عِنْدَنا الشِّعْرُ، أَمّا صَفْوَةُ أَمْوالِنا فَلِبَنِي أَسَدٍ، وَأَمّا عَفْوَتُها فَلِآلِ الصِّدِّيقِ، وَلَكَ فِي بَيْتِ المالِ حَقّانِ: حَقٌّ لَصُحْبَتِكَ رَسُولَ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَقٌّ بِحَقِّكَ فِي المُسْلِمِينَ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِسَبْعِ قَلائِصَ وَراحِلَةِ رَحِيلٍ. ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ تُوقَرَ لَهُ حَبّاً وَتَمْراً.
تُوُفِّيَ النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ وَقَدْ عُمِّرَ طويلاً، وَوَرَدَ فِي (الأَعْلامِ) لِلزَرْكُلِيِّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ عامَ 50 لِلهِجْرَةِ 670 لِلمِيلادِ، وَذَهَبَ بروكلمان فِي (تارِيخِ الأَدَبِ العَرَبِيِّ) إِلَى أَنَّ سَنَةَ وَفاتِهِ هِيَ 65 لِلهِجْرَةِ 684 لِلمِيلادِ.
وَذُكِرَ فِي كِتابِ (العُمْدَةُ) أَنَّ مَوْتَ الجَعْدِي كانَ بِسَبَبِ لَيْلَى الأَخِيلِيَّةِ، فَرَّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْها فَماتَ فِي الطَّرِيقِ مُسافِراً، وَالأَصَحُّ أَنَّها هِيَ الَّتِي ماتَتْ فِي طَلَبِهِ.
بَلَغْنَـا السَّما مَجْداً وَجُوداً وَسُؤْدَداً وَإِنَّــا لَنَرْجُـو فَـوْقَ ذَلِـكَ مَظْهَـرَا
قالَ لَهُ: أَيْنَ المَظْهَرُ يا أَبا لَيْلَى؟ فَقالَ الجَنَّةُ. قالَ أَجَل إِنْ شاءَ اللّٰهُ تَعالَى.
ثُمَّ أَنْشَدَهُ:
وَلَا خَيْـرَ فِـي جَهْـلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيـمٌ إِذَا مَـا أَوْرَدَ الْأَمْـرَ أَصْدَرَا
وَلَا خَيْـرَ فِـي حِلْـمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَــوَادِرُ تَحْمِــي صـَفْوَهُ أَنْ يُكَـدَّرَا
قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَدْتَ لا يُفضِضُ اللّٰهُ فاكَ. فَيُقالُ إِنَّهُ بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِئَةَ سَنَةٍ لَمْ تَسْقُطْ لَهُ سِنٌّ.
وَضَعَهُ ابْنُ سَلَّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ مِن الجاهِلِيِّينَ مَعَ أَبي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيّ وَالشَّمّاخِ بنِ ضِرارٍ وَلَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ، وَأَشارَ إِلَى أَنَّ الجَعْدِيَّ كانَ مُخْتَلِفَ الشِّعْرِ مُغَلَّباً، فَقالَ الفَرَزْدَقُ: مَثَلُهُ مَثلُ صاحِبِ الخلقانِ تَرَى عِنْدَهُ ثَوْبَ عَصَبٍ وَثَوْبَ خَزٍّ وَإِلَى جانِبِهِ سَملُ كِساءٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابنُ قُتَيْبَةَ ذلِكَ أيْضاً فَقالَ: وَكانَ العُلَماءُ يَقُولُونَ في شِعْرِهِ خِمارٌ بِوافٍ، وَمُطْرِفٌ بِآلافٍ، يُرِيدُونَ أَنَّ فِى شِعْرِهِ تَفاوُتاً، فَبَعْضُهُ جِدُّ مُبَرِّزٌ، وَبَعْضُهُ رَديءٌ ساقِطٌ.
كانَ النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ مِنْ الشُّعَراءِ المُغَلَّبِينَ؛ فَقَدْ هاجَى لَيْلَى الأَخيلِيَّةَ، وَأَوْسَ بْنُ مغراءَ وَكَعبَ بنِ جُعيلٍ وَالأَخْطَلَ، فَغَلَبُوهُ وَهُوَ أشْعَرُ مِنْهُمْ.
وَكانَ الجَعْديُّ مَنْ أَوْصَفِ الشُّعَراءَ لِلخَيْلِ.
ذَكَرَ اِبْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ النّابِغَةَ الجَعْدِيَّ كانَ سابِقاً لِبَعْضِ المَعانِي الَّتِي أَخَذَها غَيْرُهُ عَنْهُ، مِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ:
كَــــأَنَّ مَقَـــطَّ شَرَاســـِيفِهِ إِلَـى طَـرَفِ القُنْـبِ فَـالْمَنْقَبِ
لُطِمْــنَ بِتُـرْسٍ شـَدِيدِ الصـِّفَا قِ مِـنْ خَشـَبِ الْجَـوْزِ لَمْ يُثْقَبِ
أَخَذَهُ ابنُ مُقْبِلٍ فَقالَ:
كَــأَنَّ مَـا بَيْـنَ جَنْبَيـهِ وَمَنْقَبِـهَ مِـنْ جَـوْزِهِ وَمَقَـطِّ الْقُنْـبِ مَلْطُـومُ
بِتُـرْسِ أَعْجَـمَ لَـمْ تَنْخَـرْ مَثَـاقِبُهُ مِمَّـا تَخَيَّـرُ فِـي آطَامِهَـا الـرُّومُ
(الجاحظ/ البيان والتبيين).
(ابْنُ سلّام الجمحيّ/ طبقاتُ فُحول الشّعراء).
(ابْنُ سلّام الجمحيّ/ طبقات فحول الشّعراء).
(المَرزُبانيّ/ مُعجمُ الشُّعراء)