
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
قَيْسٌ بْنُ مُنْقِذٍ بْنِ عَمْرٍو، اشْتُهِرَ بِنِسبَتِهِ إِلى أُمِّهِ الحُدادِيَّةِ وَهِيَ مِن بَنِي كِنانَةَ وَقِيلَ الحِدادِيَّةُ مِنْ مُحارِبِ بْنِ خَصْفَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ خُزاعَةَ، كانَ مِنَ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ الفُتّاكِ، خَلَعَتْهُ قَبِيلَتُهُ خُزاعَةُ بِسُوقِ عُكاظٍ، وَأَشْهَدَتْ عَلَى أَنْفُسِها بِخَلْعِها إِيّاهُ، فَلا تَحْتَمِلُ جَرِيرَةً لَهُ، وَلا تُطالِبُ بِجَرِيرَةٍ يَجُرُّها أَحَدٌ عَلَيْهِ. فَجَمَعَ قيسٌ شُذّاذاً مِنَ العَرَبِ وَفُتّاكاً مِنْ قَوْمِهِ، كانَ يُغِيرُ بِهِمْ عَلَى مَنْ تَسَبَّبَ بِخَلْعِهِ مِنْ قَبيلَتِهِ، وَقَدْ ماتَ مَقْتُولاً قَتَلَهُ قَومٌ مِن مُزَيْنَةَ وَقِيلَ مِن بَنِي سُلَيْمٍ، وَلَا يُعرَفُ تارِيخُ وَفاتِهِ.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
ثَمَّةَ اخْتِلافٌ فِي سِلْسِلَةِ نَسَبِ قَيْسٍ فِي كُتُبِ التَّراجِمِ القَدِيمَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ المَرْزُبانِيُّ فِي (مُعْجَم الشُّعَراءِ) أَنَّهُ قَيْسٌ بْنُ عُبَيْدٍ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ ضَاطِرٍ بْنِ حُبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولٍ. وَوَرَدَ فِي الأَغانِي أَنَّهُ قَيْسٌ بْنُ مُنْقِذٍ بْنِ عَمْرٍو بْنِ عُبَيْدٍ بْنِ ضَاطِرٍ بْنِ صالِحٍ بْنِ حُبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ عَمْرٍو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حارِثَةَ (وَهُوَ خُزاعَةُ) بْنِ عَمْرٍو بْنِ عامِرٍ بْنِ حارِثَةَ الغِطْرِيفِ بْنِ امْرِئِ القَيْسِ البِطْرِيقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مازِنٍ بْنِ الأَزْدِ.
وَيَرْجِعُ نَسَبُ قَيْسٍ إِلَى خُزاعَةَ، وَقَدْ سُمِّيَتْ خُزاعَةُ بِذلِكَ -كَما وَرَدَ فِي العَقْدِ الفَرِيدِ- لِأَنَّهُمْ انْخَزَعُوا مِنْ وُلِدِ عَمْرٍو بْنِ عامِرٍ فِي إِقْبالِهِمْ مِنْ اليَمَنِ، وَذلِكَ أَنَّ بَنِي مازِنٍ مِن الأَزْدِ لَمّا تَفَرَّقَتْ الأَزدُ مِنَ اليَمَنِ فِي البِلادِ، نَزَلَ بَنُو مازِنٍ عَلَى ماءٍ بَيْنَ زُبَيْدٍ وَرَمْعٍ يُقالُ لَهُ غَسّان، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَهُوَ غَسّانِيّ، وَأَقْبَلَ بَنُو عَمْرٍو فَانْخَزَعُوا مِنَ قَوْمِهِمْ فَنَزَلُوا مَكَّةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَسْلَمُ وَمالَكٌ وَمَلكانُ بَنُو أَفْصَى بْنِ حارِثَةَ فَانْخَزَعُوا، فَسُمُّوْا خُزاعَةَ، وَافْتَرَقَ سائِرُ الأَزْدِ، فَالأَنْصارُ وَخُزاعَةُ وَبارِقٌ وَالهَجْنُ وَغَسّانُ: كُلُّها مِنَ الأَزْدِ، فَجَمِيعُهُمْ مِن عَمْرٍو بْنِ عامِرٍ.
وَقَيْسٌ مِنْ الشُّعَراءِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى أُمِّهِمْ، فَالحُدادِيَّةُ أَو الحِدادِيَّةُ هِيَ أُمُّهُ، وَذَكَرَ المَرْزُبانِيُّ فِي (مُعْجَم الشُّعَراءِ) أنّ هناكَ خِلافاً فِي نَسَبِ أُمِّهِ فَمنهم مِنْ يرجعها إلى بَنِي حُدادٍ مِنْ كِنانَةَ وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَها مِنْ حِدادِ مُحارِبٍ، وَحُدادٌ بِالضَّمِّ مِنْ كِنانَةَ وَحِدادٌ بِالكَسْرِ مِنْ مُحارِبٍ. وَأَشارَ صاحِبُ الأَغانِي أَنَّها مِنْ مُحارِبِ بْنِ خَصْفَةَ.
عاشَ قَيْسٌ بْنُ الحُدادِيَّةِ حَياةَ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَكانَ مِنْ فُتّاكِ العَرَبِ المَعْرُوفِينَ، وَأَكْثَرُ أَخْبارِهِ تَتَعَلَّقُ بِغَزَواتِهِ وَقِتالِهِ وَفَتْكِهِ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّ عَشِيرَتَهُ تَبَرَّأَتْ مِنْهُ وَتَخَلَّتْ عَنْهُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ قَبِيلَتَهُ خُزاعَةُ خَلَعَتْهُ بِسُوقِ عُكاظٍ، وَأَشْهَدَتْ عَلَى أَنْفُسِها بِخَلْعِها إِيّاهُ، فَلا تَحْتَمِلُ جَرِيرَةً لَهُ، وَلا تُطالِبُ بِجَرِيرَةٍ يَجُرُّها أَحَدٌ عَلَيْهِ. وَكانَ أَكْثَرُ النّاسِ سَعْياً فِي هذا الأَمْرِ وَتَحْرِيضاً عَلَيْهِ هُمْ بَنُو قُمَيرِ بْنِ حُبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولٍ، فَعَمِدَ قَيْسٌ إِلَى الانْتِقامِ مِنْهُمْ فَجَمَعَ لَهُمْ شُذّاذاً مِنَ العَرَبِ وَفُتّاكاً مِنْ قَوْمِهِ، وَأَغارَ عَلَيْهِمْ بِهِمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلاً يُقالُ لَهُ ابْنُ عُشٍّ، وَاسْتاقَ أَمْوالَهُمْ، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ كانَ سَيِّداً، وَكانَ ضِلْعُهُ مَعَ قَيْسٍ فِيما جَرَى عَلَيْهِ مِنَ الخُلْعِ، يُقالُ لَهُ ابْنُ مُحَرِّقٍ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ ما اسْتاقَهُ، فَقالَ: أَمّا ما كانَ لِي وَلِقَوْمِي فَقَدْ أَبْرَرْتُ قَسَمَكَ فِيهِ، وَأَمّا ما اعْتَوَرَتْهُ أَيْدِي هذِهِ الصَّعالِيكِ فَلا حِيلَةَ لِي فِيهِ، فَرَدَّ سَهْمَهُ وَسَهْمَ عَشِيرَتِهِ، وَقالَ فِي ذلِكَ:
فَأُقســِمُ لَـولا أَسـهَمَ اِبـنُ مُحَـرَّق مَـعَ اللَـهِ مـا أَكثَرتُ عَدَّ الأَقارِبِ
تَرَكـتُ ابـنَ عُـشٍّ يَرفَعـونَ بِرَأسـِهِ يَنـوءُ بِسـاقٍ كَعبُهـا غَيـرُ راتِـبِ
وَأَنهـاهُمُ خَلعـي عَلـى غَيـرِ ميرَةٍ مِنَ اللَّحمِ حَتّى غُيِّبوا في الغَوائِبِ
وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمّا خَلَعَتْ خُزاعَةُ قَيْساً، تَحَوَّلَ عَنْ قَوْمِهِ، وَنَزَلَ عِنْدَ بَطْنٍ مِنْ خُزاعَةَ يُقالُ لَهُمْ بَنُو عَدِيٍّ بْنِ عَمْرٍو بْنِ خالِدٍ، فَآوَوْهُ وَأَحْسَنُوا إِلَيْهِ، وَقالَ يَمْدَحُهُمْ:
جَـزى اللَـهُ خَيراً عَن خَليعٍ مُطَرَّدٍ رِجـالاً حَمَـوه آلَ عَمـرِو بنِ خالِدِ
فَلَيـسَ كَمَـن يَغزو الصَديقَ بِنوكِهِ وَهِمَّتُـه فـي الغَزوِ كَسبُ المُزاوِدِ
عَلَيكُـم بِعَرصـاتِ الـدِيارِ فَإِنَّني سـِواكُم عَديـدٌ حينَ تُبلى مَشاهِدي
وَقَدْ كانَ قَيْسٌ بِنُ الحُدادِيَّةِ شجاعاً ومُدافِعاً عَنْ قَوْمِهِ، وَمِمّا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ بَأْسِهِ وَإِقْدامِهِ أَنَّهُ لَمّا أَغارَتْ هَوازِنُ عَلَى بَنِي ضاطِرٍ وَهُمْ قَبِيلَتُهُ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ رَجُلاً وَسَبُوا مِنْهُمْ سَبياً كَثِيراً وَاسْتاقُوا أَمْوالَهُمْ، جَمَعَ قَيْسٌ قَوْمَهُ، فَأَغارَ عَلَى جُمُوعِ هَوازِنَ، فَأَصابَ سَبياً وَمالاً، وَقَتَلَ جَمْعاً مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ وَاسْتاقَ أَمْوالَهُمْ وَقالَ فِي ذلِكَ:
نَحـنُ جَلَبْنـا الخَيلَ قُبّاً بُطونُها تَراها إِلى الداعي المُثَوِّبِ جُنَّحا
بِكُـلِّ خُزاعِـيٍّ إِذا الحَـربُ شـَمَّرَت تَسَــرْبَلَ فيهــا بُـرْدَهُ وَتَوَشـَّحا
قَرَعْنـا قُشـَيراً فـي المَحَلِّ عَشِيَّةً فَلَم يَجِدوا في واسِعِ الأَرْضِ مَسْرَحا
وَلِقَيْسٍ بْنِ الحُدادِيَّةِ مَواقِفُ أُخْرَى فِي قِتالِهِ مَعَ قَوْمِهِ والفَخْرِ بِهم وتَخليدِ مآثِرِهم مِنها ما وَقَعَ بَينَ قَومِهِ وقَبائِلِ قَيْسِ عَيْلانَ، وَذلِكَ أَنَّ قَيْسَ عَيْلانَ -كَما وَرَدَ فِي (الأَغانِي)- رَغِبَتْ فِي البَيْتِ، وَخُزاعَةُ يَوْمَئِذٍ تَلِيهِ، وَطَمِعُوا أَنْ يَنْزِعُوهُ مِنْهُمْ، فَسارُوا وَمَعَهُمْ قَبائِلُ مِنْ العَرَبِ وَرَأَّسُوا عَلَيْهِمْ عامِرَ بْنَ الظَرِبِ العُدْوانِيَّ، فَسارُوا إِلَى مَكَّةَ فِي جَمْعٍ لُهامٍ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِمْ خُزاعَةُ فَاقْتَتلُوا، فَهُزِمَتْ قَيْسٌ، وَنَجا عامِرٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ جَوادٌ. فَقالَ قَيْسٌ بْنُ الحُدادِيَّةِ فِي ذلِكَ:
لَقَـد سُمتَ نَفسَكَ يا ابنَ الظَّرِب وَجَشــَّمتَهُم مَنْــزِلاً قَــد صـَعُب
وَحَمَّلتَهُـــم مَركَبــاً باهِظــاً مِـنَ العِبءِ إِذ سـُقتَهُم لِلشَغَب
بِحَــربِ خُزاعَــةَ أَهــلِ العُلا وَأَهـلِ الثَنـاءِ وَأَهـلِ الحَسـَب
هُمُ المانِعو البَيتِ وَالذائِدونَ عَــنِ الحُرُمـاتِ جَميـعَ العَـرَب
وَقَدْ عَلَّقَ أَبُو الفَرَجِ عَلَى هذِهِ القَصِيدَةِ أَنَّها مَصْنُوعَةٌ وَالشِّعْرُ بَيِّنُ التَّوْلِيدِ.
وَذَكَرَ قَيْسٌ أَيْضاً تَصَدِّي قَبِيلَتِهِ لِغَزْوِ الضَّرِيسِ القُشَيْرِيِّ مَعَ جَماعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَثَبَتُوا لَهُ وَقاتَلُوهُ حَتَّى هَزَمُوهُ، وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَفُزْ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوالِهِمْ، فَقالَ قَيْسٌ بنُ الحُدادِيَّةِ فِي ذلِكَ:
فِــدىً لِبَنــي قَيــسٍ وَأَفنــاءِ مالِـكٍ لَدى الشِّسْعِ مِن رِجلِي إِلى الفَرْقِ صاعِدا
غَــداةَ أَتَــى قَــوْمُ الضّـريسِ كَـأَنَّهم قَطــا الكُـدْرِ مِـن وُدّانَ أَصْـبَحَ وارِدا
وَقَدْ كانَ قَيْسٌ مِنَ الفُتّاكِ فَقَدْ أَصابَ دَماً فِي قَوْمٍ مِنْ خُزاعَةَ هُوَ وَناسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَهَرَبُوا فَنَزَلُوا فِي فِراسِ بْنِ غَنَمٍ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ أَصابُوا أَيْضاً مِنْهُمْ رَجُلاً، فَهَرَبُوا فَنَزَلُوا فِي بَجِيلَةَ عَلَى أَسَدٍ بْنِ كُرزٍ، فَآواهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَى قَيْسٍ وَتَحَمَّلَ عَنْهُمْ ما أَصابُوا فِي خُزاعَةَ وَفِي فِراسٍ، فَقالَ قَيْسٌ بْنُ الحُدادِيَّةِ يَمْدَحُ أَسَدَ بِنَ كُرَزٍ:
لا تَعـذِلينِيَ سـَلمى اليَومَ وَاِنتَظِري أَن يَجمَـعَ اللَهُ شَملاً طالَما اِفتَرَقا
إِن شـَتَّتَ الـدَهرُ شـَملاً بَينَ جيرَتِكُم فَطـالَ فـي نِعمَةٍ يا سَلمُ ما اِتَفَقا
وَقَــد حَلَلنــا بِقَسـرِيًّ أَخـي ثِقَـةٍ كَالبَدرِ يَجلو دُجى الظَلماءِ وَالأُفُقا
وَقَدْ عُرِفَ قَيْسٌ بِحُبِّهِ لِأُمِّ مالِكٍ بِنْتِ ذُؤَيبٍ الخُزاعِيِّ، وَيُرْوَى أَنَّها رَحَلَتْ مَعَ أَهْلِها إِلَى مِصْرَ وَالشّامِ لِأَنَّهُمْ أَجْدَبُوا، فَقالَ قَيْسٌ بِنُ الحُدادِيَّةِ:
أَجِــدَّكَ إن نُعـمٌ نَـأَت أَنـتَ جـازِعُ قَــدِ اِقتَرَبَــت لَـو أَنَّ ذَلِـكَ نـافِعُ
قَـدِ اِقتَرَبَـت لَـو أَنَّ في قُربِ دارِها نَــوالاً وَلَكِــن كَـلُّ مَـن ضـَنَّ مـانِعُ
وَرَدَ فِي قِصَّةِ مَقْتَلِ قَيْسٍ رِوايَتانِ، أَولاهُما أَنَّهُ لَقِيَ جَمْعاً مِنْ مُزَينَةَ يُرِيدُونَ الغارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ يَجِدُونَ مِنْهُ غِرَّةً، فَقالُوا لَهُ: اسْتَأْسِرْ، فَقالَ: وَما يَنْفَعُكُمْ مِنِّي إِذا اسْتَأْسَرْتُ وَأَنا خَلِيعٌ؟ وَاللّٰهِ لَوْ أَسَرْتُمُونِي ثُمَّ طَلَبْتُمْ بِي مِنْ قَوْمِي عَنْزاً جَرباءَ جَدماءَ ما أُعْطِيْتُمُوها، فَقالُوا لَهُ: اسْتَأْسِرْ لا أُمَّ لَكَ. فَقالَ: نَفْسِي عَلَيَّ أَكْرَمُ مِنْ ذاكَ، وَقاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
أَنـا الَّـذي تَخلَعُـه مَـواليهِ وَكُلُّهُـم بَعـدَ الصـَفاءِ قالِيَه
وَكُلُّهُــم يُقســِمُ لا يَبــالِيَه أَنـا إِذا المَوتُ يَنوبُ غالِيَه
مُختَلِـــطٌ أَســفَلُهُ بِعــالِيَه قَد يَعلَمُ الفِتيانُ أَنّي صالِيَه
إِذا الحَديـدُ رُفِعَـت عَـوالِيَه
أَمّا الرِّوايَةُ الثّانِيَةُ فَهِيَ أَنَّهُ كانَ يَتَحَدَّثُ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيمٍ، فَأَغارُوا عَلَيْهِ وَفِيهِمْ زَوْجُها، فَأَفْلَتَ فَنامَ فِي ظِلٍّ وَهُوَ لا يَخْشَى الطَّلَبَ، فَاتَّبَعُوهُ فَوَجَدُوهُ، فَقاتَلَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يُقاتِلُهُمْ حَتَّى قُتِلَ.
شاعِرٌ قَديمٌ كَثيرُ الشِّعرِ"
(المَرزُبانيّ/ مُعجم الشُّعراء)
(أَبو الفرجِ الأَصفَهانِيّ/ الأَغانِي).