
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
العبّاس بن مِرْداس السُّلَمِيّ، أبو الهيثم-وقيل أبو الفضل-، شاعرٌ مخضرمٌ من شعراء سُلَيْم وأشرافِهم، وأحد فرسان الجاهليّة وشعرائها المذكورين، لمَعَ اسمه في قبيلته سُلَيم، كما ذاع صيته في قبيلته الكبرى قيس عيلان. دار شعره قبل الإسلام حول الحماسة وذكر المعارك والدّفاع عن القبيلة، بالإضافة إلى الهجاء والاقتتال مع قبيلته ذاتها، خاصّة مع هجاء خفاف بن ندبة الذي كان ينافسه على زعامة بني سُلَيم بعد موت صخر بن عمرو بن الشريد -أخي الخنساء الشاعرة المشهورة- في يوم ذات الأثل. ولمْ يكن العبّاس من المسلمين المتقدّمين برغم أنّه من رواة الحديث المقلّين؛ فقد عدّه ابن حزم من أصحاب الأربعة أي الذين رَوَوْا أربعة أحاديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وله شعرٌ في امتداح النّبيّ صلى الله عليه وسلّم.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هو العبّاس بن مِرْداس بن أبي عامر وقيل جارية بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سُلَيم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ين عيلان بن مضر.
وكنيته: أبو الهيثم وقيل أبو الفضل.
أبوه مِرْداس بن أبي عامر من سادة بني سُلّيم وسادتها وكان صاحبًا وشريكًا لحرب بن أمية في القريّة وهي غيضة شجر ملتفّ لا يُرام. وكان ممّن حضر يوم شعب جبلة في صفّ بني عامر وأبلى في ذلك اليوم بلاءً حسَنًا. ولمرداس أكثر من زوجة وأشهرهنّ الخنساء الشاعرة المشهورة ومنها ولده: هبيرة ومعاوية وجزء وسراقة، وعمرة وهي فتاة التي رثتْ العبّاس أخاها عند موته. وللعبّاس إخوةٌ آخرون لا ندري أهمْ من الخنساء أم من غيرها منهم: يزيد بن مرداس الذي قتل قيس بن أبي قيس بن الأسلت في بعض حروبهم، وهريم بن مرداس الذي كان مجاورًا في خزاعة.
شاع في المصادر الأدبيّة أنّ الخنساء هي أمّ العبّاس وكذلك ذهب أكثر من تعرّض لذكر العبّاس من المحدثين، لكن هناك روايةٌ عن ابن الكلبي تقول إنّ أمّ ولد مرداس جميعًا هي الخنساء عدا العبّاس، فإنّها ليست أمّه، ولمْ يذكر من أمّه. ونجد في المخبر روايةً في ذكر المنجبات، ومنهنّ هند بن سنة بن سنان بن جارية بن عبد السُّلَميّة ولدت يزيد ذا الرمحين وهريمًا وسراقة وأنسًا وهبيرة وعبّاس بن مرداس بن أبي عامر السُّلَمي.
فعلى ذلك يكون العبّاس بن منجبة وهي هند وليست الخنساء، وأيضًا لا يوجدْ في شعر العبّاس ما يبيّن فيه أن الخنساء أمّه، والروايات عمومًا مضطربة حول ذكر أعداد أولاد الخنساء وأسمائهم، ويأتي الجاحظ ليقطع برأي فصل، فيدفع أن تكون الخنساء أمّه، ويعيّن أنّ أمّ الخنساء زنجيّة، وذلك في سياق هجاء جرير لبني تغلب حين قال:
لا تَطْلُبَنَّ خُؤُولَةً مِنْ تَغْلِبٍ فَالزِّنْجُ أَكْرَمُ مِنْهُمُ أَخْوالا
فغضب سنيح بن رباح الزنجيّ فهجا جريرًا وفخر عليه بالزنج فقال:
ما بالُ كَلْبٍ مِنْ كُلَيْبٍ سَبَّنا=إِنْ لَمْ يُوازِنْ حاجِباً وَعِقالا
ثمّ يذكر أبناء الزنجيّات مفاخرًا بهم وببطولتهم وسؤددهم، ومنهم خفاف بن ندبة وعنترة العبسيّ وأخوه هراسة وسُليك بن سلكة وعبد الله بن خازم السُّلَميّ والعبّاس بن مرداس وغيرهم:
كان ابنُ نَدْبَةَ فِيكُمُ مِنْ نَجْلِنا=وَخُفافٌ الْمُتَحَمِّلُ الْأَثْقالا
وابنا زَبِيبَةَ: عَنْتَرٌ وَهُراسَةٌ=ما إنْ نرى فيكم لَهُمْ أَمْثالا
وسُلَيْكٌ اللَّيْثُ الْهِزَبْرُ إِذا عَدا=وَالْقَرْمُ عبَّاسٌ عَلَوْكَ فِعالا
فعلى هذا تكون أمّ العبّاس هي هند بن سنة بن سنان وهي إحدى المنجبات وكانت زنجيّة سوداء، وتكون الخنساء الشاعرة زوجة أبيه وأمّ إخوته.
أمّا ذريّة العبّاس، فلهُ من الولد جاهمة بن العبّاس له صحبة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وروى عنه أحاديث، وأُبيّ بن العبّاس روى عنه أبو عبيدة، وسعيد بن العبّاس الذي من ذريّته بكّار بن أحمد وهو محدّث عابد مات بمصر، وللعبّاس أولاد غيرهم كعبيد الله قد ذُكروا في بعض المصادر.
تُشير الأخبار الواردة عن حياة العباس بن مرداس في الجاهليّة إلى سيادته وتقدّمه في قومه، وهناك خبر يدلّ على هذه السّيادة جاء فيه أنّ العبّاس لم يشرب خمراً في الجاهليّة، وكانوا إذا سألوه: لِمَ لا تَشْرَبُ الخَمْرَ فإنَّها تَزِيدُ في جرأتك، قال: لا أشربُ شراباً أُصْبِحُ سيِّدَ قومي وأمسي سفيههم. وفي هذا الخبر دلالة واضحة على سيادته في قومه وشرفه فيهم وعفّة نفسه.
ويمكنُنا أنْ نميّز من شعرِه الذي قاله قبل أنْ يسلم، عهدَيْن متميّزَين؛ الأوّل يظهر فيه العبّاس فارساً من فرسان قومه، وشاعراً قبليّاً مدافعاً عن قبيلته، مشاركاً في أيامها وحروبها، وهو مع زعامته وشرفه في القبيلة إلّا أنه فرد فيها؛ إذ كانت الزعامة حينئذٍ لصخر بن عمرو الشريد أخي الخنساء الشاعرة بعد موت أخيه معاوية، وقد طُعِن صخر في يوم ذات الأثل ثم مات بعد ذلك على إثر تلك الطعنة.
وقد سطّر أحداث هذا العهد في قصائد كثيرة مثل يوم الكديد وبرزة والفيحاء وغيرها. فقال في قصيدة يرد على عبد الله بن جذل رئيس بني فراس من كنانة، وفيها يذكر من بلاء قومه وقوّة فرسانهم وما أوقعوا بالعدوّ من قتل وتنكيل:
أَلا أَبْلِغـا عَنِّـي ابْـنَ جِذْلٍ وَرَهْطَهُ فَكَيْــفَ طَلَبْنــاكُمْ بِكُـرْزٍ وَمالِـكِ
غَــداةَ فَجَعْنـاكُمْ بِحِصـْنٍ وَبِـابْنِهِ وَبِـابْنِ الْمُعَلَّـى عاصـِمٍ وَالْمُعارِكِ
ثَمانِيَــةً مِنْهُــمْ ثَأَرْنــاهُمُ بِـهِ جَمِيعـاً وَمـا كـانُوا بَواءً بِمالِكِ
نُـذِيقُكُمُ وَالْمَـوْتُ يَبْنِـي سـُرادِقاً عَلَيْكُـمْ شـَبا حَدِّ السُّيُوفِ الْبَواتِكِ
تَلُــوحُ بِأَيْـدِينا كَمـا لاحَ بـارِقٌ تَلَألَأَ فِــي داجٍ مِـنَ اللَّيْـلِ حالِـكِ
صَبَحْناكُمُ الْعُوجَ الْعَناجِيجَ بِالضُّحَى تَمُـرُّ بِنـا مَـرَّ الرِّيـاحِ السَّواهِكِ
إِذا خَرَجَـتْ مِـنْ هَبْـوَةٍ بَعْـدَ هَبْوَةٍ سـَمَتْ نَحْـوَ مُلْتَـفٍّ مِنَ الْمَوْتِ شائِكِ
أمّا العهد الثاني، فبعد موت صخر حيث يتنازع على الزعامة العبّاس بن مرداس وابن عمه خفاف بن ندبة، وتقوم بينها حرب ودماء، ويستمرّ بينهما اللّجاج ويتهاديان الهجاء، فقد شغل نقائض العبّاس وأهاجيه في خفاف جزءًا كبيرًا من ديوانه، حتى إذا ما أدركهما الإسلام أسلما وحَسُنَ إسلامَهما ويكون للرجلين فيه بلاء كبير.
وممّا قاله في هجاء خفاف:
أَرانِـي كُلَّمـا قـارَبْتُ قَوْمِي نَـأَوْا عَنِّـي وَقَطْعُهُـمُ شـَدِيدُ
سـَئِمْتُ عِتـابَهُمْ فَصَفَحْتُ عَنْهُمْ وَقُلْــتُ لَعَـلَّ حِلْمَهُـمُ يَعُـودُ
وَعَـلَّ اللـهَ يُمْكِـنُ مِنْ خُفافٍ فَأَسـْقِيهِ الَّتِـي عَنْهـا يَحِيدُ
بِما اكْتَسَبَتْ يَداهُ وَجَرَّ فِينا مِنَ الشَّحْنا الَّتِي لَيْسَتْ تَبِيدُ
وَأنَّـى لِـي بِـوُدِّ بَنِـي خُفافٍ وَعَـوْفٍ وَالْقُلُـوبُ لَهـا وَقُودُ
وَإِنِّـي لا أَزالُ أُرِيـدُ خَيْـراً وَعِنْـدَ اللـهِ مِـنْ نَعَمٍ مَزِيدُ
فَضـاقَتْ بِـي صـُدُورُهُمُ وَغَصَّـتْ حُلُـوقٌ مـا يَبِـضُّ لَهـا وَرِيدُ
مَتَــى أَبْعُـدْ فَشـَرُّهُمُ قَرِيـبٌ وَإِنْ أَقْــرُبْ فَــوُدُّهُمُ بَعِيـدُ
ولمّا جاء الإسلام لم يكن العبّاس من المسلمين المتقدّمين، وكان بين بني سُلَيم والمسلمين معارك عدّة وقتل من بني سُليم مقتلة كبيرة، وما أسلمت سُلَيم عامة إلّا في عام الفتح حيث خرج سبعمئة من فرسانهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلقوه في (قُديد) وفيهم العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رِعْل، وراشد بن عبد ربّه، فأسلموا وقالوا اجعلنا في مقدّمتك واجعل لواءنا أحمرًا وشعارنا مقدّمًا، ففعل ذلك بهم.
وقال يوم فتح مكة معتزًّا ومفتخرًا بقومه لنصرتهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
مِنَّــا بِمَكَّـةَ يَـوْمَ فَتْـحِ مُحَمَّـدٍ أَلْـفٌ تَسـِيلُ بِـهِ الْبِطـاحُ مُسَوَّمُ
نَصـَرُوا الرَّسُولَ وَشاهَدُوا أَيّامَهُ وَشـِعارُهُمْ يَـوْمَ اللِّقـاءِ مُقَـدَّمُ
فِـي مَنْـزِلٍ ثَبَتَـتْ بِـهِ أَقْدامُهُمْ ضـَنْكٍ كَـأَنَّ الْهـامَ فِيهِ الْحَنْتَمُ
جَــرَّتْ سـَنابِكَها بِنَجْـدٍ قَبْلَهـا حَتَّى اسْتَقادَ لَها الْحِجازُ الْأَدْهَمُ
اللـــهُ مَكَّنَــهُ لَــهُ وَأَذَلَّــهُ حُكْـمُ السـُّيُوفِ لَنـا وَجَـدٌّ مِزْحَمُ
عَـوْدُ الرّياسـَةِ شـامِخٌ عِرْنِينُـهُ مُتَطَلِّــعٌ ثُغَـرَ الْمَكـارِمِ خِضـْرِمُ
وبعد أنِ امتلأ قلبه بالإيمان، وذكر ما كان فيه من الكفر والضلال، ثم فهم تعاليم الإسلام واطّلع على آيات كتاب الله وذلك بعد فترة من إسلامه فقال في ذلك:
لَعَمْــرِيَ إِنِّـي يَـوْمَ أَجْعَـلُ جاهِـداً=ضــِماراً لِـرَبِّ الْعـالَمِينَ مُشـارِكا
وَتَرْكِـي رَسـُولَ اللـهِ وَالْأَوْسُ حَـوْلَهُ=أُولَئِكَ أَنْصــارٌ لَــهُ مـا أُولَئِكـا
كَتـارِكِ سـَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحَـزْنَ يَبْتَغِي=لِيَسـْلُكَ فِـي غَيْـبِ الْأُمُورِ الْمَسالِكا
فَـآمَنْتُ بِـاللَّهِ الَّـذِي أَنـا عَبْـدُهُ=وَخـالَفْتُ مَـنْ أَمْسَى يُرِيدُ الْمَمالِكا
وَوَجَّهْــتُ وَجْهِـي نَحْـوَ مَكَّـةَ قاصـِداً=وَتـابَعْتُ بَيْـنَ الْأَخْشـَبَيْنِ الْمُبارَكا
وقد عُدّ من المؤلّفة قلوبهم، فأعطيَ من غنائم حُنين، ولمّا كان العبّاس حديث عهد بالإسلام وما زالت المُثُل الأعرابية الجاهلية فيه، فقد رأى أنّ أقرانه من زعماء القبائل الذين أسلموا أصابهم أكثر مما أصابه، وحسب أنّ ذلك غضًّا من قيمته وتفضيلًا لغيره عليه، فقد أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أموال هوازن وثقيف وسباياهم مائة ناقة للأقرع بن حابس ومائة لعيينة بن حصن وللعبّاس بن مرداس أباعر فسخطها فقال يعاتب الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
وَكــانَتْ نِهابــاً تَلافَيْتُهـا=بِكَـرِّي عَلَى الْمُهْرِ فِي الْأَجْرَعِ
وَإِيقـاظِيَ الْقَوْمَ أَنْ يَرْقُدُوا=إِذا هَجَـعَ النَّـاسُ لَـمْ أَهْجَعِ
فَأَصـْبَحَ نَهْبِـي وَنَهْبُ الْعُبَيْـ=دِ بَيْــنَ عُيَيْنَــةَ وَالْأَقْــرَعِ
وَقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذا تُدْرَأُ=فَلَـمْ أُعْـطَ شـَيْئاً وَلَمْ أُمْنَعِ
وَإِلَّا أَبـــاعِيرَ أُعْطِيتُهـــا=عَدِيــدَ قَوائِمِهــا الْأَرْبَــعِ
وَمــا كـانَ حِصـْنٌ وَلا حـابِسٌ=يَفُوقـانِ مِـرْداسَ فِـي مَجْمَـعِ
وَمـا كُنْتُ دُونَ امْرِىءٍ مِنْهُما=وَمَـنْ تَضـَعِ الْيَـوْمَ لا يُرْفَـعِ
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اذهبوا فاقطعوا عنّي لسانه، فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع اللسان الذي أمر به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقيل أنّه كساهُ حُلّة كما كسا كعب بن زهير بُردًا، وقيل أنّ الرسول أعطاه ثمانين أوقية فضة. وهناك كتاب وثّقه ابن سعد في طبقاته الكبرى كتبه النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء فيه: (هذا ما أعطى النبي العباس بن مرداس: أنه أعطاه فمن حاقّه فلا حقّ له فيه، وحقّه حقّ، وكتب العلاء بن عقبة).
كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبرّ العباس ويكرمه فقد جعله على صدقات قومه بني سُلَيم، وحين كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يستنفر القبائل ويدعوهم للجهاد في غزوة تبوك أرسل العباس بن مرداس مع رجال إلى بني سليم يحضّهم على الجهاد ويأمرهم بالصدقات.
ومن صفات العبّاس بن مرداس المشهورة في المصادر الأدبيّة تميُّزهُ بالحُسْن والجمال، والجمال في بني سُليم صفة مشهورة، وذلك لمّا خرج معاوية بن عمرو بن الشريد لغزو بني مرّة وفزارة، وكانت امرأة من جهينة من أحلاف بني مرّة قد رأت معاوية فأخبرت هاشمًا بن حرملة – وهو رئيس بني ذبيان من مرّة- بقدوم القوم، فلم يصدّقها لقلّة من كان مع معاوية، فصارت تصفهم واحدًا واحدًا، وهاشم يتعرّف على القوم، فوصفت معاوية وخفاف بن ندبة وعبّاسًا الأصمّ ونبيشة بن حبيب وعبد العزّى زوج الخنساء والعبّاس بن مرداس وكان شابًّا جميلًا، فقالت في صفته: ورأيتُ شابًّا جميلًا له وفرة حسنة، قال: ذلك العبّاس بن مرداس. وكان حينها في مقتبل العمر وأول أيامه مع بني سُلَيم.
لزم العباس البادية بعد الإسلام فلم يهاجر إلى مكة ولا المدينة، ولكن لمّا اختطّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه البصرة رحل إليها العباس ونزل في بواديها، وكان كثيرًا ما يأتي البصرة وروى عنه البصريّون وبقيّة ولده بباديتها.
واضطربت الروايات حول آخر مقام وسكن له فمنهم من قال بالكوفة ومنهم من قال في دمشق ولكنّ الأرجح أنّه في البصرة كما تقدّم.
لم تحدّدْ سنة وفاته ولكن أغلب الروايات تقول أنّه توفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 18هـ/639م.
تكْمن أهميّة شعره أنّها تصف وتوثّق أحداثًا جاهليّةً يمكن أنْ تكون مرجعًا تاريخيًّا مهمًّا عن تلك الحقبة.
تنوّعت أغراض شعره بين الحكمة والهجاء والفخر بنفسه ويقومه ووصفٍ لفرسه (رزّة).
ذكر ابن النّديم أنّ الطّوسي وابن السّكّيت صنعا ديوانًا للعباس بن مرداس، وأشار حاجي خليفة إلى ديوان (ابن مرداس).
اختار له الأصمعيّ في أصمعيّاته، وأبو تمام والبصريّ في حماستيهما.