
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عبدُ اللهِ بنُ الزِّبَعْرى بنِ قيسِ بنِ عَدِيِّ السَّهميّ القُرَشيّ، أبو سعد، من بني سَهم من قبيلة قريش المُضَريّة العدنانيّة. شاعرُ قريش ومكّةَ الأوّل، عُرِفَ بِحُبِّهِ لقبيلتِهِ وتمسُكِّهِ في الدّفاعِ عنها والذّبّ عن مآثرِها، وكانَ لشعرِهِ دورٌ كبيرٌ في مناهضةِ الدّعوة الإسلاميّةِ والردّ على شعراءِ المسلمينَ من مثلِ حسّان بن ثابت وكعب بن مالك، وقد وثّقَ في شعرِهِ معظم المعارك الّتي قامت بين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقريش؛ من بدر وأحد والخندق وغيرها. هربَ بعد فتح مكّة إلى نجران، وهجاهُ حسّانُ بن ثابت بأبياتٍ جعلته يُعيدُ النّظرَ في موقفِهِ من النبيّ ويتوجّه إليه معتذراً ومعلناً إسلامَه، فقبلَ منه النبيّ وخلعَ عليهِ حُلّةً. وقد مدحَ ابنُ الزّعبرى النبيّ صلى الله عليه وسلّم بمجموعةٍ من القطع والقصائد، وشهدَ المشاهدَ في الإسلام، إلى أن توفّيَ في عهدِ الخليفةِ عمرَ بن الخطّاب نحو سنة 15 هـ. تغلُبُ على شعرِهِ النّزعةُ الحماسيّة، ولا يكادُ شعرُهُ يتجاوزُ وصفَ المعاركِ والمواقعِ والأحداثِ المتعلّقةِ بمكّةَ وقريش.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هوَ عبدُ اللهِ بنُ الزِّبَعْرى بنِ قيسِ بنِ عَدِيِّ بنِ سعدِ بنِ سَهمِ بنِ عمرِو بنِ هصيصِ بنِ كعبِ بنِ لؤَيِّ بنِ غالبِ بنِ فهرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضرِ (وهو قريش) بنِ كنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مدركةَ بنِ إلياسِ بنِ مُضَرَ بنِ نزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنان.
ومعنى الزِّبَعرى (بكسر الزاي وفتح الباء وسكون العين وفتح الرّاء): الشَّكِسُ، وقيل: الضَّخْم، وقيل: الكثير شعرِ الوجهِ والحاجبينِ واللَّحيَيْن.
وأمُّهُ هي عاتكةُ بنتُ عبدِ اللهِ بنِ عُميرِ بن أهيب بنِ حُذافةَ بنِ جُمَح بنِ عمرِو بنِ هصيصِ بنِ كعبِ بنِ لؤَيِّ بنِ غالبِ بنِ فهرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضرِ (وهو قريش).
أمّا عشيرتُهُ فهم بنو سَهْم من قبيلةِ قُريشِ العدنانيّةِ النّزارية، ويُعَدُّ بَطْنُ بني سهم من البطونِ المعتبرةِ في قُرَيش؛ إذ كان فيهم تنظيمُ القرباتِ والنّذورِ الّتي تُهدى إلى الأصنام، وكان يُحتَكَمُ إليهم في الخُصومات.
أمّا كُنيتُهُ فهيَ "أَبو سَعد"، ذكرَها المزرُبانيّ، لكن تُشيرُ المصادرُ الأدبيّةُ إلى أنَّ أولادَهُ ماتُوا صِغاراً.
ولا ذكرَ في المصادرِ الأدبيّةِ لزوجاتِ ابنِ الزِّبِعرى.
عبدُ اللهِ بنُ الزِّبَعرى أحدُ أكبرِ شعراءِ قبيلةِ قُرَيش في الجاهليّة، وقد ذكرَهُ ابنُ سلّام في مقدّمةِ شعراءِ مكّة وحكمَ له بالشّاعريّةِ على مَنْ سواهُ من شعراءِ القرية، وهُوَ ينحدِرُ من بطنٍ ذي أهميّةٍ واعتبارٍ في قُرَيش هو بطنُ بني سَهم، وهُوَ ما أهَّلَهُ في فترةٍ مبكّرةٍ من عمرِهِ ليكونَ شاعرَ قريش الأبرز، والمُؤرِّخَ لأخبارِها، والذّابَّ عَن حِماها. لذلك؛ نجدُ في شعرِ ابن الزّبعرى إشاراتٍ تاريخيّةً كثيرةً لأحداثٍ شَهِدَها أو سمِعَ عَنها، ولعلّ أهمّ تلك الأحداث حادثةُ الفيل الّتي وثّقَها ابنُ الزِّبعرى في شعرِهِ فقال:
تَـنَـكَّلـُوا عَنْ بَطْـنِ مَكَّةـَ إِنَّها كانَـتْ قَدِيـماً لا يُرامُ حَرِيمُها
لَمْ تُخْـلَقِ الشِّعْرَى لَيالي حُرِّمَتْ إِذْ لا عَزِيزَ مِنَ الْأَنامِ يَرُومُها
سائِلْ أَمِيرَ الْجَيشِ عَنْها ما رَأَى وَلَسَوْفَ يُنْبِي الْجاهِلِينَ عَلَيْمُها
سِتُّونَ أَلْفاً لَمْ يَؤوبُـوا أَرْضَهُمْ ولَمْ يَعِـشْ بَعْـدَ الْإِيابِ سَقِيمُها
كانَـتْ بِها عادٌ وَجُرْهُـمُ قَبْلَهُمْ وَاللهُ مِنْ فَوْقِ الْعِبادِ يُقيمُها
وليسَ مِنَ المؤكَّدِ أن يكونَ ابنُ الزِّبعرى قد شهدَ حادثةَ الفيلِ حقًّا، لكن لا بدَّ أنّها كانت من الموروثِ المُتناقلِ بين الأجيالِ في مكّة والّذي يُحِبُّ الشّعراءُ تدوينَهُ والافتخارَ به، ويُرجِّحُ محقّق الدّيوان الدّكتور يحيى الجبوري أن تكونَ القطغةُ ممّا قيلَ بعدَ إسلامِ ابنِ الزّبعرى.
ومن الأحداثِ التّاريخيّة الأخرى الّتي يوثّقُها ابنُ الزّبعرى في ديوانِهِ حادثةُ حربِ الفِجارِ المعروفةِ في الجاهليّة، وهو يتحدّثُ عن "يوم عُكاظ" وحسنِ بلاءِ بني المغيرةِ المخزوميّين فيه، يقول:
أَلَا لِلَّهِ قَـــــــــــــوْمٌ وَ لَدَتْ أُخْـــتُ بـــي سَهْـــمِ
هِــشَـــامٌ وَأَبــو عَــبْــدِ مَـنــافٍ مِـدْرَهُ الْخَـصْــمِ
وَذُو الرُّمْـحَـيْـنِ أَشْبـاكَ عَــلَى الْقُــوَّةِ وَالْحَـزْمِ
فَهَـــــــذانِ يَـــــــذُودانِ وَذا مِـنْ كَـثَــبٍ يَـرْمِــي
أُسُـودٌ تَـزْدَهِـي الْأَقْرا نَ مَــنّـــاعُــونَ لِلْهَـضْــمِ
وَهُـمْ يَـوْمَ عُـكــاظٍ مَــ نَعُوا النَّاسَ مِنَ الْهَزْمِ
ويوثّقُ ابنُ الزِّبعرى كذلك حادثةً مهمّةً من أحداثِ تاريخِ قريش، وهي حادثةُ تنازعِ بني عبد مناف وبني عبد الدار على إرثِ قصي بن كلاب من الحجابةِ والسّقايةِ والرّفادةِ واللواءِ والنّدوة، وقد عقدَ بنو عبد مناف حلفاً قرشيًّا سُمِّيَ بحلفِ المطيّبين، فيما عقدَ بنو عبد الدّار حلفاً آخرَ سُمّيَ بحلفِ الأحلاف، وكان لبني سهم -قوم ابن الزّبعرى- أثرٌ كبيرٌ في منع اشتعالِ أوار الحرب بين الأحلاف، حينَ تكفّلَت ببني عبد مناف، ثمّ أُجرِيَ الصُّلحُ على أن تكون السّقاية والرّفادة لبني عبد مناف والحجابة واللواء والنّدوة لبني عبد الدّار، وفي ذلك يقولُ ابنُ الزّبعرى:
أَنا ابْنُ الْأُلَى جَارُوا مَنافاً بِعِزِّها وَجـارُ مَـنــافٍ فـي الْعِـبــادِ قَلِيـلُ
لِقـــاءً لِقـــاءً إِنْ لَقُــوا وَوَفــادَةً وَفِـعْــلاً بِـفِــعْــلٍ وَالْكَفِـيـلُ كَفـيـلُ
ومن الأحداثِ الشّخصيّةِ الّتي تكشفُ عن مدى تعلّقِ ابنِ الزّبعرى بقبيلتِهِ "قريش" أنّهُ كانَ يُحِبُّ أن يدخلَ دارَ النّدوةِ في صباهُ ليُشاركَ القومَ في مشورتِهِم وشؤونِ أمرِهم، إلّا أنّ بني قُصَيّ منعُوه من ذلك، فغضِبَ وكتبَ بأبياتٍ على ظهرِ الكعبةِ يقولُ فيها:
أَلْهَى قُصَيّاً عَنِ الْمَجْدِ الْأَساطيرُ وَرِشْوَةٌ مِثْـلَ ما تُرْشى السَّفاسيرُ
وَأَكْلُها اللَّحْمَ بَحْتاً لا خَلِيطَ لَهُ وَقَـوْلُهــا رَحَلَتْ عِيـرٌ أَتَتْ عِيـرُ
تَوارَثُـوا في نِصابِ اللُّؤْمِ أَوَّلَهُمْ فَـلا يَـعُـدُّ لَهُمْ مَجْـدٌ وَلا خِيـرُ
وكان لهذا الهِجاءِ أثرٌ كبيرٌ على أهلِ مكّة؛ إذ كان مِمّا تعاهدوا عليه ألّا يهجوَ بعضُهم بعضاً، فسارُوا إلى بني سهم وطالبُوهم بتسليمِ ابنِ الزّبعرى ليُؤدَّب، فأسلمَته بنو سهم، فضربته قريش وحلقت شعرَه وربطته إلى صخرةٍ بالحُجونِ، إلى أن بدأ يستغيثُ ويعتذرُ مِمّا صنعَ ويمدحُ أعيانَ بني قصيّ بالشّعر، إلى أن رقَّ به بنو عبد مناف وأطلقوه.
ومن الشّعر الّذي قالَهُ في الاعتذار لبني قُصَيّ قصيدةٌ يمدحُ فيها قُصيًّا بصفةٍ عامّةٍ وأبا سفيان وأسيد بن أبي العيس وأبا العاصي ومُطعمَ بن عديّ وزمعةَ بن الأسود بن عبد المطّلب، يقول:
أَلَا أَبْـلِغــا عَنِّي قُصَـيّـاً رِسالَةً فَأَنْـتُـمْ سَنامُ الْمَجْدِ مِنْ آلِ غالِبِ
وَأَنْتُـمْ ثِمـالُ النَّاسِ في كُلِّ شَتْوَةٍ إِذا عَضَّهـُمْ دَهْرٌ شَدِيـدُ الْمَنـاكِـبِ
وَقَـدْ عَـلِمَــتْ عُلْيَـا مَعَـدٍّ بِأَنَّكـُمْ ثِمـالُهُـمُ في الْمُضْـلِعاتِ النَّوائِبِ
فَإِنْ تُطْـلِقُـوني تُطْلِقُوا ذا قَرابَةٍ وَمُثْـنٍ عَلَيْـكُـمْ صادِقـاً غَيْرَ كاذِبِ
فَأَبْـلِغْ أَبا سُفْـيـانَ عَنِّي رِسالَةً وَأَبْلِغْ أُسَيْداً ذا النَّدَى وَالْمَكاسِبِ
وَأَبْلِغْ أَبا الْعاصي وَلا تَنْسَ زَمْعَةً وَمُطْـعِـمَ لا تَنْـسَ لِجامَ الْمُشـاغِبِ
بِأَنَّكـُمُ في الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ خَيْرُنا إِذا كـانَ يَـوْمٌ مُزْمَهِـرُّ الْكَواكِـبِ
وبرغمِ أنّ بني سهم قد أسلموا ابن الزّبعرى إلى قُرَيش لتأديبه، إلّا أنَّهُ لم يعتِب على قومِهِ ولم يلُمهم، بل أدركَ أنّ ما فعلُوهُ هو الصّواب كي لا تشتعلَ الفتنةُ بينَ القرشيّين، يقولُ في تبريرِ تسليمِ قومِهِ له:
لَعَمْـرُكَ ما جاءَتْ بِنُكْرٍ عَشِيرَتي وإِنْ صالَحَتْ إِخْوانَها لا أَلُومُها
يَوَدُّ جُنـاةُ الْغَيِّ أَنَّ سُيُـوفَـنـا بِأَيْـمـانِـنا مَسْلُولَةً لا نَشيمُها
والملاحظُ على شعرِ ابنِ الزِّبَعرى أنّهُ يفيضُ بمدحِ ساداتِ مكّةَ ورجالِها من مختلفِ البطونِ والأحياء، ما يُعطي صورةً واضحةً عن شديدِ تمسُّكِهِ بقرشيّتِهِ وحبِّهِ لقبيلتِهِ؛ فقد مدحَ في شعرِهِ بني عبدِ مناف وبني هاشم، ومدحَ بني مخزوم، وبني جُمَح، وبني أميّة، وغيرهم من البطون القرشيّةِ العريقة.
وفضلاً عن قصائدِهِ الثّرّةِ في مدحِ قريش وأعيانها، فقد كان لشعرِ ابنِ الزِّبَعرى دورٌ كبيرٌ في بعضِ الأحداثِ والقضايا الّتي تعرِضُ لقريش، ومن ذلك أنّه استطاعَ أن يُصلحَ بين أبناءِ الوليدِ بن المغيرةِ وبني خُزاعة بعد أن تسبّبَ فتىً خُزاعيٌّ بموتِ الوليدِ بن المغيرةِ عن طريقِ الخطأ؛ إذ رمى سهماً فأصابَ قدمَ الوليد وماتَ جرّاء ذلك. وكان الوليدُ قد أوصى أبناءَهُ أن يأخذوا دِيَتَه إذا مات حتّى لا يُعيّروا بين العرب، إلّا أنّ خزاعةَ أبطأت في القدوم إلى أبناء الوليد وتقديم الدّية، فقال ابنُ الزّبعرى قصيدةً لم يبقَ منها سوى بيت واحد يخاطبُ فيها بُسرَ بن سفيان والد الفتى الّذي رمى الوليدَ بالسّهم:
أَلا أَبْلِغا بُسْرَ بْنَ سُفْيانَ آيَةً يُبَلِّغُها عنِّي الْخَبيرُ الْمُفَرَّدُ
فلمّا سمعَ بُسرٌ الأبيات قدمَ هو وابنُهُ إلى قريش وألقاهُ في حرمِ الكعبةِ وقال: "هذا ابني لكم رهنٌ بالدِّيَة"، فأخذه خالد بن الوليد وأطعمَه وكساه حُلّةً وطيَّبَه، ثمّ أمرَه أن ينطلقَ إلى أبيهِ ويخبرَهُ بأن يدفعَ الدّيةَ إن شاء، فدفعَها الرّجلُ مقطّعةً في سنين، إلى أن قامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في حجّةِ الوداعِ وأسقطَ دماءَ الجاهليّة، وكان مِمّا سقطَ بقيّةُ ديةِ الوليدِ بنِ المغيرة.
غيرَ أنّ الدّورَ الأكبرَ الّذي لعبَهُ ابنُ الزّبعرى في مسيرةِ دفاعِهِ عن قبيلةِ قريش هو تصدّيهِ للدّعوة الإسلاميّةِ بصفتِهِ شاعرَ قريش الفريد، ولم يصلنا شيء من شعر ابنِ الزّعبرى في الفترةِ المكّيّة بمناهضة الدّعوة الإسلاميّة وإن كانت قد وصلت بعض الأخبار في إيذائه للنبيّ وأصحابه، لكن بمجرّد هجرة المسلمين إلى المدينة المنوّرة بدأ ابنُ الزّعبرى نشاطاً شعريّاً مكثّفاً وثّقَ من خلالِه معظمَ مشاهد المشركين مع المسلمين، وقد بدأ ذلك مع أوّل سريّةٍ عقدَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام، وهي سريّة عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلّم قد أرسلَه في ستّين أو ثمانينَ راكباً حتّى بلغ ماءً بالحجازِ بأسفل ثنيّة المرة، فلقي جمعاً عظيماً من قريش، ولم يكُن بينهم قتالٌ إلّا أنّ سعد بن أبي وقاص كان قد رمى بسهم. وقالَ ابنُ الزّبعرى في هذه الحادثة قصيدةً يردُّ فيها على قصيدةٍ لأبي بكرِ الصّديق جاءَ فيها:
أَمِنْ طَيْـفِ سَلْمَـى بِالْبِـطـاحِ الدَّمائِثِ أَرِقْـتَ وَأَمْـرٍ فِـي الْعَـشِــيــرَةِ حـادِثِ
أَرى مِــنْ لُؤَيٍّ فِــرْقَــةً لا يَـصُــدُّهــا عَنِ الْكُفْـرِ تَذْكِـيـرٌ وَلا بَعْـثُ باعِثِ
أَتـاهُــمْ رَسُـولٌ صـادِقٌ فَـتَــكَــذَّبُــوا عَلَيْـهِ وَقالُوا لَسْتَ فِيـنـا بِمـاكِـثِ
فردَّ عليهِ ابنُ الزِّبَعرى بقصيدةٍ طويلةٍ جاءَ فيها:
أَمِنْ رَسْمِ دارٍ أَقْفَـرَتْ بِالْعَـثاعِثِ بَكَـيْـتَ بِعَـيْـنٍ دَمْعُهـا غَيْـرُ لابِثِ
وَمِـنْ عَـجَـبِ الْأَيَّامِ وَالدَّهْرُ كُلُّهُ لَهُ عَـجَــبٌ مِـنْ سـابِــقــاتٍ وَحـادِثِ
لِجَـيْــشٍ أَتـانـا ذى عُرامٍ يَقُـودُهُ عُبَيْدَةُ يُدْعَى في الْهِياجِ ابْنَ حارِثِ
لِنَـتْــرُكَ أَصْـنــامـاً بِمَـكَّةـَ عُكَّفـاً مَــوارِيـــثَ مَـوْروثٍ كَـرِيــمٍ لِوارِثِ
فَـلَمَّا لَقِيـنـاهُـمْ بِسُـمْـرِ رُدَيْنَـةٍ وَجُـرْدٍ عِتـاقٍ في الْعَجـاجِ لَواهِثِ
وَبِيـضٍ كَأَنَّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُـونِهـا بِأَيْـدي كُمـاةٍ كَاللُّيُـوثِ الْعَوائِثِ
نُقِـيـمُ بِها إِصْعارَ مَنْ كَانَ مائِلاً وَنَشْـفِـي الذَّحُولَ عاجِلاً غَيْرَ لابِثِ
فَـكُـفُّوا عَلَى خَوْفٍ شَديـدٍ وَهَيْـبَـةٍ وَأَعْـجَــبَهُــمْ أَمْـرٌ لَهُمْ أَمْرُ رائِثِ
وقال في القصيدةِ يُخاطبُ أبا بكر:
فَـأَبْــلِغْ أَبـا بَكْـرٍ لَدَيْكَ رِسالَةً فَمـا أَنْتَ عَنْ أَعْراضِ فِهْرٍ بِماكِثِ
ثُمَّ لما قامت معركةُ بدر الكبرى، وهُزِمَت قريشٌ هزيمتَها المعروفة، كان من الطّبيعيّ أن تؤثّر الهزيمةُ في ابنِ الزّبعرى بالغَ التّأثير؛ لا سيّما أنّ صناديد قريش وساداتهم العِظام قد قُتلوا في تلك المعركة، يقول ابنُ الزّبعرى باكياً قتلى بدر وساداتِ قريش:
مَـاذا عَـلَى بَـدْرٍ وَمَاذا حَوْلَهُ مِنْ فِتْـيَـةٍ بِيـضِ الْوُجوهِ كِرامِ
تَرَكُـوا نُبَـيْهـاً خَلْفَهُمْ وَمُنَبِّهاً وَابْنَـي رَبِيـعَـةَ خَيْرَ خَصْمِ فِئامِ
وَالْحـارِثَ الْفَيَّاضَ يَبْـرُقُ وَجْهُهُ كَـالْبَــدْرِ جَـلَّى لَيْلَةَ الْإِظْلامِ
وَالْعـاصِــيَ بْـنَ مُنَـبِّهٍ ذا مِرَّةٍ رُمْحـاً تَمِـيـمـاً غَيْـرَ ذي أَوْصامِ
تَــنْـــمِــي بِهِ أَعْـراقُهُ وَجُـدودُهُ وَمَـآثِــرُ الْأَخْـوالِ وَالْأَعْـمــامِ
وَإِذا بَـكَـى باكٍ فَأَعْـوَلَ شَجْـوَهُ فَعَلَى الرَّئِيسِ الْماجِدِ ابْنِ هِشامِ
حَيَّا الْإِلَهُ أَبا الْوَليدِ وَرَهْطَهُ رَبُّ الْأَنــامِ وَخَــصَّـهُمْ بِـسَــلامِ
وفي معركةِ أُحد، شاركَ عبدُ الله بن الزبعرى بنفسِهِ في قتالِ المسلمين، وقتل منهُم عبد الله بن سلمة بن مالك الأنصاريّ، ونظمَ ثلاثَ قصائدَ يفتخرُ فيها بنصرِ قريش على المسلمين من المهاجرين والأنصار، وعدّد أشرافَ قتلى المسلمين، ولعلّ أشهر قصائده في الافتخارِ بنصرِ أحد قصيدته التي وجَّهَ فيها الخطاب لحسّان بن ثابت شاعرِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو يفتتحُ القصيدة بأبياتٍ من الحكمة يتحدث فيها عن تقلب الدّهر بين الناس:
يا غُرابَ الْبَيْـنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ إِنَّما تَنْـطِـقُ شَيْـئاً قَدْ فُعِلْ
إِنَّ لِلْخَــــيْـــــرِ وَلِلشَّرِّ مَـــدىً وَكِـــــلا ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَــــبَـــــلْ
وَالْعَـطِــيَّـاتُ خِـسـاسٌ بَيْـنَهُـمْ وَسَـواءٌ قَـبْــرُ مُـثْــرٍ وَمُـقِــلْ
كُــلُّ عَــيْـــشٍ وَنَــعــيــمٍ زائِلٌ وَبَنـاتُ الدَّهْرِ يَلْعَـبْـنَ بِكُـلْ
ثُمّ يخاطبُ حسّان بن ثابت متشفّياً به ومذكّراً له بمقاتلِ المسلمين:
أَبْــلِغـــا حَـسَّانَ عَـنِّي آيَـةً فَقَرِيضُ الشِّعْرِ يِشْفي ذا الْغُلَلْ
كَمْ تَرى بِالْجَـرِّ مِنْ جُمْـجُـمَةٍ وَأَكُـــفٍّ قَـــدْ أُتِـــرِّتْ وَرِجِـــلْ
وَسَــرابـــيــلَ حِـسَــانٍ سُـرِّيَـتْ عَنْ كُماةٍ أُهْلِكُوا في الْمُنْتَزَلْ
كَـمْ قَـتَـلْنـا مِنْ كَريـمٍ سَيِّدٍ ماجِـدِ الْحَدَّيْـنِ مِقْـدامٍ بَطَـلْ
صــادِقِ النَّجــْدَةِ قَـرْمٍ بـارِعٍ غَيْـرِ مُلْتـاثٍ لَدى وَقْعُ الْأَسَلْ
فَـسَــلِ الْمِهْـراسَ مَـنْ ساكِـنُهُ بَيْـنَ أَقْحـافٍ وَهامٍ كَالْحَـجَـلْ
وبعد ذلك يتمنى لو كان أشرافُ قريش المقتولون ببدر يستطيعون العودة للحياة ومشاهدة مقتل أشراف المسلمين، يقول:
لَيْـتَ أَشْيـاخـي بِبَـدْرٍ شَهِدُوا جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ
حِـيــنَ حَـكَّتْ بِقُـبـاءٍ بَرْكَهـا وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ في عَبْدِ الْأَشَلْ
ثُـمَ خَـفُّوا عِنْـدَ ذاكُمْ رُقَّصاً رَقَصَ الْحَفَّانِ يَعْلُو في الْجَبَلْ
فَقَـتَـلْنـا الضِّعْفَ مِنْ أَشْرافِهِمْ وَعَدَلْنـا مَيْـلَ بَدْرٍ فَاعْـتَـدَلْ
لا أَلُومُ النَّفــْسَ إِلَّا أَنَّنــا لَوْ كَرَرْنـا لَفَعَـلْنا الْمُفْتَعَلْ
بِسِـيُـوفِ الْهِنْـدِ تَعْلُو هامَهُمْ عَـلَلاً تَـعْــلُوهُــمُ بَـعْـدَ نَهَلْ
وقد ردّ حسانُ بن ثابت على قصيدة ابن الزّبعرى بقصيدةٍ طويلةٍ جاءَ فيها:
ذَهَبَـتْ بِابْـنِ الزِّبَعْـرى وَقْعَـةٌ كانَ مِنَّا الْفَضْلُ فِيها لَوْ عَدَلْ
وَلَقَـدْ نِـلْتُــمْ وَنِـلْنـا مِنْـكُـمُ وَكَـذاكَ الْحَـرْبُ أَحْـيـانـاً دُوَلْ
إِذْ شَـــدَدْنـــا شَــدَّةً صــادِقَـــةً فَأَجَـأْنـاكُـمْ إِلى سَفْـحِ الْجَبَـلْ
إِذْ تُـوَلُّونَ عَـلى أَعْـقــابِــكُــمْ هَرَبـاً في الشِّعْبِ أَشْباهَ الرَّسَلْ
نَـضَــعُ الْخَـطِّيَّ فِي أَكْتـافِـكُـمْ حَـيْــثُ نَهْـوى عَلَلاً بَعْـدَ نَهَلْ
وفي مقطوعةٍ أخرى يتشفّى ابنُ الزّبعرى بالمسلمين ويذكرُ قتلَهُم للأوسِ والخزرج، وخروجَ النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى أعلى الجبلِ معتصماً به، كما يذكرُ قتلَهُم لحمزةَ بنِ عبد المطلبِ ولنعمانِ بن مالك الخزرجيّ، يقول:
وَقَـدْ عُـرِّيَــتْ بِـيــضٌ كَأَنَّ وَمِيـضَهـا حَـرِيــقٌ تَـرَقَّى فِـي الْأَبـاءِ سَرِيـعُ
بِأَيْـمـانِـنـا نَعْـلُو بِها كُلَّ هامَةٍ وَمِــنْهـــا سِــمـــامٌ لِلْعَــدُوِّ ذَرِيــعُ
فَغـادَرْنَ قَتْـلى الْأَوْسِ عاصِـبَةً بِهِمْ ضِـبــاعٌ وَطَـيْــرٌ يَـعْــتَــفِــيـنَ وُقُوعُ
وَجَمْـعُ بَنِـي النَّجَّارِ فِي كُلِّ تَلْعَةٍ بَـأَبْــدانِهِــمْ مِـنْ وَقْـعِهِــنَّ نَـجِـيـعُ
وَلَوْلا عُـلُوُّ الشِّعْبِ غادَرنَ أَحْمَـداً وَلَكِـــنْ عَــلا وَالسَّمــْهَـــرِيُّ شَــرُوعُ
كَمـا غادَرَتْ فِي الْكَرِّ حَمْزَةَ ثاوِياً وَفِـي صَـدْرِهِ مـاضِـي الشَّباةِ وَقِيـعُ
وَنُـعْــمــانَ قَدْ غادَرْنَ تَحْـتَ لِوائِهِ عَـلى لَحْـمِهِ طَـيْــرٌ يَـجُــفْــنَ وُقُـوعُ
بِـأُحْــدٍ وَأَرْمـاحُ الْكُمـاةِ يُرِدْنَهُـمْ كَـمــا غـالَ أَشْـطـانَ الدِّلاءِ نُزُوعُ
ومن الشّعراءِ الآخرينَ الّذين ردّوا على ابنِ الزّبعرى كعبُ بنُ مالك، فقد نظم غيرَ قصيدةٍ في هجاءِ ابنِ الزّبعرى، ومن ذلك قصيدةٌ طويلةٌ يذُبُّ فيها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن كان ابن الزبعرى قد هجاه، يقول كعب:
سَـأَلْتُ بـكَ ابْنَ الزِّبَعْـرَى فَلَمْ أُنَبَّـأْكَ فِي الْقَوْمِ إلَّا هَجِـينا
خَبِـيـثـاً تُطِـيـفُ بِكَ الْمُنْـدِياتُ مُقِـيماً عَلى اللُّؤْمِ حِيناً فَحِينا
تَـبَــجَّسْــتَ تَهْـجُــو رَسُولَ الْمَلِيـ كِ قَـاتَـلَكَ اللهُ جَلْفـاً لَعِيـنـا
تَـقُــولُ الْخَـنَــا ثُـمَّ تَرْمِـي بِهِ نَـقِــيَّ الثِّيـابِ تَقِـيّـاً أَمِيـنـا
وفي يوم الخندق، يُوثّقُ ابنُ الزّبعرى خروجَ قريش إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، ويصفُ ضخامةَ الجيش الّذي توجّه لحصارِ المدينة، ويمدحُ قادتَه كأبي سفيان بن حرب وعيينة بن حصن، يقول:
جَـيْــشٌ عُـيَــيْــنَــةُ قـاصِـدٌ بِلِوائِهِ فِــيـــهِ وَصَــخْـــرٌ قـائِدُ الْأَحْـزابِ
قَرْمـانِ كَالْبَـدْرَيـنِ أَصْبَـحَ فِيهِما غَـيْــثُ الْفَـقِـيـرِ وَمَعْـقِـلُ الْهُرّابِ
حَتَّى إِذا وَرَدُوا الْمَدينَةَ وَارْتَدَوا لِلْمَـــوْتِ كُـــلَّ مَـــجَــــرَّبٍ قَــضَّاـــبِ
شَهْـراً وَعَـشْــراً قـاهِـريـنَ مُحَـمَّداً وَصِـحــابُهُ في الْحَرْبِ خَيْـرُ صِحـابِ
ويرجِّحُ محقّق الدّيوان يحيى الجبوري أن يكون ابنُ الزّبعرى قد قال "شرّ صحاب"، لكن غيَّرَ الرّواةُ الكلمةَ تأدُّباً مع أصحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم.
ومن المعروف أنّ كفّة الحرب بدأت تميلُ مع المسلمين بعد غزوةِ الخندق، وبدأ القرشيّونَ والعربُ يفدون إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلنون إسلامهم، وكان ابنُ الزّبعرى شديدَ الحزنِ على هذا الانضمامِ الضّخم للنّبيّ، وكان إسلامُ خالدِ بنِ الوليدِ وعثمان بن طلحة وهجرتهما إلى النبيّ من أكثرِ الأحداثِ الّتي آلمت ابن الزّبعرى في تلك الفترة؛ لذلك فقد توجّه بأبياتٍ يناشدُ فيها الرّجلينِ بالعودةِ عن قرارِهما وتذكّر تحالفهم على النبيّ، يقول:
أَنْشُـدُ عُثْـمـانَ بْنَ طَلْحَةَ حِلْفَنا وَمُلْقَى نِعالِ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمُقَبَّلِ
وَما عَقَـدَ الْآباءُ مِنْ كُلِّ حِلْفَةِ وَما خالِدٌ مِنْ مِثْـلَهـا بِمُـحَلَّلِ
أَمِفْـتـاحَ بَيْتٍ غَيْرَ بَيْتِكَ تَبْتَغي وَما يُبْتَغى مِنْ مَجْدِ بَيْتٍ مُؤَثَّلِ
فَلا تَأْمَـنَـنَّ خالِداً بَعْـدَ هَذِهِ وَعُثْـمـانُ جاءَ بِالدُّهَيْمِ الْمُعَظَّلِ
وما هي إلا سنواتٌ قليلةٌ حتّى تُفتَحَ مكّةُ للنبيّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وتضيقُ الأرضُ ذرعاً بابنِ الزّبعرى، لا سيّما أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم أهدرَ دمَهُ لهجائِهِ المعروفِ للمسلمين من قبل، فما كانَ منه إلّا أن شدّ رحالَه هارباً إلى نجرانَ بصحبةِ هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ، وهناك وصلَت إلى ابن الزّبعرى أبياتٌ لحسّان بن ثابت في هجائِهِ يقولُ فيها:
لا تَـعْـدَمَـنْ رَجُلاً أَحَلَّكَ بُغْـضُهُ نَـجْــرانَ فِـي عَـيْــشٍ أَحَذَّ لَئِيمِ
بَلِيَتْ قَناتُكَ فِي الْحُرُوبِ فَأُلْفِيَتْ خَــمَّـــانَــةً جَـوْفــاءَ ذاتَ وُصُـومِ
غَضَبُ الْإِلَهِ عَلى الزِّبَعْرى وَابْنِهِ وَعَذابُ سُوءٍ فِي الْحَيـاةِ مُقِيمِ
فلمّا سمعَ الأبيات عزَّ عليهِ أن يبقى في مرمى سهامِ الهِجاءِ وفي رحلةِ المُطاردة، وعرَفَ أنّ الإسلامَ ظاهرٌ لا محالة، فتوجّهَ من فورِهِ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم واعتذر للنبيّ وأعلنَ إسلامَه، وطلبَ منهُ أن يستغفرَ له ويدعو، فقبلَ منه النبيّ صلى الله عليه وسلّم واستغفرَ له، وأدناهُ منه وأكرمَه، وخلعَ عليهِ حُلَّةً، كما جاءَ عند ابنِ حجر العسقلانيّ في "الإصابة".
ويشيرُ رواةُ الشّعر إلى أنّ ابن الزّبعرى قالَ شعراً كثيراً في مدحِ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم والاعتذار له بعد إسلامه، غير أنّه لم يصلنا من هذا الشّعر إلا بضع قصائد ومقطوعات، ومن تلك القصائد قصيدةٌ شهيرةٌ يقولُ فيها:
مَـنَـــعَ الرُّقـادَ بِلابِــلٌ وَهُمـومُ وَاللَّيْـلُ مُـعْــتَــلِجُ الرِّواقِ بَهيــمُ
مِمَّــا أَتانِــي أَنَّ أَحْمَــدَ لامَنِــي فيــهِ فَبِــتُّ كَأَنَّــنِـي مَحْمـومُ
يـا خَيْـرَ مَنْ حَمَـلَتْ عَلَى أَوْصالِهـا عَـيْـــرانَــةٌ سُرُحُ الْيَدَيْــنِ غَشومُ
إِنِّــي لَمُــعْــتَــذِرٌ إِلَيْكَ مِنَ الَّذِي أَسـدَيْـتُ إِذْ أَنا فِي الضَّلالِ أَهيـمُ
أَيَّــامَ تَـأْمُـــرُنِـي بِـأَغْــوى خُطَّةٍ سَهْـمٌ وَتَـأْمُـــرُنِـــي بِها مَخْزومُ
وَأمُـدُّ أَسْـبــابَ الرَّدَى وَيَقُــودُنِــي أَمْــرُ الْغُــواةِ وَأَمْرُهُــمْ مَشْــؤُومُ
فَـالْيَــوْمَ آمَنَ بِالنَّــبِــيِّ مُحَمَّـدٍ قَـلْبِـــي وَمُخْــطِــئُ هَذِهِ مَحْرومُ
مَضَــتِ الْعَداوَةُ وَانْقَـضَـتْ أَسْبـابُها وَدَعَـتْ أَواصِـرُ بَـيْــنَــنــا وَحُلومُ
فَـاغْــفِـرْ فِدَىً لَكَ وَالِدايَ كِلاهُـمـا زَلَلي فَـــإِنَّكَ راحِــمٌ مَــرْحـــومُ
وقال أيضاً يعدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يكفِّرَ عن خطايا لسانِهِ السّابقة ويوظّفَ شعرَه في خدمة الإسلام:
يـا رَسُـولَ الْمَـلِيــكِ إِنَّ لِسـانــي راتِـقٌ مـا فَـتَــقْــتُ إِذْ أَنا بُورُ
إِذْ أُبارِي الشَّيَطانَ في سِنَنِ الْغَيْ يِ وَمَــنْ مــالَ مَـيْــلَهُ مَـثْــبُــورُ
آمَــنَ اللَّحْــمُ وَالْعِــظـــامُ لِرَبّـي ثُـمَّ قَلْبِـي الشَّهِيـدُ أَنْتَ النَّذيرُ
وبعدَ وفاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، شهدَ ابنُ الزّبعرى مع المسلمين مجموعةً من المشاهد، لكن لم يصِل شيءٌ من شعرِهِ في تلك المشاهد؛ لا في حروبِ الردّة، ولا في حركةِ الفتوحاتِ الإسلاميّة الواسعة، ولعلّه كان قد كبُرَ عن المشاركةِ الفعليّةِ في تلك الأحداث.
أمّا آخرُ الأخبارِ المرويّة عن ابنِ الزّبعرى فتعودُ إلى عهدِ الخليفةِ الثّاني عمرَ بنِ الخطّاب؛ ففي خبرٍ رواهُ ابنُ سلّام وأبو الفرج الأصفهانيّ أنّ ابنَ الزّبعرى قدم إلى المدينةِ بصحبةِ الشّاعرِ ضرارِ بن الخطّاب ونزلا عند أبي أحمد بن جحش، ثمّ طلبا منه أن يرسل إلى حسّان بن ثابت لينشداهُ وينشدهما من الشّعر القديم الّذي قالوهُ في فترةِ الصّراع بين المسلمين والمشركين، فجاءَ حسّانُ، وبدأ الرجلانِ بإنشاد شعرِهما القديم، حتّى إذا فرغا وجاءَ دَورُ حسّان قرّرا الارتحال إلى مكّة دون أن يسمعا منه! فأغضبَ ذلك حسّانَ بن ثابت وشكاهما إلى عمر، فأمرَ عمرُ باللحاقِ بهما وجلبهما، ثمّ جمع جمعاً من أهل المدينة، وطلبَ من حسّان أن يُنشدَ شعرَهُ القديم أمامهما وأمام الناس، ففعلَ حسّان، وقال له عمر: "أنشداكَ في الخلاء، وأنشدتَهُما في الملأ".
وعلى الرّغم من أنّ عمر بن الخطاب كان قد نهى عن رواية شعرِ مرحلةِ الصّراعِ القديمة لما فيها من آثارٍ سلبيّةٍ قد تحرّك النّزاعات القبلية، لكنّه رفضَ أن يُنشِدَ ابنُ الزّبعرى وضرار بن الخطاب ذلك الشّعر لحسّان دون أن يكونَ له ردّ، وأمرَ الأنصارَ بأن يحتفظوا بشعرهم الّذي قيل فيما مضى، حتّى إذا جاءَ أحدٌ من قريش يعيّرُهم بشعرٍ قديم يكونُ لهم ما يردّون به.
وهكذا تكونُ آخر الأخبار المرويّة عن ابن الزّبعرى في فترةِ الخليفةِ عمر.
يُرجّح خيرُ الدّين الزِّرِكليّ أن تكون وفاةُ ابنِ الزّبعرى نحو سنة 15 هـ الموافقة لسنة 636م، ويتّفق معه محقّق الديوان يحيى الجبوريّ. ويرى فريق الموسوعة الشّعريّة أنّ هذا التّاريخ معقولٌ لوفاةِ ابنِ الزّبعرى.
عدَّ ابنُ سلّام الجُمَحيّ عبدَ اللهِ بنَ الزِّبَعرى أبرعَ شعراءِ مكّة على الإطلاق، وقد قدّمَه على ثمانية شعراء آخرين من مكّة وصفَهم بأنّهم شعراءُ بارعون.
تذكرُ بعض المصادر -من مثل نسب قريش، والاستيعاب، وتجريد أسماء الصحابة- أنّ الرأيَ متّفق بين العلماء على أنّ ابن الزّبعرى هو أشعرُ قريش قاطبةً.
يُنبّه العلماء -مثل ابن سلام وغيره- في كثير من المواضع على أنّ في شعرِ ابن الزّبعرى الكثير من النّحل والوضع.
تعرّضَ شعرُ ابن الزّبعرى للكثيرِ من الحذف، لا سيّما شعره في هجاء النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فقد درج ابنُ إسحاق وابن هشام على إسقاط ذلك الشعر.
عُرِفَ عن شعر ابن الزّبعرى أنّه قصيرُ النَّفَس، وقد رُوِيَت رواياتٌ عنه بأنّه كان يتعمّد ذلك ويقول: "القِصارُ أولجُ في المسامع، وأجوَلُ في المحافل".
اختارَ له البصريُّ في حماسته اختيارين هما: الاختيار 214، والاختيار 338.
اعتنى بديوانه المستشرق الإيطالي منكانتي وجمعه في مجلة إيطالية عام 1963 بالتزامن مع عمل المحقق يحيى الجبوري على الديّوان، وقد أخرجَه الجبوري عام 1978 بعد أن رأى أنّ عمل المستشرق تنقصُهُ الجودة والكمّ.
(من كتاب نسب قريش للزّبيريّ)
(ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء)
(الآمدي يصفُ شعرَهُ في هجاء المسلمين، من كتاب المؤتلف والمختلف)
(ابن عبد البرّ، من كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب)