
الأبيات55
لَقَـد أَخَـذَت مِـن دارِ ماوِيَّةَ الحُقبُ
أَنُحـلُ المَغـاني لِلبِلى هِيَ أَم نَهبُ
وَعَهـدي بِها إِذ ناقِضُ العَهدِ بَدرُها
مُـراحُ الهَـوى فيها وَمَسرَحُهُ الخِصبُ
مُـؤَزَّرَةً مِـن صـَنعَةِ الوَبـلِ وَالنَدى
بِوَشــيٍ وَلا وَشــيٌ وَعَصــبٍ وَلا عَصـبُ
تَحَيَّـرَ فـي آرامِهـا الحُسنُ فَاِغتَدَت
قَـرارَةَ مَـن يُصـبي وَنُجعَةَ مَن يَصبو
سـَواكِنُ فـي بِـرٍّ كَمـا سـَكَنَ الدُمى
نَـوافِرُ مِـن سـوءٍ كَمـا نَفَرَ السَربُ
كَــواعِبُ أَتــرابٌ لِغَيـداءَ أَصـبَحَت
وَلَيـسَ لَهـا في الحُسنِ شَكلٌ وَلا تِربُ
لَهـا مَنظَـرٌ قَيـدُ النَواظِرِ لَم يَزَل
يَـروحُ وَيَغـدو فـي خُفـارَتِهِ الحُـبُّ
يَظَـلُّ سـَراةُ القَـومِ مَثنـىً وَمَوحَداً
نَشــاوى بِعَينَيهــا كَــأَنَّهُمُ شـَربُ
إِلــى خالِـدٍ راحَـت بِنـا أَرحَبِيَّـةٌ
مَرافِقُهـا مِـن عَـن كَراكِرِهـا نُكـبُ
جَـرى النَجَـدُ الأَحوى عَلَيها فَأَصبَحَت
مِنَ السَيرِ وُرقاً وَهيَ في نَجدِها صُهبُ
إِلــى مَلِــكٍ لَــولا سـِجالُ نَـوالِهِ
لَمـا كـانَ لِلمَعـروفِ نِقـيٌ وَلا شُخبُ
مِنَ البيضِ مَحجوبٌ عَنِ السوءِ وَالخَنا
وَلا تَحجُـبُ الأَنـواءَ مِـن كَفِّهِ الحُجبُ
مَصــونُ المَعـالي لا يَزيـدُ أَذالَـهُ
وَلا مَزيَــدٌ وَلا شــَريكٌ وَلا الصــُلبُ
وَلا مُرَّتــا ذُهـلٍ وَلا الحِصـنُ غـالَهُ
وَلا كَــفَّ شــَأوَيهِ عَلِــيٌّ وَلا صــَعبُ
وَأَشـباهُ بَكـرِ المَجدِ بَكرُ بنُ وائِلٍ
وَقاســِطُ عَــدنانٍ وَأَنجَبَــهُ هِنــبُ
مَضـَوا وَهُـمُ أَوتـادُ نَجـدٍ وَأَرضـِها
يُـرَونَ عِظامـاً كُلَّمـا عَظُـمَ الخَطـبُ
لَهُـم نَسـَبٌ كَـالفَجرِ مـا فيهِ مَسلَكٌ
خَفِـــيٌّ وَلا وادٍ عَنـــودٌ وَلا شــِعبُ
هُـوَ الإِضـحَيانُ الطَلـقُ رَفَّـت فُروعُهُ
وَطـابَ الثَرى مِن تَحتِهِ وَزَكا التُربُ
يَــذُمُّ ســَنيدُ القَـومِ ضـيقَ مَحَلِّـهِ
عَلى العِلمِ مِنهُ أَنَّهُ الواسِعُ الرَحبُ
رَأى شــَرَفاً مِمَّــن يُريـدُ اِختِلاسـَهُ
بَعيـدَ المَـدى فيـهِ عَلى أَهلِهِ قُربُ
فَيـا وَشـَلَ الـدُنيا بِشَيبانَ لا تَغِض
وَيـا كَـوكَبَ الدُنيا بِشَيبانَ لا تَخبُ
فَمــا دَبَّ إِلّا فـي بُيـوتِهِمُ النَـدى
وَلَـم تَـربُ إِلّا فـي جُحـورِهِمُ الحَربُ
أُولاكَ بَنـو الأَحسـابِ لَـولا فَعـالُهُم
دَرَجــنَ فَلَـم يوجَـد لِمَكرُمَـةٍ عَقـبُ
لَهُـم يَـومُ ذي قـارٍ مَضى وَهوَ مُفرَدٌ
وَحيـدٌ مِـنَ الأَشـباهِ لَيـسَ لَـهُ صَحبُ
بِــهِ عَلِمَــت صــُهبُ الأَعـاجِمِ أَنَّـهُ
بِـهِ أَعرَبَـت عَن ذاتِ أَنفُسِها العُربُ
هُوَ المَشهَدُ الفَصلُ الَّذي ما نَجا بِهِ
لِكِسـرى بـنِ كِسـرى لا سَنامٌ وَلا صُلبُ
أَقـولُ لِأَهـلِ الثَغـرِ قَد رُئِبَ الثَأى
وَأُسـبِغَتِ النَعمـاءُ وَاِلتَـأَمَ الشَعبُ
فَسـيحوا بِـأَطرافِ الفَضاءِ وَأَرتِعوا
قَنـا خالِـدٍ مِـن غَيرِ دَربٍ لَكُم دَربُ
فَــتىً عِنـدَهُ خَيـرُ الثَـوابِ وَشـَرُّهُ
وَمِنـهُ الإِباءُ المِلحُ وَالكَرَمُ العَذبُ
أَشـــَمُّ شـــَريكِيٌّ يَســيرُ أَمــامَهُ
مَسـيرَةَ شـَهرٍ فـي كَتـائِبِهِ الرُعـبُ
وَلَمّـا رَأى توفيـلُ راياتِـكَ الَّـتي
إِذا مـا اِتلَأَبَّـت لا يُقاوِمُها الصُلبُ
تَـوَلّى وَلَـم يَألُ الرَدى في اِتِّباعِهِ
كَـأَنَّ الـرَدى فـي قَصـدِهِ هـائِمٌ صَبُّ
كَــأَنَّ بِلادَ الــرومِ عُمَّــت بِصـَيحَةٍ
فَضـَمَّت حَشاها أَو رَغا وَسطَها السَقبُ
بِصـاغِرَةِ القُصـوى وَطِمَّيـنِ وَاِقتَـرى
بِلادَ قَرَنطــاووسَ وابِلُــكَ الســَكبُ
غَـدا خائِفـاً يَستَنجِدُ الكُتبَ مُذعِناً
عَلَيــكَ فَلا رُســلٌ ثَنَتــكَ وَلا كُتـبُ
وَمـا الأَسـَدُ الضـِرغامُ يَوماً بِعاكِسٍ
صــَريمَتَهُ إِن أَنَّ أَو بَصـبَصَ الكَلـبُ
وَمَــرَّ وَنـارُ الكَـربِ تَلفَـحُ قَلبَـهُ
وَمـا الـرَوحُ إِلّا أَن يُخامِرَهُ الكَربُ
مَضـى مُـدبِراً شـَطرَ الـدَبورِ وَنَفسُهُ
عَلـى نَفسـِهِ مِـن سـوءِ ظَنٍّ بِها إِلبُ
جَفـا الشَرقَ حَتّى ظَنَّ مَن كانَ جاهِلاً
بِـدينِ النَصـارى أَنَّ قِبلَتَـهُ الغَربُ
رَدَدتَ أَديـمَ الـدينِ أَملَـسَ بَعـدَما
غَــدا وَلَيــاليهِ وَأَيّــامُهُ جُــربُ
بِكُــلِّ فَــتىً ضــَربٍ يُعَـرِّضُ لِلقَنـا
مُحَيّـاً مُحَلّـىً حَليُـهُ الطَعنُ وَالضَربُ
كُمـاةٌ إِذا تُـدعى نَزالِ لَدى الوَغى
رَأَيتَهُـــمُ رَجلــى كَــأَنَّهُمُ رَكــبُ
مِـنَ المَطَرِيّيـنَ الأُلـى لَيـسَ يَنجَلي
بِغَيرِهِــمُ لِلــدَهرِ صــَرفٌ وَلا لَـزبُ
وَمـا اِجتُلِيَـت بِكرٌ مِنَ الحَربِ ناهِدٌ
وَلا ثَيِّــبٌ إِلّا وَمِنهُــم لَهــا خِطـبُ
جُعِلـتَ نِظـامَ المَكرُمـاتِ فَلَـم تَدُر
رَحــى سـُؤدُدٍ إِلّا وَأَنـتَ لَهـا قُطـبُ
إِذا اِفتَخَـرَت يَومـاً رَبيعَـةُ أَقبَلَت
مُجَنَّبَتَــي مَجــدٍ وَأَنـتَ لَهـا قَلـبُ
يَجِــفُّ الثَـرى مِنهـا وَتُربُـكَ لَيِّـنٌ
وَيَنبـو بِها ماءُ الغَمامِ وَما تَنبو
بِجــودِكَ تَـبيَضُّ الخُطـوبُ إِذا دَجَـت
وَتَرجِـعُ فـي أَلوانِها الحِجَجُ الشُهبُ
هُـوَ المَركَـبُ المُدني إِلى كُلِّ سُؤدُدٍ
وَعَليـاءَ إِلّا أَنَّـهُ المَركَـبُ الصـَعبُ
إِذا سـَبَبٌ أَمسـى كَهاماً لَدى اِمرِىءٍ
أَجـابَ رَجـائي عِنـدَكَ السَبَبُ العَضبُ
وَســَيّارَةٍ فــي الأَرضِ لَيـسَ بِنـازِحٍ
عَلـى وَخـدِها حَـزنٌ سـَحيقٌ وَلا سـَهبُ
تَـذُرُّ ذُرورَ الشـَمسِ فـي كُـلِّ بَلـدَةٍ
وَتَمضـي جَموحـاً مـا يُـرَدُّ لَها غَربُ
عَــذارى قَـوافٍ كُنـتَ غَيـرَ مُـدافِعٍ
أَبـا عُـذرِها لا ظُلـمَ ذاكَ وَلا غَصـبُ
إِذا أُنشـِدَت فـي القَومِ ظَلَّت كَأَنَّها
مُســِرَّةُ كِــبرٍ أَو تَــداخَلَها عُجـبُ
مُفَصــَّلَةٌ بِـاللُؤلُؤِ المُنتَقـى لَهـا
مِـنَ الشـِعرِ إِلّا أَنَّهُ اللُؤلُؤُ الرَطبُ
أَبو تَمّام
العصر العباسيحبيب بن أوس بن الحارث الطائي.أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية)، ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها،كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع.في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني.وذهب مرجليوث في دائرة المعارف إلى أن والد أبي تمام كان نصرانياً يسمى ثادوس، أو ثيودوس، واستبدل الابن هذا الاسم فجعله أوساً بعد اعتناقه الإسلام ووصل نسبه بقبيلة طيء وكان أبوه خماراً في دمشق وعمل هو حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية.وفي أخبار أبي تمام للصولي: أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء.
قصائد أخرىلأَبو تَمّام
يا مَوضِعَ الشَدَنِيَّةِ الوَجناءِ
قَدكَ اِتَّئِب أَربَيتَ في الغُلواءِ
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
لَو أَنَّ دَهراً رَدَّ رَجعَ جَوابِ
أَحسِن بِأَيّامِ العَقيقِ وَأَطيِبِ
أَبدَت أَسىً أَن رَأَتني مُخلِسَ القُصَبِ
أَيُّ مَرعى عينٍ وَوادي نَسيبِ
لَمَكاسِرُ الحَسَنِ بنِ وَهبٍ أَطيَبُ
أَأَيّامَنا ما كُنتِ إِلّا مَواهِبا
تَقي جَمَحاتي لَستُ طَوعَ مُؤَنِّبي
مِن سَجايا الطُلولِ أَلّا تُجيبا
إِنّي أَتَتني مِن لَدُنكَ صَحيفَةٌ
لَقَد أَخَذَت مِن دارِ ماوِيَّةَ الحُقبُ
عَلى مِثلِها مِن أَربُعٍ وَمَلاعِبِ
أَهُنَّ عَوادي يوسُفٍ وَصَواحِبُه
قُل لِلأَميرِ الَّذي قَد نالَ ما طَلَبا
قَد نابَتِ الجِزعَ مِن أُروِيَّةَ النُوَبُ
أَمّا وَقَد أَلحَقتَني بِالمَوكِبِ
إِنَّ بُكاءً في الدارِ مِن أَرَبِه
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025