
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أفـى العـرسِ تُنعـى يالها قسوةَ القدر
ولكــن هـي الـدنيا تُعَّلـمُ مـن غَـدر
ولـم ترحـم الُّـدولاتِ يومـاً فهـل لها
بـأن تُنقـذَ الفـردَ العظيمَ من الغير
وكنــتُ علــى وعــدٍ لألقــاكَ مثلمـا
ألاقــي بشاشــاتِ الصــبَّاحةِ والزَّهـر
لأنعـــمَ بــالحلوِ الحــديثِ مُرنَّقــاً
وبــالحبِّ موفـوراً وبـالرّاحِ والثمـر
وأقتبــسَ المعنــى الثميــنَ ذخيـرةً
إذا شـحَّ ودُ النـاسِ أو خـاطري افتقر
وأشـــهدَ أوراقَ الخريـــف مجانيــاً
مـن الجَّنـة الفيحـاءِ لا ذابـلِ الشجر
ومــا كنــتُ أدرى أن موتــكَ سـابقي
وإن كنـتَ لـم تَبرحَ على الوعدِ تنتظر
ومــا رخُصــت يومــاً بقربــك لحظـةٌ
بــذلتَ لإســعادي ولا مَســَّها الضــجر
فهـا أنـا مـن يلقـاكَ والدمعُ خانقي
ومــا لـي ابتسـامٌ كابتسـامكَ مـدُخُّر
تجَّلــى علـى الـوجهِ الحـبيبِ بوَسـنةٍ
هـي الرَّاحـةُ الكـبرىِ لمن كَّدهُ السفر
نَــداماكَ جــاؤا جــازعين وطالمــا
بِشـعرِكَ كـانوا الطـائفينَ على السمر
يطوفـون سـكرَى حـول نعشـكَ فـي الأَسى
وبـالأمس كنـتَ الشـعرَ يُسـكرُ مـن سكر
رأيــتَ بعيــن الـرُّوحِ عُقبـاكَ إنَّمـا
أَبيــتَ عزيــزاً أن تكـون علـى حَـذرَ
وَخَلفتنــاَ لــم نفقــد الفـنَّ وحـدَه
بـل الرجـلَ الفـذَّ الـذي قلبهُ انفطر
وفــي هيكــلِ الحـبِّ السـماوىِّ نَفحـهُ
وُشــعلتهُ الُمثلــىَ تَضــئُ لمـن عَـبرَّ
وفــي ذّمــةِ الرحمــنِ نــورٌ أذابـه
على الطِّرسِ أو نورٌ على العالم ابتكر
ومــا كـان بالتهويـلِ والـرَّوعِ فَنُّـهُ
ولكنَّـــه نبـــعٌ تَسلســـلَ وازدهــر
وكــل الــذي أســدى ســَجيِّةٌ نفســهِ
وليـــس مُعــاراً مــن فَلاة ولا حَضــر
أَبيـتُ الربـا إلاَّ ربـا الـوقتِ عنـده
فمــن زاره يَغنــىَ ومـن فَـاتَهُ خَسـر
كــانَّ الســنينَ الخمـسَ خمسـون حجَّـةً
بصـــحبتهِ أو كالخضـــمِ إذا غَمـــر
عرفــتُ بهــا الانســانَ فـي ملكوتـة
مَلاكـاً وقـد عـادَى الصـغائرَ واحتقـر
وأَنشــقنيِ عَــرفَ التســامي إبــاؤهُ
وأشـعرني بالجـاهِ مـا صـاغ مـن درُر
لقــد عبــدوا الأصـنامَ وهـي سـواخرٌ
لغفلتهـم أضـعافَ مـا عبـدوا البقـر
وَعُّجــوا بشــكواهم وهـم مـن بِـذلِّهم
جحيــمٌ اعُّــدوه وفــي جُبنهــمِ سـقر
ومـــا نـــدرةٌ إلا هديـــةُ رحمـــةٍ
إلـى الخلقِ فاغتيلَ الحنانُ الذي نَدرَ
وقــد بَــذرَ الحــبَّ المصـفىَّ لعـالمٍ
شــقىٍ كــأنَّ اللــه مـن قلبـه بَـذَر
ولــم يصــطحب إلاّ الســُّهادَ ببحثــه
كـذاك النجـوم الزُّهـرُ تصـطحبُ السَّهر
لئن لـم يَنـل مـن عمـره غيـرَ ذكـره
فــإنَّ أَجـلَّ العمـرِ مـا شـَعَّ بالـذِّكر
يُصـــلى عليـــه المســلمون كــأنّه
ولُّــى وفــي بُرديـهِ عثمـانُ أو عمـر
وتبكــى لــه الصـُّلبانُ حـتىّ كأنّمـا
بــذبحته كــان الفــداءَ لمـن كَفـر
ويعرفــه الانســانَ مــن كــل مِلَّــةٍ
أخــاه فِمــن وجـدانِه ذاقَ واعتصـره
ولـــم يشـــرح الانجيــلَ إلا خلالُــه
ولا كُتــب الأديــانِ دونَ الــذي سـَطر
ومـــا قيمــةٌ الانســانِ إلاّ بقلبــه
فينبـضُ بعـد المـوت فـي كـلّ ما خطر
كــذلك غَنَّتنــا القـرونُ الـتي مضـت
وغنـت لنـا الافلاكُ إن ليلنـا اعتكـر
فكيـفَ بِمـن لـمَ يعـرف المـوتَ طبعـهُ
وعــاشَ جمــالاً للحيــاة بمــا نَشـر
وكيـــف بِمـــن أنفاســـُه علويَّـــةٌ
تَشــرَّبها مــن حولنـا كـل مـا نَضـر
إذا قيــل يــوم الـذكر هـذا فـإنَّه
تضـــمَّخَ أضـــعافاً بــذكركَ لِلعصــر
ومــا الفاتـحُ الغلاّبُ بالنـارِ ذكـرهُ
بأخلــد مــن لحــنٍ تأجَّــجَ وانتصـر
صـــديقي الُمســـَّجى أي رُزءٍ لعــالمٍ
ســيبقى علـى الآبـاد يَشـقىَ ويحتضـر
وَيَفنــىَ مــراراً حيـن يُبنـىَ مكَّـرراً
وقــد خُلطـت فيـه الخـرائبُ والصـُّور
وكــان ومــا زالــت معـاليه هُـوةص
وكـان ولـم يـبرح إذا اكتمـلَ اندثر
وكــان ولــم ينفــكَّ ماســاةَ مسـرحٍ
يُهــدّمه البــاني وتملــؤهُ العــبر
وهــلَ ثــمَّ معنــىً للنبــوغ بـأَوِجهِ
يُسـاقُ إلـى المـوتِ المحَّتـم والحفـر
أم المـــوتُ ميلادُ الحيـــاةِ غنيــةً
بمــا كســبتهُ مـن تُـراثٍ ومـن فِكـر
وأنـــك أنـــتَ العبقـــري بروِحــه
تُحــدِّثُ مــن نَـاجَى وُتلهـم مـن شـعر
ومنــبركُ الحُّـر المطـل علـى الُّـدَنا
تَفَّــردَ لــم تحجبــه شــمسٌ ولا قَمـر
عجــائبُ ضــاقَ العقـلُ عنهـا ببحثـه
وَزلَّ خيــالُ الشــعر فـانبتَّ وانكسـر
أِجبنــيِ كمــا عــوّدتني فـي صـراحةٍ
وفـي نظـرةٍ نفـاذةٍ حلـفَ مـا اسـتتر
فمـا كـان هـذا الصـمتُ صمتاً لخاطري
أذا شـئت أن تُـوحى وتُصـدَقني الخـبر
وإلاَّ فــوا حُزنــي المضــاعفَ عنـدما
يُــرَدِ نجــائي كالجريـحِ الـذي عـثر
ويــا وحشــتي فــي غُربــتيَّ وقلمـا
أرى غيـر مـن باهىَ على الشرِّ وابتدر
عــزاء بنــى حـدَّادِ والخطـبُ خطبنـا
جميعــاً وخطــب الألمعيــةِ والبشــر
ومــن ذا يُعـزّى فـي النـبيين آلهـم
وينسـى شـعوباً حُّظهـا اليـأسُ والخطر
فمــا كـان هـذا النبـل ملكـاً لأمـةٍ
ولا لغـــةٍ عـــزّت ولا مرســـلٍ ظهــر
ولكنــــه ملــــكٌ لآفـــاق نفســـه
ومـن بعضـها أسـنى العواطـفِ والوتر
غفرنــا ذنــوبَ الــدهر إلاَّ ذنــوَبه
علـى المبـدعِ الفنـانِ لـو أنـه غفر
عــزاءً لنــا جمعــاً عــراءً فإنمـا
إذا الشـعب لـم يُنصـف نوابغه انتحر
ومـا كـانت الُقربـى الوشـيجةَ وحدَها
فـبين دمـوعِ النـاسِ مـا خَلـقَ المطر
وليســت دمــوعٌ تُبـذل اليـوم حـوله
دموعكمـو بـل ِ مـن معانيه ما انتثر
ومــن ذا الــذي منــا يـؤبن فضـله
بــأبلغَ مـن نفـحِ الخمـائلِ والنَّهـر
ومــن خطـراتِ النـور تُضـفى حَنانَهـا
فيلثمهـا فـي بِرَّهـا الـتربُ والحجـر
ومــن كــلِّ حسـنٍ فـي الوجـودُ مؤصـلٍ
يجــاوبُه بــالرُّوح والسـمعِ والبصـر
ولــم أَلقــهُ يومــاً وكلــي حيـالَه
خُشـوعٌ كحـالي اليـومَ لا أملـكُ النظر
وليــس جلالُ المــوتِ مـا هـو قـاهري
ولكــن جلالٌ فــي تســاميه مـا قَهـر
لمــن رَقــرقَ الشـعرَ العصـىَّ جـداولاً
مـن السـحر والآىَ الطهـورةِ فـي سـُور
ومـن كـان أدنـى فضـله يَبهـرُ النُّهى
ويُخفـى حيـاءً منـه أضـعافَ مـا بهـر
ومــن دمعـةُ العاصـي عليـه كـدمعتي
كــأني جــزءُ منـه بـد بُـتَّ فانشـطر
أرانــي صــديقي فـي وقـوفي مؤبنـاً
أخــادعُ نفســي فــي صـفاتك والأثـر
وإلاّ فمــا عــذري ومثلــكَ مـن أتـى
إلــى هــذه الأطلال مــن ســدُمٍ أَخـر
وليــس رثــائي غيــرَ رمـزٍ لوحشـتي
فشــأنُك بيــن العبقريــةِ والقــدر
ومــن كــان مـن نـورٍ وعطـرٍ حيـاتُه
فغـايته التخليـدُ فـي نـوره العطـر
تعـالى علـى الشـكر الحميـم بعيشـهِ
وفـي المـوت لا يعينـهِ تأبينُ من شَكر
ولكنمــا يعنيــه ثـأرٌ علـى المـدى
مـن الظلـم والُّظلامِ والبطـشِ والبطـر
لئن جــادَ بالشـعر الرقيـقِ أغانيـاً
فمــن خلفهــا الآلام تقــدح بالشـرر
لقــد عــاش عيـش التضـحياتِ ومـوته
حيـاةٌ لمـن يحيـا وإلهـامُ مـن ثـأر
أحمد زكي بن محمد بن مصطفى أبي شادي.طبيب جراثيمي، أديب، نحال، له نظم كثير. ولد بالقاهرة وتعلم بها وبجامعة لندن. وعمل في وزارة الصحة بمصر متنقلاً بين معاملها البكترويولوجية الجراثيمية، إلى أن كان وكيلاً لكلية الطب بجامعة القاهرة. وكان هواه موزعاً بين أغراض مختلفة لا تلاؤم بينها، أراد أن يكون شاعراً، فأخرج فيضاً من دواوين مزخرفة مزوقة أنفق على طبعها ما خلفه له أبوه من ثروة وما جناه هو من كسب. ومن أسماء المطبوع منها: (الشفق الباكي)، و(أطياف الربيع)، و(أنين ورنين)، و(أنداء الفجر)، و(أغاني أبي شادي)، و(مصريات)، و(شعر الوجدان)، و(أشعة وظلال)، و(فوق العباب)، و(الينبوع)، و(الشعلة)، و(الكائن الثاني)، و(عودة الراعي)، وآخرها (من السماء) طبعه في أميركا.ونظم قصصاً تمثيلية، منها (الآلهة) و(أردشير) و(إحسان) و(عبده بك) و(الزباء) وكلها مطبوعة. وأنشأ لنشر منظوماته مجلتين سمى إحداهما (أدبي) والثانية (أبولو) (1932) بالقاهرة ثلاث سنوات. وأراد أن يكون نحالاً ومربياً للدجاج. فألف جماعة علمية سماها (جماعة النحالة) وأصدر لها مجلة (مملكة النحل) وصنف (مملكة العذارى، في النحل وتربيته - ط)، و(أوليات النحالة - ط) كما أنشأ مجلة (الدجاج) وصنف (مملكة الدجاج - ط) وأصدر مجلة (الصناعات الزراعية) وانصرف إلى ناحية أخرى، فترجم بعض الكتب عن الإنكليزية. وصنف كتاب (الطبيب والمعمل - ط) في مجلد ضخم، وهو اختصاصه الأول، و(قطرة من يراع في الأدب والاجتماع - ط) جزآن، وهو باكورة مصنفاته. و(شعراء العرب المعاصرون - ط) نشر بعد وفاته. وضاقت به مصر، فهاجر إلى نيويورك سنة 1946 وكتب في بعض صحفها العربية، وعمل في التجارة وفي الإذاعة من (صوت أميركا)، وألف في نيويورك جماعة أدبية سماها (رابطة منيرفا) وقام بتدريس العربية في معهد آسيا (بنيويورك). وتوفي فجأة في (واشنطن) وما من حاجة إلى القول بأنه لو اتجه بذكائه وعلمه ونشاطه العجيب اتجاهاً واحداً لنبغ.