
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
كـــوَّنتَ ألبابــاً وسســتَ عقــولا
فتلــقَّ أنــت وفاءهــا المعقـولا
ودرسـت فلسـفة (الحيـاة) وزدتها
شــرحا، فحـيِّ بيانهـا المـأهولا
فـي العيـش مثـل الموت عمرك هكذا
عمــرٌ يزيـد علـى التـألق طـولا
إن أنــس لا أنـس الـوداع وحرقـة
فـي النفـس أورثـت الجنـان ذهولا
فسـخطت مـن غـدر (الطبيعة) ناسيا
سـنن (الطبيعـة) والحيـاة الأولى
وأنـا الـذي ناجـاك طـول حيـاته
وقــد انتقلــتَ ولـم أزل مشـغولا
بــالأمس حيرنــي الفـراقُ وهـدني
واليــوم تلهمنـي الصـوابَ حلـولا
فــأراك فـي هـذا الوجـود أشـعة
وعقيــــدة ومـــآثرا وميـــولا
صـــورٌ تـــبين لبــاحثٍ متبصــر
وتعــاف مـن خـذل الحيـاة جهـولا
صــرّوفُ والــدنيا حــديث ضـيافة
قــد كنـت للبـذل العظيـم رسـولا
منــح مــن الآداب والعلـم الـذي
تــرك الوجــود مهــذبا مصـقولا
دعنـــي أحــدث عــن خلالــك أولا
فــالمرء كــان بخلقــه مكفـولا
لا خيــر فـي أدب لمـن لـم يتخـذ
مــن طبعــه طبعـا ومنـه أصـولا
وحييـتَ أنـت بنهـج خلقـك مؤمنـا
وعرفــت للقــول السـديد فعـولا
فســكنتَ فــي بــرج الجلال مـؤهلا
ورقيــت إيمانــا، وجـزت فحـولا
خلــق ينــم عـن الأزاهـر للنهـى
عزمــا، ولكــن لا يصــيب ذبــولا
يفـــتر بــالإخلاص فــي إحســانه
فنــدوم نعشــق حســنه المبـذولا
جــم التواضــع فـي كرامـة عـالم
تخــذ التواضـع سـتره المقبـولا
مبتســـم لجليســـه فـــي هــزة
تســقى الحــديث مرنقـا معسـولا
شـــم الخلال وديعـــة وكريمـــة
مثـل الجبـال إذا انحـدرن سـهولا!
مثـل الطبيعـة فـي تبسـط لطفهـا
نشــرت علـى بسـط المـروج غسـولا
وحبــت مجملــة الثمــار شــهية
عرضــا ولــم تـترك لنـا مـأمولا
كـــان المحــدث لا يمــل إطالــة
وعصــمت مــن طبــع يعـد ملـولا
كــالنبع جياشــا بمتعــة عاشـق
لحـــديثه، أو كالبواســق طــولا
تحنــو علـى النظـار عنـد تأمـل
وتجيــب مـا بقـي السـؤال سـؤولا
لــم ينسـك المـال الـذي أحرزتـه
بالفضــل حقــا للــورى مجهـولا
فوضــعت مالـك جنـب علمـك نفحـة
للنــاس فــي صـحف وقيـن نحـولا
وجعلتهــا مثــل الزكــاة ســخية
تحيــي مواتــا أو تعيـد طلـولا
مـا كنـت فـي هـذي الحيـاة ممثلا
بـل كنـت مـن وضـع الفخار فصولا
خمســون عامـا بـل أجـل بـذلتها
بـذل الكـواكب نورهـا المسـؤولا
مــا بيــن معركـة وبيـن سـكينة
تركــت بشــتاتك العــدو خجـولا
وكســـبت بـــالإخلاص كــل مكــرم
شــيم الرجــال عقيــدة وميــولا
درر مـــن الأخلاق كـــانت ثــروة
كــبرى ولـم تسـب الـورى لتحـولا!
صـروف مـا فينـا المعـزي: كلنـا
فقــد العــزاء ودمعـه المطلـولا
عشـت (المسـيح) لنـا، وكنـا كلنا
رسـلا، ودمـت علـى الهـدى مجبولا
وشـكرتنا قبـل الـوداع، ولـم يكن
شـكر الـوداع بظننـا (اليـوبيلا)
هــذي صـحائفك اليتيمـة لـم تجـد
شــرفا تخــص بهــا وكنـت بخيلا
عصـمتك أحكـام العلـوم من الهوى
وحبتــك مـن حسـب الجنـان أثيلا
نقبـت فـي الأجيـال عـن أسـرارها
ونشــــرتها جيلا لــــديك فجيلا
لا (آدم) المـأثور صـدك عـن هـدى
بحثـا، ولا أغنـي اليقيـن فـتيلا
مــن كــل (مقتطف) تنــوع بحثـه
وتوحــــدت أبحــــاثه تنـــزيلا
مـــن كــل ســفر حجــة بفنــونه
مــا فيــه فـن قـد يـراك دخيلا
مـا كـان منطقـك الحكيـم مسـخرا
للــوهم مهمــا ســامنا تقــتيلا
هيهــات يــذعن للمظـاهر وحـدها
ولكـم أقـام علـى الـدليل دليلا
علـــم وفلســـفة وفـــن ســائغ
حولتهــــا لنعيمنـــا تحـــويلا
بعبـــــارة خلابـــــة غلابــــة
تــروي المـدارك كـوثرا وشـمولا
وتبحــر يعيــا الجريــء بجهـده
مــا فـات للبحـث الجريـء سـبيلا
فــي ذورة الأفلاك أو بطـن الـثرى
أو عـــالم الأحلام كــان نــزيلا
لا شــيء يحســبه الحقيـر وإنمـا
وجــد الوجــود بمـا حـواه جليلا
فيرتـــل الآيـــات ملــء بلاغــة
تســـتأهل الإصــغاء والــترتيلا
داع إلــى أقصـى التأمـل مثلمـا
جعــل التفــاؤل للحيــاة دليلا
وإذا الحيــاة كبـت فـذاك لأنهـا
فقــدت قبيـل عثورهـا التـأميلا
عشــرات آلاف الصــحائف قــد شـدت
بحجـــاك واســتبقت حجــاك زميلا
آراء جبــــار وحكمـــة كـــاهن
وكتـــاب إعجـــاز يشــع مــديلا
نظـرت لـه (الأحقـاب) مـن أسفارها
فــي حيــرة ممــا وصــفن رحيلا
فكأنمــا (...) كنــت مصــاحبا
أســـــفارها فرســــمتها تحليلا!
ومفــاخر (الآثــار) وهـي شـهيدة
فخـــرت بعلمـــك مـــوئلا ومقيلا
ومظـاهر (العمـران) وهـي كـثيرة
فـي (الشـرق) لم تعدم لديك خليلا
و (الفكـر) وهـو لنـا قوام حضارة
بجلتـــه حــتى اســتعز نــبيلا
لـم تلقـه عرضـا، ولـم تـأنس به
طمعــا، ولــم تبـذل لـه تطفيلا
بـل كنـت ملجـأه الحصـين ومبعثـا
للنــور فــي بلـد أسـيء طـويلا
تغــذوه بالـذهن البصـير مصـارحا
للحـــــق لا تتصــــيد التهليلا
متتبعــا نهـج الصـواب، مجافيـا
نهــج الغلــو، وإن أصــبت قليلا
حـتى تركـت منـي (الحقيقة) وحدها
تهـــدي لرأســك شــكرها إكليلا
مــا ضــر مثلـك أن يخـص بحبهـا
لــو فـات مـن حـب الأنـام قـبيلا
لكـــن ظفــرت بحبهــا وبحبنــا
وعـدمت فـي القـدر الأعـز مـثيلا
مـن عهـد (إسـماعيل) فـي إجلالـه
مســـعاك زدت بشــبل (إســماعيلا)
وطــويت عمــرك دون مــن أو منـى
إلا الوفــاء لمــا غرســت ظليلا!
يـا ابن (الصحافة) ثم شيخ قضاتها
والمحســن التــبيين والتـدليلا
ومعلمــــا بشـــبابه ومشـــيبه
تســمو بسـيرته الأيـادي الطـولى
(لبنـان) (كالحـدث) الذي ولدت به
هــذي الشــمائل لا يبـاهي النيلا
كلا ولا (بـردى) ولا (الدنيا) التي
أمتعتهــا ممــا منحــت جــزيلا
إن أنـــت إلا عـــالميٌّ: مهـــده
كـل (الوجـود) فلـم يعـش مغلـولا
بــل كــان أهلا للبريــة كلهــا
لا يعـــرف الإيثــار والتفضــيلا
إلا الرعايــة للفقيــر المجتـبي
جــدواه، لا يبقــى بهــا مخـذولا
كـــم أمــة هــذبتها ووهبتهــا
محــض الشــهاد وزدتهـا تـأهيلا
فـإذا انتسـبت فما انتسبت حقيقة
إلا لفضـــل لــم يكــن مجهــولا
أمــا الممالـك والعبـاد فـإنهم
عرفــوك جَمْعــاً فاتحــا ورسـولا
كـــل يـــراك زعيمــه وصــديقه
ومواطنـــا وســـلاحه المســلولا
وأرى خيالــك مـا يـزال عزيزهـم
يـأبى عـن النهـج القـويم مميلا
متمثلا فـــي همهـــم وشـــؤونهم
فيحـــل معضـــلة ويصـــلح قيلا
وبريـــق عينيــه يشــف كعزمــه
عــن حــد ذهـن لـن يمـوت قليلا
وجــبينه الوقــاد مطلــع نـورهم
وجلالــة حفظــوا لهــا التكليلا
أعــددت ثــورات وقــدت كتائبـا
للــرأي ثــم نصــرتها موصــولا
مـا خانـك الإقـدام يومـا والألـى
عشــقوك إن خــان الزمــان ذليلا
فبلغــت مجــدك بـالمواهب وحـدها
تقتــاد شــبانا بهــا وكهــولا
أيــن الــذين يتابعونــك حـاملا
علــم الشــباب فيزدهـي محمـولا؟!
مــا كنـت تغفـل جهـدنا وحقـوقه
بــل كنــت ترعــى حرمـة وأصـولا
وتشــجع البطــل الصـغير ليعتلـي
وتصــغر الرجــل الحسـود مهـولا
لـك فـي دمـي حـق الوفـاء فخلني
أحيــي كمـا يرضـى الوفـاء جميلا
كرّمــت لــي أدبـا كأنـك موجـدي
أو عشـــت للأدب الجديـــد كفيلا
فـــي جـــم إخلاص وجــم صــراحة
لا تقبــل التغريــر والتمــثيلا
ولكـــم تحكــم جاهــل أو عــابث
ومــن المصــائب أن نطيــع كليلا
و (الجهل) فـي دست الزعامة نكبة
لــن تنمحــي عــذرا ولا تـأويلا
تخــذ (الصـحافة) للمهـازل مهنـة
فأثــار داء فــي النفـوس وبيلا
فمحرمـــا طــورا زهــور مؤلــف
ومحاربــا همــم الشــباب عجـولا
ومـــرتلا آنـــا مديـــح نقــائص
لـولا المـدائح لـم تكـن لتجـولا
قـد كنـت عونـا (للنبـوغ) وطالما
أردى (النبـوغ) الحاسـدوه قتيلا
أبكيـك فـي شـعري، وفـي نثري وفي
فكريـ، كمـا أبكـي الريـاض حيولا
وأكفكــف العـبرات، لكـن شـأنها
بــاق، فـدمعي لـن يـزال همـولا
ومـــن المــدامع ظــاهر ومحجــب
مــا كــل وجــه نــائح مبلــولا
تجـري الـدموع الخافيـات بخاطري
وبكــل إحساســي هــوى مبــذولا
وتفيــض مـن قلمـي فـأنظم هكـذا
هــذا النظيــم عواطفــا متبـولا
وأؤبــن (الفضــل) الـذي لإبـائه
لا فاضـــلا نلقـــى ولا مفضـــولا!
والآن هــل تكفــي شـؤون يراعـتي؟
حبـس العواطـف قـد يكـون قتـولا
هيهــات تكفـي فـالنظيم وحرقـتي
يتبــــادلان مناحــــة وعـــويلا
أرثـي فـأرثي فيك أنفس ما ارتقى
ذهنـــي وأحلامـــي لـــه تبجيلا
مـن بهجـة (الإنسـان) فـي استعلائه
خلقـــا وفكــرا مســعفا وجميلا
ومن انتهاء (العبقرية) و (الحجى)
لنهايـــة تســـتوجب التنــزيلا
ومـن (التسـامح) في الحياة وقلما
عـرف (التسامح) في الحياة خليلا
أسـفي علـى هـذا الفراق وإن يعد
هــذا (النبــوغ) مجـددا تشـكيلا
وأقلـب الطـرف الحزيـن فمـا أرى
إلا الــورى والمــوت والـترميلا
يـا جنـة (الفيـوم) كيف، جزيتنا
نـــارا وحزنـــا فادحــا وثقيلا
قــد راح يلتمـس الشـفاء فخنتـه
كـــم كــان روضــك (...) مليلا
أسـفي! أجـل أسـفي يـدوم فلا تطل
عتبــا علــي فلــم تكـن لتطيلا
مـا فـاتني قبـل (التفاؤل) هكذا
أو كنــت أشــعر بالحيـاة ذليلا
ولقـد بدأت إلى (العلى) مستغفرا
ثــم انتهيـت إلـى الشـجون عليلا
عبثــا أحــاول أن أهــدّئ لوعـتي
هيهـــات أشــفي للــدموع غليلا
سـخطي على (الدنيا) وأقبح هزلها
ســـخط يـــثير تأججــا وصــليلا
وأنـا الـذي يـا طالمـا غازلتها
طربـا، وكنـت لهـا كـذاك وصـولا
مــرت شـرابا بعـد حلـو مـذاقها
وجنـت علـى أشـهى الثمـار أصيلا
لـم أشـك قبلـك مـن يقينـي هكذا
وكأنمـــا صـــار (اليقين) مهيلا
وكأنمــا هــذا (الوجـود) بأنسـه
أمســى بداجيــة المصــاب محيلا!
لــم لا أنــوح فـي رثـائك حسـرة
أرثـي لهـا نفسـي وأرثـي الجيلا؟!
مـا كنـت أجزع (للممات) وإن قسا
حـــتى رحلــت فســامني تــذليلا
أرثـي العصـامي العظيـم المبتنـي
مثـل (الثبـات) لمـن يهون ملولا
أرثـي الخلـود وما الخلود بدائم
فـي صـورة، بـل يتبـع التعـديلا
مــا بيــن إيمــان بــه وبضـده
كــم نتعــب التفســير والتعليلا
أرثــي وأبكــي والأنـام جميعهـم
كــالنبت يهضـمه الزمـان أكـولا
الفيلســـوف كجـــاهل، وكلاهمــا
يفنيـ، ومـا عـرف الممـات ذهولا
وقليــل ثــأري أن مثلــك فقـده
جعـل (القضـاء) المسـتعز خجـولا!
وعظيــم صــبري أن وحيـك ملهمـي
صـبرا، وعلمـك لـم يـزل منقـولا
ســقراط قبلــك والمســيح كلاهمـا
ضـحكا مـن المـوت الخـؤون مهولا
وضــحكت أنـت مـن الأسـاة معزيـا
هممــا تناجيــك المـدى وعقـولا
أحمد زكي بن محمد بن مصطفى أبي شادي.طبيب جراثيمي، أديب، نحال، له نظم كثير. ولد بالقاهرة وتعلم بها وبجامعة لندن. وعمل في وزارة الصحة بمصر متنقلاً بين معاملها البكترويولوجية الجراثيمية، إلى أن كان وكيلاً لكلية الطب بجامعة القاهرة. وكان هواه موزعاً بين أغراض مختلفة لا تلاؤم بينها، أراد أن يكون شاعراً، فأخرج فيضاً من دواوين مزخرفة مزوقة أنفق على طبعها ما خلفه له أبوه من ثروة وما جناه هو من كسب. ومن أسماء المطبوع منها: (الشفق الباكي)، و(أطياف الربيع)، و(أنين ورنين)، و(أنداء الفجر)، و(أغاني أبي شادي)، و(مصريات)، و(شعر الوجدان)، و(أشعة وظلال)، و(فوق العباب)، و(الينبوع)، و(الشعلة)، و(الكائن الثاني)، و(عودة الراعي)، وآخرها (من السماء) طبعه في أميركا.ونظم قصصاً تمثيلية، منها (الآلهة) و(أردشير) و(إحسان) و(عبده بك) و(الزباء) وكلها مطبوعة. وأنشأ لنشر منظوماته مجلتين سمى إحداهما (أدبي) والثانية (أبولو) (1932) بالقاهرة ثلاث سنوات. وأراد أن يكون نحالاً ومربياً للدجاج. فألف جماعة علمية سماها (جماعة النحالة) وأصدر لها مجلة (مملكة النحل) وصنف (مملكة العذارى، في النحل وتربيته - ط)، و(أوليات النحالة - ط) كما أنشأ مجلة (الدجاج) وصنف (مملكة الدجاج - ط) وأصدر مجلة (الصناعات الزراعية) وانصرف إلى ناحية أخرى، فترجم بعض الكتب عن الإنكليزية. وصنف كتاب (الطبيب والمعمل - ط) في مجلد ضخم، وهو اختصاصه الأول، و(قطرة من يراع في الأدب والاجتماع - ط) جزآن، وهو باكورة مصنفاته. و(شعراء العرب المعاصرون - ط) نشر بعد وفاته. وضاقت به مصر، فهاجر إلى نيويورك سنة 1946 وكتب في بعض صحفها العربية، وعمل في التجارة وفي الإذاعة من (صوت أميركا)، وألف في نيويورك جماعة أدبية سماها (رابطة منيرفا) وقام بتدريس العربية في معهد آسيا (بنيويورك). وتوفي فجأة في (واشنطن) وما من حاجة إلى القول بأنه لو اتجه بذكائه وعلمه ونشاطه العجيب اتجاهاً واحداً لنبغ.