
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
يـا قـاهرَ الموتِ كم للنفسِ أسرارُ
ذلَّ الحديـدُ لهـا واسـتخْذت النَّارُ
وأشـفَقَ البحـرُ منهـا وهـو طاغيةٌ
عــاتٍ علـى ضـرباتِ الصـَّخرِ جَبَّـارُ
حــواكَ أُحدوثــةً مُثْلــى وتضـحيةً
لـم تحوِهـا سـِيرٌ أو تـروِ أخبـارُ
رمــاكَ فـي جَنَبـاتِ اليـمِّ محـترِبٌ
خـافي المقاتـل عنـد الرَّوعِ فرَّارُ
ترصــَّدتكَ مراميــهِ ولــو وقَعَــتْ
عليـهِ عينـاكَ لـم تُنقـذهُ أقـدارُ
يَـدِبُّ فـي مسـبحِ الحيتـانِ منسرباً
والغـورُ داجٍ وصـدرُ البحـرِ مـوَّارُ
كـدودةِ الأرضِ نـورُ الشـمس يقتلها
وكـم بهـا قُتِلـتْ في الروضِ أزهارُ
هـوى بـكَ الفُلْـكُ إلَّا هامـةً رُفِعـتْ
لهـا مـن المجـدِ إعظـامٌ وإكبـارُ
واسـتقبلَ البحـرُ صـدراً حين لامسَهُ
كـادتْ عليـهِ جبـالُ المـوجِ تنهارُ
وغــابَ كــلُّ مشــيدٍ غيــرَ قُبَّعـةٍ
ذكـرى مـن الشـَّرفِ العالي وتذكارُ
ألقيتَهـا فتلقَّـى المـوجُ مَعْقَـدها
كمـا تلَقَّـى جـبينَ الفاتـحِ الغَارُ
ولـو يُـرَدّ زمـانُ المعجـزاتِ بهـا
لانشــقَّ بحــرٌ لهـا وارتـدَّ تيَّـارُ
كأنَّهــا خطبــةٌ راعَــتْ مقاطعُهـا
لهــا العــوالمُ ســُمَّاعٌ ونُظَّــارُ
تقــولُ لا كــانَ لـي ربٌّ ولا هتفـتْ
بـذكرِه الحـربُ إنْ لم يُؤخذِ الثارُ
يا ابنَ البحار وليداً في مسابحها
ويافعــاً يــؤثرُ الجُلَّـى ويختـارُ
مـا عالمُ الماءِ يا رُبَّان صفهُ لنا
فمـا تحيـطُ بـه فـي الوهم أفكارُ
ومـا حيـاةُ الفـتى فيـه أتسـليةٌ
وراحـــةٌ أم فُجـــاءاتٌ وأخطــارُ
إذا السـفينةُ فـي أمـواجهِ رَقصـَتْ
علــى أهازيــجَ غنَّــاهنَّ إعصــارُ
وأشـجتِ السـُّحْبَ موسـيقاهُ فاعتنقتْ
وأُسـدِلتْ مـن خـدور الشـُّهبِ أستارُ
وأنـتَ ترنـو وراءَ الأُفـق مبتسـماً
كمـا رَنـا نـازحٌ لاحـتْ لـهُ الدارُ
غرقــانَ فــي حُلـمٍ عَـذْبٍ تُسلسـلهُ
مـن ذروةِ الليـل أنـواءٌ وأمطـارُ
يـا عاشـِقَ البحـر حَدِّثْ عن مفاتنِه
كـم فـي ليـاليهِ للعشـَّاقِ أسـمارُ
مـا ليلـةُ الصيف فيه ما روايتُها
فالصــيفُ خمــرٌ وألحـانٌ وأشـعارُ
إذا النسـائمُ مـن آفـاقه انحدرتْ
وضـوَّأتْ مـن كُـوَى الظلمـاءِ أنوارُ
وأقبلــتْ عاريــاتٍ مــن غلائلهـا
عــرائسٌ مـن بنـاتِ الجـنِّ أبكـارُ
شـُغلُ الربابنـةِ السـارينَ من قدَمٍ
تُجلـــى بهــنَّ عشــِيَّاتٌ وأســحارُ
يُــترِعْنَ كأســَك مـن خمـرٍ مُعَتَّقَـةٍ
البحـرُ كهـفٌ لهـا والـدهرُ خمَّـارُ
وأنــت عنهــنَّ مشــغولٌ بجاريــةٍ
كــأنَّ أجراسـَها فـي الأُذن قِيثـارُ
صـوتُ الحبيبـةِ قـد فاضتْ خوالجُها
ورنَّحتْهــا مــن الأشــواق أسـفارُ
وألهـفَ قلبـكَ لمـا انـدكَّ شامخُها
والنــوءُ مصــطرعٌ والمـوجُ هـدّارُ
بـوغِتَّ بالقـدَرِ المكتـوب فانسرَحَت
عينــاكَ تقــرأ والأمـواجُ أسـطارُ
نزلتمـا البحـرَ قـبراً حين ضمَّكما
رفّـتْ عليـه مـن المرجـان أشـجارُ
نـام الحبيبـانِ في مثواهُ واتّسَدا
جنبـــاً لجنـــبٍ فلا ذلٌّ ولا عــارُ
مصـــارعٌ للفـــدائيين يعشــقها
مســتقتلونَ وراءَ البحــر أحـرارُ
مَنيَّـــةٌ كحيـــاةٍ كلمــا ذُكِــرَتْ
تجــدّدَتْ لـك فـي الأجيـالِ أعمـارُ
هــيَ الفخــارُ لشـعبٍ مـن خلائقـهِ
خَلْـقُ الرجـالِ إذا هـاجَتهُ أخطـارُ
لـه البحـارُ بما اجتازتْ شواطئها
ومــا أجنّتــه خلجــانٌ وأغــوارُ
رواقُ مجــدٍ علــى جـدرانهِ رُفِعَـتْ
للخالـــدين أماثيـــلٌ وآثـــارُ
دخلـتَ مـن بـابهِ واجـتزتَ سـاحتَه
وسـِرتَ فيـهِ علـى آثـارِ من ساروا
يــتيهُ باسـمكَ فـي أقداسـهِ نُصـُبٌ
رخــامهُ الـدهرُ والتاريـخُ حَفّـارُ
علي محمود طه المهندس.شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة.له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه)، (وليالي الملاح التائه) و(أرواح شاردة) و(أرواح وأشباه) و(زهر وخمر) و(شرق وغرب) و(الشوق المائد) و(أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.