
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
دعــوتَ خيـالي فاسـتجابتْ خـواطري
وحـــدَّثني قلـــبي بأنـــكَ زائرِي
عشـيَّةَ أغـرى بـي الـدُّجى كـلَّ صائحٍ
وكـلَّ صـدىً فـي هَـدأةِ الليـلِ عابرِ
أقـولُ مَـنِ السـَّاري وأنـت مُقـاربي
وأهتــفُ بــالنجوى وأنـتَ مُجـاورِي
أحسـُّكَ مِلـءَ الكـون رُوحـاً وخـاطراً
كأنَّــك مبعـوثُ الليـالي الغـوابرِ
ومثَّــل لــي سـمعي خُطـاكَ فخِلتُهـا
صـَدَى نبـأٍ مـن عـالم الغيـبِ صادرِ
ســوى خطــراتٍ مــن بنـانٍ رفيقـةٍ
طَرَقْــتَ بهـا بـابي فهبَّـتْ سـرائرِي
عرفتُــكَ لــم أسـمعْ لصـوتِكَ نبـأةً
وشــمْتُكَ لـم يَلمـحْ محيَّـاكَ نـاظرِي
أرى طَيْــفَ معشــوقٍ أرى روحَ عاشـقٍ
أرى حُلــمَ أجيـالٍ أرى وجـهَ شـاعرِ
إليْـكَ ضـِفافَ النيـل يـا روحَ حافظ
فجـدِّد بهـا عهـدَ الأنيـسِ المُسـامرِ
وسـاقِط جَنَاهـا مـن قوافيـكَ سلسلاً
رخيمـاً كأرهـامِ النـدى المتنـاثرِ
سـرَت فيـه أرواحُ النَّـدامى وصـفَّقتْ
كـؤوسٌ علـى ذكـرِ الغريـب المسافرِ
نَجـيَّ الليـالي القاهريَّـات طُفْ بها
خيالــةَ ذكــرى أو عُلالــة ذاكــرِ
وجُـزْ عَـالمَ الأشـباح فالليـل شاخصٌ
إليــكَ وأضـواءُ النجـومِ الزَّواهـرِ
وطــالِعْ سـماءً فـي مَعَـارجِ أُفقهـا
مَرحــت بوجـدانٍ مـن الشـِّعر طـاهرِ
وسَلســَلتْ مــن أنـدائها وشـُعاعِها
جَنـى كرْمـةٍ لـم تحوِهـا كـفُّ عاصـرِ
تــدفقَ بــالخمر الإلهــيِّ كأســها
فغـــرَّدَ بالإلهـــام كــلُّ مُعــاقرِ
علـى النيـل روحانيـةٌ مـن صفائها
ولألاءُ فجـر عـن سـنا الخُلـد سـافرِ
فصــافحْ بعينيـك الـديار فطالمـا
مــددتَ علــى آفاقِهـا عيـن طـائرِ
وخـذ فـي ضفافِ النهر مسراك واتَّبعْ
خطى الوحي في تلك الحقول النواضرِ
حــدائقُ فرعــونَ بــدفاقِ نهرهــا
وجنَّتـــهُ ذاتُ الجنـــى والأزاهــرِ
وفــي شـُعَبِ الـوادي وفـوقَ رمـاله
عصـــِيُّ نــبيٍّ أو تهاويــلُ ســاحرِ
صـــوامِعُ رُهبــان محــاريبُ ســُجَّدٍ
هياكِـــلُ أربــابٍ عــروشُ قياصــرِ
سـَرى الشـعرُ في باحاتها روحَ ناسكٍ
وترديــد أنفــاس ونجــوى ضـمائرِ
وهمــسَ شـِفاهٍ تثمَـلُ الـروح عنـدهُ
وتسـبحُ فـي تيـهٍ مـن السـِّحر غامرِ
هـو الشـعر إيقـاع الحياة وشدوُها
وحُلْـمُ صـِباها فـي الرَّبيع المباكِرِ
وصــوتٌ بأســرارِ الطبيعــةِ نـاطقٌ
ولكنــــه روحٌ وإبـــداعُ خـــاطرِ
ووثبـةُ ذِهـنٍ يَقنـصُ الـبرقَ طـائراً
ويغـزو بـروجَ النَّجْـمِ غيـرَ مُحـاذِرِ
فيــا دُرَّةً لـم يحوِهـا تـاجُ قيصـر
ولا انتظمـــتْ إلَّا مفـــارقَ شــاعرِ
تـألَّه فيـكِ القلـبُ واستكبرَ الحِجى
علــى دَعَـةٍ مـن تحْتهـا روحُ ثـائرِ
إذا اعـترضَ الجبَّـارُ ضـوءَكِ شـامخاً
تلقَّيتـــهِ كبْــراً ببَســْمَةِ ســاخرِ
لمسـتِ حديـدَ القَيْـدِ فانحـلَّ نظمـهُ
وأطلقــتِ أســرَى مـن براثِـن آسـِرِ
ومــا زِدْتِ فــي الأحـداثِ إلَّا صـلابةً
إذا النَّـارُ نالتْ من كِرام الجواهرِ
يزيــنُ بـكِ الرّاعـي سـقيفةَ كُـوخِه
فتخشــَعُ حَيــرَى نيِّــراتُ المقاصـرِ
أضـاعوكِ فـي أرضِ الكنوز وما دَروْا
بأنــكِ كنــزٌ ضـمَّ أغلـى الـذَّخائرِ
وهُنـتِ علـى مهـدِ الفنـونِ وطالمـا
ســموتِ بســلطان مـن الفـنِّ قـاهرِ
إذا افتقــدَ التاريـخُ آثـار أمَّـةٍ
أشــرْتِ بمــا خلَّــدتِه مــن مـآثرِ
سـلاماً سـلاماً شـاعرَ النيـلِ لم يزلْ
خيالُــكَ يَغشــَى كــلَّ نـادٍ وسـامرِ
وشــعرك فـي الأفـواهِ إنشـادُ أمـةٍ
تغنَّــتْ بمــاضٍ واســتعزَّتْ بحاضــِرِ
هتفــتَ بهـا حيَّـا فلا تـألُ خالـداً
هُتافـكَ وانفـضْ عنـكَ صـمْتَ المقابرِ
صـدَاكَ وإن لـم تُرسـلِ الصـوتَ مالئٌ
سـماعَ البَـوادي والقُـرى والحواضرِ
وذِكـراكَ نجْـوى البائسـين إذا هَفتْ
قلـوبٌ وحـارت أدمُـعٌ فـي المَحَـاجرِ
يَــدُلُّ عليــكَ القلـبَ أنَّـاتُ بـائسٍ
ونظــرةُ محــزونٍ وإطــراقُ ســادِرِ
ومــا أنــتَ إلَّا رائدٌ مــن جماعـةٍ
توالـوا تِباعـاً بـالنفوسِ الحرائرِ
صـَحَتْ باديـاتُ الشـرقِ تحـتَ غُبارِهم
علــى شــدْوِ أقلام ولمــعِ بــواترِ
وفـي القِمَـمِ الشـَّماءِ مِـنْ صَرَخاتهم
صدَى الرعدِ في عَصفِ الرياح الثَّوائرِ
يُضـيئونَ فـي أفـقِ الحيـاةِ كـأنَّهم
علـى شـطِّها النَّـائي منـارةُ حـائرِ
فيــا شــاعراً غنَّــى فـرَقَّ لشـجوِهِ
جَفـاءُ اللَّيـالي واعتسـافُ المقادرِ
لـكَ الدهرُ لا بل عالمُ الحسِّ والنُّهَى
خميلـــةُ شــادٍ آخــذٍ بالمشــاعرِ
فنـمْ فـي ظلال الشـَّرقِ واهنأ بمضجَعٍ
نــديٍّ بأنفــاسِ النَّــبيِّينَ عــاطرِ
ووسـِّدْ ثـراهُ الطُّهـرَ جَنبَـكَ وانتظِم
لِــداتكَ فيـه فهـوَ مهْـدُ العَبَـاقرِ
علي محمود طه المهندس.شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة.له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه)، (وليالي الملاح التائه) و(أرواح شاردة) و(أرواح وأشباه) و(زهر وخمر) و(شرق وغرب) و(الشوق المائد) و(أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.