
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
سـرى القمـرُ الوضـَّاحُ بيـن الكواكبِ
يُفكِّــرُ فيمــا تحتــهُ مــن غيـاهبِ
فنــاداهُ مـن وادي الخلِّييـنَ هـاتفٌ
بصــوتِ محــبٍّ فــي الحيـاةِ مُقـاربِ
يقـول لـه يـا روعـةَ الحسنِ والصِّبا
وأجمــلَ أحلامِ الليــالي الكــواعبِ
أنا العاشقُ الوافي إذا جنَّني الدَّجى
وراعيــكَ بيــن النيِّـراتِ الثـواقبِ
ألا ليتنـــي حُــرٌّ كضــوئِكَ أرتقــي
عوالمَـــكَ الملأى بشــتى العجــائبِ
ويـا ليـتَ لـي كنزَ ابتساماتِكَ التي
تُبعثرهـا فـي الكـونِ مـن غير حاسِبِ
فأصـغى إليـهِ الضـوءَ فـي صفوِ جذلانِ
وأضــفى علـى الـوادي شـعاعَ حنـانِ
وجـاسَ خلال السـُّحْبِ والمـاءِ والـثرى
فلـم يـرَ فـي أنحائهـا وجـهَ إنسانِ
فصــاحَ بـهِ يـا صـاحبي ضـلَّ نـاظري
فـأين تُـرى ألقـاك أمْ كيـف تلقاني
فأومـا لـه إنـي هنـا تحـت شـُرفتي
وراءَ زجاجيهـــا أخـــذتُ مكـــاني
أبـى البردُ أن أستقبلَ الليلَ قائماً
وأن أنــزل الــوادي بحيـث ترانـي
وحسـبُ الهـوى مـن عاشـقٍ لـك وامـقٍ
تَـزَوُّدُ عينـي مـن سـنا ضوئكَ الحاني
فــألقى عليـه الضـوءُ نظـرةَ حـائر
وأعـــرضَ عنــهُ بابتســامةِ ســاخرِ
وقـال لـه يـا صـاحبي قـد جهلتنـي
ويــا رُبَّ شــعرٍ ســاقهُ غيـرُ شـاعرِ
أنـا الموثَـقُ المكـدودُ طالتْ طريقهُ
طريــقُ أســيرٍ فــي رعايــةِ آســرِ
تجــاذبني طاحونــةُ الشــمس كلمـا
وقفــتُ وتمضـي بـي سـِياط المقـادِرِ
ومــا بسـمتي إلا دمـوعٌ مـن اللظـى
قـد التمعـتْ فـي وجـهِ سـهمانَ حاسِرِ
فـدعْ عنـكَ يـا أعجوبـةَ الحبِّ عالمي
فقبلــكَ لـم يَلـقَ الأعـاجيبَ نـاظري
وأمعـنَ فـي تفكيـرهِ القمـرُ الزاهي
فمـــرَّ بــأرضٍ ذاتِ عشــْبٍ وأمــواهِ
ينــاجيهِ منهــا عاشــقٌ ذو ضـراعةٍ
مناجـــاةَ صـــُوفيٍّ لِطَيْـــفِ إلـــهِ
يقــول لــه يـا مُشـهدي كـلَّ ليلـةٍ
جمــالَ مُحيَّــا رائعِ الحســنِ تيَّـاهِ
شــبيهٌ بهــذا الضـوءِ نـورُ جـبينهِ
علـى أنَّـهُ فـي الناسِ من غير أشباهِ
وترســمُ لــي الأشـباحُ طيـفَ خيـالهِ
فـــأدنو لضـــمٍّ أو للثــمِ شــفاهِ
تمنَّيْــتُ لــو وَســَّدْتَ خــدّك راحـتي
وصـــدرُكَ خفَّـــاقٌ وجفنُـــك ســاهي
فــرفَّ علـى الـوادي الشـاعُ طروبـا
ونــاداهُ مــن بيــن الظلالِ مُجيبـا
أزحْ هــذه الأغصــانَ عنــكَ لعلّنــي
أصــافحُ وجهــاً مــن هـواك حبيبـا
فجــاوَبهُ يــا قــرّةَ العيـن إننـي
قـد اخـترتُ مـن شـطِّ الغـدير كثيبا
إذا أتعَبَــتْ عينـي السـماءُ تطلُّعـا
وخالســتُ لحظــاً للنجــومِ مُريبــا
ففــي صــفَحات المـاءِ نهـزة عاشـقٍ
يــراكَ علــى بُعْـدِ المـزار قريبـا
خلــوتُ بــه أرعــاك أوْفـى قسـامةً
وأوفــرَ مــن سـحرِ الجمـالِ نصـيبا
فغـاضَ ابتسـام الضـوءِ من فرط حيرةٍ
وصــاحَ نجيِّــي أنــتَ حقَّـرتَ سـيرتي
هـو الكـونُ مرآتـي ومجلـى مفـاتني
ومـــا لغــديرٍ أن يُمثِّــلَ صــورتي
ومـــا نظــرَ العشــَّاقُ إلَّا لعــالمٍ
يُعَظِّــمُ فــي المعشــوقِ كـلَّ صـغيرةِ
أعيـــذُ الــذي شــبَّهتَني بجمــاله
أديــمَ مُحيَّــا مثــل صـمَّاء صـخرَتي
أنا الفحمةُ البيضاءُ إن جنَّني الدُّجى
أنـا الحمـة السـوداءُ رأدَ الظهيرةِ
فــدَعْ عــالم الأفلاك واقنــعْ بلجَّـةٍ
وغــازلْ مــن الأســماك كـلَّ غزيـرةِ
وبينــا يهيـمُ الضـوءُ فـي سـُبُحاتهِ
وقـد غـطّ هـذا الكـونُ فـي سُخرياتِهِ
رأى شــبحاً فــي قـربِ نـارٍ كأنمـا
يــودِّعُ طيفــاً غــابَ عــن نظراتِـهِ
يمـــدُّ ذراعيـــه ويُرســـلُ صــوتَه
بلوعـــةِ قلــبٍ ذابَ فــي نــبراتِهِ
إلـى القمـر السـاري مُحيَّـاهُ شـاخصٌ
كصــاحبِ نُســْكٍ غــارقٍ فــي صــلاتِهِ
فحـامَ عليـه الضـوءُ واستمهلَ الخُطى
وأجــرى سـناهُ الطلْـقَ فـي قسـَماتِهِ
وصـاحَ بـه يـا شـيخُ مـا أنـت قائلٌ
تكلَّــمْ فــإنَّ الليـلَ فـي أخريـاتِهِ
فقـالَ لـه يـا بـاعثَ الحـبِّ والمنى
ســلِمْتَ وحيّتــك العــوالمُ والـدُّنى
شــفيتَ جــوى شــيخٍ أحبَّــك يافعـاً
وعــاش بهــذا الحـبِّ جـذلانَ مؤمنـا
وأفنيـتُ عمـري أرتقـي عـالي الذُّرى
إلـى أنْ بلغـتُ اليـومَ مثـوايَ ههنا
وأوقــدُ نـاري كـي ترانـي وأنثنـي
لأطلــقَ ألحــاني وأدعــوكَ مَوهِنــا
وقيـــلَ ضـــنينٌ لا يجــودُ بوصــله
فهأنــذا ألقــاك يـا ضـوءُ محسـنا
تســاوتْ كلابٌ تنبــح البـدرَ سـارياً
ونُــوَّامُ ليـلٍ أنكـروا آيـةَ السـنا
علي محمود طه المهندس.شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة.له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه)، (وليالي الملاح التائه) و(أرواح شاردة) و(أرواح وأشباه) و(زهر وخمر) و(شرق وغرب) و(الشوق المائد) و(أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.