
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
هـيَ حانـةٌ شـتَّى عجائبهـا
معروشـةٌ بـالزّهْرِ والقصـبِ
فـي ظُلَّـةٍ بـاتت تُـداعبُها
أنفـاسُ ليْـلٍ مُقمِـرِ السُّحُبِ
وزَهَــتْ بمصـباحٍ جوانبُهـا
صـاف الزُّجاجةِ راقصِ اللهَبِ
بـاخوس فيهـا وهو صاحبُها
لـم يخْلُ حين أفاق من عَجبِ
قـد ظنَّهـا والسحر قالبُها
شـِيدَت من الياقوت والذهبِ
إبريقـهُ حَلْـيٌ مـن الـدُّرَرِ
يُزْهـى بـه قَـدَحٌ من الماسِ
وكـأنَّ مـا حـوليه من صُورِ
متحركـــاتٌ ذاتُ أنفـــاسِ
تركـتْ مواضـعها مـن الأُطُرِ
ومشـتْ لـه فـي شِبْهِ أعراسِ
منهــنَّ عازفـةٌ علـى وتَـرٍ
مُتَفَجِّـــرٍ بــأرقِّ إحســاسِ
وغريــرةٌ حـوراءُ كـالقمرِ
تحنـو علـى شفتيهِ بالكاسِ
أوَ تلـكَ حـانتُهُ فوا عجبا
أم صـــُنْعُ أحلامٍ وأهــواءِ
ومَـنِ الخيالُ أهلَّ واقتربا
فينُـوس خارجـةً مـن الماءِ
فـي مـوكب يتمثَّـلُ الطَّرَبا
ويميـلُ مـن سـحرٍ وإغـراءِ
وبكـلِّ ناحيـةٍ فـتىً وثبـا
متعلقــاً بــذراعِ حسـناءِ
يتوهجــون صــبابةً وصـِبا
يتمثَّلــونَ غريــبَ أزيـاءِ
حُمْـرُ الثيـابِ تخالُ أنهمو
يَفِـدونَ مـن حـانوت قصـّابِ
جلسوا نشاوى مِثلما قُدِموا
يــترقبونَ منافـذَ البـابِ
يتهامســون وهمسـُهُمْ نغـمُ
يسـري علـى رنَّـاتِ أكـوابِ
إن تسـألِ الخمَّارَ قال هُمُو
عُشـــاقُ فَــنٍّ أهــل آدابِ
لـولا دُخـانُ التَّبغ خلتَهمو
أنصــافَ آلهــةٍ وأربــابِ
مـن كـلِّ مرسـِل شَعرِهِ حِلَقا
وكأنهـا قِطـعٌ مـن الحَلَـكِ
غليــونهُ يَستشـرفُ الأُفُقـا
ويكـادُ يُحـرقُ قُبَّـةَ الفَلَكِ
أمسـى يُبعـثرُ حـوله وَرقَا
فكــأنه فـي وسـْطِ مُعْتَـرَكِ
فـإذا أتـاهُ وحْيُهُ انطلقا
يُجـري اليَـراعَ بكفِّ مرتبكِ
ويقـول شعراً كيفما اتفقا
يُغـري ذوات الثُّكل بالضحكِ
بـاخوسُ يـروي عن غرائبهمْ
شــتى أحــاديثٍ وأنبــاءِ
قصـصٌ تـداوَلُ عـن صواحبهمْ
وعن الصبايا فِتنةِ الرائي
وعـن الخطيئةِ في مذاهبهمْ
بــدأتْ بــآدمَ أم بحـوَّاءِ
والمُلْهِمَـأتُ إلـى جوانبهمْ
يُكـثرْنَ مـن غمـزٍ وإيمـاءِ
يَعجبنَ من فعل الشرابِ بهم
ويَلـذْنَ مـن سـأمٍ بإغفـاءِ
وتلفتـوا لمـا بـدا شـَبَحُ
فنانـةٌ دَلَفَـتْ مـن البـابِ
ســمراءُ بالأزهــار تتَّشـحُ
ألقــتْ غُلالتهــا بإعجـابِ
ومشـت تُراقصهم فما لمحوا
إلَّا خُطـــى روحٍ وأعصـــابِ
وسـرى بسـرِّ رحيقـهِ القدَحُ
في صوتِ شاجي اللحنِ مِطرابِ
وشـدا بجـوِّ الحانةِ الفرَحُ
لإلهــةٍ فــرَّتْ مـن الغـابِ
هــي رقصـةٌ وكأنهـا حُلُـمُ
وإذا بفينــوس تمـدُّ يـدا
الكـأسُ فيهـا وهـي تضطرمُ
قلـبٌ يهـزُّ نـداؤه الأبـدا
زنجيـةٌ فـي الفـنِّ تحتكـمُ
قـد ضاع فنُّ الخالدين سُدى
فأجـابت السـمراءُ تبتسـمُ
الفـنُّ روحـاً كان أم جسدا
يـا أيهـا الشعراءُ ويحَكُمُ
الليـلُ ولَّـى والنهارُ بدا
علي محمود طه المهندس.شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة.له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه)، (وليالي الملاح التائه) و(أرواح شاردة) و(أرواح وأشباه) و(زهر وخمر) و(شرق وغرب) و(الشوق المائد) و(أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.