
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أرقــت ومـا قلـبي بأسـماء يكلـف
ولا مـدمعي مـن حرقـة الـبين يذرف
ولا شــاقني وادٍ مـن الجـزع مؤنـقٌ
لعمــري ولا ظـلٌّ مـن القـاع مـورف
شــجتني أعــاجيب الحيـاة فإنهـا
أوابــد للمقــدور ليســت تعــرف
يكــل ضـياء الفكـر عنهـا كأنهـا
علـى لبسـها قطـع مـن الليل مسدف
رأيـت لـو البأساء في الجو ترتقي
لشـق علـى بـدر الـدجى فيـه موقف
ولـو ترتمـي يومـاً بمتسـع الفضـا
لأضـحت خريـق الريح في القيد ترسف
رأيــت ســليل الفقـر فـي الـثرى
مكبـــاً علـــى محراثــه يتلهــف
يخـــد أديــم الأرض خــداً كــأنه
لــه قبــل الغــبراء ثـار مخلـف
كـأني بـه نـادته للحـرب فاغتـدى
يكــر عليهــا بالحديــد ويعطــف
كـأني بـه إذ فـرق الـترب والحصى
يفتــش هـل فـي بـاطن الأرض منصـف
كـأني بـه إذ خـط فـي الأرض قـبره
يهـــم علىجثمـــانه ثــم يصــدف
بـه آيـة الجهـد الـذي ليس ناهضاً
بــه بشــر غــض البنــان مهفهـف
جـــبين بمرفــض الصــبيب مضــمخٌ
وشـــعر بملتــص الغبــار مغلــف
وجيــدٌ خفــوق الأخــدعين كأنمــا
تــبينت مـن أوداجـه الـدم ينطـف
رثيـــت لمكــروبٍ ســحابة يــومه
إذا قــر منــه معطـف مـاج معطـف
إذا زلزلتـه سـرعة الخطـو أوشـكت
أضــــالعه فــــي زوره تتقصـــف
كــأن أزيــز الجـوف عنـد وجيبـه
حســـيس هشــيم والنــدى يتوكــف
يشـقق عنـه الثـوب فالريح قد غدت
تصــافح منــه جلــده حيـن تعصـف
وأثبـت حمـي الشـمس فـي أم راسـه
نبــالاً فـراش العظـم منهـا منقـف
تبطــن منثــور الغبــار جفــونه
فضـــرج منهـــا مقلـــةً تتحســف
كـأن حمـات الشـوك فـي ذيـل برده
طــراز حــواه العبقــري المفـوف
يمــد إلــى الجبـار كفـا تكـدحت
أناملهــا واللَــه بالعبــد أرأف
ولمــا تقضــى اليــوم إلا أقلــه
تراجـع نحـو البيت في السير يدلف
إذا مــد عنـد المشـي رجلاً أمـامه
تـــوهمت عنهــا أختهــا تتوقــف
يسـاقط نـثر الطيـن عنـه إذا مشى
كمـا فـض ختـم الـدن سـكران معنف
إذا صــادفته المركبــات وفوقهـا
مـن الركـب هيافـاء القوام وأهيف
رمتـه العتـاق السـابحات بثقلهـا
ومـرت كمـا مـر الحمـام المزفـزف
ولمــا أتــى مـأواه خفـت عيـاله
إليــه كـآرامٍ علـى الشـيخ تعكـف
يلاقــونه صـور الرقـاب مـن الأسـى
فيرنــو إليهـم سـاعةً ليـس يطـرف
ثمــاني بنيــات كــأفراخ وكنــةً
وفـي المهـد منهوك التجاليد يهتف
وخاشـــعة الألحـــاظ روع قلبهــا
زمـــان يكــب النيــرات ويكســف
ومــا عــدمت أم البنيــن وسـامةً
ولكــن مــس الضــر للحسـن مثلـف
قــرت زوجهــا ممــا تسـني وإنـه
حثالــة زيــتٍ والرغيـف المقفقـف
بمغنـــى خلاه الفــرش إلا عفاشــةً
تمــج أضــاميم البعــوض وتقــذف
ومــدت لــه بعــد النعـاس حشـيةً
بمــا جبــل عــالٍ وغــورٌ ونفنـف
توسـد ثـم ارتـاع مـن بعـد هجعـةٍ
لصـوت الحيـا ينهـل والرعـد يقصف
وقد زاد ضعف النور في البيت وحشةً
كــأن بــه طيــف الشــقاء يطـوف
إذا ضـربته الريـح لـم يـدر ربـه
بـه الريـح تمكو أم به الجن تعزف
نبـا النـوم عـن عينيه حين تنبهت
وساوسـه والهـم فـي الليـل يخشـف
رأى نفســه رهــن الخصاصـة والأذى
وأن الغواشـــي عنـــه لا تتكشــف
وأن وثـاق الـذل فـي الزنـد محكمٌ
وأن خنـاق الغـم فـي النحـر محصف
إذا اسـتنجد الآمـال عنـد اكتئابه
تبـدى لـه سـترٌ مـن القـار مغـدف
بلاءٌ لعمـــري لا يطـــاق وترحـــةٌ
يكــل جميـل الصـبر عنهـا ويضـعف
وصـفت لـك الضـراء يا صاحب الغنى
وهـل تعـرف الضـراء مـن حيث توصف
هي الفقر ما أدراك ما الفقر إنما
لهــاث الــردى منـه أخـف وألطـف
حيــاة بلا أنــس وعيــش بلا رضــى
فلا الرغـد ميسـور ولا العمـر ينزف
بكيتـك يـا خلـو اليـدين بـأدمعي
فــأنت صــريع النائبـات المـذفف
يــروح كـثير المـال يسـحب ذيلـه
وأنـت المعنـى يـا فقيـر المكلـف
ألسـت الـذي شـاد الحصـون بعزمـه
ونـاط نجـاد السـيف للحـرب يزحـف
وأجـرى سفين البحر في اللج ينثني
ومشـى قطـار النار في البيد يهذف
وقــد ملأ الأنبــار للخلــق ميـرةً
وحـــاك لهـــم موشـــية تتغضــف
بلــى إن مـن هـان العسـير بكـده
علــى الأرض مفتـول الشـوى متقشـف
أخـو فاقـةٍ لـم يـدخل الطيب رأسه
ولا مــس كفيــه القضــيب المعقـف
أفـي الحـق أن يشقى الفقير بعيشه
وذو المـال فـي شـر الغواية يسرف
وأن يـدنف المـثري بأعقـاب بطنـة
غـداة خفيـف الحـاذ بـالجوع يدنف
أمـا فـي كبـود العـالمين هـوادةً
ولا رحمــةٌ عنــد الشــدائد تعطـف
وهــل فقــدت بيـن الأنـام قرابـةٌ
يمــت بهــا منهــم عـديمٌ ومـترف
أرى المـرء لا يأسـو جراحـة مملـقٍ
ولـو هـز فـوديه النصـيح المعنـف
أراه إذا مــا نعـم الرغـد جسـمه
غــدا قلبــه يقسـو لـديه ويصـلف
إليـك بنـي غـبراء تـدمي عيـونهم
وليــس لهــم إلا المياسـير مسـعف
يمــدون نحــو المحســنين أكفهـم
ومــا يســتوى المكفـي والمتكفـف
سـألت عزيـز المـال حيـن يغـوثهم
مـن الرمل تحثو أم من البحر تغرف
ألا إنمــا الحسـنى إليهـم فريضـةٌ
وفـــي ذلـــك الآيــات لا تتحــرف
عليكـم بكشـف العسـر عنهـم فإنما
أخـو الضـر يمسـي ضارياً حين يهجف
قلا ترهقــوهم بالشــقاوة والطـوى
فيبــدر منهــم بــادر لا يكفكــف
فـإن لـم ينـالوا بـالهوادة حقهم
ينــالوه يومــاً والصـوارم ترعـف
ولا تهملــوا حسـن الخطـاب ولينـه
فـإن الخطـاب العـذب نعـم المثقف
لكـم عـبرة فـي الغـر من كل فتنةٍ
تهــز الجبــال الراسـيات وتخسـف
فلــو كــان عيـش للمفـاليس طيـبٌ
لمــا قــام منهــم قـائمٌ متطـرف
نسيب بن حمود بن حسن بن يونس أرسلان.شاعر، من الكتاب المفكرين، من نوابغ الأمراء الأرسلانيين، ولد في بيروت، وتعلم بالشويفات، ثم بمدرسة الحكمة ببيروت، وأولع بشعر الجاهليين والمخضرمين، فحفظ كثيراً منه، وقال الشعر وهو في المدرسة، فنظم (واقعة سيف بن ذي يزن مع الحبشة) في رواية ذات فصول، وأتم دروسه في المدرسة السلطانية ببيروت. وعين مديراً لناحية الشويفات (بلبنان) فأقام نحو عشر سنوات، محمود السيرة، واستعفى، وسكن بيروت. ولما أعلن الدستور العثماني انتخب رئيساً لنادي جمعية الاتحاد والترقي في بيروت. ثم نقم على الاتحاديين لسوء سيرتهم مع العرب، فانفصل عنهم، وانضم إلى طلاب (اللامركزية) وأخذ ينشر آراءه في جريدة (المفيد) البيروتية، فكان لمقالاته فيها أثر كبير في الحركة العربية، ثم استمر مدة يلاحظ تحرير تلك الجريدة متطوعاً. كان مجلسه في مكتبها مجمع الكتاب والادباء وقادة الرأي. ولما نشبت الحرب العامة (سنة 1914م) انقطع عن أكثر الناس ولزم بيته. ثم انتقل إلى الشويفات (سنة 1915) وانصرف إلى استثمار مزارعه ومزارع شقيقيه شكيب وعادل، ولم يزل في انزوائه إلى أن توفي، وكان أديباً متمكناً، جزل الشعر، حلو المحاضرة، سريع الخاطر في نكتته وإنشائه، بعيداً عن حب الشهرة، يمضي مقالاته في المفيد باسم (عثماني حر).