
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
صَخْرُ بنُ عَمرِو بنِ الحَارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن قَبيلةِ سُلَيْمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ كانَ مِن سادَةِ قَومِهِ وأشرافهِم وفُرسانِهِم، وكانَ أبوهُ عَمرُو بنُ الحارِثِ يَأْخُذُ بِيَدِهِ ويدِ أخيهِ مُعاويةَ فِي المَوْسِمِ حَتَّى إِذا تَوَسَّطَ الجَمْع قالَ بأَعلى صَوْتِهِ: أَنا أَبُو خَيْرَيْ مُضَرَ. وقدْ قادَ صخرٌ قومَهُ فِي بَعضِ غاراتِهم كيومِ حَوزَةَ الثَّانِي الَّذي ثأرَ فيهِ لِمقْتَلِ أَخيهِ مُعاويةَ، ويَومِ ذِي الأَثلِ حِينَ أغارَ عَلى قَبيلَةِ بَنِي أَسَدٍ فَطُعِنَ واشتدَّ عليهِ المَرَضُ وطالَ حتَّى مَاتَ نَحوَ سَنَةِ 10 قَبلَ الهِجرَةِ، وقَد رَثَتْهُ أُختُهُ الخَنساءُ بِمراثٍ عَديدَةٍ كانتْ مِن أَجوَدِ شِعرِها.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ صخرُ بنُ عَمرٍو بنِ الحارثِ بنِ الشَّريدِ بنِ رِياحٍ بنِ يَقظةَ بنِ عَصيَّةَ بنِ خُفافِ بنِ امرِئِ القَيسِ بنِ بَهثَةَ بنِ سُلَيمٍ بنِ مَنصورٍ بنِ عِكرِمَةَ بنِ خَصفَةَ بنِ قَيسِ عَيلانَ بنِ مُضَرَ.
وهوَ مِن قَبِيلَةِ سُلَيمٍ بنِ مَنْصُورٍ مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ، وَكانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي الحِجازِ، وَتُجاوِرُها مِنْ القَبائِلِ غَطَفانَ وَهَوازِنَ وَهِلال، وَقد كانُوا عَلَى صِلاتٍ وَثِيقَةٍ بِقُرِيشٍ، فتَحالَفَ مَعَهُمْ أَشْرافُ مَكَّةَ وَكِبارُها لِما لَهُمْ مِنْ عَلاقاتٍ اقْتِصادِيَّةٍ بِهذِهِ القَبِيلَةِ كَما يَذْكُرُ جَوادُ عَلِي، وَاشْتُهِرَتْ أراضيهُم بِمَعادِنِها وَبِخِصْبِها فَقَدْ كانَ بِها مِياهٌ اسْتَفادَتْ مِنْها القَبِيلَةُ فِي الزَّرْعِ، إِلَى جانِبِ ذلِكَ فَقَدْ كانَتْ مِنْ القَبائِلِ المُحارِبَةِ وَمِنْ أَيّامِهِمْ يَوْمُ ذاتِ الرَّمْرَمِ وَهُوَ لَبَنِي مازِنٍ عَلَى بَنِي سُلَيمٍ، وَيَوْمَ تَثليت وَهُوَ بَيْنَ مُرادٍ وَبَنِي سُلَيمٍ، وَيُرْوَى أَنَّ النُّعْمانَ بْنَ المُنْذِرِ كانَ قَدْ نَقِمَ عَلَى بَنِي سُلَيمٍ لِأَمْرٍ أَحْدَثُوهُ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ جَيْشاً، وَلكِنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُمْ، وَهُزِمَ الجَيْشُ.
وينتمي صخرٌ إلى أُسْرَةٍ ذاتِ سِيادَةٍ وَشَجاعَةٍ، فَآلُ الشَّرِيدِ كانُوا مِنْ سادَةِ بَنِي سُلَيْمٍ وَأَشْرافِهِمْ، وأَبُوها عمرٌو بنُ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ كانَ مَع وُفُودِ العَرَبِ إِلَى كِسْرَى، وَيُذْكَرُ عَنْهُ أَنَّهُ كانَ يَأْخُذُ بِيَدَي ابْنَيْهِ مُعاوِيَةَ وَصَخْرٍ فِي المَوْسِمِ حَتَّى إِذا تَوَسَّطَ الجَمْع قالَ بأَعلى صَوْتِهِ: أَنا أَبُو خَيْرَي مُضَرَ.
عاشَ صَخْرُ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيَّ فِي الجاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُدْرِك الإِسْلامَ، وَكانَ سَيِّداً مِنْ ساداتِ قَبِيلَتِهِ بَنِي سُلَيمٍ وَفارِساً مِنْ فُرْسانِهِم المَعْدُودِينَ، وَكانَ إِلَى ذلِكَ مَهِيباً شَرِيفاً جَمِيلاً حَسَنَ المَنْظَرِ، وَمِمّا ذَكَرَهُ عَنْهُ صاحِبُ (الأَغانِي) أَنَّهُ كانَ هُوَ وبَلعاءُ بْنُ قَيْسٍ الكِنانِيُّ أَجْمَلَ رَجُلَيْنِ فِي العَرَبِ، فَشَرِبا عِنْدَ يَهُودِيٍّ خَمَّارٍ كانَ بِالمَدِينَةِ. قالَ: فَحَسَدَهُما لِما رَأَى مِنْ جَمالِهِما وَهَيأَتِهِما، وَقالَ: إِنِّي لَأَحْسُدُ العَرَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مِثْلُ هذَيْنِ، فَسَقاهُما شَرْبَةً جُوِيا مِنْها، (أَيْ أَصابَهُما السُلُّ).
وَكانَ صَخْرٌ قائداً لقَبِيلَتِهِ فِي بعضِ أَيّامِهِمْ هُوَ وَأَخُوهُ مُعاوِيَةُ، وَقَدْ قُتِلَ أَخُوهُ مُعاوِيَةُ فِي يَوْمِ حَوْزَةَ الأَوَّلِ قَتَلَهُ هاشمٌ ودُرَيْدُ ابنا حَرْمَلَةَ، وَكانَ قَدْ غَزا بَنِي مُرَّةَ بْنِ غَطَفانَ لِخِلافٍ بَيْنَهُ وَهاشِمِ بْنِ حَرْمَلَةَ، وَقد حاوَلَ صَخْرٌ مَنعَهُ عَنْ غَزْوِهِمْ فَأَبَى، فَلَمّا قُتِلَ جَزِعَ عليه صَخْرٌ وَقالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ: فَوَاللّٰهِ ما بِتُّ مُنْذُ عَقِلْتُ إِلّا واتِراً أَوْ مَوتُوراً، أَوْ طالِباً أَوْ مَطْلُوباً، حَتَّى قُتِلَ مُعاوِيَةُ، فَما ذُقتُ طَعْمَ نَوْمٍ بَعْدَهُ، فَقيلَ لِصخرٍ أُهجُهُم فَقَالَ مَا بَيْننَا وَبينَهمْ هُوَ أَقذَعُ مِنَ الهِجاءِ على أَنِّي أُمسِكُ عَن هِجائِهم صَونا لِنَفْسِي عَن الْخَنَا، ثم خافَ أَن يُرمى بِالعِيِّ فقالَ قَصيدتَهُ الَّتي يَقولُ فِيها:
وعاذلةٍ هبَّتْ بِلَيلٍ تلومُنِي أَلَا لَا تلُومِينِي كَفَى اليَومَ ما بِيَا
تَقــولُ أَلَا تَهجُــو فَـوارِسَ هاشِـمٍ ومالِي إِذا أَهْجُوهُمُ ثُـمَّ مالِيا
أَبَى الشَّتمَ أَنِّي قَد أَصابُوا كَريمَتِي وأَنْ لَيـسَ إِهداءُ الخَنا مِن شِمالِيا
ويقولُ فِيها يَرثِي أَخاه مُعاوِيَةَ:
وَهَـوَّنَ وَجْـدِي أَنَّنِـي لَـمْ أَقُـلْ لَـهُ كَـذَبْتَ وَلَـمْ أَبْخَـلْ عَلَيْـهِ بِمالِيـا
لَنِعْـمَ الفَـتَى أَدَّى ابْـنُ صِرْمَةَ بَزَّهُ إِذا راحَ فَحْـلُ الشُّـولِ أَحْدَبَ عارِيا
إِذا ذُكِــرَ الإِخْـوانُ رَقْرَقْتُ عَـبْرَةً وَحَيَّيْتُ رَمْسـاً عِنْدَ لِيَّةَ ثاوِيـا
ثُمَّ غَزا صَخْرٌ بَنِيَّ مُرَّةَ ثَأْراً لِأَخِيهِ وسمِّيَ هذا اليومُ يَوْمَ حَوزَةَ الثَّانِي، وَفِي هذا اليَوْمِ قَتَلَ صَخْرٌ دُرَيْدَ بْنَ حَرْمَلَةَ قاتِلَ أَخِيهِ، وَقالَ فِي ذلِكَ:
وَلَقَـدْ دَفَعْتُ إِلَى دُرَيْدٍ طَعْنَةً نَجْلاءَ تَزْغَـلُ مِثْلَ غَطِّ المَنْحَرِ
وَلَقَـدْ قَتَلْتُكُمُ ثَناء وَمُوَحَّداً وَتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ المُدبِرِ
وَقَدْ غَزا صَخْرٌ بَعْدَ ذلِكَ بَنِيَ أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ وَاكْتَسَحَ إِبِلَهُمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتالاً شَدِيداً، فَطَعَنَ رَبِيعَةُ بْنُ ثَوْرٍ الأَسَدِيُّ صَخْراً فِي جَنْبِهِ، وَأَصابَهُ جُرْحٌ رَغِيبٌ، فَمَرِضَ مِنْ ذلِكَ فَطالَ مَرَضُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي (الشِّعْر وَالشُّعَراء) أَنَّ قَوْمَهُ كانُوا يَعُودُونَهُ فَإِذا سَأَلُوا امْرَأَتَهُ سَلْمَى عَنْهُ قالَتْ: لا هُوَ حَيٌّ فَيُرْجَى، وَلا مَيتٌ فَيُنْسَى، وَصَخْرٌ يَسْمَعُ كَلامَها، فَشَقَّ عَلَيْهِ. وَإِذا قالُوا لِأُمِّهِ: كَيْفَ صَخْرٌ اليَوْمَ؟ قالَتْ أَصْبَحَ صالِحاً بِنِعْمَةِ اللّٰهِ، فَلَمّا أَفاقَ مِنْ عِلَّتِهِ بَعْضَ الإِفاقَةِ، عَمِدَ إِلَى امْرَأَتِهِ سَلْمَى فَعَلَّقَها بِعَمُودِ الفُسْطاطِ حَتَّى ماتَتْ، وَقِيلَ بَلْ قالَ: ناوِلونِي سَيفِي لِأَنْظُرَ كَيْفَ قُوَّتِي وَأَرادَ قَتْلَها، وَناوَلُوهُ فَلَمْ يُطِقْ السَّيْفَ، فَفِي ذلِكَ يَقُولُ: أَهُمُّ بِأَمْرِ الحَزْمِ... البَيْتُ، وَهُوَ مِنْ قَصِيدَةٍ يَقُولُ فِيها:
أَرَى أُمَّ صَخْرٍ ما تَمَلُّ عِيادَتِي وَمَلَّتْ سُلَيمَى مُضْجَعِي وَمَكانَي
وَما كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أَكُونَ جَنازَةً عَلَيْكَ، وَمَنْ يَغْتَرُّ بِالحَدْثانِ
فَأَيُّ امْرِئٍ ساوَى بِأُمٍّ حَلِيلَةً فَلا عاشَ إِلّا فِي أَذىً وَهَوانِ
أَهُمُّ بِأَمْرِ الحَزْمِ لَوْ أَسْتَطِيعُهُ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ العِيرِ وَالنَّزَوانِ
لَعَمْرِي لَقَدْ أَنْبَهْتُ مَنْ كانَ نائِماً وَأَسْمَعْتُ مَنْ كانَتْ لَهُ أُذُنانِ
وَلَلمَوْتُ خَيْرٌ مِن حَياةٍ كَأَنَّها مَحَلَّةُ يَعْسُوبٍ بِرَأْسِ سِنانِ
وَذُكِرَ فِي (العقد الفَرِيد) أَنَّهُ لَمّا طالَ عَلَيْهِ البَلاءُ وَقَدْ نَتَأَتْ قِطْعَةٌ مِنْ جَنْبِهِ مِثْلَ اليَدِ فِي مَوْضِعِ الطَّعْنَةِ، قالُوا لَهُ: لَوْ قَطَعْتَها لَرَجَوْنا أَنْ تَبْرَأَ. فَقالَ: شَأْنكُمْ، فَقَطَعُوها فَماتَ.
فَكانَتْ أُخْتُهُ الخنساءُ تَرْثِيهِ، وَلَمْ تَزَلْ تُبْكِيهِ حَتَّى عَمِيَتْ. وَوَرَدَ أَنَّها كانَتْ تَقُولُ بَعْدَ إِسْلامِها كُنْتُ أَبْكِي لِصَخْرٍ مِنْ القَتْلِ فَأَنا اليَوْمَ أَبْكِي لَهُ مِنْ النّارِ.
والسَّبَبُ فِي مَكانةِ صَخرٍ عِندَ أُختِهِ الخَنساءِ وشِدَّةِ جَزَعِها عَليهِ يَعُودُ إِلَى إِكْرامِهِ لَها فِي حَياتِهِ وَالعِنايَةِ بِها حَتَّى بَعْدَ زَواجِها، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الخَنْساءَ دَخَلَتْ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ، وَعَلَيْها صِدارٌ لَها مِنْ شَعْرٍ، فَقالَتْ لَها عائِشَةُ رِضَي اللّٰهُ عَنْها: يا خَنْساءُ إِنَّ هذا لَقَبِيحٌ، قُبِضَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَما لَبِسَتْ هذا، قالَتْ: إِنَّ لَهُ قِصَّةً، قالَتْ: فَأَخْبِرِينِي، قالَتْ: زَوَّجَنِي أَبِي رَجُلاً، وَكانَ سَيِّداً مِعْطاءً، فَذَهَبَ مالُهُ، فَقالَ لِي: إِلَى مَنْ يا خَنْساءُ؟ قُلْتُ: إِلَى أَخِي صَخْرٍ، فَأَتَيْناهُ، فَقَسَّمَ مالَهُ شَطْرَيْنِ، فَأَعْطانا خَيْرَهُما، فَجَعَلَ زَوْجِي أَيْضاً يُعْطِي وَيَحْمِلُ، حَتَّى نَفِدَ مالُهُ، فَقالَ: إِلَى مَنْ؟ فَقُلْتُ: إِلَى أَخِي صَخْرٍ، فَأَتَيْناهُ فَقَسَّمَ مالَهُ شَطْرَيْنِ، فَأَعْطانا خَيْرَهُما، فَقالَتْ امْرَأَتُهُ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تُعْطِيَها النِّصْفَ حَتَّى تُعْطِيَها أَفْضَلَ النَّصِيبَيْنِ. فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَاللّٰهِ لا أَمْنَحُها شِرارَها وَلَوْ هَلَكتُ مَزَّقَتْ خِمارَها
وَجَعَلَتْ مِنْ شَعَرٍ صِدارَها ...
فَذلِكَ الَّذِي دَعانِي إِلَى أَنْ لَبِسْتُ هذا حِينَ هَلَكَ.
تُوُفِّيَ صَخْرُ بْنُ عَمْرو السُّلَمِيُّ بَعْدَ أَنْ طَعَنَهُ رَبِيعَةُ بْنُ ثَوْرٍ الأَسَدِيُّ فِي يَوْمٍ ذِي الأَثْلِ، فَقَدْ اشْتَدَّ عَلَيْهِ المَرَضُ وَنَتَأَتْ قِطْعَةٌ مِنْ جَنْبِهِ مِثْلَ اليَدِ فِي مَوْضِعِ الطَّعْنَةِ، فقالُوا لَهُ: لَوْ قَطَعْتَها لَرَجَوْنا أَنْ تَبْرَأَ. فَقالَ: شَأْنُكُمْ، فَقَطَعُوها فَماتَ.
وَقَدْ رَثَتْهُ الخَنْساءُ أُخْتَهُ بِمُراثٍ عَدِيدَةٍ.
وَكانَتْ وَفاتُهُ -كَما حَدَّدَها الزَّرْكَلِيُّ فِي (الأَعْلامِ)- بِحُدُودِ سَنَةِ 10 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
" كانَ مَوصوفاً بِالحِلمِ، ومَشهوراً بِالجُودِ، ومَعروفاً بِالتَّقدُّمِ فِي الشَّجاعةِ، ومَحظوظاً فِي العَشيرَةِ"
(المبرِّد/ الكامل)