
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
قَيسُ بنُ عاصِمِ بنِ سِنانٍ المِنْقَرِيُّ، مِنْ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ، كانَ سَيِّداً مِنْ ساداتِ قَبِيلَتِهِ وَكانَ حَلِيماً شُجاعاً شاعِراً، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ للهجرةِ، حين قدم مع مَعَ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقالَ عَنْهُ وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ عَلَى صَدَقاتِ قَوْمِهِ وقال عنه: "هذا سَيِّدُ أَهْلِ الوَبَرِ"، وَقد رَوَى عَن الرَّسُولِ بَعْضَ الأَحادِيثِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 47 لِلهِجْرَةِ، وَقَدْ رَثاهُ عَبْدَةُ الطَّبيبُ بِما عَدَّهُ أَبُو عَمْرو بنِ العَلاءِ أَرْثَى بَيْتٍ قالَتْهُ العَرَبُ وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَما كانَ قَيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحِدٍ / وَلَكِنَّـهُ بُنيـانُ قَـومٍ تَهَـدَّما).
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هوَ قَيسُ بنُ عاصِمِ بنِ سنانِ بنِ خالدِ بنِ مِنْقَرِ بنِ عُبيدِ بنِ مُقاعِسِ بنِ عَمرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ زيدِ مَناةَ بنِ تَميمٍ. ويُكنَّى أبا علي وقيل غير ذلكَ.
وهُوَ سيِّدُ بَني مِنقرٍ وهُم بَطنٌ مِن قَبليةِ تَميمٍ، وقد كانَتْ تَمِيمُ مِنْ أَكْثَرِ القَبائِلِ عَدَداً، وَكانَتْ مِنْ أَشَدِّها بَأْساً وَأَكْثَرِها حُرُوباً، وَأَشْهَرُ وَقَعاتِهِمْ كانَتْ مَعَ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، كَيَوْمِ ذِي أَحْثال وَيَوْمِ الهِزَبْرِ وَيَوْمِ السِّتارِ وَيَوْمِ الجُفارِ وَغَيْرِها، وَكانَتْ لَهُمْ وَقَعاتٌ كَذلِكَ مَعَ بَنِي عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَقَبِيلَةِ عَبسٍ وَغَيْرِها مِنْ القَبائِلِ.
وأُمُّ قيس هِيَ أُمُّ أَصعرَ بنتُ خليفةَ بنِ جرولِ بنِ مِنقرٍ، ومِن أَولادِهِ عَليٌّ وحَكيمٌ وحُصينٌ وطلبةُ وقُرّةُ، ووردَ في (العقد الفريد) أنَّ ابنَهُ قُرّةُ قال يذكر بلاء أَبيهِ في يومِ النباحِ وثَيتلٍ وكانَ لِبنِي تَميمٍ على بَكرٍ:
أَنا ابنُ الّذي شَقَّ المَزادَ وقدْ رأَى بِثَيتلَ أَحياءَ اللَّهازِمِ حُصَّرا
وقدْ تَزوَّجَ قيسُ بنُ عاصِمٍ مَنفوسةَ بنتَ زيدِ الفَوارسِ الضَّبِّيِّ.
عاشَ قَيْسُ بْنُ عاصِمٍ أَكْثَرَ حَياتَهُ فِي الجاهِلِيَّةِ وَقَدْ كانَ فِيها مِنْ أَسْيادِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ بَنُو سَعْدٍ وَيُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ المُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ:
وَهُـم أَهِلاتٌ حَـولَ قَيـسِ بـنِ عاصـِمٍ إِذا أَدلَجوا بِاللَيلِ يَدعونَ كَوثَرا
وَكانَ قَيْسٌ فارِساً شُجاعاً، عَدَّهُ صاحِبُ (المُحَبّر) مِنْ الجَرّارِينَ مِنْ مُضَرَ، وَلَمْ يَكُنْ يُقالُ لِلرَّجُلِ جَرّاراً حَتَّى يَرْأَسَ أَلْفاً، فَقَدْ قادَ قَوْمَهُ يَوْمَ النُّباجِ وَثيتل وَهُوَ يَوْمُ الكُلابِ الثّانِي، كانَ عَلَى بَنِي سَعْدٍ كُلِّها.
وَقَيْسٌ مِمَّنْ وَأَدَ بَناتِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مِمَّنْ حَرَّمَ الخَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ سَكِرَ فَعَبثَ بِذِي مَحْرَمٍ لَهُ فَلَمّا أُخْبِرَ بِذلِكَ حَرَمَها وَقالَ:
رَأَيْتُ الخَمْرَ مُصْلِحَةً وَفِيها خِصالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الكَرِيما
فَلا وَاللّٰهِ أَشْرَبُها حَياتِي وَلا أَدْعُو لَها أَبَداً نَدِيماً
فإنَّ الخَمْرُ تَفْضَحُ شارِبِيها وَتَجْنِيهِمْ بِها الأَمْرَ العَظِيما
إِذا دارَتْ حُمَيَّاها تَعَلَّتْ طَوالِعُ تُسفِهُ المَرْءَ الحَلِيما
ولِقيسٍ مكانَةٌ عالِيةٌ وقِيمةٌ كَبيرةٌ عندَ قَومِهِ وغيرهِم مِنَ القبائِلِ، إذْ كانَ يُكرِمُ الضّيفَ ويُغيثُ المُحتاجَ، وَرَدَ فِي (البَيان وَالتَّبيِين) أَنَّ رَجُلاً يُدْعَى شُعَيثُ بنُ سَهْمٍ أُغِيرَ عَلَى إِبِلِهِ فَأَتَى أَوسَ بنَ حَجَرٍ يَسْتَنْجِدُهُ، فَقالَ لَهُ أَوسٌ: أَوَ خَيْرٌ مِن ذلِكَ، أَحْضُضُ لَكَ قَيسَ بنَ عاصِمٍ، فَقالَ أَوْسٌ:
سـَائِلْ بِهـا مَـوْلَاكَ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ فَمَـوْلَاكَ مَوْلَى السَّوْءِ إِنْ لَمْ يُغَيِّرِ
لَعَمْـرُكَ مَـا أَدْرِي أَمِنْ حَزْنِ مِحْجَنٍ شـُعَيْثُ بْنُ سَهْمٍ أَمْ لِحَزْنِ بْنِ مِنْقَرِ
فَمَـا أَنْـتَ بِالْمَوْلَى الْمُضَيَّعِ حَقُّهُ وَمَا أَنْتَ بِالْجَارِ الضَّعِيفِ الْمُسَتَّرِ
فَسَعَى قَيسٌ فِي إِبِلِهِ حَتَّى رَدَّها عَلَى آخِرِها.
ومِن صُوَرِ جُودِهِ وكَرَمِهِ ما وردَ أنَّهُ كانَ مُتَخاصِماً مَعَ عبْدةَ بنِ الطَّبيبِ، ثُمَّ حَمَلَ عَبْدَةُ دَماً فِي قَوْمِهِ فَخَرَجَ يَسْأَلُ فِيما تَحَمَّلَهُ، فَجَمَعَ إِبِلاً، وَمَرَّ بِهِ قَيْسُ بنُ عاصِمٍ وَهُوَ يَسْأَلُ فِي تَمامِ الدِّيَةِ، فَقالَ: فِيمَ يَسْأَلُ عَبدَةُ؟ فَأُخْبِرَ، فَساقَ إِلَيْهِ الدِّيَةُ كامِلَةً مِنْ مالِهِ، وَقالَ: قُولُوا لَهُ لِيَسْتَمْتِع بِما صارَ إِلَيْهِ، وَلْيَسُقْ هذِهِ إِلَى القَوْمِ. فَقالَ عَبْدَةُ: أَما وَاللّٰهِ لَوْلا أَنْ يَكُونَ صُلْحِي إِيّاهُ بِعَقبِ هذا الفِعْلِ عاراً عَلَيَّ لِصالَحْتُهُ، وَلكِنِّي أَنْصَرِفُ إِلَى قَوْمِي ثُمَّ أَعُودُ فَأُصالِحُهُ. وَمَضَى بِالإِبِلِ ثُمَّ عادَ، فَوَجَدَ قَيْساً قَدْ ماتَ، فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ قَيسَ بنَ عاصِمٍ وَرَحمَتُـهُ مـا شاءَ أَن يَتَرَحَّما
وَفِي السَّنَةِ التّاسِعَةِ لِلهِجْرَةِ أَتَى وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكانَ قَيْسُ بنُ عاصِمٍ مِنْهُمْ، فَأَسْلَمَ وَقالَ عَنْهُ النَبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا سَيِّدُ أَهْلِ الوَبَرِ. وَاسْتَعْمَلَهُ النَبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقاتِ قَوْمِهِ، فَلَمّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَسَّ إِلَيْهِ الزِّبْرِقانُ مِنْ زَيَّنَ لَهُ المَنْعَ لِما فِي يَدِهِ وَخَدَعَهُ بِذلِكَ فَقَسَّمَ ما كانَ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوالِ الصَّدَقاتِ عَلَى بَنِي مِنْقَرٍ، وَقالَ:
فَمِنْ مَبْلَغٍ عَنِّي قُرَيْشاً رِسالَةً إِذا ما أَتَتْها مَحْكَماتُ الوَدائِعِ
حَبَوتُ بِما صَدَّقْتُ فِي العامِ مِنْقَراً وَأَيْأَسْتُ مِنْها كُلَّ أَطْلَسَ طامِعِ
فانْطلقَ الزِّبرقانُ إِلى أَبِي بَكرٍ بِسبعمِئَةِ بَعيرٍ فَأَدّاها إِليهِ، وقالَ فِي ذَلكَ:
وَفَيتُ بأَذْوادِ النَّبِيّ مُحمَّدٍ وَكُنتُ امْرَأً لا أُفسِدُ الدِّينَ بِالغَدْرِ
فَلَمّا عَرَفَ قَيسٌ ما كادَهُ بِهِ الزِّبْرِقانُ قالَ: لَو عاهَدَ الزِّبْرِقانُ أُمَّهُ لَغَدَرَ بِها.
تُوُفِّيَ قَيْسُ بنُ عاصِمٍ فِي سَنَةِ 20 لِلهِجْرَةِ، وَرُوِيَ فِي (البَيان وَالتَبْيِين) أَنَّهُ لَمّا حَضَرَتْ قَيْسَ بنَ عاصِمٍ الوَفاةُ، دَعا بَنِيهِ فَقالَ: يا بَنِيَّ، احْفَظُوا عَنِّي، فَلا أَحَدٌ أَنْصَحُ لَكُمْ مِنِّي، إِذا أَنا مِتُّ فَسَوِّدُوا كِبارَكُمْ، وَلا تَسوِّدُوا صِغارَكُمْ، فَتُسَفِّهَ النَّاسُ كِبارَكُمْ، وَتَهونُوا عَلَيهِمْ. وَعَلَيْكُمْ بِإِصْلاحِ المالِ، فَإِنَّهُ مَنبَهَةٌ لِلكَرِيمِ، وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ اللَّئِيمِ، وَإِيّاكُمْ وَمَسْأَلَةُ النَّاسِ، فَإِنَّها آخِرُ كَسْبِ المَرْءِ، وَلا تُقِيمُوا عَلَيَّ نائِحَةً، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّٰهِ نَهَى عَن النَّائِحَةِ.
وقد قال عبدةُ بنُ الطّبيبِ في رثائِهِ:
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ قَيسَ بنَ عاصِمٍ وَرَحمَتُـهُ مـا شاءَ أَن يَتَرَحَّما
تَحِيَّـةَ مَـن أَلبَسْتَهُ مِنْكَ نِعمَةً إِذا زارَ عَـن شَحْطٍ بِلادَكَ سَلَّما
فَما كانَ قَيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحِدٍ وَلَكِنَّـهُ بُنيـانُ قَـومٍ تَهَـدَّما
(حديثٌ شريفٌ)