
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
كَعْبُ بنُ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، مِنْ قَبِيلَةِ مُزَينَةَ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ وَمِنْ الشُّعَراءِ الفُحُولُ المُتَقَدِّمِينَ، وَضَعَهُ ابنُ سَلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ مِنْ طَبَقاتِهِ، وَهُوَ صَحابِيٌّ قِصَّةُ إِسْلامِهِ مَشْهُورَةٌ، فَقَدْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ دَمَهُ لِهَجائِهِ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، فَجاءَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعتذِراً وَأَنْشَدَهُ قَصِيدَتَهُ اللّاميّةَ (بانَتْ سُعادُ) فَعَفا عَنْهُ النّبيُّ وَأَعْطاهُ بُردَتَهُ، وَقَدْ حَظِيَتْ هذِهِ القَصِيدَةُ بِاهْتِمامٍ كَبِيرٍ، عاشَ كَعْبٌ حَتَّى خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَماتَ نَحْوَ سَنَةِ 26هـ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هوَ أبو المُضَرَّبِ كَعبُ بنُ زُهيرِ بنِ أَبي سُلْمى رَبيعةَ بنِ رِياحِ بنِ قُرْطِ بنِ الحارثِ بنِ مازنِ بنِ ثعلبةَ بنِ ثورِ بنِ هَرمَةَ بنِ الأصَمِّ بنِ عُثْمانَ بنِ عمرِو بن أُدّ بنِ طابِخَةَ بنِ إِلياسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعدِ بنِ عَدنانَ.
وَيَنْتَسِبُ كعبٌ إِلَى قبيلةِ مُزَيْنَةَ، وَمُزَيْنَةُ هِيَ زَوْجَةُ عَمْرِو بْنِ أُدّ، وَوَرَدَ فِي الأَغانِي أَنَّها أُمُّ عَمْرِو بْنِ أُدّ، لكِنَّ ابْنَ حَزْمٍ أَشارَ فِي جَمْهَرَةِ الأَنْسابِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُدّ وَلَدَ عُثْمانَ وَأَوْساً أُمَّهُما مُزَيْنَةُ بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ، فَنُسِبَ بَنُوها إِلَيْها، وقد وردَ فِي نَسبِ أَبيهِ زُهيرِ بنِ أَبي سُلْمَى خِلافٌ، فَقد نُسِبَ أَحياناً إِلى غَطفانَ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي هذا الاخْتِلافِ أَنَّ آلَ أَبِي سُلْمَى هُمْ حُلَفاءُ فِي بَنِي عَبْدِ اللهِ بنِ غَطَفانَ كَما أَشارَ التَّبْرِيزِيُّ. وأشار البغداديُّ كَذلكَ فِي (خِزانة الأَدبِ) إِلى أَنَّ بَنِي مُزَيْنَةَ كانَتْ مَحلَّتُهُمْ فِي بِلادِ غَطَفانَ فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّ زهيراً مِنْ غَطَفانَ.
وَقَدْ نَشَأَ كَعْبٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَعْرَقِ بُيُوتِ الشِّعْرِ، فَأَبُوهُ زُهَيْرُ بنُ أَبِي سَلْمَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَخالُ أَبِيهِ هُوَ بشامَةُ بنِ الغَدِيرِ، وَعَمَّتاهُ الخَنْساءِ وَسَلْمَى شاعِرَتانِ، وَأَخُوهُ بِجِيرٌ شاعِرٌ. وَامْتَدَّ الشِّعْرُ فِي أَوْلادِهِ، فَوَلَدَهُ عُقبَهُ وَحَفِيدُهُ العَوَّامُ شاعِرانِ.
وأمُّ كَعبٍ هِيَ مِنْ بَنِي سُحَيم، واسْمُها كَبشةُ بنتُ عَمّارِ بنِ عَديِّ بنِ سُحيمٍ أَحدِ بَنيِ عبدِ اللهِ بنِ غَطَفانَ. تزوَّجَها زُهيرُ بَعدَ أَن طَلَّقَ زَوجَتَهُ الأُولَى أُمَّ أَوْفَى الَّتِي ذَكَرَها فِي شِعْرِهِ.
كَعبُ بنُ زُهيرٍ مِنَ الشُّعراءِ المُخَضرَمِينَ، فَقد وُلِدَ فِي الجاهليّةِ وعاشَ فِيها أَكثرَ عُمرِهِ، وكانَ فِيها مِنَ الشُّعراءِ المَعروفِينَ قَبلَ أَن يُسلِمَ بَعدَ قِصَّةٍ مَشهورَةٍ، ويُروَى عَن كَعبٍ بَعضُ القِصَصِ الَّتي تُؤكِّدُ مَوهِبَتَهُ الشِّعريَّةَ ونُبوغَهُ مُنذُ نُعومَةِ أَظفارِهِ، فقد وَرَدَ فِي (الإِصابَة) لِابن حَجَرٍ أَنَّ النَّابغةَ الذُّبيانيُّ أَنشَدَ النُّعمانَ بنَ المُنذِرِ:
تَراكَ الأَرضُ إِمَّا مُتَّ خِفّاً وَتَحيا ما حَيِيتَ بِها ثَقِيلا
فقالَ لهُ النُّعمانُ: هذا البَيتُ إِن لَم تَأتِ بَعدَهُ بِبَيتٍ يُوضِّحُ مَعناهُ وإلَّا كانَ إِلى الهِجاءِ أقربُ، فتعسَّرَ على النَّابغةِ النَّظمُ، فقالَ لَهُ النُّعمانُ: قَد أَجَّلتُكَ ثَلاثاً، فَإِن قُلتَ فَلكَ مِئةٌ مِنَ الإبلِ العَصافِيرِ، وإلّا فَضربَةٌ بِالسَّيفِ بالغةٌ ما بَلَغتْ، فَخَرجَ النَّابغةُ وهُوَ وَجِلٌ، فَلَقِيَ زُهيرَ بنَ أَبي سُلْمَى فَذَكَرَ لَهُ ذَلكَ، فَقالَ: اخرُجْ بِنا إِلى البَرِّيَةِ، فَتبِعَهُما كَعبٌ فَردَّهُ زهيرٌ، فقالَ لهُ النّابِغَةُ: دعْ ابنَ أَخِي يَخرُجُ مَعنا وأَردَفَهُ، فَلم يَحضُرهُما شَيءٌ، فَقالَ كعبٌ لِلنَّابِغَةِ: يا عمُّ، ما يَمنعكَ أَنْ تَقولَ:
وَذَلِكَ إِنْ فَلَلتَ الغَيَّ عَنها فَتَمْنَعُ جانِبَيها أَنْ تَمِيلا
فأعجب النابغة، وغدا على النعمان فأنشده فأعطاه المئة فوهبها لكعب بن زهير فأبى أن يقبلها.
تَتَلمَذَ كعبٌ شِعريَّاً عَلى يَدِ أبيهِ زُهيرٍ وتَأَثَّرَ بِهِ، ويُذكَرُ أَنَّ زُهيراً كانَ قَد مَنَعَ كَعباً مِن قَولِ الشِّعرِ حينَ كانَ صَغِيراً مَخافةَ أَن يَقولَ ما لا فِيهِ خيرٌ ولا مَنفعَةٌ، وحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يَقولُ الشِّعرَ دَعاهُ وضَرَبَهُ ضَرباً شَديداً، وحبسَهُ ثُمَّ أَطلَقَ سَراحَه وسرَّحَهُ فِي بَهمِهِ فانْطَلَقَ يَرتَجِزُ:
كَأَنَّما أَحْدُو بِبَهْمِي عِيرا مِنَ القُرَى مُوقَرَةً شَعِيرا
فخرج زهيرٌ إليه وهو غضبان، فدَعا بناقةٍ فركِبها وتناوله فأردفَه خلفَه، ثم حرّك ناقتَه وهو يريد أن يتعنّتَ كعباً، ويعلَم ما عندَه، ويطّلعَ على شعره، فكان يقول البيت ويطلب منه إجازته فيجيزه فأخذ زُهير بيد كعْب وقال له: قدْ أذِنْتُ لك في الشِعر. فلما نزل كعب على أهله قال:
أَبِيْـتُ فَلَا أَهْجُـو الصـَّدِيقَ وَمَنْ يَبِعْ بِعِـرْضِ أَبِيـهِ فِـي الْمَعَاشـِرِ يُنْفِـقِ
وأَسلَمَ كعبٌ فِي السَّنةِ الثَّامِنَةِ لِلهِجرَةِ، وَوَردَ فِي قِصَّةِ إِسلامِهِ أَنَّهُ خَرجَ وأَخوهُ بُجَيرٌ إِلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، حَتَّى بَلَغا (أَبرَق العزَّاف) فَقالَ لِبُجَيرٍ: الْقَ هذا الرَّجُلَ وأَنا مُقيمٌ لَكَ هاهُنا فانْظُرْ ما يَقولُ. فَقَدِمَ بُجيرٌ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فَسَمِعَ مِنهُ فأَسْلَمَ، وبَلَغَ ذلكَ كَعباً فَقالَ:
أَلَا أَبْلِغــا عَنِّـي بُجَيْـراً رِسـالَةً فَهَلْ لَكَ فِيما قُلْتَ بِالخَيْفِ هَلْ لَكا
شـَرِبْتَ مَـعَ المَـأْمُونِ كَأْسـاً رَوِيَّةً فَانْهَلَـكَ المَـأَمُونُ مِنْهـا وَعَلَّكـا
وَخـالَفْتَ أَسـْبابَ الهُـدَى وَتَبِعْتَـهُ فَأَنْهَلَـكَ المَـأْمُونُ مِنْهـا وَعَلَّكـا
عَلَـى خُلُـقٍ لَـمْ تُلْـفِ أُمّاً وَلا أَباً عَلَيْـهِ وَلَـمْ تُـدْرِكْ عَلَيْهِ أَخاً لَكا
قالَ فَبلغتْ أَبياتُهُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأَهدَرَ دَمَهُ. فَكَتَبَ إِليهِ بُجيرٌ أَخوهُ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قد أَهدَرَ دَمَكَ. ثُمَّ كَتَبَ إِليهِ بَعدَ ذلكَ يأمُرُهُ أَنْ يُسلِمَ ويُقبِلَ إِلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ويَقولُ لهُ: إنَّهُ منْ شَهِدَ أن لا إِلهَ إلَّا اللهُ وأَنَّ مُحمَّداً رَسولُ اللهِ، قَبِلَ مِنهُ رسولُ اللهِ وأَسقَطَ ما كانَ قبلَ ذلكَ.
ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَناخَ راحِلَتَهُ بِبابِ مَسجدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فَأَقبَلَ كَعبٌ حَتَّى دَخَلَ المَسجدَ، فَتَخطَّى حَتى جَلَسَ إِلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللُه عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، الأَمانَ. قالَ: ومَنْ أنتَ؟ قالَ: كَعبُ بنُ زُهيرٍ. قال: أَنتَ الَّذي تَقولُ، كَيفَ قالَ يا أَبا بَكرٍ؟ فأَنشدَهُ حَتَّى بَلَغَ:
سَقاكَ أبو بكرٍ بكَأْسٍ رَوِيَّةً وانْهَلَـكَ المَـأَمُورُ مِنْهـا وَعَلَّكـا
فقالَ: لَيسَ هكذا قُلتُ يا رَسولَ اللهِ، إِنَّما قُلتُ:
سَقاكَ أبو بكرٍ بكَأْسٍ رَوِيَّةً وانْهَلَـكَ المَـأَمُونُ مِنْهـا وَعَلَّكـا
فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: "مَأْمُونٌ واللهِ"، وأَنشَدَهُ: (بانتْ سُعادُ فَقلبِي اليومَ مَتبُولُ) حَتَّى أَتى عَلى آخِرِها، فَكَساهُ بُرْداً فَاشتراهُ مُعاوِيَةُ بِعِشرينَ أَلفَ دِرهَمٍ، وَبَقِيَ هذا البُردُ فِي أَيدِي الخُلفاءِ مِن بَعدِهِ.
وَقيلَ إِنَّ كعباً لمّا أنشَدَ الرَّسولَ عَليهِ السَّلامُ (بانتْ سُعادُ) وَوَصلَ إِلى قَولِهِ:
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمالِ الزُّهرِ يَعصِمُهُم ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنابِيل
يُعَرِّضُ بِالأَنصارِ لِغِلظَتِهِم عَلَيْهِ حين جاءَ مُسلِماً، فأَنكرَتْ قُرَيْشُ مَا قَالَ وَقَالُوا لَم تَمدَحْنا إِذْ هَجوتَهُم وَلَمْ يقبلُوا ذَلِكَ، فَقالَ فِي الأَنصارِ أَبياتٌ مِنها:
مَـنْ سـَرَّهُ كَـرَمُ الحَيـاةِ فَلَا يَزَلْ فِـي مِقْنَـبٍ مِـنْ صـالِحِي الأَنْصـارِ
تَــزِنُ الجِبـالَ رَزانَـةً أَحْلَامُهُـمْ وَأَكُفُّهُــمْ خَلَــفٌ مِــنَ الأَمْطــارِ
عاشَ كَعبٌ حَتَّى خِلافَةِ مُعاويةَ بنِ أَبِي سُفيانَ، وَحَدَّدَ الزَّركلِيُّ فِي (الأَعلام) تَاريخَ وَفاتِهِ بِنَحوِ عامِ 26هـ.
كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ مِنْ الشُّعَراءِ المُخَضْرَمِينَ المُجِيدِينَ المُقَدَّمِينَ، كانَ خَلْفُ الأَحْمَرِ أَحَدُ عُلَماءِ الشِّعْرِ يَقُولُ: لَوْلَا قَصائِدُ لِزُهَيْرٍ ما فَضَّلْتُهُ عَلَى ابْنِهِ كَعْبٍ.
وَمِمّا يُشِيرُ إِلَى عُلُوِّ كَعْبِهِ فِي الشِّعْرِ أَنَّ الحُطَيْئَةَ كانَ راوِيَةً لِشِعْرِهِ كَما كانَ راوِيَةً لِشِعْرِ أَبِيهِ، وطلبَ منهُ الحُطيئةُ أن يشيرَ إليهِ في شِعرِهِ فَقالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ رِوايَتِي شِعْرَ أَهْلِ البَيْتِ وَانْقِطاعِي وَقَدْ ذَهَبَ الفُحُولُ غَيْرَى وَغَيْرُكَ فَلَوْ قُلْتَ شِعْراً تَذَكُرُ فِيهِ نَفْسَكَ وَتَضَعُنِي مَوْضِعاً، فَإِنَّ الّناسَ لِأَشْعارِكُمْ أَرْوَى وَإِلَيْها أَسْرَعَ، فَقالَ كَعْبٌ أبياتَهُ التي مطلَعُها: (فَمَنْ لِلقَوافِي شَانَها مَنْ يَحُوكُها / إِذا ما مَضَى كَعْبٌ وَفَوَّزَ جَرْوَلُ).
جعلَهُ ابنُ سلّام فِي الطَّبقة الثَّانيةِ مِن طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وَجَمَعَهُ مَعَ أَوسِ بنِ حَجَرٍ وبِشْرِ بنِ أَبي خازِمٍ وَالحُطَيْئَةِ.
أَشْهَرُ قَصائِدِ كَعْبٍ هِيَ قَصِيدَةُ البُرْدَةِ وَلَعَلَّها أَشْهَرُ القَصائِدِ فِي عَصْرِ صَدْرِ الإِسْلامِ، وَعدَّها كَثيرٌ مِنَ النُّقَّادِ والدَّارِسينَ مِنْ أَجْوَدِ قَصائِدِ المَدِيحِ النَّبَوِيِّ، وَقَدْ حَظِيَتْ هذِهِ القَصِيدَةُ بِعِنايَةٍ بالِغَةٍ فَكَثُرَتْ المُعارَضاتُ لَها، وَتَعَدَّدَتْ شُرُوحاتُها وَتَناوَلَها عَدَدٌ مِنْ الشُّعَراءِ بِالتَّخْمِيسِ وَالتَّشْطِيرِ.
(ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(خلفُ الأَحمَر/ ورد فِي كِتابِ الإِصابَةِ لِابنِ حَجَر)
(المرزُبانيّ/ معجمُ الشعراء).