
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ العَبْشَمِيُّ التَّمِيمِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ مُقِلٌّ مُجِيدٌ، عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَكانَ مِنْ لُصُوصِ الرَّبابِ وَكانَ أَسْوَدَ حبشيّاً، وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ وَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَ المُثَنَّى بنَ حارِثَةَ قِتالَ هُرمز سَنَةَ 13 لِلهِجْرَةِ، وَكانَ فِي جَيْشِ المُسْلِمِينَ فِي المَدائِنِ، وَهُوَ شاعرٌ مُجيدٌ اسْتَجادَ القُدماءُ شِعرَهُ وقدَّمُوهُ، ولهُ في المُفضَّليَّاتِ قَصيدتانِ مختارتانِ، وَهُوَ الَّذِي رَثَى قَيْسُ بْنُ عاصِمٍ بِما عَدَّهُ بَعْضُ القُدَماءِ أَرْثَى بَيْتَ قالَتِهِ العَرَبِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَما كانَ قَيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحِدٍ / وَلَكِنَّـهُ بُنْيـانُ قَـومٍ تَهَـدَّما) تُوفِّيَ فِي حَوالي سَنةِ 25 لِلهِجرَةِ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ، واسْمُ الطَّبيبِ يَزيدُ بنُ عمرِو بنِ وَعْلةَ بنِ أَنسِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ نهمِ بنِ جُشَمَ بنِ عبدِ شَمسِ بنِ سعدِ بنِ زَيدِ مناةَ بنِ تَميمٍ.
فَهو عَبْشَمِيٌّ تَميمِيٌّ، ولُقِّبَ أَبوهُ بِالطَّبيبِ لِقولِهِ:
كَفَفْتَ الأَذَى عَنَّا بِعَضْبِ مُهَنَّدٍ وإِنِّي لِجَهْلِ الجاهِلِينَ طَبِيبُ
ولم يُذكَرْ مِن أَبنائِهِ إِلَّا أَثالٌ وهُو شاعِرٌ أَيضاً.
وُلِدَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ فِي الجاهِلِيَّةِ وَعاشَ فِيها أَكْثَرَ عُمْرِهِ، وَفِيها كانَ يُعَدُّ مِنْ شُعَراءِ تَمِيمٍ المَشْهُورِينَ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ الزِّبْرِقانِ بنِ بَدْرٍ وَعَمْرِو بنِ الأَهْتَمِ وَالمُخَبَّلِ السَّعْدِيِّ فَتَحاكَمُوا إِلَى رَبِيعَةَ بِنِ حِذارٍ أَيُّهُمْ أَشْعُرُ، وَهِيَ قِصَّةٌ تُرْوَى عَنْ بِداياتِ النَّقْدِ وَالحُكْمِ بَيْنَ الشُّعَراءِ، لكِنْ ما تُشِيرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كانَ شاعِراً مَشْهُوراً قَبْلَ الإِسْلامِ.
وَأَخْبارُ عَبدَةَ قَلِيلَةٌ لا تُعْطِي تَصَوُّراً كامِلاً عَنْ نَشْأَتِهِ وَمَراحِلِ حَياتِهِ، وَمِمّا وَرَدَ عَنْهُ أنَّهُ كانَ أَسْوَدَ حَبشِيّاً، وَكانَ مِنْ لُصُوصِ الرَّبابِ، وقَبائِلُ الرَّبابِ هي: عَدِيٌّ، وَتَمِيمٌ، وَثَوْرٌ، وَعُكْلٌ. وَسُمِّيَتْ بالرَّبابِ لِأَنَّهُم تَحالَفُوا فَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي حِفْنَةٍ فِيها رُبٌّ وهو عُصارة التَّمرِ المَطبوخَةِ.
وَقَدْ أَسْلَمَ عَبْدَةُ وَاشْتَرَكَ فِي الفُتُوحاتِ الإِسْلامِيَّةِ، وَشَهِدَ مَعَ المُثَنَّى بْنِ حارِثَةَ قِتالَ هُرْمز سَنَةَ 13 لِلهِجْرَةِ، وَكانَ فِي جَيْشِ النُّعْمانِ بِنِ مُقْرِنٍ الَّذِينَ حارَبُوا الفُرْسَ مَعَهُ بِالمَدائِنِ. وَهاجَرَ إِلَى العِراقِ وَشَهِدَ وَقْعَةَ بابِلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى البادِيَةِ عِنْدَ قَوْمِهِ، وَقَدْ هَجَرَتْهُ زَوْجَتُهُ فَلَمْ تَرْجِعْ مَعَهُ وَهُوَ يَذْكُرُ ذلِكَ فِي قَصِيدَتِهِ اللَّامِيَّةِ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
هَـل حَبْـلُ خَولَـةَ بَعدَ الهَجْرِ مَوصُولُ أَمْ أَنْـتَ عَنْهـا بَعيدُ الدَّارِ مَشغُولُ
حَلَّــت خُوَيلَــةُ فــي دارٍ مُجـاوِرَةً أَهـلَ المَدائِنِ فِيها الدِّيكُ وَالفِيلُ
وَاتَّسَمَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ بِشِيمٍ كرِيمَةٍ، فَكانَ يَتَرَفَّعُ عَن الهِجاءِ وَيَراهُ ضعَةً، كَما يَرَى تَرْكَهُ مُرُوءَةً وَشَرَفاً. وَكانَ عَبْدَةُ وَفِيّاً وَمِنْ صُوَرِ وَفائِهِ ما وردَ أَنَّهُ كانَ مُتَخاصِماً مَعَ قَيْسِ بنِ عاصِمٍ، ثُمَّ حَمَلَ عَبْدَةُ دَماً فِي قَوْمِهِ فَخَرَجَ يَسْأَلُ فِيما تَحَمَّلَهُ، فَجَمَعَ إِبِلاً، وَمَرَّ بِهِ قَيْسُ بنُ عاصِمٍ وَهُوَ يَسْأَلُ فِي تَمامِ الدِّيَةِ، فَقالَ: فِيمَ يَسْأَلُ عَبدَةُ؟ فَأُخْبِرَ، فَساقَ إِلَيْهِ الدِّيَةُ كامِلَةً مِنْ مالِهِ، وَقالَ: قُولُوا لَهُ لِيَسْتَمْتِع بِما صارَ إِلَيْهِ، وَلْيَسُقْ هذِهِ إِلَى القَوْمِ. فَقالَ عَبْدَةُ: أَما وَاللّٰهِ لَوْلا أَنْ يَكُونَ صُلْحِي إِيّاهُ بِعَقبِ هذا الفِعْلِ عاراً عَلَيَّ لِصالَحْتُهُ، وَلكِنِّي أَنْصَرِفُ إِلَى قَوْمِي ثُمَّ أَعُودُ فَأُصالِحُهُ. وَمَضَى بِالإِبِلِ ثُمَّ عادَ، فَوَجَدَ قَيْساً قَدْ ماتَ، فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ قَيسَ بنَ عاصِمٍ وَرَحمَتُـهُ مـا شاءَ أَن يَتَرَحَّما
تَحِيَّـةَ مَـن أَلبَستَهُ مِنكَ نِعمَةً إِذا زارَ عَـن شَحطٍ بِلادَكَ سَلَّما
فَما كانَ قَيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحِدٍ وَلَكِنَّـهُ بُنيـانُ قَـومٍ تَهَـدَّما
وَهِيَ أَبْياتٌ تُعَدُّ مِنْ أَجْوَدِ الرِّثاءِ الَّذِي قِيلَ، وَذُكِرَ أَنَّ أَبا العَلاءِ كانَ يَقُولُ فِي بيتِ عبدةَ (فَما كانَ قيسٌ) هُوَ أَرْثَى بَيْتٍ قِيلَ.
وَتُظْهَرُ حِكْمَةُ عَبْدَةَ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي قالَها لِأَوْلادِهِ عِنْدَما أَسَنَّ، وَفِيها الدَّعْوَةُ لِلبَرِّ وَالصَّلاحِ وَالتَّقْوَى، يَقُولُ فِيها:
أَبَنِــيَّ إِنّــي قَـد كَبِـرتُ وَرابَنـي بَصـــَري وَفِــيَّ لِمُصــلِحٍ مُســتَمتِعُ
فَلَئِن هَلَكــتُ لَقَـد بَنَيـتُ مَسـاعِياً تَبقــى لَكُــم مِنهـا مَـآثِرُ أَربَـعُ
ذِكــرٌ إِذ ذُكِـرَ الكِـرامُ يَزينُكُـم وَوِراثَــةُ الحَســَبِ المُقَـدَّمِ تَنفَـعُ
وَمَقـــامُ أَيّـــامٍ لَهُــنَّ فَضــيلَةٌ عِنــدَ الحَفيظَـةِ وَالمَجـامِعُ تَجمَـعُ
وَلُهـىً مِـنَ الكَسـبِ الَّـذي يُغنيكُمُ يَومـاً إِذا اِختَصـَرَ النُفوسَ المَطمَعُ
وَنَصـيحَةٌ فـي الصـَدرِ صـادِرَةٌ لَكُـم مـا دُمـتُ أُبصـِرُ في الرِجالِ وَأَسمَعُ
أوصــيكُمُ بِتُقــى الإِلَــهِ فَــإِنَّهُ يُعطـي الرَغـائِبِ مَـن يَشـاءُ وَيَمنَعُ
حدَّدَ الزَّركليُّ فِي (الأَعلام) وفاةَ عَبدةَ بِنحوِ سنةِ 25 لِلهجرةِ.
وَالمَرْءُ ساعٍ لِشَيْءٍ لَيْسَ يُدْرِكُهُ وَالعَيْشُ شُحٌّ وَإِشْفاقٌ وَتَأْمِيلُ
قالَ عُمَرُ مُتَعَجِّباً: وَالعَيْشُ شُحٌّ وَإِشْفاقٌ وَتَأْمِيلُ، يُعْجِّبُهُمْ مِنْ حُسْنِ ما قَسَّمَ وَما فَصَّلَ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قالَ: عَلَى هذا بُنِيَت الدُّنْيا.
ذَكَرَ ابنُ قُتَيْبَةَ فِي (الشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ) أَنَّ مِمّا يُسْتَجادُ لِعَبدَةَ قَوْلُهُ فِي قَيْسِ بنِ عاصِمٍ يَرْثِيهِ:
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ قَيسَ بنَ عاصِمٍ وَرَحمَتُـهُ مـا شاءَ أَن يَتَرَحَّما
تَحِيَّـةَ مَـن أَلبَسْتَهُ مِنْكَ نِعمَةً إِذا زارَ عَـن شَحْطٍ بِلادَكَ سَلَّما
فَما كانَ قَيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحِدٍ وَلَكِنَّـهُ بُنيـانُ قَـومٍ تَهَـدَّما
وَوَرَدَ أَنَّ الأَصْمَعِيَّ قالَ: أَرْثَى بَيْتٍ قالَتْهُ العَرَبُ قَوْلُ عَبْدَةَ بنِ الطَّبِيبِ:
فَما كانَ قَيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحِدٍ وَلَكِنَّـهُ بُنْيـانُ قَـومٍ تَهَـدَّما
وَذُكِرَ أَنَّ أَبا عَمْرو بْنِ العَلاءِ كانَ يَقُولُ: هذا البَيْتُ أَرْثَى بَيْتٍ قِيلَ. وَقالَ عَنْهُ ابنُ الأَعْرابِيِّ: هُوَ قائِمٌ بِنَفْسِهِ، ما لَهُ نَظِيرٌ فِي الجاهِلِيَّةِ وَلا الإِسْلامِ.
ذُكِرَ أَنَّ اجْتَمَعَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ فِي الجاهِلِيَّةِ مَعَ شُعَراءَ مِنْهُمْ الزِّبْرِقانُ بنُ بَدْرٍ والمُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ وَعَمْرُو بْنِ الأَهْتَمِ وَعَلْقَمَةُ بنُ عَبْدَةَ، فَذَكَرُوا الشُّعَراءَ، وَأَيُّهُمْ أَجْوَدُ شِعْراً، فَرَضُوا أَنْ يُحَكِّمُوا أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَبِيعَةُ بنُ حذارٍ الأَسَدِيُّ، فَسَأَلُوهُ، فَقالَ: أَخافُ أَنْ تَغْضَبُوا فَأَمَّنُوهُ مِنْ ذلِكَ، فقالَ في عبْدةَ بن الطّبيبِ: أَمَّا أنتَ يا عَبدةُ فإِنَّ شِعركَ كَمزادَةٍ أُحكِمَ خَرزُها فَليسَ تَقطُرُ ولَا تُمطِرُ.
وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ رَجُلاً قالَ لِخالِدِ بنِ صَفْوانَ: كانَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ لا يُحْسِنُ أَنْ يَهْجُوَ، فَقالَ: لا تَقُلْ ذاكَ، فَوَاللّٰهُ ما أَبَى مِنْ عِيٍّ، وَلكِنَّهُ كانَ يَتَرَفَّعُ عَن الهِجاءِ وَيَراهُ ضعَةً، كَما يَرَى تَرْكَهُ مُرُوءَةً وَشَرَفاً.
كانَ عَبْدُ المَلِكِ بنِ مَرْوانَ يَسْتَجِيدُ بعضَ أبياتِ عبدّةَ، فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ قالَ لِبَعْضِ جُلَسائِهِ: أَيُّ المَنادِيلِ أَشْرَفُ؟ فَقالَ قائِلٌ مِنْهُمْ: مَنادِيلُ مِصْرَ، كَأَنَّها غرقىءِ البيضِ. وَقالَ آخَرُونَ: مَنادِيلُ اليَمَنِ، كَأَنَّها نُورُ الرَّبِيعِ. فَقالَ عَبْدُ المَلِكِ: مَنادِيلُ أَخِي بَنِي سَعْدٍ عَبْدَةَ بنِ الطَّبِيبِ، قالَ:
لَمّــا وَرَدْنـا رَفَعْنـا ظِـلَّ أَرْدِيَـةٍ وَفـارَ بِـاللَّحمِ لِلقَـومِ المَراجيـلُ
وَرْداً وَأَشْـقَرَ لَم يُنْهِئْهُ طابِخُهُ ما غَيَّـرَ الغَليُ مِنهُ فَهوَ مَأْكُولُ
ثمّـتَ قُمْنــا إِلى جُـردٍ مُسـَوَّمَةٍ أَعْرافُهُـــنَّ لِأَيـدينا مَناديلُ