
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ مِن قَبيلَةِ الخَزرَجِ، صَحابِيٌّ جَليلٌ، شَهِدَ بَدراً والعَقَبَةَ وكانَ نَقيباً، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ وُلِدَ فِي الجَاهِلِيَّةِ وشارَكَ قَومَهُ وَقائِعَهُم وحُروبَهُم، وحِينَ جاءَ الإِسلامُ شَهِدَ مَعَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ الغَزواتِ جَمِيعَها، وكانَ أَحَدَ شُعراءِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مِمَّن يُدافِعُونَ عَنهُ ويَردّونَ على المُشرِكينَ، وهُوَ فِي طَبقةِ شُعراءِ القُرى فِي طَبقاتِ ابنِ سَلَّامٍ، اسْتُشْهِدَ فِي غَزوةِ مُؤتَةَ وَكانَ أَحَدَ قادَتِها فِي السَّنةِ الثَّامِنَةِ لِلهِجرَةِ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ عبدُ اللهِ بنُ رَواحَةَ بنِ ثَعلبةَ بنِ امرِئ القَيسِ بنِ عَمرِو بنِ امرِئِ القَيسِ بنِ مالكِ بنِ ثعلبةَ بنِ كعبِ بنِ الخَزرجِ بنِ الحَارثِ بنِ الخَزْرَجِ. ويُكَنّى أبا مُحمَّدٍ، ويُقالُ كُنيَتُهُ أَبُو رَواحةَ، ويُقالُ أَبو عَمرٍو.
يَنتَسِبُ ابنُ رواحةَ إِلى قَبيلَةِ الخَزرَجِ، وهُوَ مِن بَني الحارثِ أَحدِ بُطونِ الخَزرجِ الخَمسةِ وهُم: بَنو عَوفٍ وبَنو عَمرٍو وبنو جُشَمَ وبنو الحارثِ وبنو كَعبٍ. وكانَ عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ مِن بَيتِ له سِيادَةٌ ومَكانَةٌ فِي قَومِهِ، فقد تَحاكَمَ الأَوسُ والخَزرجُ إِلى جَدِّهِ فِي يومِ سُمَيرٍ وهُوَ أحدُ أَيَّامِهم فِي الجاهِلِيَّةِ. وأُمُّ عَبدِ اللهِ هِيَ كَبشَةُ بنتُ واقدِ بنِ عَمرِو بنِ الإطنابَةِ، وجَدُّها عَمرٌو كانَ سَيّداً مِن ساداتِ الخَزرجِ وقادَتِهم. لِذا فقدْ انحدرتْ لَه السِّيادَةُ مِن جِهةِ أَبيهِ وأُمّهِ، وقالَ عنهُ ابنُ سلَّامٍ في طبقاتِهِ هُوَ سَيّدٌ فِي الجَاهِليَّةِ.
أَمّا إِخوَتُهُ فَذُكِرَ مِنهُم أَخوانِ لَهُ مِن أُمِّهِ، وهُما: الصّحابِيُّ أَبو الدَّرداءِ عُويمرُ بنُ عامِرٍ، وثَابِتُ بنُ قَيسِ بنِ شمّاسٍ، وأُختَهُ عَمرةُ هِي أُمُّ الصَّحابِيِّ والشَّاعِرِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ، وكانَ يَتغَزَّلُ بِها قَيسُ بنُ الخَطيمِ فِي مُناقَضاتِهِ مَعَ عَبدِ اللهِ بنِ رَواحَةَ، وقِيلَ عَمرةُ المَذكورَةُ فِي شِعرِهِ هِيَ امرأَةٌ لِحسانَ بنِ ثابتٍ.
وذُكِرَ أَنَّ عبدَ اللهِ بنَ رَواحَةَ ماتَ ولمْ يَترُكْ خَلفَهُ عَقِباً.
وُلِدَ الصَّحابِيُّ الجَلِيلُ عَبْدُ اللّٰهِ بنُ رَواحَةَ فِي المَدِينَةِ وَفِيها نَشَأَ وَعاشَ حَياتَهُ، وَكانَ سَيِّداً فِي الجاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ، أَمّا أَخْبارُهُ فِي الجاهِلِيَّةِ فَقَلِيلَةٌ، لكِنْ يَظْهَرُ مِنها أَنَّهُ نَشَأَ فِي أُسْرَةٍ مِنْ أَشْرافِ قَوْمِهِ، فَكانَ جَدُّهُ عَمْرٌو مِمَّنْ يَتَحاكَمُ عِنْدَهُ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ، وَأُمُّهُ هِيَ حَفِيدَةُ عَمْرِو بنِ الإِطْنابَةِ الَّذِي كانَ مِنْ سادَةِ الخَزْرَجِ كَذلِكَ، وَمِمّا يُظْهِرُ مَكانَةَ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ كانَ مِنْ القِلَّةِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الكِتابَةَ، فَكانَ يَكْتُبُ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَعِنْدَما أَسْلَمَ كَتَبَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما وَرَدَ فِي (الإِصابَةِ) لِابنِ حَجَرٍ، وَلِمَكانَتِهِ فِي قَوْمِهِ اخْتارَهُ الّرَسُولُ عَلَيْهِ السَلامُ نَقِيباً عَلَى قَوْمِهِ فِي بَيْعَةِ العَقَبَةِ الثّانِيَةِ، وكانَ عَبْدُ اللّٰهِ صاحِبَ ثَرْوَةِ وِجاهٍ، يُذْكُرُ أَنَّهُ عِنْدَما تَوَلَّى القِيادَةَ فِي مُؤْتَةٍ قالَ: يا نَفْـسُ إِلَى أَيِّ شَـيْءٍ تَتُوقِینَ إِلَى فُلانةٍ امْرَأَته فَهِيَ طـالِقٌ، وَإِلَى فُلانٍ وَفُلانٍ غِلْمانٌ لَهُ فَهُمْ أَحْرارٌ، وَإِلَى معجَفٍ حائِطٌ لَهُ فَهُوَ للّٰهِ وَلِرَسُولِهِ.
وَقَدْ عَلا شَأْنُ عَبْدِ اللّٰهِ بنِ رَواحَةَ بِدُخُولِهِ الإِسْلامَ، وَأَصْبَحَ مِنْ الصَّحابَةِ المُقَرَّبِينَ، وَكانَ إِسْلامُهُ فِي السَنَةِ الثّالِثَةَ عَشْرَةَ لِلبِعْثَةِ فِي بَيْعَةِ العَقَبَةِ الثانِيَةِ، فَقَدْ طَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ حَضَرَها مِنْ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً فَكانَ عَبْدُ اللّٰهِ أَحَدَ النُّقَباءِ، وَقِيلَ إِنَّ النَبِيَّ هُوَ الَّذِي اخْتارَهُمْ.
وَقَدْ اخْتارَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ مِنَ المُدافِعِينَ بِشِعْرِهِ عَنِ الإِسْلامِ وَمِمَّنْ يَرُدُّونَ عَلَى شُعَراءِ المُشْرِكِينَ، ذَكَرَ ابنُ سَلَّامٍ أَنَّ عَبْدَ اللّٰهِ بنَ رَواحَةَ دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَعاهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: فَانْطَلَقتُ إِلَيْهِم مُسرِعاً فَسلَّمتُ فَقَالَ هَهُنَا فَجَلَسْتُ بَينَ يَدَيْهِ فَقَالَ كَأَنَّهُ يتعجَّبُ مِن شِعرِي كَيفَ تَقولُ الشِّعْرَ إِذا قُلتَهُ، قُلتُ أَنظُرُ فِي ذَلِك ثمَّ أَقُولُ، قَالَ فَعَلَيْك بِالمُشركينَ، قَالَ فَلم أَكُنْ أَعدَدْتُ شَيْئا فَأَنْشَدْتُهُ فَلَمَّا قُلتُ:
فَخَبِّرُونِي أَثْمَانَ العَباءِ مَتَى كُنْتُم بَطارِيقَ أَو دانَتْ لَكُم مُضَرُ
قَالَ فكأَنِّي عَرَفْتُ في وَجهِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ الْكَرَاهَةَ إِذْ جَعلتُ قَومَهُ أَثمَانَ العَباءِ فَقلْتُ:
نُجالِدُ النَّاسَ عَن عِرضٍ فَنَأْسِرُهُم فِينَا النَّبيُّ وَفِينَا تَنزِلُ السُّوَرُ
وَقدْ عَلِمْتُم بِأَنَّا لَيْسَ غالِبُنا حَيٌّ مِنَ النَّاسِ إِنْ عَزُّوا وَإِنْ كَثُرُوا
يَا هَاشمَ الْخَيْرِ إِنَّ اللهَ فَضَّلَكُمْ على الْبَريَّةِ فَضْلاً مَالَهُ غِيَرُ
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ أعرِفُهُ فِراسةً خالَفَتْهُم فِي الَّذي نَظَرُوا
وَلَو سَأَلْتُ أَو اسْتنصرْتُ بَعضَهُمُ فِي جُلِّ أَمْرِكَ مَا آوَو وَمَا نَصَرُوا
فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتاكَ مِن حَسَنٍ تَثْبِيتَ مُوسَى ونَصْراً كالَّذي نَصَرُوا
فَأَقْبَلَ عليَّ بِوَجْهِهِ مُبْتَسِمًا، ثمَّ قَالَ: وَإِيَّاكَ فَثَبَّتَ اللهُ.
وَقَدْ حَضَرَ عَبْدُ اللّٰهِ بنُ رَواحَةَ المَشاهِدَ كُلَّها مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتُشْهِدَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ، وَكانَ فارِساً شُجاعاً حَكِيماً، اسْتَخْلَفَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَدِينَةِ حِينَ ذَهَبَ لِمُلاقاةِ المُشْرِكِينَ فِي بَدرٍ الآخِرَةِ إذ تَواعَدُوا مع المُشركينَ بَعْدَ مَعْرَكَةِ أَحَدٍ أَنْ يَلْتَقُوا فِي بَدْرٍ العامَ المُقْبِلَ لكِنْ لَمْ يَحْضُر المُشْرِكُونَ، وَمَكَثَ الرَّسُولُ عليه السّلامُ ينتظرُهُم ثَمانِيَ لَيالٍ كانَ خِلالَها عَبْدُ اللّٰهِ بنُ رَواحَةَ أَمِيراً عَلَى المَدِينَةِ.
وَظَلَّ ابنُ رَواحَةٍ حاضِراً فِي جَمِيعِ الغَزَواتِ سَواءٌ بِسَيْفِهِ أَمْ بِلِسانِهِ، فَفِي غَزْوَةِ الخَنْدَقِ كانَ المُسْلِمُونَ يَرْتَجِزُونَ قَوْلَهُ وَهُوَ يَحْفِرُونَ الخَنْدَقَ:
تَاللَّهِ لَولا اللَّهُ ما اهتَدَينا ...
وَلا تَصَدَّقْنا وَلا صَلَّينا ...
الكافِرُونَ قَد بَغَوا عَلَينا ...
إِذا أَرادُوا فِتنَةً أَبَينا ...
وَأَرْسَلَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِلهِجْرَةِ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى أُسَيرِ بنِ رِزام الَّذِي أَمَّرَتْهُ اليَهُودُ عَلَيْها فِي خَيْبَرَ، وَكانَ أُسَيرٌ هذا يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهِ غَطْفانَ لِقِتالِ النَّبِيِّ، فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللّٰهِ بْنُ رَواحَةَ.
وَحِينَ دَخَلَ النَّبِيُّ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضاءِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلهِجْرَةِ كانَ عَبْدُ اللّٰهِ بِنُ رَواحَةَ يَأْخُذُ بِخِطامِ ناقَةِ النَّبِيِّ وَيَقُودُها وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
خَلُّوا بَنِي الكُفّارِ عَن سَبِيلِهِ ...
خَلُّوا فَكُلُّ الخَيرِ في رَسُولِهِ ...
قَد أَنْزَلَ الرَّحمَنُ في تَنزِيلِهِ ...
في صُحُفٍ تُتْلَى عَلى رَسُولِهِ ...
بِأَنَّ خَيرَ القَتْلِ فِي سَبيلِهِ ...
يا رَبُّ إِنِّي مُؤمِنٌ بِقيلِهِ ...
أَعرِفُ حَقَّ اللَّهِ في قَبولِهِ ...
فَقالَ عُمَرُ: يا ابنَ رَواحَةَ، أَفِي حَرَمَ اللّٰهَ وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ هذا الشِّعْرَ. فَقالَ: "خَلِّ عَنْهُ يا عُمَرُ، فُوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَلامُهُ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ". وَبَعْدَ ذلِكَ أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ إِلَى خَيْبَرَ لِيَخْرُصَ عَلَى أَهْلِها الثَّمَرَ (أَيْ يُقَدِّرَ ما عَلَى الشَّجَرِ مِنَ الثِّمارِ بِالظَنِّ لا بِالإِحاطَةِ).
وَفِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ خَرَجَ مَعَ جَيْشِ المُسْلِمِينَ إِلَى مُؤْتَةَ لِمُحارَبَةِ الرُّومِ، وَقَدْ أَمَّرَ الرَّسُولُ زَيْدَ بنَ حارِثَةَ عَلَى الجَيْشِ وَقالَ: زَیـدُ بـنُ حارِثَـةَ أَمَیرُ النّاسِ، فَإِنَّ قَتِلَ زَيْدُ بنُ حارِثَةَ فُجَعْفَرُ بنُ أَبِي طالِبٍ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَـرٌ فَعَبَدُ اللهِ بـنُ رَوّاحَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ عَبْدُ االلّٰهِ بنُ رَواحَةَ، فَلیَرضَ المُسْلِمُونَ بِینَهُمْ رَجُلاً فَلَیَجْعَلُوهُ عَلَیهِمْ"
وَخَرَجَ عَبْدُ اللّٰهِ مَعَ الجَيْشِ وَالمُسْلِمُونَ يَدْعُونَ لَهُمْ بِالسَّلامَةِ فَقالَ:
لَكِنَّنـي أَسـأَلُ الرَحمَـنَ مَغفِرَةً وَضـَربَةً ذاتَ فَرغٍ تَقذِفُ الزَبَدا
أَو طَعنَـةً بِيَـدَي حَـرّانَ مُجهِزَةً بِحَربَـةٍ تُنفِذُ الأَحشاءَ وَالكَبِدا
حَتّى يُقالَ إِذا مَرّوا عَلى جَدَثي أَرشَدَهُ اللَهُ مِن غازٍ وَقَد رَشَدا
وفِي مُؤتَةَ قُتِلَ زَيدٌ ثُمَّ جَعفَرٌ رَضِيَ اللّهُ عنهُما، فَحملَ عَبدُ اللهِ بنُ رواحةَ الرَّايةَ ووَجَدَ في نَفسِهِ بعضَ التَّردُّدِ فَقالَ:
أَقسَمتُ يا نَفسُ لَتَنزِلِنَّه ...
طائِعَةً أَو لا لَتُكرَهِنَّه ...
إِن أَجلَبَ الناسُ وَشَدّوا الرَنَّة ...
ما لي أَراكِ تَكرَهينَ الجَنَّة ...
فَقاتَلَ قِتالَاً شَدِيداً حَتَّى أُصِيبَتْ أُصبَعُهُ فَقالَ:
هَل أَنتِ إِلّا إِصبَعٌ دَميتِ ...
وَفي سَبيلِ اللَهِ ما لَقيتِ ...
يا نَفسُ إِلّا تُقتَلي تَموتي ...
هَذا حِمامُ المَوتِ قَد صَليتِ ...
وظَلَّ يُقاتِلُ حَتّى سَقَطَ شَهِيداً.
تُوفِّيَ عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ فِي غَزوةِ مُؤتَةَ فِي السَّنةِ الثَّامنةِ لِلهجرَةِ، وقد استَلَمَ الرّايةَ بعدَ مَقتلِ جَعفرِ بنِ أَبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ مِن الشُّعراءِ المُخضرَمِينَ، اتَّجَهَ شِعرُهُ فِي الجاهِليَّةِ إِلى الدِّفاعِ عَن قَومِهِ والذَّودِ عَنهُم وهِجاءِ خُصومِهم، وكانَ لَهُ نَقائِضَ مَعَ شاعِرِ الأَوسِ قَيسِ بنِ الخَطيمِ.
عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ في طبقاته مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى، وجَمَعَهُ مع شُعراءِ المَدينةِ الفُحولِ وهُم: حَسَّانُ بنُ ثَابتٍ وكَعْبُ بنُ مَالكٍ وقيسُ بنُ الخطيمِ وَأَبُو قَيسِ بنِ الأَسلَتِ. وقال عنه ابنُ سلّامٍ: لَيْسَ في طَبقتِهِ الَّتِي ذكرنَا أَسْوَدَ مِنْهُ.
كانَ فِي شِعرِهِ الإِسْلامِيِّ مُدافِعاً عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ وكانَ يَرُدُّ عَلى شُعراءِ المُشرِكينَ، وكانَ شِعرُهُ الإِسلامِيُّ خالياً مِن الصَّنعةِ سَهلاً مَطبوعاً قَريبَ المأْخَذِ، وكانَ فِي ردِّهِ عَلى المُشرِكينَ يُعيِّرُهُم بِالكُفرِ فَكانَ قَولُهُ هَيِّناً عَليهم، فَلَمّا أَسْلَمُوا وَفَقُهُوا الإِسلامَ كانَ أَشدُّ القَولِ عَلِيهم قَولَ عَبدِ اللهِ بنِ رَواحَةَ كَما أَشارَ ابنُ رَشيقٍ فِي (العُمدة).
"قالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: "نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ اللَّهِ بنُ رَواحةَ"
(فَوائِدُ أَبِي طاهرٍ الذُّهليّ).
(ابنُ سلّامٍ/ طَبقاتُ فُحولِ الشُّعراءِ).
(الآمديّ/ المؤتلف والمختلف من أسماء الشعراء)
(العقد الفريد/ ابنُ عَبدِ رَبِّهِ).
(البَغداديّ/ خِزانةُ الأَدب).
(الإِصابَة لِابنِ حَجَرٍ)