
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
سُحَيمٌ عَبْدُ بَنِي الحَسْحاسِ، كانَ عَبْداً حَبَشِيّاً أَسْوَدَ عاشَ فِي بَنِي الحَسْحاسِ وَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَهُوَ شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَتَمَثَّلَ النَبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِعْرِهِ وَلا يُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ، عُرِفَ بِشِعْرِهِ فِي الغَزْلِ وَالتَشْبِيبِ بِنِساءِ مَوالِيهِ، وَهُوَ ما أَدَّى إِلَى قَتْلِهِ حَوالَيْ سَنَةِ 40هـ المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 660م.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
يُعْرَفُ بِعَبْدِ بَنِي الحَسْحاسِ بْنِ هِنْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ غِضابِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دُودانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَاسْمُهُ فِي أَغْلَبِ المَصادِرِ سُحَيمٌ وَقِيلَ اسْمُهُ حَيَّةٌ، ويُكنى بِأَبِي عَبدِ اللهِ، مَوْلاهُ هُوَ جَنْدَلُ بْنُ مَعْبَدٍ مِنْ بَنِي الحَسْحاسِ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَكانَ سُحَيمٌ عَبْداً حَبَشِيّاً أَسْوَدَ، وَوَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّهُ كانَ نُوبْيَّاً.
عاشَ سُحَيمٌ حَياتَهُ عَبْداً فِي بَنِي الحَسْحاسِ وهم مِنْ بَنِي أَسَدٍ، حَيْثُ كانَ عَبْداً حَبَشِيّاً عِنْدَ مَوْلاهُ جَنْدَلُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَلا تَرِدُ أَخْبارٌ عَنْ نَشْأَتِهِ أَوْ حَياتِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَكُلُّ ما وَرَدَ عَنْهُ مِنْ أَخْبارٍ كانَ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي (الشِّعْر وَالشُّعَراء) أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبَي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيَّ اشْتَراهُ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ رَضَي اللهُ عَنْهُ: إِنِّي قَدْ اشْتَرَيْتُ لَكَ غُلاماً حَبَشِيّاً شاعِراً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمانُ: لا حاجَةَ بِنا إِلَيْهِ فَارْدُدْهُ، فَإِنَّما حَظُّ أَهْلِ العَبْدِ الشَّاعِرِ مِنْهُ إِذا شَبِعَ أَنْ يُشَبِّبَ بِنِسائِهِمْ، وَإِذا جاعَ أَنْ يَهْجُوْهُمْ، فَرَدَّهُ فَاشْتَراهُ أَحَدُ بَنِي الحَسْحاسِ. وَهذا الخَبَرُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ قَدْ عاشَ شَطْراً طَوِيلاً مِنْ حَياتِهِ قبل هذه الحادثةِ حَتَّى تَعَلَّمَ الشِّعْرَ وَقالَهُ واشْتُهِرَ بِهِ، وَيَذْكُرُ الأَصْفَهانِيُّ فِي (الأَغانِي) أَنَّ أَوَّلَ ما تَكَلَّمَ بِهِ عَبْدُ بَنِي الحَسْحاسِ مِنْ الشِّعْرِ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوهُ رائِداً فَجاءَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنْعَتُ غَيْثاً حَسَناً نَباتُهُ كَالحَبَشِيِّ حَوْلَهُ بَناتُهُ
فَقالُوا: شاعِرٌ وَاللهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِالشِّعْرِ بَعْدَ ذلِكَ.
وَكانَ يَظْهَرُ فِي نُطْقِهِ أَثَرُ عُجْمَتِهِ، وَمِنْ ذلِكَ ما وَرَدَ أَنَّهُ رُبَّما أَنْشَدَ فَيَقُولُ: أَحْسَنْك وَاللهِ. يُرِيدُ: أَحْسَنْت وَاللهِ، وَوَرَدَ أَيْضاً أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ لَهُ: لَوْ كُنْتَ قَدَّمْتَ الإِسْلامَ عَلَى الشَّيْبِ لَأَجَزْتَكَ في إشارةٍ إلى بيته الذي يقولُ فِيهِ (كَفى الشَّيبُ والإسلامُ للمرْءِ ناهِيا). فَقالَ سُحَيمٌ: ما سَعَرْتُ، يُرِيدُ ما شَعَرْتُ.
وَكانَ سُحَيمُ دَمِيمَ الخِلْقَةِ قَبِيحَ الوَجْهِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي ذلِكَ:
أَتَيْتُ نِساءَ الحارِثِيِّينَ غَدْوَةً بِوَجْهٍ بَراهُ اللهُ غَيْرِ جَمِيلِ
فَشَبَّهْنَنِي كَلْباً وَلَسْتُ بِفَوْقِهِ وَلا دُونَهُ إِنْ كانَ غَيْرَ قَلِيلِ
وَيَظْهَرُ فِي شِعْرِ سُحَيمٍ إِدْراكُهُ لاِزْدِراءِ النَّاسِ لَهُ لِمَظْهَرِهِ الخارِجِيِّ وَلِفَقْرِهِ، يُشِيرُ إِلَى ذلِكَ بِقَوْلِهِ:
أَشَـارَتْ بِـمِــدْرَاهـا وَقَالَتْ لِتِرْبِهـا أَعَبْـدُ بَنِي الْحَسْحاسِ يُزْجِي الْقَوَافِيا
رَأَتْ قَـتَــبــاً رَثَّاً وَسَـحْــقَ عَـبَــاءَةٍ وَأَسْـوَدَ مِـمَّا يَمْـلِكُ النَّاسُ عَارِيـا
لكِنْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذلِكَ فَإِنَّ سُحَيماً لَمْ يَكُنْ كَباقِي العَبِيدِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الطَّاعَةَ وَالخُضُوعَ لأَسْيادِهِمْ، بَلْ إِنَّ فِي شِعْرِهِ ما يُظْهِرُ الأَنْفَةَ وَالاعْتِدادَ بِالنَّفْسِ، وَلَعَلَّهُ وَجَدَ فِي قَوْلِ الشِّعْرِ تَعْوِيضاً عَنْ الازْدِراءِ الَّذِي كانَ يَتَعَرَّضُ لَهُ، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
أَشْعَارُ عَبْدِ بَنِي الْحَسَحَاسِ قُمْنَ لَهُ يَوْمَ الْفَخَارِ مَقَامَ الْأَصْلِ وَالْوَرِقِ
إِنْ كُنْـتُ عَبْـداً فَنْفِسِي حُرَّةٌ كَرَماً أَوْ أَسْوَدَ اللَّوْنِ إِنِّي أَبْيَضُ الْخُلُقِ
وَلَعَلَّ هذِهِ الحالَةَ وَالعُقْدَةَ النَّفْسِيَّةَ الَّتِي عاشَها فِي مُجْتَمَعِهِ هِيَ ما قادَتْهُ إِلَى التَشْبِيبِ بِنِساءِ مَوالِيهِ، حَتَّى كانَ فِي ذلِكَ هَلاكُهُ، فَقَدْ رَوَى الأَصْفَهانِيُّ فِي (الأَغانِي) أَنَّ مَوْلاهُ أَرادَ بَيْعَهُ فَلَمّا رَحَلَ قالَ فِي طَرِيقِهِ:
أَشَوْقـاً وَلَمَّا تَمْضِ بِي غَيْرُ لَيْلَةٍ فَكَـيْفَ إِذَا سَارَ الْمَطِيُّ بِنَا عَشْرا
أَخُوكُـمْ وَمَوْلَى خَيْـرِكُـمْ وَحَلِيفُكُمْ وَمَنْ قَدْ ثَوَى فِيكُمْ وَعَاشَرَكُمْ دَهْرا
وَمَا خِفْتُ سَلَّاماً عَلَى أَنْ يَبِيعَنِي بِشَـيْءٍ وَلَوْ أَمْسَـتْ أَنَامِلُهُ صِفْرا
فَلَمّا بَلَغَهُمْ شِعْرُهُ هذا رَثُوا لَهُ، فَاسْتَرَدُّوهُ. فَكانَ يُشَبِّبُ بِنِسائِهِمْ، حَتَّى قالَ:
وَلَقَدْ تَحَدَّرَ مِنْ كَرائِمِ بَعْضِكُمْ عَرَقٌ عَلَى مَتْنِ الفِراشِ وَطِيبُ
قالَ: فَقَتَلُوهُ. وَقِيلَ إِنَّهُ شَبَّبَ بِأُخْتِ مَوْلاهُ وَكانَتْ عَلِيلَةً فَقالَ:
مَاذَا يُرِيـدُ السَّقَامُ مِنْ قَمَرٍ كُـــلُّ جَــمَـــالٍ لِوَجْهِهِ تَــبَـــعُ
مَا يَبْـتَـغِي جَارَ في مَحَاسِنِها أَمَـا لَهُ فِـي الْقِبَـاحِ مُتَّسـَعُ
غَــيَّرَ مِــنْ لَوْنِهـا وَصَـغَّرَهــا فَزِيـدَ فِيـهِ الْجَمَـالُ وَالْبِدَعُ
لَوْ كَانَ يَبْغِي الْفِدَاءَ قُلْتُ لَهُ هَا أَنَا دُونَ الْحَبِيبِ يَا وَجَعُ
وَمِنْ القِصَصِ الَّتِي تُرْوَى عَنْهُ قِصَّةُ الفَتَياتِ الصُبَيرِيّاتِ، وَفِيها أَنَّهُ جالَسَ نِسْوَةً مِنْ بَنِي صُبَيْرِ بْنِ يَرْبُوع، وَكانَ مِنْ شَأْنِهِمْ إِذا جَلَسُوا لِلتَّغَزُّلِ أَنْ يَتَعابَثُوا بِشَقِّ الثِِّيابِ وَشِدَّةِ المُغالَبَةِ عَلَى إِبْداءِ المَحاسِنِ، فَقالَ سُحَيمٌ:
كَـأَنَّ الصُّبـَيْــرِيَّاتِ يَوْمَ لَقِيـنَـنـا ظِبَـاءٌ حَنَـتْ أَعْنَـاقَها فِي الْمَكَانِسِ
وَهُنَّ بَنَـاتُ الْقَوْمِ إِنْ يَشْعُرُوا بِنا يَكُنْ في بَنَاتِ الْقَوْمِ إِحْدَى الدَّهَارِسِ
فَكَـمْ قَدْ شَقَـقْـنَـا مِنْ رِدَاءٍ مُنَـيَّر وَمِنْ بُرْقُـع عَنْ طَفْـلَةٍ غَيْـرِ عَانِـسِ
إِذَا شُـقَّ بُـرْدٌ شُـقَّ بِالْبُـرْدِ بُرْقُـع دَوَالَيْـكَ حَـتَّى كُـلُّنــا غَـيْـرُ لَابِسِ
فَيُقالُ: إِنَّهُ لَمّا قالَ هذا الشِّعْرَ اتَّهَمَهُ مَوْلاهُ، فَجَلَسَ لَهُ فِي مَكانٍ كانَ إِذا رَعَى نامَ فِيهِ، فَلَمّا اضْطَجَعَ تَنَفَّسَ الصُّعَداءَ، ثُمَّ قالَ:
يَا ذِكْرَةً مَا لَكَ فِي الْحَاضِر تَذْكُـرُهـا وَأَنْتَ في الصَّادِرِ
مِنْ كُلِّ بَيْـضَـاءَ لَها كَعْثَبٌ مِثْـلُ سَنَامِ الْبَكْرَةِ الْمَائِرِ
قالَ: فَظَهَرَ سَيِّدُهُ مِنْ المَوْضِعِ الَّذِي كانَ فِيهِ كامِناً، وَقالَ لَهُ: مالَكَ؟ فَلَجْلَجَ فِي مَنْطِقِهِ، فَاسْتَرابَ بِهِ، فَأَجْمَعَ عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمّا وَرَدَ الماءَ خَرَجَتْ إِلَيْهِ صاحِبَتُهُ، فَحادَثَتْهُ، وَأَخْبَرَتْهُ بِما يُرادُ بِهِ، فَقامَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيُعْفِي أَثَرَهُ، وَيلْقطُ رَضَّاً مِنْ مِسْكِها كانَ كَسَرَها فِي لَعِبِهِ مَعَها، وَأَنْشَأَ يَقُولُ قَصِيدَتَهُ:
أَتُكْـتَـمُ حُيِّيـتُـمْ عَلَى النَّأْيِ تُكْـتَمَا تَـحِــيَّةَ مَـنْ أَمْـسَــى بِحُـبِّكِ مُغْـرَمَـا
قالَ: وَغَدوا بِهِ لِيَقْتُلوهُ، فَلَمّا رَأَتْهُ امْرَأَةٌ كَانتْ بَينَها وبَينَهُ مَودَّةٌ ثُمَّ فَسَدَتْ، ضَحِكَتْ بِهِ شَماتَةً فَنَظَرَ إِلَيها وَقالَ:
فَإِنْ تَضْحَكِي مِنِّي فَيَا رُبَّ لَيْلَةٍ تَرَكْتُكِ فِيها كَالْقَبَاءِ الْمُفَرَّجِ
فلَمَّا قُدِّمَ لِيُقْتَلَ قَالَ:
شُدُّوا وَثَاقَ الْعَبْدِ لَا يُفْلِتْكُمُ إِنَّ الْحَيَـاةَ مِنَ الْمَمَاتَ قَرِيبُ
فَلَقَـدْ تَحَدَّرَ مِنْ جَبِينِ فَتَاتِكُمْ عَرَقٌ عَلَى ظَهْرِ الْفِرَاشِ وَطِيبُ
ثَمَّةَ عِدَّةُ رِواياتٍ لِمَقْتَلِ سُحَيمٍ وَكُلُّها تُجْمِعُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّما قُتِلَ لِتَشبِيبِهِ بنساء مَوالِيهِ وَاِتِّهامِهِ بِهِنَّ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ في (الشِّعر والشُّعراء) أَنَّ مَنْ كانَ عِنْدَهُمْ حينَ شكّوا في أَمرِهِ سَقَوْهُ الخَمْرَ ثُمَّ عَرَضُوا عَلَيْهِ نِسْوَةً، فَلَمّا مَرَّتْ بِهِ الَّتِي كانَ يُتَّهَمُ بِها أَهْوَى إِلَيْها، فَقَتَلُوهُ. وَوَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّهُمْ حَفَرُوا لَهُ أُخْدُوداً فَوَضَعُوهُ فِيهِ ثُمَّ أَحْرَقُوهُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الإِصابَةِ) إِنَّ سَبَبَ قَتْلِهِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي الحَسْحاسِ أَسَرَها بَعْضُ اليَهُودِ وَاسْتَخَصَّها لِنَفْسِهِ وَجَعَلَها فِي حِصْنٍ لَهُ فَبَلَغَ ذلِكَ سُحَيماً فَأَخَذَتْهُ الغَيْرَةُ فَما زالَ يَتَحَيَّلُ لَهُ حَتَّى تَسَوَّرَ عَلَى اليَهُودِيِّ حِصْنَهُ فَقَتَلَهُ، وَخَلَّصَ المَرْأَةَ فَأَوْصَلَها إِلَى قَوْمِها، فَلَقِيَتْهُ يَوْماً فَقالَتْ لَهُ: يا سُحَيمُ وَاللهِ لَوَدَدْتُ أَنِّي قَدَرْتُ عَلَى مُكافَأَتِكَ عَلَى تَخْلِيصِي مِنْ اليَهُودِيِّ فَقالَ لَها: وَاللهِ إِنَّكَ لَقادِرَةٌ عَلَى ذلِكَ عَرَّضَ لَها بِنَفْسِها فَاسْتَحِيَتْ وَذَهَبَتْ، ثُمَّ لَقِيَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى فَعَرَّضَ لَها بِذلِكَ فَأَطاعَتْهُ فَهَوِيَها وَطَفِقَ يَتَغَزَّلُ فِيها فَفَطِنُوا لَهُ فَقَتَلُوهُ خَشْيَةَ العارِ.
وَذَكَرَ البَغْدادِيُّ فِي (خِزانَة الأَدَبِ) أَنَّ سُحَيماً قُتِلَ فِي خِلافَةِ عُثْمانَ، وَوَرَدَ فِي (تارِيخ الأَدَبِ العَرَبِيِّ) لِبُروكلمان وَفِي (الأَعْلام) لِلزَّرْكَلِي أَنَّهُ قُتِلَ سَنَةَ 40ه/660م.
سُحَيمٌ شاعِرٌ مُجيدٌ حُلوُ الشِّعرِ رَقيقُ الحَواشِي، وكَانَ لهُ مِن الأَبياتِ ما يُتمثَّلُ بِهِ، وقد ذُكِرَ فِي (الأَغانِي) أنّ الرّسولَ صلَّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ تَمثَّلَ بِبيتِهِ فَقال: (كَفى بِالإسْلامِ والشَّيبِ ناهِيا) فَقالَ أبو بكرٍ: يا رَسولَ اللّهِ: (كَفى الشَّيبُ والإسلامُ لِلمرءِ ناهِيا) فجَعلَ لَا يُطيقُهُ، فَقالَ أَبو بَكرٍ: أَشهدُ أَنَّكَ رَسولُ اللّهِ "وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ". ووردَ أَيضاً أنَّ الرَّسولَ عَليهِ السَّلامُ أُنْشِدَ قَولَ سُحيمٍ عَبدِ بَني الحَسْحاسِ: (الْحَمدُ للهِ حَمداً لَا انْقِطَاعَ لَهُ / فَلَيْسَ إحْسانُهُ عَنَّا بِمقْطُوعِ) فَقَالَ: أَحسَنَ وَصَدَقَ وَإِنَّ اللهَ يَشْكُرُ مِثلَ هَذَا وَلَئِنْ سَدَّدَ وقارَبَ إِنَّهُ لَمِنْ أَهلِ الْجَنَّةِ.
كانَ عُمرُ بنُ الخطّابِ يَستجيدُ شِعرَ سُحَيْمٍ، وقد وَردَ أَنَّ سُحَيماً أَنشدَ عُمَرَ بنَ الخَطَّاب قَولَهُ: (عُــمَـــيْــرَةَ وَدِّع إِنْ تَـجَهَّزْتَ غَـادِيــا / كَفَـى الشَّيْبُ والإِسْلامُ لِلْمَرْءِ ناهِيا) فقالَ عُمرُ: لَو قُلتَ شِعرَكَ كُلَّهُ مِثلَ هذا لَأَعطيتُكَ عَليهِ، وفِي رِوايةٍ أُخرى قالَ لَهُ عُمَرُ: لو قَدَّمْتَ الإِسلامَ عَلى الشَّيبِ لَأَجَزْتُكَ. وَحِينَ أَنشدَهُ قَولَهُ: (تُـوَسِّدُنِــي كَـفّــاً وتَـثْــنِــي بِمِـعْـصَـمٍ / عَـلَيَّ وَتَـحْــوِي رِجْـلَهــا مِنْ وَرائِيا) قَالَ عُمرُ: وَيلَكَ إِنَّكَ مَقْتُولٌ.
هوَ فِي الطَّبَقَةِ التَّاسِعَةِ مِن طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ لابنِ سَلَّامٍ، وَقد جَمعَهُ ابنُ سَلّامٍ مع ضابِئٍ بنِ الْحَارِثِ بنِ أَرْطَاةَ وسُويدِ بنِ كرَاع العُكْليّ والحُويدرةِ، ورأى أَنَّه حُلْوُ الشِّعْرِ رَقِيقُ حَواشِي الْكَلَامِ.
أَكْثَرُ شِعْرِ سُحَيمٍ فِي الغَزْلِ وَقَدْ بَرَعَ فِيهِ، وَأَشْهَرُ قَصائِدِهِ هِيَ اليائِيَّةُ ومَطْلَعُها (عُـمَـــيــرَةُ وَدِّعْ إِنْ تَـجَهَّزَتْ غـادِيــا) وَهِيَ القَصِيدَةُ الَّتِي سَمّاها المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ بِالدِّيباجِ الخُسْرُوانِيِّ وَهوَ الحَرِيرُ الفارِسِيُّ النَّفِيسُ الفاخِرُ.
(ابن سلّام / طبقات فحول الشُّعراء)
(ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(أَبُو الفرجِ الأصفهانيّ/ الأغاني).