
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
المُرَقِّشُ الأكْبرُ هُو عمْرو بن سَعدِ بنِ ضَبيعةَ، من قبيلةِ بَكْرِ بنِ وائِل، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، وُلدَ في اليمنِ ونَشَأَ فِي العِراق، وتُوفِّيَ نحو سَنَةِ 75ق.هـ/550م. اشْتُهِرَ بِقِصَّةِ عِشْقِهِ لِابْنَةِ عَمِّهِ (أَسْماء) وقالَ فِيها شِعراً كَثِيْراً، واتَّصَلَ مُدَّةً بالحارثِ بن أَبِي شَمَّرَ الغَسَّانِيِّ وَنادَمَهُ وَمَدَحَهُ، واتَّخَذَهُ الحارِثُ كاتِباً لَهُ. يُعَدُّ المُرَقِّش الأكْبر مِنَ الشُّعَراءِ المُتيَّميْنَ الشُّجْعانِ، وَغَلَبَ عَلى شِعْرِهِ وَصْفُ مُعاناتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَعَلاقَةِ الحُبِّ التي جَمَعَتْهُ مَعَ ابْنَةِ عّمِّهِ (أَسْماءَ)، وقلَّما خَرَجَ فِي شِعْرِهِ إِلى أَغْراضٍ شِعْرِيَّةٍ أُخْرَى كالمَدْحِ وَالهِجاءِ وَالفَخْرِ وَالرِّثاءِ وَغَيْرِها.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
ثمّةَ اختِلافٌ في المَصادِرِ حَولَ اسمِ المُرَقِّشِ الأكْبرِ، فقد وردَ أنَّ اسْمهُ عَمْرو (أو عوف أو ربيعة) بنُ سَعْدٍ، وهناكَ منْ ذهبَ إلى أَنَّهُ رَبيعةُ بنُ حَرْملةَ، وقيلَ: حَرملةُ بنُ سَعدٍ، وقيلَ: عَمرو بنُ حرملةَ. ولعلَّ أَصْوَبَ الآراءِ أَنَّه عَمْرو بنُ سَعْدٍ بنِ ضَبيعَة بنِ قَيْس بنِ ثَعلَبة البَكْرِيِّ الوائِلِيِّ، وَهْوَ رَأْيُ ابنِ الكَلْبِيِّ والآمِدِيِّ وابنِ حَزْمٍ، ويُؤَكِّدُ هذا الرَّأْيَ ما وَرَدَ أَنَّ عَوْفاً هُو اسْمُ عَمِّهِ والِدِ حَبيبتِهِ أَسْماء، وأنَّ رَبيعةَ وحَرْملةَ هُما أَخوانِ لِلمُرقِّشِ.
وقد لُقِّب بالمرقِّش لقوله:
الدَّارُ قَـفْــرٌ والرُّسُـومُ كَـمــا رَقَّشَ فـي ظَهْـرِ الأَدِيـمِ قَـلَمْ
أمّا قَبيلتُهُ فهي بكرُ بنُ وائلٍ، قبيلةٌ عظيمةٌ من العَدنانيَّةِ، ومِنْ أَشْهرِ قبائِلِ رَبيعةَ وَأَكبرِها عَدداً وَعُدَّةً، كانتْ دِيارُها مِنَ اليَمامةِ إِلى البَحرينِ إِلى سَيفِ كاظمة، إِلى البحرينِ فأَطرافِ سوادِ العراقِ، فالأُبُلَّةِ فَهِيْت، وقد تقدَّمتْ شَيْئاً فشيئاً فِي العِراقِ، فَقَطَنَتْ عَلى دَجلةَ، فِي المنطقةِ المدعوَّةِ حتى يومِنا هذا باسمِهم (دِيار بكر). وتُعدُّ قَبيلةُ بَكرِ بنِ وائلٍ مِن أَعْظمِ القَبائلِ المُحارِبَةِ، وَأَشْهَرُ وَقعاتِهم حربُ البَسوسِ معَ قبيلةِ تغلبَ حوالي سنةَ 490م. شَهِدَ المُرَقِّش الأكْبر هذهِ الحربَ وشاركَ فيها ولَهُ فِيها بَعضُ أبياتٍ. وكانتْ قبيلةُ بكْرٍ قد غَزَتْ من قبلُ تُخومَ الأمبراطوريَّةِ الفارسيَّةِ، فَجهَّزَ المَلكُ شابورُ حوالي سَنةَ 330م جيشاً لتأديبِها، فَقتلَ وَسَبَى وأَسَرَ عدداً كبيراً مِنَ الأَسرى فِي فارس، ويُذكرُ أنَّهُ كانَ للنُّعمانِ بنِ المُنذرِ كَتيبةٌ يُقالُ لَها الصَّنائِعُ، وَهُم صَنائِعُ المَلِكِ، أَكْثرهُم مِن بَكرِ بنِ وائلٍ.
ويَتَّضِحُ مِمَّا رُوِيَ عن المُرَقِّش الأكْبر مِن أَخبارٍ أَنّه سَليلُ أُسرَةٍ عَريقةٍ، امتازتْ بِالفُروسيَّةِ والشِّعرِ، فقدْ كانَ أَبوه مِنْ سَراةِ بَني بكرٍ وفُرسانِها المَعدوديْنَ، وكانَ سيِّدَهم فِي حربِ البَسوسِ، ولِلمُرقِّشِ فِي هذه الحَربِ عِدّةُ أَبياتٍ، أَوردَ فِيها حُسنَ بَلائِهِ فِي الحَربِ، وَكانتْ مَصدَراً لِلفخْرِ والرِّثاءِ فِي شِعْرِهِ، وفي أُسْرةُ المرقِّشِ كَذلكَ نبغَ عددٌ مِنِ الشُّعراءِ، فالمُرَقِّشُ الأَكْبرُ هُو عَمُّ المُرقِّشِ الأَصْغَرِ عَلى أَصَحِّ الأَقْوالِ، وخَال عَمرو بنِ قَميئَةَ، والمُرقِّشُ الأَصْغَرُ هو عَمُّ طَرَفَةَ بنِ العَبدِ. وربَّما كانت هذهِ العائلةُ تمتلكُ وَعياً أَكثرَ مِنْ غَيرِها فِي تِلكَ الفترةِ، وَما يُؤكّدُ ذَلكَ ما وَرَدَ فِي كِتابِ الأَغانِي أَنَّ أَبا المُرَقِّشِ الأكْبرِ أَرسلهُ هُوَ وَأَخاهُ حَرْمَلةَ إلى الحِيرةِ لِتعلُّمِ الكِتابةِ عِندَ مَسيحيٍّ هُناكَ، وهذا ما ساهمَ فِي تَشكيلِ ثَقافَتِهِ وَمَهَّدَ لَهُ الطَّريقَ لِيكونَ كاتباً لِلحارِثِ أَبِي شَمَّر الغَسَّانِيِّ.
المُرَقِّشُ الأَكْبرُ مِنْ أَقدمِ الشُّعراءِ الجاهليّينَ، ويَرى بُروكلمان أَنَّ المُرقِّشَ مِن أَقدَمِ الشُّعراءِ الذينَ رُوِيَتْ لَهُم أَشعارٌ، لِذا جَعلهُ من أوائلِ الشُّعراءِ الجاهليينَ الذينَ تَرجَمَ لَهُمْ، وَقد وُلدَ المُرَقِّشُ الأَكْبرُ في اليمنِ وَنَشَأَ فِي العراقِ. والملاحظُ أنَّ حياتَهُ ظلَّتْ تَتوزّع على جانبينِ هُما الحربُ والحُبُّ، فَقد شَهِدَ حَربَ البَسوسِ التي طالتْ بينَ قَبيلَتِهِ وقَبيلَةِ تَغْلِبَ، وَكانَ لَهُ فِي هذهِ الحربِ كَما ذَكرَ البغداديُّ بَأْسٌ وشَجاعةٌ ونجْدةٌ وتَقدُّمٌ فِي الحربِ ونِكاية فِي العدوِّ، وكانَ أَبوهُ سَيِّدَ قَومِهِ فِي هذهِ الحَربِ، وَعمُّهُ عوفٌ وقيلَ عمرو هو مَن أَسرَ المُهلهلَ حَتَّى ماتَ فِي أَسرِهِ. وفي هذهِ الحربِ رَثى ابنَ عَمِّهِ ثَعلبةَ بنِ عوفِ بنِ مالكِ بنِ ضبيعةَ، الذي قتلَهُ المهلهلُ، وكان المُرَقِّش الأكْبر معه فأفلت، وآلى أَنْ لَا يَغسِلَ رأْسَهُ حتَّى يَقتلَ بِه، وقد برَّ بِقسمِهِ، وقالَ في ذلكَ:
أَبَأْتُ بِثَـعْـلَبَـةَ بْنِ الْخُشـا مِ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ فَزاحَ الْوَهَلْ
دَمـاً بِـدَمٍ وَتُـعَـفَّى الْكُلُومُ وَلَا يَنْـفَـعُ الْأَوَّلِينَ الْمَهَلْ
أما الحدثُ الآخرُ فِي حَياتِهِ الَّذي كانَ لهُ الأثرُ الأكبرُ عليهِ وعلى شِعرِهِ فَهو حبُّه لابْنةِ عمِّه (أسماءَ بنتِ عوفٍ)، وقد عُدَّ لِذلكَ مِنَ الشُّعراءِ المتيَّمينَ، وَرآهُ بَعضَ النُّقّادِ النُّواةَ الحَقيقيّةَ لِلحبِّ العذْرِيِّ فِي القَصيدةِ العربيَّةِ. أمَّا قِصَّتُهُ معَ أَسماءَ فقد َأوردَها صاحِبُ (الأَغانِي) فَذكرَ أَنَّ المُرقِّشَ الأَكبرَ عَشِقَ ابنَةَ عَمِّهِ أَسْماءَ بِنتِ عَوفِ بنِ مالكٍ، فَخطبَها إِلى أَبِيها؛ فَقالَ: لَا أُزوِّجُكَ حَتَّى تُعرفَ بِالبَأْسِ، وَكانَ يَعِدُهُ فيها المواعيدَ. ثُمَّ انطلقَ مُرقّشٌ إِلى مَلكٍ مِن المُلوكِ فَكانَ عِندَهُ زَماناً وَمدحَهُ فَأَجازَهُ. وَأَصابَ عَوفاً زَمانٌ شَديدٌ؛ فَأتاهُ رجلٌ مِنْ مُرادٍ أَحَدِ بَني غُطَيْفٍ، فأَرْغَبَهُ فِي المَالِ فَزوَّجَهُ أَسماءَ عَلى مائةٍ مِنَ الإِبلِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَن بَني سَعدِ بنِ مَالكٍ.
وَرَجعَ مُرقِّش، فَقال َإِخوتُهُ: لَا تُخبروهُ إِلَّا أَنَّها ماتَتْ؛ فَذَبحوا كَبْشاً وأَكَلوا لَحْمَهُ وَدَفنوا عِظامَهُ وَلَفُّوها فِي مِلْحَفَةٍ ثُمَّ قَبروها. فَلمَّا قَدمَ مُرَقّشُ عَليهم أَخبروهُ أَنَّها ماتَتْ، وأَتَوا بِهِ مَوضِعَ القبرِ؛ فَنظرَ إِليهِ وَصارَ بَعدَ ذلكَ يَعتادُهُ وَيزورُهُ. فبينا هو ذاتَ يومٍ مُضطجعٌ وقد تَغطَّى بثوبِه وابْنا أَخيهِ يَلْعبانِ بِكعبينِ لَهُما إِذْ اخْتَصما فِي كَعبٍ، فَقالَ أَحدُهما: هذا كَعبِي أَعطانِيهِ أَبي مِنَ الكَبشِ الذي دَفنوهُ وقالوا إِذا جَاءَ مُرقِّشُ أَخبرناهُ أَنَّهُ قَبرُ أَسماءَ. فلمّا عَلِمَ بِما أَخْفوهُ عَنهُ خَرَجَ يَطلُبُ المُرادِيَّ، وَأَخذَ مَعهُ وَليدةً لَهُ وَزَوْجها كَان خادِماً لِمرقِّش، وَمَضى فِي طَلَبِهِ، فَمَرضَ فِي الطَّريقِ، ونزلوا كهفاً بأَسفلِ نَجرانَ، وهيَ أَرضُ مُرادٍ، فَسَمعَ مُرقِّشُ زَوجَ الوليدةِ وَهوَ الغفليُّ يَقولُ لَها: اتْرُكيهِ، فَقد هلكَ سُقْماً وهَلكْنا مَعهُ ضُرَّاً وجُوعاً. فَجعلتْ الوليدةُ تبكي مِن ذلك؛ فقالَ لَها زَوجُها: أَطِيْعينِي، وإِلَّا فَإِنِّي تارِكُكِ وذاهبٌ. قال: وكانَ مُرقِّشُ يَكتبُ، فَلمَّا سَمِعَ قَولَ الغفليِّ للوليدةِ كتبَ مُرقِّشُ عَلى مُؤخِّرَةِ الرَّحْلِ هَذهِ الأَبياتِ:
يا صاحِـبـيَّ تَلَوَّمـا لا تَعْـجَلا إنَّ الرَّحيـلَ رَهِينُ أَنْ لا تَعْذُلا
فَـلَعَــلَّ بُطْـأَكُـمـا يُفَـرِّطُ سَيِّئـاً أَوْ يَسْـبِقُ الإِسْراعُ سَيْباً مُقْبِلا
يا راكِبـاً إِمَّا عَرَضْـتَ فَبَـلِّغَنْ أَنَسَ بْنَ سَعْـدٍ إنْ لَقِيتَ وحَرْمَلا
للّهِ دَرُّكُــمـــا ودَرُّ أَبِـيــكُــمــا إنْ أَفْلَتَ الغُفَـلِيُّ حتَّى يُقْـتَلا
منْ مُبْـلِغُ الأَقْوامِ أَنَّ مُرَقَّشـاً أَمْسَى عَلَى الْأَصْحابِ عِبْئاً مُثْقِلا
قالَ: فَانْطلقَ الغُفليُّ وامرأتُهُ حَتَّى رَجَعا إِلى أَهلِهِما، فقالا: ماتَ المُرقِّشُ. ونظرَ حَرملةُ إِلى الرَّحلِ وجَعَلَ يُقلِّبُهُ فَقرأَ الأَبياتَ، فَدعاهُما وخوَّفَهما وأَمرَهُما بَأَنْ يَصدُقاهُ فَفَعلا، فَقَتَلَهُما. وقد كانا وَصفا لَهُ الموضِعَ، فَركبَ فِي طَلبِ المُرقِّشِ حَتَّى أَتى المَكانَ، فَسألَ عَن خَبرِهِ فَعرفَ أنَّ مُرقِّشا كانَ فِي الكَهفِ ولمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى التَقَى بِراعٍ وإِذا هو راعي زَوجِ أَسماءَ. فَطلبَ مِنهُ أَنْ يُلْقِيَ خَاتَمَهُ فِي اللَّبنِ الَّذي يُرسلُهُ إِلى أَسماءَ، فَأخذَ الرَّاعي الخاتَمَ. فَلمَّا رَأَتْ أَسماءُ الخَاتَمَ عَرَفَتْهُ، فَأَخْبَرَتْ زَوجها فسارا إليهِ حتَّى طَرَقاهُ مِن لَيلتِهِما فَاحْتَملاهُ إِلى أَهلِهِما، فَماتَ عِنْدَ أَسماءَ. وقالَ قَبلَ أَنْ يَموتَ:
سَرَى لَيلاً خَيَالٌ مِنْ سُلَيمى فَأَرَّقَـنـي وَأَصْحـابـي هُجُـودُ
فَبِـتُّ أُدِيرُ أَمْرِي كُلَّ حَالٍ وَأَرْقُبُ أَهْلَهـا وَهُمُ بَعِـيدُ
عَلَى أَنْ قَدْ سَما طَرْفِي لِنارٍ يُشَبُّ لَهَا بِذِي الْأَرْطى وَقُودُ
ويتبيَّنُ في هذهِ القِصَّةِ أَثَرُ الخَيالِ وعُنصرُ التّشويقِ الذي يلجأ إليه الرُّواة، وهو ما يُجعَلُها أقربَ إلى الأسطورةِ والخيالِ، كَما يُلاحظُ أَنَّها تَلتقِي مَعَ قِصَّةِ المُهلهلِ وَعبدَيهِ، فكانتْ الأبياتُ الشِّعريَّةُ فِيها تُماثِلُ ما قِيلَ في قصّةِ المُهلهِل، مِمَّا يُثيرُ الشَّكَّ في صِحَّتِها.
توفِّي المُرَقِّش الأكْبر متيّماً بعدَ عِشقِهِ لابْنَةِ عَمِّهِ وَمُعاناتِهِ فِي البَحثِ عَنها، وكانتْ سنَةُ وفاتِهِ حوالي (75ق.هـ/550)، كما وردَ في كتاب (الأعلام) للزركليِّ وفي مُقدّمةِ تَحقيقِ دِيوانِهِ، وقد ذَهبَ لويس شيخو وجُرجي زيدان إِلى أنَّهُ تُوفِّيَ نَحوَ سَنةِ 552م الموافقة لسنة 73ق.هـ.
يُعدُّ المُرَقِّشُ الأكْبرُ مِن أَقدمِ الشُّعراءِ الذينَ وَصلَتْنا قَصائِدُهُم، ووضعَهُ ابنُ سلّامٍ الجمحيِّ ضمنَ الشُّعراءِ الأَوائلِ الذينَ بَدأَ بِهم الشِّعرُ فِي رَبيعةَ حَيثُ يقولُ: "وكانَ شعراءُ الجاهليَّةِ في ربيعةَ، أَوَّلُهم المُهلهلُ، والمُرقَّشانِ، وَسعدُ بنُ مالِكٍ، وطَرفةُ بنُ العبدِ، وعَمرو بنُ قميئةَ، والحارثُ بنُ حلزَّةَ، والمُتلمِّسُ، والأَعشَى، و المسيَّبُ بنُ عَلَس."
عدَّهُ الأَصْمعِيُّ مِنَ فُحولِ الشُّعراءِ، وَرأى ابنُ قتيبةَ أنَّهُ اسْتحدثَ بَعضَ المَعاني التي أَخذَها عَنهُ غَيرُهُ مِنَ الشُّعراءِ كما فِي قَولِهِ:
يَأْتِـي الشَّبابُ الأَقْوَرِينَ وَلَا تَـغْــبِـطْ أَخاكَ أَنْ يُقـالَ حَكَـمْ
فقد أَخذَ المعنى عَمرو بنُ قميئةَ فَقالَ:
لا تَغْبِطِ المَرْءَ أَنْ يُقالَ لَهُ أَضْحَى فُلانٌ لِسِنِّهِ حَكَما
إِنْ سَرَّهُ طُوْلُ عُمْرِهِ أَضْحَى عَلَى الوَجْهِ طُوْلَ ما سَلِما
هَلْ بِالدِّيـارِ أنْ تُجِـيـبَ صَمَـمْ لَوْ كَـانَ رَسْـمٌ نـاطِــقــاً كَـلَّمْ
"وَإنَّها عِندِي لَمِنَ المُفرداتِ".
وَهَبَ القَصائِدَ لي النَوابِغَ إِذ مَضَوا وَأَبو يَزيدَ وَذو القُروحِ وَجَروَلُ
وَالأَعشَيانِ كِلاهُما وَمُرَقِّشٌ وَأَخو قُضاعَةَ قَولُهُ يُتَمَثَّلُ
جمعَ المُفضَّلُ الضَّبيُّ فِي مُفضّلِيَّاتِهِ أَغْلبَ شِعرِ المُرَقِّشِ الأَكْبَرِ الذي وَصلَ إِلينا، فأوردَ فيها اثنتي عشرةَ قصيدةً ومقطوعةً. ونَجِدُ إشاراتٍ لِديوانِهِ الضَّائِعِ فِي كِتابِ (الأَغانِي) وَذَكَرَهُ أَيضاً أَبو العَلاءِ المَعريّ في (رِسالةِ الغُفرانِ).
للمُرقِّشِ الأكبرِ قَصيدةٌ خَرجَتْ عَلى عَروضِ الخَليلِ فِي بَعضِ أَبياتِها، وقد رأى الدُّكتور جواد عليّ ضَرورةَ "أَنْ تكونَ مَوضِعَ دراسةٍ خاصَّةٍ لما لَها مِن أَهميةٍ في تكوينِ رَأْيٍ عِلميٍّ دَقيقٍ عَن تَطوُّرِ العَروضِ فِي الجاهليَّةِ"، والمرقِّشُ كذلك وهو من أوائلِ الشُّعراءِ الذينَ استخدموا البحرَ الخَفيفَ، بِما يُشيرُ إِلى أَنَّ شِعرَهُ رُبَّما يَكونُ مَرحلةً مِنَ مراحلِ النّموِّ فِي تاريخِ الشِّعرِ العَربيِّ.
تناولَ المُرَقِّشُ الأكْبرُ في شِعرِهِ الأَغراضَ الشِّعريَّةَ مِن مَدحٍ وَرِثاءٍ وَفَخْرٍ وَحماسَةٍ، لكنَّ أَغلبَ شِعرِهِ قَالَهُ فِي حُبِّهِ لِأَسماءَ، وَوصلَنا مِن شِعرِه فِي حَربِ البَسوسِ سَبعةَ عشرَ بيتاً.
تَرى النّاقدةُ فاطمة عبد الفتّاح أنَّ غَلَبةَ القَصائدِ القَصيرَةِ عَلى شِعرِ المُرَقِّش الأكْبرِ دليلٌ عَلى عَدمِ تَكلُّفِ الشَّاعِرِ فِي نَظمِهِ، وإشارة إلى قُربِه مِن الارتِجالِ العَفْويِّ
(عبدَ الله بن أبي إسحاق ذكره ابن سلّام في طبقات فحول الشعراء).
(ابنُ قتيبة الشعر والشُّعراء).
(البغداديُّ خزانة الأدب).
(بروكلمان/ تاريخ الأدب العربي)
(كارين صادر – مُحقّقة ديوان المرقِّشَين).